صفحة جزء
ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك ، وسيادة ولده الحسن بن علي في تركه الأمر من بعده ، وإعطائه ذلك الأمر معاوية ، وتقليده إياه ما كان يتولاه ويقوم بأعبائه

قال البخاري في دلائل النبوة : حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا يحيى بن آدم ، ثنا حسين الجعفي ، عن أبي موسى ، عن الحسن ، عن أبي بكرة قال : أخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم الحسن بن علي ، فصعد به على المنبر فقال : " إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين "

وقال في كتاب الصلح : حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا سفيان ، عن أبي موسى قال : سمعت الحسن يقول : استقبل والله الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان بكتائب أمثال الجبال ، فقال عمرو بن العاص : إني لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها . فقال له معاوية - وكان والله خير الرجلين - أي عمرو ، إن [ ص: 209 ] قتل هؤلاء هؤلاء ، وهؤلاء هؤلاء ، من لي بأمور الناس؟ من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس; عبد الرحمن بن سمرة ، وعبد الله بن عامر بن كريز ، فقال : اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه ، وقولا له واطلبا إليه . فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له ، وطلبا إليه ، فقال لهما الحسن بن علي : إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال ، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها . قالا : فإنه يعرض عليك كذا وكذا ، ويطلب إليك ويسألك . قال : فمن لي بهذا؟ قالا : نحن لك به . فما سألهما شيئا إلا قالا : نحن لك به . فصالحه ، فقال الحسن : ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه ، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ، ويقول : " إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " . وقال البخاري : قال لي علي بن عبد الله : إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث .

وقد رواه البخاري أيضا في فضل الحسن وفي كتاب الفتن ، عن علي بن المديني ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي موسى ، وهو إسرائيل بن موسى . ورواه أبو داود والترمذي من حديث أشعث ، وأبو داود أيضا والنسائي من حديث علي [ ص: 210 ] بن زيد بن جدعان ، كلهم عن الحسن البصري عن أبي بكرة به ، وقال الترمذي : صحيح . وله طرق عن الحسن مرسلا ، وعن الحسن وعن أم سلمة به . وهكذا وقع الأمر كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم سواء; فإن الحسن بن علي لما صار إليه الأمر بعد أبيه وركب في جيوش أهل العراق ، وسار إليه معاوية ، فتصافا بصفين على ما ذكره الحسن البصري ، ، فمال الحسن بن علي إلى الصلح ، وخطب الناس ، وخلع نفسه من الأمر ، وسلمه إلى معاوية ، وذلك سنة أربعين ، فبايعه الأمراء من الجيشين ، واستقل بأعباء الأمة ، فسمي ذلك العام عام الجماعة ، لاجتماع الكلمة فيه على رجل واحد ، وسنورد ذلك مفصلا في موضعه إن شاء الله تعالى . وقد شهد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم للفرقتين بالإسلام ، فمن كفرهم أو واحدا منهم لمجرد ما وقع ، فقد أخطأ وخالف النص النبوي المحمدي الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، وقد تكمل بهذه السنة المدة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها مدة الخلافة المتتابعة بعده ، كما تقدم في حديث سفينة مولاه أنه قال : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا " . وفي رواية " عضوضا " . وفي رواية عن معاوية أنه قال رضينا بها ملكا

وقد قال نعيم بن حماد في كتابه " الفتن والملاحم " سمعت محمد بن [ ص: 211 ] فضيل ، عن السري بن إسماعيل ، عن عامر الشعبي ، عن سفيان بن الليل قال : سمعت الحسن بن علي يقول : سمعت عليا يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تذهب الأيام والليالي حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم ، ضخم البلعم ، يأكل ولا يشبع وهو معاوية " هكذا وقع في هذه الرواية . وفي رواية بهذا الإسناد : " لا تذهب الأيام والليالي حتى تجتمع هذه الأمة على معاوية "

وروى البيهقي من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، وهو ضعيف ، عن عبد الملك بن عمير قال : قال معاوية : والله ما حملني على الخلافة إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لي : " يا معاوية ، إن ملكت فأحسن "

ثم قال البيهقي : وله شواهد ، من ذلك حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص ، عن جده سعيد ، أن معاوية أخذ الإداوة فتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر إليه فقال : " يا معاوية ، إن وليت أمرا فاتق الله واعدل " قال معاوية : فما زلت أظن أني مبتلى بعمل ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 212 ] ومنها حديث الثوري ، عن ثور بن يزيد ، عن راشد بن سعد الداري ، عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم ، أو كدت أن تفسدهم " ثم يقول أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفعه الله بها . رواه أبو داود .

وروى البيهقي من طريق هشيم ، عن العوام بن حوشب ، عن سليمان بن أبي سليمان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخلافة بالمدينة ، والملك بالشام "

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، ثنا يحيى بن حمزة ، عن زيد بن واقد ، حدثني بسر بن عبيد الله ، حدثني أبو إدريس الخولاني ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي ، فظننت أنه مذهوب به ، فأتبعته بصري ، فعمد به إلى الشام ، ألا وإن الإيمان ، حين تقع الفتن ، بالشام "

وهاهنا رواه البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان ، عن عبد الله بن يوسف ، عن يحيى بن حمزة البتلهي به . قال البيهقي : وهذا إسناد صحيح ، وروي [ ص: 213 ] من وجه آخر .

ثم ساقه من طريق عقبة بن علقمة ، عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي ، عن عطية بن قيس ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني رأيت أن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي ، فنظرت فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام ، ألا إن الإيمان ، إذا وقعت الفتن ، بالشام "

ثم أورده البيهقي من طريق الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن يونس بن ميسرة ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكر نحوه ، إلا أنه قال : " فأتبعته بصري حتى ظننت أنه مذهوب به " . قال : " وإني أولت أن الفتن إذا وقعت ، أن الإيمان بالشام قال الوليد : وحدثني عفير بن معدان ، أنه سمع سليم بن عامر يحدث عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك .

وقال يعقوب بن سفيان : حدثني نصر بن محمد بن سليمان الحمصي ، ثنا أبي أبو ضمرة محمد بن سليمان السلمي ، حدثني عبد الله بن أبي قيس ، سمعت عمر بن الخطاب يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عمودا من نور خرج من تحت رأسي ساطعا حتى استقر بالشام " وقال عبد الرزاق : أنا معمر ، عن الزهري ، عن عبد الله بن صفوان قال : [ ص: 114 ] قال رجل يوم صفين : اللهم العن أهل الشام . فقال له علي : لا تسب أهل الشام جما غفيرا ، فإن بها الأبدال ، فإن بها الأبدال ، فإن بها الأبدال .

وقد روي من وجه آخر ، عن علي ، قال الإمام أحمد : ثنا أبو المغيرة ، ثنا صفوان ، حدثني شريح ، يعني ابن عبيد الحضرمي ، قال : ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب وهو بالعراق ، فقالوا : العنهم يا أمير المؤمنين . قال : لا ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الأبدال يكونون بالشام ، وهم أربعون رجلا ، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا ، يسقى بهم الغيث ، وينتصر بهم على الأعداء ، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب . تفرد به أحمد ، وفيه انقطاع ، فقد نص أبو حاتم الرازي على أن شريح بن عبيد هذا لم يسمع من أبي أمامة ولا من أبي مالك الأشعري ، وأن روايته عنهما مرسلة . فما ظنك بروايته عن علي بن أبي طالب ، وهو أقدم وفاة منهما؟!

التالي السابق


الخدمات العلمية