صفحة جزء
ذكر الإخبار عن وقعة الحرة التي كانت في زمن يزيد أيضا

قال يعقوب بن سفيان : حدثني إبراهيم بن المنذر ، حدثني ابن فليح ، عن أبيه ، عن أيوب بن عبد الرحمن ، عن أيوب بن بشير المعاوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في سفر من أسفاره ، فلما مر بحرة زهرة وقف فاسترجع ، فساء ذلك من معه ، وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم ، فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، [ ص: 244 ] ما الذي رأيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إن ذلك ليس من سفركم هذا " . قالوا : فما هو يا رسول الله؟ قال : " يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي . هذا مرسل .

وقد قال يعقوب بن سفيان : قال وهب بن جرير : قالت جويرية : حدثني ثور بن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة : ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها [ الأحزاب : 14 ] . قال : لأعطوها . يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة . وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ، وتفسير الصحابي في حكم المرفوع عند كثير من العلماء .

وقال نعيم بن حماد في كتاب " الفتن والملاحم " : حدثنا أبو عبد الصمد العمي ، ثنا أبو عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر ، أرأيت إن الناس قتلوا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء ، كيف أنت صانع؟ " قال : قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " تدخل بيتك " . قال : قلت : فإن أتى علي؟ قال : " تأتي من أنت منه " . قال : قلت : وأحمل السلاح؟ قال : " إذا تشرك معهم " . قال : قلت : فكيف أصنع يا رسول الله؟ قال : " إن خفت أن يبهرك شعاع السيف فألق طائفة من ردائك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه " ورواه الإمام أحمد في [ ص: 245 ] " مسنده " عن مرحوم ، هو ابن عبد العزيز ، عن أبي عمران الجوني فذكره مطولا .

قلت : وكان سبب وقعة الحرة أن وفدا من أهل المدينة قدموا على يزيد بن معاوية بدمشق ، فأكرمهم وأحسن جائزتهم ، وأطلق لأميرهم ، وهو عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر ، قريبا من مائة ألف ، فلما رجعوا ذكروا لأهليهم عن يزيد ما كان يقع منه من القبائح في شربه الخمر ، وما يتبع ذلك من الفواحش التي من أكبرها ترك الصلاة عن وقتها بسبب السكر ، فاجتمعوا على خلعه ، فخلعوه عند المنبر النبوي ، فلما بلغه ذلك بعث إليهم سرية يقدمها رجل يقال له : مسلم بن عقبة . وإنما يسميه السلف مسرف بن عقبة ، فلما ورد المدينة استباحها ثلاثة أيام ، فقتل في غبون هذه الأيام بشرا كثيرا حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها ، وزعم بعض علماء السلف أنه افتض في غبون ذلك ألف بكر . فالله أعلم .

وقال عبد الله بن وهب عن الإمام مالك : قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن . حسبت أنه قال : وكان فيهم ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذلك في خلافة يزيد .

وقال يعقوب بن سفيان سمعت سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري يقول : قتل يوم الحرة عبد الله بن يزيد المازني ، ومعقل بن سنان الأشجعي ، [ ص: 246 ] ومعاذ بن الحارث القارئ ، وقتل عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر .

قال يعقوب : وحدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث قال : وكانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين .

ثم انبعث مسرف بن عقبة إلى مكة قاصدا عبد الله بن الزبير ليقتله بها; لأنه فر من بيعة يزيد ، فمات يزيد بن معاوية في غبون ذلك ، واستفحل أمر عبد الله بن الزبير في الخلافة بالحجاز ، ثم أخذ العراق ومصر ، وبويع بعد يزيد لابنه معاوية بن يزيد ، وكان رجلا صالحا ، فلم تطل مدته; مكث أربعين يوما ، وقيل : عشرين يوما . ثم مات ، رحمه الله ، فوثب مروان بن الحكم على الشام فأخذها ، فبقي تسعة أشهر ثم مات ، وقام بعده ابنه عبد الملك بن مروان ، فنازعه فيها عمرو بن سعيد بن الأشدق ، وكان نائبا على المدينة من زمن معاوية وأيام يزيد ، ومروان ، فلما هلك مروان زعم أنه أوصى له بالأمر من بعد ابنه عبد الملك ، فضاق به ذرعا ، ولم يزل به حتى أخذه بعد ما استفحل أمره بدمشق ، فقتله في سنة تسع وستين ، ويقال : في سنة سبعين . واستمرت أيام عبد الملك حتى ظفر بابن الزبير سنة ثلاث وسبعين ، قتله الحجاج بن يوسف الثقفي عن أمره بمكة ، بعد محاصرة طويلة اقتضت أن نصب المنجنيق على الكعبة; من أجل أن ابن الزبير لجأ إلى الحرم ، فلم يزل به حتى قتله ، ثم عهد في الأمر إلى بنيه الأربعة من بعده; الوليد ، ثم سليمان ، ثم يزيد ، ثم هشام بن عبد الملك

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أسود ويحيى بن أبي بكير ، ثنا كامل [ ص: 247 ] أبو العلاء ، سمعت أبا صالح - وهو مولى ضباعة - المؤذن ، واسمه ميناء قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعوذوا بالله من رأس السبعين ، وإمارة الصبيان " . وقال : " لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع ابن لكع " . وقال الأسود : يعني اللئيم ابن اللئيم . وقد روى الترمذي من حديث كامل ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عمر أمتي من ستين إلى سبعين سنة . ثم قال : حسن غريب .

وقد روى الإمام أحمد عن عفان وعبد الصمد ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن يزيد ، حدثني من سمع أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليرتقين - وقال عبد الصمد في روايته : ليرعفن - جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا . زاد عبد الصمد : " يسيل رعافه " . قال : فحدثني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى سال رعافه . قلت : علي بن زيد بن جدعان في روايته غرابة ونكارة ، وفيه تشيع ، وعمرو بن سعيد هذا يقال له : الأشدق . كان من سادات المسلمين [ ص: 248 ] وأشرافهم رأى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وروى عن جماعة من الصحابة ، منهم في " صحيح مسلم " عن عثمان في فضل الطهور ، وكان نائبا على المدينة لمعاوية ولابنه يزيد بعده ، ثم استفحل أمره حتى كان يصاول عبد الملك بن مروان ، ثم خدعه عبد الملك حتى ظفر به ، فقتله في سنة تسع وستين ، أو سنة سبعين . فالله أعلم . وقد روي عنه من المكارم أشياء كثيرة ، من أحسنها أنه لما حضرت أباه الوفاة قال لبنيه ، وكانوا ثلاثة; عمرو هذا ، وأمية ، وموسى ، فقال لهم : من يتحمل ما علي؟ فبدر ابنه عمرو هذا وقال : أنا يا أبه ، وما عليك؟ قال : ثلاثون ألف دينار . قال : نعم . قال : وأخواتك لا تزوجهن إلا بالأكفاء ولو أكلن خبز الشعير . قال : نعم قال : وأصحابي من بعدي ، إن فقدوا وجهي فلا يفقدوا معروفي . قال : نعم . قال : أما لئن قلت ذلك فلقد كنت أعرفه من حماليق وجهك وأنت في مهدك .

وقد ذكر البيهقي من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث ، عن حرملة بن عمران ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أنه سمعه يحدث عن محمد بن يزيد بن [ ص: 249 ] أبي زياد الثقفي قال : اصطحب قيس بن خرشة وكعب حتى إذا بلغا صفين وقف كعب الأحبار . فذكر كلامه فيما يقع هناك من سفك دماء المسلمين ، وأنه يجد ذلك في التوراة ، وذكر عن قيس بن خرشة أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول بالحق . وقال : " يا قيس ، عسى أن يمد بك الدهر حتى يليك بعدي من لا تستطيع أن تقول بالحق معهم " . فقال : والله لا أبايعك على شيء إلا وفيت لك به . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا لا يضرك بشر " . فبلغ قيس إلى أيام عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان ، فنقم عليه عبيد الله في شيء ، فأحضره فقال : أنت الذي تزعم أنه لا يضرك بشر؟ قال : نعم . قال : لتعلمن اليوم أنك قد كذبت ، ائتوني بصاحب العذاب . قال : فمال قيس عند ذلك فمات .

التالي السابق


الخدمات العلمية