صفحة جزء
ذكر الإخبار عن خلفاء بني أمية جملة من جملة ، والإشارة إلى مدة دولتهم

قال يعقوب بن سفيان : ثنا أحمد بن محمد أبو محمد الأزرقي ، ثنا الزنجي - يعني مسلم بن خالد - عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رأيت في النوم بني الحكم - أو بني أبي العاص - ينزون على منبري كما تنزو القردة " قال فما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى توفي .

وقال الثوري ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أمية على منبره ، فساءه ذلك ، فأوحي إليه : إنما هي دنيا أعطوها . فقرت عينه . وهي قوله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس [ الإسراء : 60 ] . يعني بلاء للناس . علي بن زيد بن جدعان [ ص: 271 ] ضعيف ، والحديث مرسل أيضا .

وقال أبو داود الطيالسي : ثنا القاسم بن الفضل - هو الحداني - ثنا يوسف بن مازن الراسبي قال : قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية ، فقال يا مسود وجوه المؤمنين . فقال الحسن : لا تؤنبني ، رحمك الله ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بني أمية يخطبون على منبره رجلا فرجلا ، فساءه ذلك فنزلت : إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر : 1 ] . يعني نهرا في الجنة . ونزلت : إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر [ القدر : 1 - 3 ] . تملكه بنو أمية . قال القاسم : فحسبنا ذلك فإذا هو ألف شهر لا يزيد يوما ولا ينقص . وقد رواه الترمذي ، و ابن جرير الطبري ، والحاكم في " مستدركه " ، والبيهقي في " دلائل النبوة " ، كلهم من حديث القاسم بن الفضل الحداني - وقد وثقه يحيى بن سعيد القطان ، وابن مهدي - عن يوسف بن سعد ، ويقال : يوسف بن مازن [ ص: 272 ] الراسبي ، وفي رواية ابن جرير : عيسى بن مازن ، قال الترمذي : وهو رجل مجهول ، وهذا الحديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه . فقوله : إن يوسف هذا مجهول . مشكل; والظاهر أنه أراد أنه مجهول الحال ، فإنه قد روى عنه جماعة ، منهم : حماد بن سلمة ، وخالد الحذاء ، ويونس بن عبيد . وقال يحيى بن معين هو مشهور . وفي رواية عنه قال : هو ثقة . فارتفعت الجهالة عنه مطلقا .

قلت : ولكن في شهوده قضية الحسن ومعاوية نظر ، وقد يكون أرسلها عمن لا يعتمد عليه . والله أعلم . وقد سألت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي ، رحمه الله ، عن هذا الحديث فقال : هو حديث منكر .

وأما قول القاسم بن الفضل ، رحمه الله : إنه حسب دولة بني أمية ، فوجدها ألف شهر ، لا تزيد يوما ولا تنقصه . فهو غريب جدا ، وفيه نظر; وذلك لأنه لا يمكن إدخال دولة عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، وكانت ثنتي عشرة سنة ، في هذه المدة ، لا من حيث الصورة ، ولا من حيث المعنى; وذلك أنها ممدوحة; لأنه أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، الذين قضوا بالحق ، وبه كانوا يعدلون ، وهذا الحديث إنما سيق لذم دولتهم ، وفي دلالة الحديث على الذم نظر ، وذلك أنه دل على أن ليلة القدر خير من ألف شهر التي هي دولتهم ، وليلة القدر ليلة خيرة ، عظيمة المقدار والبركة ، كما وصفها الله تعالى به ، فما يلزم من تفضيلها على دولتهم ذم دولتهم ، فليتأمل هذا; فإنه دقيق يدل على أن الحديث [ ص: 273 ] في صحته نظر; لأنه إنما سيق لذم أيامهم . والله تعالى أعلم . وأما إذا أراد أن ابتداء دولتهم منذ ولي معاوية حين تسلمها من الحسن بن علي ، فقد كان ذلك سنة أربعين ، أو إحدى وأربعين . وكان يقال له : عام الجماعة . لأن الناس كلهم اجتمعوا على إمام واحد . وقد تقدم الحديث في " صحيح البخاري " ، عن أبي بكرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للحسن بن علي : إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين . فكان هذا في هذا العام ، ولله الحمد والمنة ، واستمر الأمر في أيدي بني أمية من هذه السنة إلى سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، حتى انتقل إلى بني العباس ، كما سنذكره ، ومجموع ذلك ثنتان وتسعون سنة ، وهذا لا يطابق ألف شهر; لأن معدل ألف شهر ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ، فإن قال : أنا أخرج منها ولاية ابن الزبير . وكانت تسع سنين ، فحينئذ يبقى ثلاث وثمانون سنة .

فالجواب أنه وإن خرجت ولاية ابن الزبير ، فإنه لا يكون ما بقي مطابقا لألف شهر تحديدا ، بحيث لا ينقص يوما ولا يزيده ، كما قاله ، بل يكون ذلك تقريبا ، هذا وجه . الثاني : أن ولاية ابن الزبير كانت بالحجاز والأهواز والعراق في بعض أيامه ، وفي مصر في قول ، ولم تنسلب يد بني أمية من الشام أصلا ، ولا زالت دولتهم بالكلية في ذلك الحين . الثالث : أن هذا يقتضي دخول دولة عمر بن عبد العزيز في حساب بني أمية ، ومقتضى ما ذكره أن تكون دولته مذمومة ، وهذا لا يقوله أحد من أئمة الإسلام ، وإنهم مصرحون بأنه أحد الخلفاء الراشدين حتى قرنوا أيامه تابعة لأيام الأربعة ، وحتى اختلفوا في أيهما أفضل; هو أم معاوية بن أبي سفيان أحد الصحابة؟ وقد قال أحمد بن حنبل : لا أرى قول أحد من [ ص: 274 ] التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز . فإذا علم هذا ، فإن أخرج أيامه من حسابه انخرم حسابه ، وإن أدخلها فيه مذمومة خالف الأئمة ، وهذا ما لا محيد عنه ، وكل هذا مما يدل على نكارة هذا الحديث . والله أعلم .

وقال نعيم بن حماد حدثنا سفيان ، عن العلاء بن أبي العباس ، سمع أبا الطفيل ، سمع عليا يقول : لا يزال هذا الأمر في بني أمية ما لم يختلفوا بينهم . حدثنا ابن وهب ، عن حرملة بن عمران ، عن سعيد بن سالم ، عن أبي سالم الجيشاني ، سمع عليا يقول : الأمر لهم حتى يقتلوا قتيلهم ، ويتنافسوا بينهم ، فإذا كان ذلك بعث الله عليهم أقواما من المشرق ، فقتلوهم بددا وأحصوهم عددا ، والله لا يملكون سنة إلا ملكنا سنتين ، ولا يملكون سنتين إلا ملكنا أربعا .

وقال نعيم بن حماد : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن حصين بن الوليد ، عن الأزهر بن الوليد : سمعت أم الدرداء تقول : سمعت أبا الدرداء يقول : إذا قتل الخليفة الشاب من بني أمية بين الشام والعراق مظلوما ، لم تزل طاعة [ ص: 275 ] يستخف بها ، ودم مسفوك بغير حق . يعني الوليد بن يزيد . ومثل هذه الأشياء إنما تقال عن توقيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية