صفحة جزء
ذكر الإخبار عن الأئمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش

وليسوا بالاثني عشر الذين يدعون إمامتهم الرافضة; فإن هؤلاء الذين يزعمون لم يل أمور الناس منهم إلا علي بن أبي طالب وابنه الحسن ، وآخرهم ، في زعمهم ، المهدي المنتظر ، في زعمهم ، بسرداب سامراء وليس له وجود ، ولا عين ، ولا أثر ، بل هؤلاء من الأئمة الاثني عشر المخبر عنهم في الحديث ، الأئمة الأربعة ، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، رضي الله عنهم ، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا خلاف بين الأئمة على كلا القولين لأهل السنة في تفسير الاثني [ ص: 284 ] عشر كما سنذكره بعد إيراد الحديث .

ثبت في " صحيح البخاري " من حديث شعبة ، و " مسلم " من حديث سفيان بن عيينة ، كلاهما عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون اثنا عشر خليفة " . ثم قال كلمة لم أسمعها فقلت لأبي : ما قال؟ قال : قال : " كلهم من قريش

وقال نعيم بن حماد في كتاب " الفتن والملاحم " : حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون بعدي من الخلفاء عدة أصحاب موسى وقد روي مثل هذا الحديث عن عبد الله بن عمر وحذيفة وابن عباس وكعب الأحبار من قولهم .

وقال أبو داود : حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا مروان بن معاوية ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، عن جابر بن سمرة قال سمعت : رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليهم اثنا عشر خليفة - أو : أميرا - كلهم تجتمع عليهم الأمة وسمعت كلاما من النبي صلى الله عليه وسلم لم أفهمه ، فقلت لأبي : ما يقول؟ قال : يقول : " كلهم من قريش " .

[ ص: 285 ] وقال أبو داود أيضا : حدثنا ابن نفيل ، حدثنا زهير بن معاوية ، حدثنا زياد بن خيثمة ، حدثنا الأسود بن سعيد الهمداني ، عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال هذه الأمة مستقيما أمرها ، ظاهرة على عدوها ، حتى يمضي منهم اثنا عشر خليفة ، كلهم من قريش قال : فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا : ثم يكون ماذا؟ قال : " ثم يكون الهرج " . قال البيهقي : ففي الرواية الأولى بيان العدد ، وفي الثانية بيان المراد بالعدد ، وفي الثالثة بيان وقوع الهرج وهو القتل بعدهم ، وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة ، كما أخبر في هذه الرواية ، ثم ظهر ملك العباسية ، كما أشار إليه في الباب قبله ، وإنما يزيدون على العدد المذكور في الخبر إذا تركت الصفة المذكورة فيه ، أو عد معهم من كان بعد الهرج المذكور فيه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان " . ثم ساقه من حديث عاصم بن محمد ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره .

وفي " صحيح البخاري " من طريق الزهري ، عن محمد بن جبير بن [ ص: 286 ] مطعم ، عن معاوية بن أبي سفيان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين " . قال البيهقي : أي أقاموا معالمه ، وإن قصروا هم في أعمال أنفسهم . ثم ساق أحاديث تقتضي ما ذكره في هذا . والله أعلم . فهذا الذي سلكه البيهقي وقد وافقه عليه جماعة من أن المراد بالخلفاء الاثني عشر المذكورين في هذا الحديث هم المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق ، الذي قدمنا الحديث فيه بالذم والوعيد ، فإنه مسلك فيه نظر; وبيان ذلك أن الخلفاء إلى زمن الوليد بن يزيد هذا أكثر من اثني عشر على كل تقدير نفرضه ، وبرهانه أن الخلفاء الأربعة; أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، خلافتهم محققة بنص حديث سفينة : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " . ثم بعدهم الحسن بن علي ، كما وقع ، لأن عليا أوصى إليه ، وبايعه أهل العراق ، وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام حتى اصطلح هو ومعاوية وسلمها إليه ، كما دل عليه حديث أبي بكرة في " صحيح البخاري " ، ثم معاوية ، ثم ابنه يزيد بن معاوية ، ثم ابنه معاوية بن يزيد ، ثم مروان بن الحكم ، ثم ابنه عبد الملك بن مروان ، ثم ابنه الوليد بن عبد الملك ، ثم سليمان بن عبد الملك ، ثم عمر بن عبد العزيز ، ثم يزيد بن عبد الملك ، ثم هشام بن عبد الملك ، فهؤلاء خمسة عشر ، ثم الوليد بن يزيد بن [ ص: 287 ] عبد الملك ، فإن اعتبرنا ولاية ابن الزبير قبل عبد الملك صاروا ستة عشر ، وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز ، فهذا الذي سلكه على هذا التقدير يدخل في الاثني عشر يزيد بن معاوية ، ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز ، الذي أطبق الأئمة على شكره وعلى مدحه ، وعدوه من الخلفاء الراشدين ، وأجمع الناس قاطبة على عدله ، وأن أيامه كانت من أعدل الأيام ، حتى إن الرافضة يعترفون بذلك ، فإن قال : أنا لا أعتبر في هذا إلا من اجتمعت الأمة عليه . لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالب ولا ابنه; لأن الناس لم يجتمعوا عليهما‏; وذلك أن أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، وعد حينئذ معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد ، ولم يعتد بأيام مروان ولا ابن الزبير; لأن الأمة لم تجتمع على واحد منهما ، فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عادا للخلفاء; أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم معاوية ثم يزيد ثم معاوية ثم عبد الملك ثم الوليد ثم سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد ، ثم هشام ، فهؤلاء اثنا عشر ، ثم من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق ، ولكن هذا لا يمكن أن يسلك; لأنه يلزم منه إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الاثني عشر ، وهو خلاف ما نص عليه أئمة السنة بل والشيعة ، ثم هو خلاف ما دل عليه نصا [ ص: 288 ] حديث سفينة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا عضوضا وقد ذكر سفينة تفصيل هذه الثلاثين سنة . فجمعها من خلافة الأربعة ، وقد بينا دخول خلافة الحسن - وكانت نحوا من ستة أشهر - فيها أيضا ، ثم صار الملك إلى معاوية لما سلم الأمر إليه الحسن بن علي ، وهذا الحديث فيه المنع من تسمية معاوية خليفة ، وبيان أن الخلافة قد انقطعت بعد الثلاثين سنة ، لا مطلقا ، بل انقطع تتابعها ، ولا ينفي وجود خلفاء راشدين بعد ذلك ، كما دل عليه حديث جابر بن سمرة .

وقال نعيم بن حماد : حدثنا رشدين بن سعد ، عن ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن حذيفة بن اليمان قال : يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكا من بني أمية . قيل له : خلفاء؟ قال : لا ، بل ملوك .

وقد روى البيهقي من حديث حاتم بن أبي صغيرة ، عن أبي بحر قال : كان أبو الجلد جارا لي ، فسمعته يقول ، يحلف عليه : إن هذه الأمة لن تهلك حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة ، كلهم يعمل بالهدى ودين الحق ، منهم رجلان من أهل البيت; أحدهما يعيش أربعين سنة ، والآخر ثلاثين سنة . ثم شرع البيهقي في رد ما قاله أبو الجلد بما لا يحصل به الرد ، وهذا عجيب منه ، وقد وافق أبا الجلد طائفة من العلماء ، ولعل قوله أرجح; لما ذكرنا ، وقد كان ينظر في شيء من الكتب المتقدمة .

[ ص: 289 ] وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه : إن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل ، وأنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثنى عشر عظيما . قال شيخنا العلامة أبو العباس ابن تيمية : وهؤلاء هم المبشر بهم في حديث جابر بن سمرة . وقرر أنهم يكونون مفرقين في الأمة ، ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا . قال : وغلط كثير ممن تشرف بالإسلام من اليهود فظنوا أنهم الذين تدعو إليهم فرقة الرافضة ، فاتبعوهم .

وقد قال نعيم بن حماد حدثنا ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن أبي المنهال ، عن أبي زياد بن كعب قال : إن الله وهب لإسماعيل من صلبه اثني عشر قيما ، أفضلهم وخيرهم أبو بكر وعمر وعثمان .

وقال نعيم : حدثنا ضمرة‏ ، عن ابن شوذب ، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : ليس من الخلفاء من لم يملك المسجدين; المسجد الحرام ومسجد بيت المقدس .

التالي السابق


الخدمات العلمية