صفحة جزء
قصة أخرى .

قال الحسن بن عرفة : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي سبرة النخعي قال : أقبل رجل من اليمن ، فلما كان في بعض الطريق نفق حماره ، فقام فتوضأ ، ثم صلى ركعتين ، ثم قال : اللهم إني جئت [ ص: 393 ] من الدثينة مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك ، وأنا أشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور ، لا تجعل لأحد علي اليوم منة ، أطلب إليك اليوم أن تبعث حماري . فقام الحمار ينفض أذنيه . قال البيهقي : هذا إسناد صحيح . ومثل هذا يكون كرامة لصاحب الشريعة . قال البيهقي : وكذلك رواه محمد بن يحيى الذهلي ، وغيره عن محمد بن عبيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي . وكأنه عند إسماعيل من الوجهين . والله أعلم .

قلت : كذلك رواه ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل ، عن الشعبي فذكره . قال الشعبي : فأنا رأيت الحمار بيع أو يباع في الكناسة . يعني بالكوفة ، وقد أوردها ابن أبي الدنيا من وجه آخر ، وأن ذلك كان في زمن عمر بن الخطاب ، وقد قال بعض قومه في ذلك :


ومنا الذي أحيا الإله حماره وقد مات منه كل عضو ومفصل

وأما قصة زيد بن خارجة وكلامه بعد الموت ، وشهادته للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان بالصدق ، فمشهورة مروية من وجوه كثيرة صحيحة . قال البخاري في " التاريخ الكبير " : زيد بن خارجة الخزرجي الأنصاري شهد بدرا ، وتوفي زمن عثمان ، وهو الذي تكلم بعد الموت . وروى الحاكم في " مستدركه " والبيهقي في " دلائله " وصححه ، كما تقدم من طريق [ ص: 394 ] القعنبي ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سعيد بن المسيب أن زيد بن خارجة الأنصاري ، ثم من بني الحارث بن الخزرج ، توفي زمن عثمان بن عفان فسجي في ثوبه ، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره ، ثم تكلم ثم قال : أحمد أحمد في الكتاب الأول ، صدق صدق أبو بكر الضعيف في نفسه ، القوي في أمر الله ، في الكتاب الأول ، صدق صدق ، عمر بن الخطاب القوي الأمين ، في الكتاب الأول ، صدق صدق ، عثمان بن عفان على منهاجهم ، مضت أربع وبقيت ثنتان ، أتت الفتن وأكل الشديد الضعيف ، وقامت الساعة ، وسيأتيكم عن جيشكم خبر بئر أريس ، وما بئر أريس . قال يحيى بن سعيد : قال سعيد بن المسيب : ثم هلك رجل من بني خطمة فسجي بثوبه ، فسمع جلجلة في صدره ، ثم تكلم فقال : إن أخا بني الحارث بن الخزرج صدق صدق . ورواه ابن أبي الدنيا والبيهقي أيضا من وجه آخر بأبسط من هذا وأطول ، وصححه البيهقي . قال : وقد روي في التكلم بعد الموت ، عن جماعة بأسانيد صحيحة . والله أعلم .

قلت : قد ذكرت في قصة شاة جابر يوم الخندق وأكل الألف منها ومن قليل شعير ، ما تقدم . وقد أورد الحافظ محمد بن المنذر المعروف ب " شكر " [ ص: 395 ] في كتابه " الغرائب والعجائب " بسنده ، كما سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع عظامها ، ثم دعا الله تعالى فعادت كما كانت فتركها في منزلهم . والله أعلم .

قال شيخنا : ومن معجزات عيسى الإبراء من الجنون ، وقد أبرأ النبي صلى الله عليه وسلم . يعني من ذلك . هذا آخر ما وجدته مما حكيناه عنه . فأما إبراء عيسى من الجنون ، فما أعرف فيه نقلا خاصا ، وإنما كان يبرئ الأكمه والأبرص ، والظاهر : ومن جميع العاهات والأمراض المزمنة .

وأما إبراء النبي صلى الله عليه وسلم من الجنون ، فقد روى الإمام أحمد والحافظ البيهقي من غير وجه ، عن يعلى بن مرة ، أن امرأة أتت بابن لها صغير به لمم ، ما رأيت لمما أشد منه ، فقالت : يا رسول الله ، ابني هذا كما ترى أصابه بلاء ، وأصابنا منه بلاء ، يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ناولينيه " . فرفعته إليه فجعلته بينه وبين واسطة الرحل ، ثم فغر فاه ونفث فيه ثلاثا ، وقال : " بسم الله ، أنا عبد الله ، اخسأ عدو الله " . ثم ناولها إياه . فذكرت أنه برأ من ساعته وما رابهم منه شيء بعد ذلك .

[ ص: 396 ] وقال أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن فرقد السبخي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن به لمما ، وإنه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا . قال : فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ، ودعا له ، فثع ثعة ، فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى . غريب من هذا الوجه ، وفرقد فيه كلام ، وإن كان من زهاد البصرة ، لكن ما تقدم له شاهد ، وإن كانت القصة واحدة . والله أعلم .

وروى البزار من طريق فرقد أيضا ، عن سعيد ، عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فجاءته امرأة من الأنصار فقالت : يا رسول الله ، إن هذا الخبيث قد غلبني . فقال لها : " إن تصبري على ما أنت عليه تجيئي يوم القيامة ليس عليك ذنوب ، ولا حساب " . فقالت : والذي بعثك بالحق لأصبرن حتى ألقى الله . ثم قالت : إني أخاف الخبيث أن يجردني . فدعا لها ، وكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتعلق بها ، وتقول له : اخسأ . فيذهب عنها .

وهذا دليل على أن فرقدا قد حفظ ، فإن هذا له شاهد في " صحيح البخاري ومسلم " من حديث عطاء بن أبي رباح قال : قال لي ابن عباس : ألا [ ص: 397 ] أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : بلى . قال : هذه السوداء ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع وأتكشف ، فادع الله لي . قال : " إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك " . قالت : لا ، بل أصبر ، فادع الله أن لا أتكشف . قال : فدعا لها فكانت لا تنكشف .

ثم قال البخاري : حدثنا محمد ، حدثنا مخلد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء أنه رأى أم زفر تلك ، امرأة طويلة سوداء ، على ستر الكعبة . وذكر الحافظ بن الأثير في كتابه " الغابة في أسماء الصحابة " أن أم زفر هذه كانت ماشطة لخديجة بنت خويلد ، وأنها عمرت حتى رآها عطاء بن أبي رباح ، رحمهما الله تعالى .

وأما إبراء عيسى الأكمه ، وهو الذي يولد أعمى ، وقيل : هو الذي لا يبصر في النهار ويبصر في الليل ، وقيل غير ذلك ، كما بسطنا ذلك في " التفسير " والأبرص الذي به بهق ، فقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد عين قتادة بن النعمان إلى موضعها بعد ما سالت على خده ، فأخذها في " يده الكريمة " وأعادها إلى مقرها فاستمرت بجمالها وبصرها ، وكانت أحسن عينيه ، رضي الله عنه ، وصلى الله عليه وسلم ، كما ذكر ذلك محمد بن إسحاق بن يسار في " السيرة " وغيره ، وكذلك بسطناه ثم ، ولله الحمد والمنة ، وقد دخل بعض ولده ، وهو [ ص: 398 ] عاصم بن عمر بن قتادة ، على عمر بن عبد العزيز فسأل عنه فأنشأ يقول :


أنا ابن الذي سالت على الخد عينه     فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فعادت كما كانت لأول أمرها     فيا حسن ما عين ويا حسن ما خد

فقال عمر بن عبد العزيز :


تلك المكارم لا قعبان من لبن     شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

ثم أجازه فأحسن جائزته . وقد روى الدارقطني أن عينيه أصيبتا معا حتى سالتا على خديه ، فردهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكانهما . والمشهور الأول ، كما ذكر ابن إسحاق وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية