صفحة جزء
[ ص: 653 ] وقعة أجنادين .

وذلك أنه سار بجيشه وعلى ميمنته ابنه عبد الله بن عمرو ، وعلى ميسرته جنادة بن تميم المالكي ; من بني مالك بن كنانة ، ومعه شرحبيل ابن حسنة ، واستخلف على الأردن أبا الأعور السلمي ، فلما وصل إلى الرملة وجد عندها جمعا من الروم عليهم الأرطبون ، وكان أدهى الروم وأبعدها غورا ، وأنكاها فعلا ، وقد كان وضع بالرملة جندا عظيما وبإيلياء جندا عظيما ، فكتب عمرو إلى عمر بالخبر ، فلما جاءه كتاب عمرو قال : قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب ، فانظروا عما تنفرج . وبعث عمرو بن العاص علقمة بن حكيم الفراسي ، ومسروق بن فلان العكي على قتال أهل إيلياء ، وأبا أيوب المالكي إلى الرملة وعليها التذارق ، فكانوا بإزائهم ; ليشغلوهم عن عمرو بن العاص وجيشه ، وجعل عمرو كلما قدم عليه أمداد من جهة عمر يبعث منهم طائفة إلى هؤلاء وطائفة إلى هؤلاء ، وأقام عمرو على أجنادين لا يقدر من الأرطبون على سقطة ولا تشفيه الرسل ، فوليه بنفسه ، فدخل عليه كأنه رسول ، فأبلغه ما يريد وسمع كلامه وتأمل حصونه حتى عرف ما أراد ، وقال الأرطبون في نفسه : والله إن هذا لعمرو ، أو إنه الذي يأخذ عمرو برأيه ، وما كنت لأصيب القوم بأمر هو أعظم من قتله . فدعا حرسيا فساره فأمره بقتله . فقال : اذهب فقم في مكان كذا وكذا ، فإذا مر بك فاقتله . ففطن عمرو بن العاص ، فقال للأرطبون : أيها [ ص: 654 ] الأمير ، إني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي ، وإني واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب ; لنكون مع هذا الوالي ؛ لنشهد أموره ، وقد أحببت أن آتيك بهم ; ليسمعوا كلامك ، ويروا ما رأيت . فقال الأرطبون : نعم ، فاذهب فائتني بهم . ودعا رجلا فساره فقال : اذهب إلى فلان فرده . وقام عمرو فذهب إلى جيشه ، ثم تحقق الأرطبون أنه عمرو بن العاص . فقال : خدعني الرجل ، هذا والله أدهى العرب . وبلغت عمر بن الخطاب فقال : غلبه عمرو ، لله در عمرو . ثم ناهضه عمرو ، فاقتتلوا بأجنادين قتالا عظيما كقتال اليرموك حتى كثرت القتلى بينهم ، ثم اجتمعت بقية الجيوش إلى عمرو بن العاص ، وذلك حين أعياهم صاحب إيلياء وتحصن منهم بالبلد ، وكثر جيشه ، فكتب أرطبون إلى عمرو بأنك صديقي ونظيري ، أنت في قومك مثلي في قومي ، والله لا تفتح من فلسطين شيئا بعد أجنادين ، فارجع ولا تغر ; فتلقى مثل ما لقي الذي قبلك من الهزيمة . فدعا عمرو رجلا يتكلم بالرومية فبعثه إلى أرطبون وقال : اسمع ما يقول لك ، ثم ارجع فأخبرني . وكتب إليه معه : جاءني كتابك وأنت نظيري ومثلي في قومك ، لو أخطأتك خصلة تجاهلت فضيلتي ، وقد علمت أني صاحب فتح هذه البلاد ، واقرأ كتابي هذا بمحضر من أصحابك ووزرائك . فلما وصله الكتاب جمع وزراءه ، وقرأ عليهم الكتاب ، فقالوا للأرطبون : من أين علمت أنه ليس بصاحب فتح هذه البلاد ؟ فقال : صاحبها رجل اسمه على ثلاثة أحرف . فرجع الرسول إلى عمرو فأخبره بما قال ، فكتب [ ص: 655 ] عمرو إلى عمر يستمده ويقول له : إني أعالج حربا كئودا صدوما ، وبلادا ادخرت لك ، فرأيك . فلما وصل الكتاب إلى عمر علم أن عمرا لم يقل ذلك إلا لأمر علمه ، فعزم عمر على الدخول إلى الشام لفتح بيت المقدس كما سنذكر تفصيله .

قال سيف بن عمر عن شيوخه : وقد دخل عمر الشام أربع مرات ; الأولى كان راكبا فرسا حين فتح بيت المقدس ، والثانية على بعير ، والثالثة وصل إلى سرع ، ثم رجع لأجل ما وقع بالشام من الوباء ، والرابعة دخلها على حمار . هكذا نقله ابن جرير عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية