صفحة جزء
[ ص: 232 ] سنة ثلاثين من الهجرة النبوية

فيها افتتح سعيد بن العاص طبرستان في قول الواقدي وأبي معشر والمدائني ، وقال : هو أول من غزاها . وزعم سيف أنهم كانوا صالحوا سويد بن مقرن قبل ذلك على أن لا يغزوها على مال بذله له إصبهبذها . فالله أعلم . فذكر المدائني أن سعيد بن العاص ركب في جيش فيه الحسن والحسين والعبادلة الأربعة وحذيفة بن اليمان ، في خلق من الصحابة ، فسار بهم فمر على بلدان شتى ، فصالحوه على أموال جزيلة ، حتى انتهى إلى بلد بمعاملة جرجان تسمى طميسة على ساحل البحر ، فقاتلوه حتى احتاجوا إلى صلاة الخوف ، فسأل حذيفة : كيف صلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ فأخبره ، فصلى كما أخبره ، ثم سأله أهل ذلك الحصن الأمان ، فأعطاهم على أن لا يقتل منهم رجلا واحدا ، ففتحوا الحصن فقتلهم إلا رجلا واحدا ، واحتوى على ما كان في الحصن ، فأصاب رجل من بني نهد سفطا مقفولا فاستدعى به سعيد ، ففتحوه فإذا فيه خرقة سوداء مدرجة ، فنشروها فإذا فيها خرقة حمراء ، فنشروها ، وإذا داخلها خرقة صفراء ، وفيها أيران كميت وورد . فقال شاعر يهجو بهما بني نهد :

[ ص: 233 ]

آب الكرام بالسبايا غنيمة وفاز بنو نهد بأيرين في سفط     كميت وورد وافرين كلاهما
فظنوهما غنما فناهيك من غلط

قالوا : ثم نقض أهل جرجان ما كان صالحهم عليه سعيد بن العاص ، وامتنعوا عن أداء المال الذي ضربه عليهم - وكان مائة ألف دينار . وقيل : مائتي ألف دينار ، وقيل : ثلاثمائة ألف دينار - ثم رده عليهم يزيد بن المهلب بعد ذلك ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى .

وفي هذه السنة عزل عثمان بن عفان الوليد بن عقبة عن الكوفة ، وولى عليها سعيد بن العاص ، وكان سبب عزله أنه صلى بأهل الكوفة الصبح أربعا ، ثم التفت فقال : أزيدكم ؟ فقال قائل : ما زلنا منك منذ اليوم في زيادة . ثم إنه تصدى له جماعة يقال كان بينهم وبينه شنآن ، فشكوه إلى عثمان ، وشهد بعضهم عليه أنه شرب الخمر ، وشهد الآخر أنه رآه يتقيؤها ، فأمر عثمان بإحضاره وأمر بجلده - فيقال : إن عليا نزع عنه حلته ، وإن سعيد بن العاص جلده بين يدي عثمان بن عفان - وعزله وأمر مكانه على الكوفة سعيد بن العاص .

وفي هذه السنة سقط خاتم النبي ، صلى الله عليه وسلم ، من يد عثمان في بئر أريس ، وهي على ميلين من المدينة ، وهي من أقل الآبار ماء ، فلم يدرك خبره بعد بذل مال جزيل ، والاجتهاد في طلبه ، حتى الساعة ، فاستخلف عثمان بعده خاتما من فضة ، ونقش عليه : محمد رسول الله . فلما قتل عثمان ذهب الخاتم فلا يدرى من أخذه .

وقد روى ابن جرير هاهنا حديثا طويلا في اتخاذ النبي ، صلى الله عليه وسلم ، خاتما من [ ص: 234 ] ذهب ، ثم من فضة ، وبعثه عمر بن الخطاب إلى كسرى ، ثم دحية إلى قيصر ، وأن الخاتم كان في يد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ثم في يد أبي بكر ، ثم في يد عمر ، ثم في يد عثمان ست سنين ، ثم إنه وقع في بئر أريس ، وقد تقدم بعض هذا في " الصحيح " .

وفي هذه السنة وقع بين معاوية وأبي ذر بالشام ، وذلك أن أبا ذر أنكر على معاوية بعض الأمور ، وكان ينكر على من يقتني مالا من الأغنياء ، ويمنع أن يدخر فوق القوت ، ويوجب أن يتصدق بالفضل ، ويتأول قول الله سبحانه وتعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم [ التوبة : 34 ] . فينهاه معاوية عن إشاعة ذلك فلا يمتنع ، فبعث يشكوه إلى عثمان ، فكتب عثمان إلى أبي ذر أن يقدم عليه المدينة ، فقدمها ، فلامه عثمان على بعض ما صدر منه ، واسترجعه فلم يرجع ، فأمره بالمقام بالربذة - وهي شرقي المدينة - ويقال : إنه سأل عثمان أن يقيم بها ، وقال : إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال لي : إذا بلغ البناء سلعا فاخرج منها . وقد بلغ البناء سلعا ، فأذن له عثمان بالمقام بالربذة ، وأمره أن يتعاهد المدينة في بعض الأحيان حتى لا يرتد أعرابيا بعد هجرته ، ففعل فلم يزل مقيما بها حتى مات ، على ما سنذكره ، رضي الله عنه .

وفي هذه السنة زاد عثمان النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء .

التالي السابق


الخدمات العلمية