صفحة جزء
[ ص: 389 ] فصل

المشهور أن عزيرا نبي من أنبياء بني إسرائيل وأنه كان فيما بين داود وسليمان ، وبين زكريا ويحيى ، وأنه لما لم يبق في بني إسرائيل من يحفظ التوراة ألهمه الله حفظها ، فسردها على بني إسرائيل ، كما قال وهب بن منبه : أمر الله ملكا فنزل بمغرفة من نور فقذفها في في عزير فنسخ التوراة حرفا بحرف ، حتى فرغ منها .

وروى ابن عساكر ، عن ابن عباس أنه سأل عبد الله بن سلام عن قول الله تعالى : وقالت اليهود عزير ابن الله [ التوبة : 30 ] . لم قالوا ذلك ؟ فذكر له ابن سلام ما كان من كتبه لبني إسرائيل التوراة من حفظه ، وقول بني إسرائيل : لم يستطع موسى أن يأتينا بالتوراة إلا في كتاب ، وإن عزيرا قد جاءنا بها من غير كتاب . فرماه طوائف منهم ، وقالوا : عزير ابن الله .

ولهذا يقول كثير من العلماء : إن تواتر التوراة انقطع في زمن العزير . وهذا متجه جدا إذا كان العزيز غير نبي ، كما قاله عطاء بن أبي رباح ، والحسن البصري ، فيما رواه إسحاق بن بشر عن مقاتل بن سليمان ، عن عطاء وعن [ ص: 390 ] عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه ومقاتل ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : كان في الفترة تسعة أشياء : بخت نصر وجنة صنعاء ، وجنة سبأ ، وأصحاب الأخدود وأمر حاصورا ، وأصحاب الكهف ، وأصحاب الفيل ، ومدينة أنطاكية ، وأمر تبع .

وقال إسحاق بن بشر : أنبأنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال : كان أمر عزير وبخت نصر في الفترة . وقد ثبت في " الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أولى الناس بابن مريم لأنا ، إنه ليس بيني وبينه نبي وقال وهب بن منبه : كان فيما بين سليمان وعيسى ، عليهما السلام .

وقد روى ابن عساكر ، عن أنس بن مالك ، وعطاء بن السائب أن عزيرا كان في زمن موسى بن عمران وأنه استأذن عليه ، فلم يأذن له - يعني لما كان من سؤاله عن القدر - وأنه انصرف وهو يقول : مائة موتة أهون من ذل ساعة . وفي معنى قول عزير : مائة موتة أهون من ذل ساعة . قول بعض الشعراء :

قد يصبر الحر على السيف ويأنف الصبر على الحيف     ويؤثر الموت على حالة
يعجز فيها عن قرى الضيف



[ ص: 391 ] فأما ما روى ابن عساكر وغيره ، عن ابن عباس ، ونوف البكالي وسفيان الثوري ، وغيرهم ، من أنه سأل عن القدر ، فمحي اسمه من ذكر الأنبياء - فهو منكر ، وفي صحته نظر ، وكأنه مأخوذ عن الإسرائيليات . وقد روى عبد الرزاق ، وقتيبة بن سعيد ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجوني ، عن نوف البكالي قال : قال عزير فيما يناجي ربه : يا رب ، تخلق خلقا ، فتضل من تشاء وتهدي من تشاء . فقيل له : أعرض عن هذا . فعاد فقيل له : لتعرضن عن هذا أو لأمحون اسمك من الأنبياء ، إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون . وهذا يقتضي وقوع ما توعد عليه لو عاد ، فما عاد ، فما محي اسمه . والله أعلم .

وقد روى الجماعة سوى الترمذي ، من حديث يونس بن يزيد عن الزهري ، عن سعيد ، وأبي سلمة عن أبي هريرة وكذلك رواه شعيب عن أبي الزناد ، عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نزل نبي [ ص: 392 ] من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة ، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ، ثم أمر بها فأحرقت بالنار ، فأوحى الله إليه : فهلا نملة واحدة فروى إسحاق بن بشر ، عن ابن جريج ، عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه ، أنه عزير . وكذا روي عن ابن عباس والحسن البصري أنه عزير . فالله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية