صفحة جزء
[ ص: 592 ] ولنذكر الآن ما ورد فيهم من الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ،

الحديث الأول عن علي ، رضي الله عنه ، رواه عنه زيد بن وهب ، وسويد بن غفلة ، وطارق بن زياد ، وعبد الله بن شداد ، وعبيد الله بن أبي رافع ، وعبيدة بن عمرو السلماني ، وكليب أبو عاصم ، وأبو كثير ، وأبو مريم ، وأبو موسى ، وأبو وائل ، وأبو الوضيء ، فهذه اثنا عشرة طريقا إليه ، ستراها بأسانيدها وألفاظها ، ومثل هذا يبلغ حد التواتر .

الطريق الأولى : قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل : ثنا أبو يوسف ، أنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سلمة بن كهيل ، عن زيد بن وهب قال : لما خرجت الخوارج بالنهروان ، قام علي في أصحابه فقال : إن هؤلاء القوم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا على سرح الناس ، وهم أقرب العدو إليكم ، فإن تسيروا إلى عدوكم ، فإنا نخاف أن يخلفكم هؤلاء في أعقابكم ، إني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : تخرج خارجة من أمتي ليس صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ، ولا قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ، يقرأون [ ص: 593 ] القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم ، لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية . وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد وليس لها ذراع ، عليها مثل حلمة الثدي ، عليها شعرات بيض ، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما لهم على لسان نبيهم لاتكلوا على العمل ، فسيروا على اسم الله . وذكر الحديث بطوله . هكذا رواه عبد الله بن أحمد إلى هنا .

قال مسلم بن الحجاج في " صحيحه " : حدثنا عبد بن حميد ، ثنا عبد الرزاق بن همام ، ثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، ثنا سلمة بن كهيل ، حدثني زيد بن وهب الجهني ، أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي ، رضي الله عنه ، الذين ساروا إلى الخوارج ، فقال علي ، رضي الله عنه : يا أيها الناس ، إني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية . لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم ، صلى الله عليه وسلم ، لاتكلوا على العمل ، وآية [ ص: 594 ] ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع ، على رأس عضده مثل حلمة الثدي ، عليه شعرات بيض ، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم ، والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا في سرح الناس ، فسيروا على اسم الله .

قال سلمة : فنزلني زيد بن وهب منزلا منزلا ، حتى قال : مررنا على قنطرة . فلما التقينا ، وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي ، فقال لهم : ألقوا الرماح ، وسلوا سيوفكم من جفونها ، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء . فرجعوا فوحشوا برماحهم ، وسلوا السيوف ، فشجرهم الناس برماحهم . قال : وقتل بعضهم على بعض ، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان ، قال علي ، رضي الله عنه : التمسوا فيهم المخدج . فالتمسوه فلم يجدوه ، فقام علي ، رضي الله عنه ، بنفسه حتى أتى ناسا [ ص: 595 ] قد قتل بعضهم على بعض ، فقال : أخروهم . فوجدوه مما يلي الأرض ، فكبر ، قال : صدق الله ، وبلغ رسوله . قال : فقام إليه عبيدة السلماني فقال : يا أمير المؤمنين ، آلله الذي لا إله إلا هو ، لسمعت هذا من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : إي والله الذي لا إله إلا هو ، فاستحلفه ثلاثا ، وهو يحلف له . هذا لفظ مسلم . وقد رواه أبو داود ، عن الحسن بن علي الخلال ، عن عبد الرزاق ، بنحوه .

طريق أخرى عن علي : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، ثنا الأعمش وعبد الرحمن ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، عن سويد بن غفلة قال : قال علي ، رضي الله عنه ، إذا حدثتكم عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه ، وإذا حدثتكم فيما بينى وبينكم فإن الحرب خدعة ، سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يخرج قوم في آخر الزمان [ ص: 596 ] أحداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من قول خير البرية ، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، قال عبد الرحمن : لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم ; فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله ، عز وجل ، يوم القيامة . وأخرجاه في " الصحيحين " من طرق ، عن الأعمش به .

طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم ، وحدثنا الوليد بن القاسم الهمداني ، ثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن عبد الأعلى ، عن طارق بن زياد قال : سار علي إلى النهروان - قال الوليد في روايته : وخرجنا معه - فقتل الخوارج ، فقال : اطلبوا المخدج ; فإن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : سيجيء قوم يتكلمون بكلمة الحق لا تجاوز حلوقهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، سيماهم ، أو فيهم ، رجل أسود مخدج اليد ، في يده شعرات سود . إن كان فيهم فقد قتلتم شر الناس ، وإن لم يكن فيهم فقد قتلتم خير الناس . قال الوليد في روايته : فبكينا . قال : ثم إنا وجدنا المخدج . قال : فخررنا سجودا ، وخر علي ساجدا معنا . تفرد به أحمد من هذا الوجه .

[ ص: 597 ] طريق أخرى : رواه عبد الله بن شداد ، عن علي ، كما تقدم قريبا إيراده بطوله .

طريق أخرى : عن علي ، رضي الله عنه : قال مسلم : حدثني أبو الطاهر ويونس بن عبد الأعلى ، قالا : أنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، عن بشر بن سعيد ، عن عبيد الله بن أبي رافع ; مولى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أن الحرورية لما خرجت ، وهو مع علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قالوا : لا حكم إلا لله . قال علي : كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله ، صلى الله وعليه وسلم ، وصف ناسا ، إني لأعرف صفتهم في هؤلاء " يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم ، وأشار إلى حلقه ، من أبغض خلق الله إليه ، منهم أسود إحدى يديه طبي شاة ، أو حلمة ثدي " . فلما قتلهم علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : انظروا . فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال : ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كذبت . مرتين أو ثلاثا ، ثم وجدوه في خربة ، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه ، قال عبيد الله : وأنا حاضر ذلك من أمرهم ، [ ص: 598 ] وقول علي فيهم . زاد يونس في روايته : قال بكير : وحدثني رجل ، عن ابن حنين ، أنه قال : رأيت ذلك الأسود . تفرد به مسلم .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا إسماعيل ، ثنا أيوب ، عن محمد ، عن عبيدة ، عن علي قال : ذكر الخوارج ، فقال : فيهم مخدج اليد ، أو مثدون اليد ، أو قال : مودن اليد ، لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد ، صلى الله عليه وسلم . قال عبيدة : قلت : أنت سمعته من محمد ، صلى الله عليه وسلم . قال : إي ورب الكعبة ، إي ورب الكعبة ، إي ورب الكعبة .

وقال أحمد : ثنا وكيع ، ثنا جرير بن حازم وأبو عمرو بن العلاء ، عن ابن سيرين ، سمعاه عن عبيدة ، عن علي قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : يخرج قوم فيهم رجل مودن اليد ، أو مثدون اليد ، أو مخدج اليد ، ولولا أن تبطروا لأنبأتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان نبيه ، صلى الله عليه وسلم . قال عبيدة : قلت لعلي : أنت سمعته من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إي ورب الكعبة إي ورب الكعبة ، إي ورب الكعبة .

وقال أحمد : ثنا يزيد ، ثنا هشام ، عن محمد ، عن عبيدة قال : قال علي [ ص: 599 ] لأهل النهروان : فيهم رجل مثدون اليد ، أو مودن اليد ، أو مخدج اليد ، ولولا أن تبطروا لأخبرتكم ما قضى الله على لسان نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، لمن قتلهم . قال عبيدة : فقلت لعلي : أنت سمعته ؟ قال : إي ورب الكعبة . يحلف عليها ثلاثا .

وقال أحمد : ثنا ابن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن محمد قال : قال عبيدة : لا أحدثك إلا ما سمعت منه . قال محمد : فحلف لنا عبيدة ثلاث مرات ، وحلف له علي ، قال : قال : لولا أن تبطروا لأنبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد ، صلى الله عليه وسلم . قال : قلت : أنت سمعته ؟ قال : إي ورب الكعبة ، إي ورب الكعبة ، إي ورب الكعبة ، فيهم رجل مخدج اليد ، أو مثدون اليد ، أحسبه قال : أو مودن اليد .

وقد رواه مسلم ، من حديث إسماعيل بن علية ، وحماد بن زيد ، كلاهما عن أيوب ، وعن محمد بن المثنى ، عن ابن أبي عدي ، عن ابن عون ، كلاهما عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي .

وقد ذكرناه من طرق متعددة تفيد القطع عند كثيرين ، عن محمد بن [ ص: 600 ] سيرين ، وقد حلف أنه سمعه من عبيدة ، وحلف عبيدة أنه سمعه من علي ، وحلف علي أنه سمعه من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وقد قال علي : لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أكذب على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

طريق أخرى : قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل : حدثني إسماعيل أبو معمر ، ثنا عبد الله بن إدريس ، ثنا عاصم بن كليب ، عن أبيه قال : كنت جالسا عند علي ، إذ دخل رجل عليه ثياب السفر ، فاستأذن على علي وهو يكلم الناس ، فشغل عنه فقال علي : إني دخلت على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وعنده عائشة فقال لي : " كيف أنت وقوم كذا وكذا ؟ " . فقلت : الله ورسوله أعلم . قال : فقال : " قوم يخرجون من قبل المشرق ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فيهم رجل مخدج اليد ، كأن يده ثدي حبشية " . أنشدكم بالله ، هل أخبرتكم أنه فيهم ؟ فذكر الحديث بطوله .

ثم رواه عبد الله بن أحمد ، عن أبي خيثمة زهير بن حرب ، عن القاسم بن مالك ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن علي فذكر نحوه ، وإسناده [ ص: 601 ] جيد ، ولم يخرجوه .

طريق أخرى : قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي : أخبرنا أبو القاسم الأزهري ، أنا علي بن عبد الرحمن البكائي ، أنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، أنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، أنا خالد بن عبد الله ، عن عطاء بن السائب ، عن ميسرة قال : قال أبو جحيفة : قال علي حين فرغنا من الحرورية : إن فيهم رجلا مخدجا ليس في عضده عظم ، ثم عضده كحلمة الثدي ; عليها شعرات - طوال عقف . فالتمسوه فلم يجدوه ، قال : فما رأيت عليا جزع جزعا أشد من جزعه يومئذ . فقالوا : ما نجده يا أمير المؤمنين . فقال : ويلكم ، ما اسم هذا المكان ؟ قالوا :النهروان . قال : كذبتم إنه لفيهم . فثورنا القتلى فلم نجده ، فعدنا إليه ، فقلنا : يا أمير المؤمنين ، ما وجدناه . قال : ما اسم هذا المكان ؟ قلنا : النهروان . قال : صدق الله ورسوله وكذبتم ، إنه لفيهم ، فالتمسوه . فالتمسناه فوجدناه في ساقية ، فجئنا به فنظرت إلى عضده ; ليس فيها عظم ، وعليها كحلمة ثدي المرأة ، عليها شعرات طوال عقف .

طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، ثنا [ ص: 602 ] إسماعيل بن مسلم العبدي ، ثنا أبو كثير مولى الأنصار قال : كنت مع سيدي مع علي بن أبي طالب حيث قتل أهل النهروان ، فكأن الناس وجدوا في أنفسهم من قتلهم ، فقال علي : يا أيها الناس ، إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قد حدثنا بأقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يرجعون فيه أبدا ، حتى يرجع السهم على فوقه ، وإن آية ذلك أن فيهم رجلا أسود مخدج اليد ، إحدى يديه كثدي المرأة ، لها حلمة كحلمة ثدي المرأة ، حوله سبع هلبات ، فالتمسوه فإني أراه فيهم . فالتمسوه ، فوجدوه إلى شفير النهر تحت القتلى ، فأخرجوه فكبر علي ، فقال : الله أكبر صدق الله ورسوله . وإنه لمتقلد قوسا له عربية ، فأخذها بيده ، فجعل يطعن بها في مخدجته ويقول : صدق الله ورسوله . وكبر الناس حين رأوه واستبشروا ، وذهب عنهم ما كانوا يجدون . تفرد به أحمد .

طريق أخرى : قال عبد الله بن أحمد : حدثنا أبو خيثمة ، ثنا شبابة بن سوار ، حدثني نعيم بن حكيم ، حدثني أبو مريم ، ثنا علي بن أبي طالب أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إن قوما يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، علامتهم رجل مخدج اليد .

وقال أبو داود في " سننه " : حدثنا بشر بن خالد ، ثنا شبابة بن سوار ، عن [ ص: 603 ] نعيم بن حكيم ، عن أبي مريم قال : إن كان ذاك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد ، نجالسه بالليل والنهار ، وكان فقيرا ، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي مع الناس ، وقد كسوته برنسا لي . قال أبو مريم : وكان المخدج يسمى نافعا ذا الثدية ، وكان في يده مثل ثدي المرأة ، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي ، عليه شعرات مثل سبالة السنور .

طريق أخرى : قال الحافظ أبو بكر البيهقي في " الدلائل " : أخبرنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو محمد عبد الله بن عمرو بن شوذب المقرئ الواسطي بها ، ثنا شعيب بن أيوب ، ثنا أبو نعيم - الفضل بن دكين - عن سفيان ; هو الثوري ، عن محمد بن قيس ، عن أبي موسى ; رجل من قومه ، قال : كنت مع علي فجعل يقول : التمسوا المخدج ، فالتمسوه فلم يجدوه . قال : فأخذ يعرق ويقول : والله ما كذبت ولا كذبت . فوجدوه في نهر أو دالية ، فسجد .

طريق أخرى : قال أبو بكر البزار : حدثني محمد بن مثنى ، ومحمد بن [ ص: 604 ] معمر ، ثنا عبد الصمد ، ثنا سويد بن عبيد العجلي ، ثنا أبو مؤمن ، قال : شهدت علي بن أبي طالب يوم قتل الحرورية وأنا مع مولاي ، فقال : انظروا فإن فيهم رجلا إحدى يديه مثل ثدي المرأة ، وأخبرني النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أني صاحبه . فقلبوا القتلى فلم يجدوه ، وقالوا : سبعة نفر تحت النخلة لم نقلبهم بعد . فقال : ويلكم انظروا . قال أبو مؤمن : فرأيت في رجليه حبلين يجرونه بهما حتى ألقوه بين يديه ، فخر علي ساجدا وقال : أبشروا ، قتلاكم في الجنة ، وقتلاهم في النار . ثم قال البزار : لا نعلم روى أبو مؤمن عن علي غير هذا الحديث .

طريق أخرى : قال البزار : حدثنا يوسف بن موسى ، ثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، سمعت أبا سنان ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : قلت لشقيق بن سلمة - يعني أبا وائل : حدثني عن ذي الثدية . قال : لما قاتلناهم قال علي : اطلبوا رجلا علامته كذا وكذا . فطلبناه فلم نجده ، فبكى علي وقال : اطلبوه ، فوالله ما كذبت ولا كذبت . قال : فطلبناه فلم نجده ، فبكى وقال : اطلبوه فوالله ما كذبت ولا كذبت . قال : فطلبناه فلم نجده قال : وركب بغلته الشهباء ، فطلبناه فوجدناه تحت بردي ، فلما رآه سجد . ثم قال البزار : لا نعلم روى [ ص: 605 ] حبيب عن شقيق ، عن علي إلا هذا الحديث .

طريق أخرى : قال عبد الله بن أحمد : حدثني عبيد الله بن عمر القواريري ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا جميل بن مرة ، عن أبي الوضيء قال : شهدت عليا حيث قتل أهل النهروان ، قال : التمسوا المخدج . فطلبوه في القتلى ، فقالوا : ليس نجده . فقال : ارجعوا فالتمسوه ، فوالله ما كذبت ولا كذبت . فرجعوا فطلبوه ، فردد ذلك مرارا ، كل ذلك يحلف بالله : ما كذبت ولا كذبت . فانطلقوا فوجدوه تحت القتلى في طين ، فاستخرجوه ، فجيء به ، فقال أبو الوضيء : فكأني أنظر إليه : حبشي عليه ثدي قد طبق إحدى يديه مثل ثدي المرأة ، عليها شعرات مثل شعرات تكون على ذنب اليربوع .

وقد رواه أبو داود ، عن محمد بن عبيد بن حساب ، عن حماد بن زيد ، ثنا جميل بن مرة ، ثنا أبو الوضيء ، واسمه عباد بن نسيب ، ولكنه اختصره .

وقال عبد الله بن أحمد أيضا : حدثنا حجاج بن يوسف الشاعر ، حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث ، ثنا يزيد بن أبي صالح ، أن أبا الوضيء عبادا حدثه [ ص: 606 ] أنه قال : كنا عامدين إلى الكوفة مع علي بن أبي طالب ، فلما بلغنا مسيرة ليلتين أو ثلاث من حروراء ، شذ منا ناس كثير ، فذكرنا ذلك لعلي فقال : لا يهولنكم أمرهم ، فإنهم سيرجعون . فذكر الحديث بطوله قال : فحمد الله علي بن أبي طالب وقال : إن خليلي أخبرني أن قائد هؤلاء رجل مخدج اليد ، على حلمة ثديه شعرات كأنهن ذنب اليربوع . فالتمسوه فلم يجدوه ، فأتيناه فقلنا : إنا لم نجده فقال : فالتمسوه ، فوالله ما كذبت ولا كذبت - ثلاثا . فقلنا : لم نجده . فجاء علي بنفسه ، فجعل يقول : اقلبوا ذا ، اقلبوا ذا ، حتى جاء رجل من أهل الكوفة فقال : هو ذا . فقال علي : الله أكبر ، لا يأتيكم أحد يخبركم من أبوه ؟ فجعل الناس يقولون : هذا مالك ، هذا مالك . فيقول علي . ابن من هو ؟

وقال عبد الله بن أحمد أيضا : حدثني حجاج بن الشاعر حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث ، ثنا يزيد بن أبي صالح ، أن أبا الوضيء عبادا حدثه قال أنه قال : كنا عامدين إلى الكوفة مع علي ، فذكر حديث المخدج ، قال علي : فوالله ما كذبت ولا كذبت - ثلاثا - . ثم قال علي : أما إن خليلي أخبرني بثلاثة إخوة من الجن ، هذا أكبرهم ، والثاني له جمع كثير ، والثالث فيه [ ص: 607 ] ضعف . وهذا السياق فيه غرابة شديدة جدا . وقد يمكن أن يكون ذو الثدية من الجن ، بل هو من الشياطين ; إما شياطين الإنس ، أو شياطين الجن . إن صح هذا السياق . والله تعالى أعلم .

والمقصود أن هذه طرق متواترة عن علي إذ قد روي من طرق متعددة ، عن جماعة متباينة لا يمكن تواطؤهم على الكذب ، فأصل القصة محفوظ - وإن كان بعض الألفاظ وقع فيها اختلاف بين الرواة ، ولكن معناها وأصلها الذي تواطأت الروايات عليه صحيح لا يشك فيه - عن علي أنه رواه عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أنه أخبره عن صفة الخوارج ، وصفة ذي الثدية الذي هو علامة عليهم .

وقد روي ذلك من طريق جماعة من الصحابة غير علي كما ستراها بأسانيدها وألفاظها ، إن شاء الله تعالى ، وبالله المستعان .

فقد رواه جماعة من الصحابة ; منهم أنس بن مالك ، وجابر بن عبد الله ، ورافع بن عمرو الغفاري ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الأنصاري ، وسهل بن حنيف ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو ذر ، وعائشة - أم المؤمنين - [ ص: 608 ] رضي الله عنهم أجمعين .

وقد قدمنا حديث علي بطرقه ; لأنه أحد الخلفاء الأربعة ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد أصحاب الشورى ، وصاحب القصة ، ولنذكر بعده حديث ابن مسعود ; لتقدم وفاته على وقعة الخوارج .

الحديث الثاني عن ابن مسعود ، رضي الله عنه

قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : يخرج قوم في آخر الزمان ، سفهاء الأحلام ، أحداث - أو قال : حدثاء - الأسنان ، يقولون من خير قول الناس ، يقرأون القرآن بألسنتهم ، لا يعدو تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، فمن أدركهم فليقتلهم ، فإن في قتلهم أجرا عظيما عند الله لمن قتلهم .

وقد رواه الترمذي عن أبي كريب ، وأخرجه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعبد الله بن عامر بن زرارة ، ثلاثتهم عن أبي بكر بن عياش به ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

ابن مسعود مات قبل ظهور الخوارج بنحو من خمس سنين ، فحديثه [ ص: 609 ] في ذلك من أقوى الاعتضاد .

الحديث الثالث عن أنس بن مالك : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، ثنا سليمان التيمي ، ثنا أنس قال : ذكر لي أن نبي الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال - ولم أسمعه منه - : إن فيكم قوما يتعبدون ، ويدأبون حتى يعجبوا الناس وتعجبهم أنفسهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية .

طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، ثنا الأوزاعي ، حدثني قتادة ، عن أنس بن مالك ، وأبي سعيد ، قال أحمد : وقد حدثناه أبو المغيرة ، فقال : عن أنس ، عن أبي سعيد ، ثم رجع ، أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ; قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه ، هم شر الخلق والخليقة ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ، من قاتلهم كان أولى بالله منهم " . قالوا : يا رسول الله ، ما [ ص: 610 ] سيماهم ؟ قال : " التحليق "

وقد رواه أبو داود في " سننه " ، عن نصر بن عاصم الأنطاكي ، عن الوليد بن مسلم ، ومبشر بن إسماعيل الحلبي ، كلاهما عن الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أبي سعيد ، وأنس به ، وأخرجه أبو داود ، وابن ماجه ، من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس وحده .

وقد روى البزار من طريق أبي سفيان ، وأبو يعلى من طريق يزيد الرقاشي ، كلاهما عن أنس بن مالك ، حديثا في الخوارج ، قريبا من حديث أبي سعيد ، كما سيأتي قريبا من حديث أبي سعيد . إن شاء الله تعالى .

الحديث الرابع عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، ثنا أبو شهاب ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : كنت مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عام الجعرانة وهو يقسم فضة في ثوب بلال للناس ، فقال رجل : يا رسول الله اعدل . فقال : " ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل ؟ ! لقد خبت إن لم أكن أعدل " . فقال : عمر : يا رسول الله ، دعني أقتل هذا المنافق . فقال : " معاذ الله أن يتحدث الناس أني [ ص: 611 ] أقتل أصحابي ، إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، أو تراقيهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية " .

وقال أحمد : حدثنا علي بن عياش ، ثنا إسماعيل بن عياش ، حدثني يحيى بن سعيد ، أخبرني أبو الزبير ، قال : سمعت جابرا يقول : بصر عيني وسمع أذني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بالجعرانة وفي ثوب بلال فضة ، ورسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقبضها للناس يعطيهم ، فقال رجل : اعدل . فقال : " ويلك ، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ ! " . فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، دعني أقتل هذا المنافق الخبيث . فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " معاذ الله ، أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ، إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " .

ثم رواه أحمد ، عن أبي المغيرة ، عن معان بن رفاعة ، ثنا أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : لما قسم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، غنائم هوازن بالجعرانة ، قام رجل من بني تميم فقال : اعدل يا محمد . فقال : " ويلك ! ومن يعدل إن لم أعدل ! لقد خبت وخسرت إن لم أعدل " . قال : فقال عمر : يا رسول الله [ ص: 612 ] ألا أقوم فأقتل هذا المنافق ؟ قال : " معاذ الله ، أن يتسامع الأمم أن محمدا يقتل أصحابه " . ثم قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن هذا وأصحابا له يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق المرماة من الرمية " . قال معان : فقال لي أبو الزبير : فعرضت هذا الحديث على الزهري فما خالفني ، إلا أنه قال : النضي . وقلت : القدح . فقال : ألست رجلا عربيا ؟ .

وقد رواه مسلم عن محمد بن رمح ، عن الليث ، وعن محمد بن المثنى ، عن عبد الوهاب الثقفي وأخرجه النسائي من حديث الليث ، ومالك بن أنس ، كلهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، به بنحوه .

حديث رافع بن عمرو الغفاري ، سيأتي مع حديث أبي ذر الغفاري ، رضي الله عنهما .

الحديث الخامس عن سعد بن مالك بن أهيب الزهري وهو سعد بن [ ص: 613 ] أبي وقاص ، رضي الله عنه ، قال : يعقوب بن سفيان : حدثنا الحميدي ، ثنا سفيان ; هو ابن عيينة ، حدثني العلاء بن أبي عياش ، أنه سمع أبا الطفيل يحدث عن بكر بن قرواش ، عن سعد بن أبي وقاص قال : ذكر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذا الثدية فقال : شيطان الردهة ، كراعي الخيل يحتدره رجل من بجيلة ; يقال له : الأشهب أو ابن الأشهب ، علامة في قوم ظلمة . قال سفيان : فأخبرني عمار الدهني ، أنه جاء به رجل يقال له : الأشهب ، أو ابن الأشهب .

وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد ، عن سفيان بن عيينة ، به مختصرا ، ولفظه : " شيطان الردهة يحتدره " . يعني رجلا من بجيلة . انفرد به [ ص: 614 ] أحمد . وحكى البخاري ، عن علي بن المديني قال : لم أسمع بذكر بكر بن قرواش إلا في هذا الحديث .

وروى يعقوب بن سفيان ، عن عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن حامد الهمداني قال : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول : قتل علي شيطان الردهة . قال الحافظ أبو بكر البيهقي : يريد ، والله أعلم ، قتله أصحاب علي بأمره . وقال الهيثم بن عدي حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن جده أبي إسحاق السبيعي عن رجل قال : بلغ سعد بن أبي وقاص أن علي بن أبي طالب قتل الخوارج ، فقال : قتل علي بن أبي طالب شيطان الردهة .

الحديث السادس عن أبي سعيد ; سعد بن مالك بن سنان الأنصاري ، رضي الله عنه ، وله طرق عنه :

الأولى منها : قال الإمام أحمد : حدثنا بكر بن عيسى ثنا جامع بن مطر الحبطي ، ثنا أبو رؤبة شداد بن عمران القيسي ، عن أبي سعيد [ ص: 615 ] الخدري أن أبا بكر جاء إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني مررت بوادي كذا وكذا ، فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي . فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " اذهب إليه فاقتله " . قال : فذهب إليه أبو بكر فلما رآه على تلك الحالة كره أن يقتله ، فرجع إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لعمر : " اذهب فاقتله " . فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر ، فكره أن يقتله فرجع ، فقال : يا رسول الله إني رأيته يصلي متخشعا فكرهت أن أقتله . قال : " يا علي اذهب فاقتله " . فذهب علي فلم يره ، فرجع فقال : يا رسول الله إني لم أره ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه ; فاقتلوهم هم شر البرية " . تفرد به أحمد .

وقد روى البزار في " مسنده " ، من طريق الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس بن مالك ، وأبو يعلى ، عن أبي خيثمة ، عن عمر بن يونس ، عن عكرمة بن عمار ، وعن يزيد الرقاشي ، عن أنس ، نحوا من هذه القصة ، [ ص: 616 ] وأطول منها وفيها زيادات أخر .

الطريق الثاني : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو أحمد ، ثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن الضحاك المشرقي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في حديث ذكره : ( قوم يخرجون على فرقة من الناس مختلفة ، يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق . أخرجاه في " الصحيحين " ، كما سيأتي في ترجمة أبي سلمة ، عن أبي سعيد .

الطريق الثالث : قال الإمام أحمد : ثنا وكيع ، ثنا عكرمة بن عمار ، ثنا عاصم بن شميخ ، عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إذا حلف فاجتهد في اليمين قال : " والذي نفس أبي القاسم بيده ، ليخرجن قوم من أمتي تحقرون أعمالكم عند أعمالهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية " . قالوا : فهل من علامة يعرفون بها ؟ قال : " فيهم رجل ذو يدية - أو ثدية - محلقي رءوسهم‏ " . قال أبو سعيد : فحدثني عشرون أو بضع وعشرون من أصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن عليا ، رضي الله عنه ولي قتلهم . قال : فرأيت أبا سعيد بعدما كبر ويداه ترتعش يقول : قتالهم أحل [ ص: 617 ] عندي من قتال عدتهم من الترك . وقد رواه أبو داود ، عن أحمد بن حنبل ، به .

الطريق الرابع : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنا سفيان ، عن أبيه ، عن ابن أبي نعم ، عن أبي سعيد الخدري قال : بعث علي وهو باليمن إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بذهيبة في تربتها ، فقسمها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بين الأقرع بن حابس الحنظلي - ثم أحد بني مجاشع - وبين عيينة بن بدر الفزاري ، وبين علقمة بن علاثة العامري - ثم أحد بني كلاب - وبين زيد الخير الطائي - ثم أحد بني نبهان - قال : فغضبت قريش والأنصار ، قالوا : يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا ؟ قال : " إنما أتألفهم " . قال : فأقبل رجل غائر العينين ، ناتئ الجبين ، كث اللحية ، مشرف الوجنتين ، محلوق الرأس ، فقال : يا محمد ، اتق الله . فقال : " من يطيع الله إذا عصيته ! يأمنني على أهل الأرض ، ولا تأمنوني ؟ ! " . قال : فسأل رجل من القوم قتله النبي ، صلى الله عليه وسلم ، - أراه خالد بن الوليد - فمنعه ، فلما ولى قال : " إن من ضئضئ هذا قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " . رواه البخاري ، من [ ص: 618 ] حديث عبد الرزاق به . ثم رواه أحمد ، عن محمد بن فضيل ، عن عمارة بن القعقاع ، عن عبد الرحمن بن أبي نعم ، عن أبي سعيد . وفيه الجزم بأن خالدا سأل أن يقتل ذلك الرجل ، ولا ينافي سؤال عمر بن الخطاب .

وهو في " الصحيحين " من حديث عمارة بن القعقاع بن شبرمة ، وقال فيه : " إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم " .

وليس المراد به أنه يخرج من صلبه ونسله ; لأن الخوارج الذين ذكرنا لم يكونوا من سلالة هذا ، بل ولا أعلم أحدا منهم من نسله ، وإنما المراد : " من ضئضئ هذا " . أي من شكله وعلى صفته فعلا وقولا ، والله أعلم . وهذا الشكل وهذه الصفة كثيرة في الناس جدا في كل زمان وكل مكان ، في قراء القرآن وغيرهم ، لمن تأملها ، والله أعلم . وهذا الرجل المذكور هو ذو الخويصرة التميمي ، وسماه بعضهم : حرقوصا . فالله أعلم .

الطريق الخامس : قال الإمام أحمد : ثنا عفان ، ثنا مهدي بن ميمون ، ثنا محمد بن سيرين ، عن معبد بن سيرين ، عن أبي سعيد ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " يخرج أناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين [ ص: 619 ] كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم على فوقه " . قيل : ما سيماهم ؟ قال : " سيماهم التحليق ، والتسبيد " . ورواه البخاري ، عن أبي النعمان محمد بن الفضل ، عن مهدي بن ميمون به .

الطريق السادس : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، ثنا سويد بن نجيح ، عن يزيد الفقير قال : قلت لأبي سعيد : إن منا رجالا هم أقرؤنا للقرآن ، وأكثرنا صلاة ، وأوصلنا للرحم ، وأكثرنا صوما ، خرجوا علينا بأسيافهم . فقال أبو سعيد : سمعت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يخرج قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . تفرد به أحمد ، ولم يخرجوه في الكتب الستة ، ولا واحد منهم وإسناده لا بأس به ; رجاله كلهم ثقات ، وسويد بن نجيح هذا مستور .

الطريق السابع : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد قال : بينا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي فقال : اعدل يا رسول الله . [ ص: 620 ] فقال : " ويلك ! ومن يعدل إذا لم أعدل ؟ " . فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله أتأذن لي فيه فأضرب عنقه ؟ فقال : دعه ، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في نضيه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل أسود إحدى يديه - أو قال : إحدى ثدييه - مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تدردر ، يخرجون على حين فترة من الناس " . فنزلت فيه : ومنهم من يلمزك في الصدقات الآية [ التوبة : 58 ] . قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن عليا حين قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، . ورواه البخاري ، من حديث شعيب ، [ ص: 621 ] ومسلم ، من حديث يونس بن يزيد ، عن الزهري به ، لكن في رواية مسلم عن حرملة وأحمد بن عبد الرحمن ; كلاهما عن ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة والضحاك الهمداني ، عن أبي سعيد به . ثم رواه أحمد ، عن محمد بن مصعب ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة والضحاك المشرقي ، عن أبي سعيد ، فذكر نحو ما تقدم من هذا السياق ، وفيه أن عمر هو الذي استأذن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في قتله ، وفيه : " يخرجون على فرقتين من الناس ، يقتلهم أولى الطائفتين بالله " . قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وأني شهدت عليا حين قتلهم فالتمس في القتلى فوجد على النعت الذي نعته رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . ورواه البخاري ، عن دحيم ، عن الوليد ، عن الأوزاعي كذلك .

وقال أحمد : قرأت على عبد الرحمن بن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبي سلمة بن [ ص: 622 ] عبد الرحمن ، عن أبي سعيد أنه قال : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر في النصل فلا يرى شيئا ، ثم ينظر في القدح فلا يرى شيئا ، ثم ينظر في الريش فلا يرى شيئا ، ويتمارى في الفوق . قال عبد الرحمن : حدثنا به مالك ; يعني هذا الحديث . ورواه البخاري ، عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك به . ورواه البخاري ، ومسلم ، عن محمد بن المثنى ، عن عبد الوهاب ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، وعطاء بن يسار ، عن أبي سعيد به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة قال : جاء رجل إلى أبي سعيد فقال : هل سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يذكر في الحرورية شيئا ؟ قال : سمعته يذكر قوما يتعمقون في الدين ، يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم ، وصومه عند صومهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، أخذ سهمه فنظر في نصله فلم ير شيئا ، ثم نظر في رصافه فلم ير شيئا ، ثم نظر في القذذ فتمارى ، هل يرى شيئا أم لا . ورواه ابن ماجه ، [ ص: 623 ] عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون به .

الطريق الثامن : قال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي ، عن سليمان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق ، هم شر الخلق ، أو من شر الخلق ، تقتلهم أدنى الطائفتين من الحق . قال : فضرب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لهم مثلا - أو قال قولا - " الرجل يرمي الرمية - أو قال : الغرض - فينظر في النصل فلا يرى بصيرة ، وينظر في النضي فلا يرى بصيرة ، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة " . فقال أبو سعيد : وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق . وقد رواه مسلم ، عن محمد بن المثنى ، عن محمد بن أبي عدي ، عن سليمان - وهو ابن طرخان - التيمي ، عن أبي نضرة ، واسمه المنذر بن مالك بن قطعة ، عن أبي سعيد الخدري بنحوه .

الحديث الثامن عن سلمان الفارسي : قال الهيثم بن عدي ثنا سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال قال : جاء رجل إلى قوم فقال : لمن هذه الخباء ؟ قالوا : لسلمان الفارسي . قال : أفلا تنطلقون معي فيحدثنا ونسمع منه ؟ فانطلق [ ص: 624 ] معه بعض القوم فقال : يا أبا عبد الله لو أدنيت خباءك إلينا وكنت منا قريبا فحدثتنا وسمعنا منك ؟ فقال : ومن أنت ؟ قال : فلان بن فلان . قال سلمان : قد بلغني عنك معروف ; بلغني أنك تخف في سبيل الله ، وتقاتل العدو ، وتخدم أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فإن أخطأتك واحدة أن تكون من هؤلاء القوم الذين ذكرهم لنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . قالوا : فوجد ذلك الرجل قتيلا في أصحاب النهروان .

الحديث التاسع عن سهل بن حنيف الأنصاري : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، ثنا حزام بن إسماعيل العامري ، عن أبي إسحاق الشيباني ، عن يسير بن عمرو قال : دخلت على سهل بن حنيف ، فقلت : حدثني ما سمعت من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال في الحرورية . قال : أحدثك ما سمعت من النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لا أزيدك عليه شيئا ، سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يذكر قوما يخرجون من هاهنا - وأشار بيده نحو العراق - يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . قال : قلت : هل ذكر لهم علامة ؟ قال : هذا ما سمعت لا أزيدك عليه . وقد أخرجاه في " الصحيحين " من حديث [ ص: 625 ] عبد الواحد بن زياد ، ومسلم من حديث علي بن مسهر والعوام بن حوشب ، والنسائي من حديث محمد بن فضيل ، كلهم عن أبي إسحاق الشيباني به .

وقد رواه مسلم ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا علي بن مسهر ، عن الشيباني ، عن يسير بن عمرو ، قال : سألت سهل بن حنيف : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يذكر الخوارج ؟ فقال : سمعته ، وأشار بيده نحو المشرق " قوم يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " . وحدثناه أبو كامل ، ثنا عبد الواحد ، ثنا سليمان الشيباني بهذا الإسناد ، وقال : " يخرج منه أقوام " . حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق جميعا عن يزيد ، قال أبو بكر : حدثنا يزيد بن هارون ، عن العوام بن حوشب ، ثنا أبو إسحاق الشيباني ، عن أسير بن عمرو ، عن سهل بن حنيف عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : يتيه قوم قبل المشرق محلقة رءوسهم .

الحديث العاشر عن ابن عباس : قال البزار : ثنا يوسف بن موسى ، ثنا الحسن بن الربيع ، ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس [ ص: 626 ] قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ليقرأن القرآن أقوام من أمتي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة وسويد بن سعيد كلاهما عن أبي الأحوص بإسناده مثله .

الحديث الحادي عشر عن ابن عمر : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، ثنا أبو جناب يحيى بن أبي حية ، عن شهر بن حوشب قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : لقد سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم . قال يزيد : لا أعلمه إلا قال : " يحقر أحدكم عمله مع عملهم ، يقتلون أهل الإسلام فإذا خرجوا فاقتلوهم ، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ، فطوبى لمن قتلهم ، وطوبى لمن قتلوه ، كلما طلع منهم قرن قطعه الله " . فردد ذلك رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عشرين مرة أو أكثر ، وأنا أسمع . تفرد به أحمد من هذا الوجه . وقد ثبت من حديث سالم ونافع ، عن ابن عمر أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " الفتنة من هاهنا ; من حيث يطلع قرن الشيطان " وأشار بيده نحو المشرق .

الحديث الثاني عشر عن عبد الله بن عمر : قال الإمام أحمد : حدثنا [ ص: 627 ] عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب قال : لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية ، قدمت الشام فأخبرت بمقام يقومه نوف البكالي ، فجئته فجاء رجل فانتبذ عن الناس عليه خميصة ، فإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص ، فلما رآه نوف أمسك عن الحديث ، فقال عبد الله : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إنها ستكون هجرة بعد هجرة ، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها ، تلفظهم أرضهم ، تقذرهم نفس الرحمن ، تحشرهم النار مع القردة والخنازير ، تبيت معهم إذا باتوا ، وتقيل معهم إذا قالوا ، وتأكل من تخلف " . قال وسمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " سيخرج ناس من أمتي من قبل المشرق ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، كلما خرج منهم قرن قطع ، كلما خرج منهم قرن قطع ، - حتى عدها زيادة على عشر مرات - كلما خرج منهم قرن قطع ، حتى يخرج الدجال في بقيتهم " . وقد روى أبو داود أوله في كتاب الجهاد من " سننه " ، عن القواريري ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة به . وقد تقدم حديث عبد الله بن مسعود وحديث علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما .

الحديث الثالث عشر عن أبي ذر : قال مسلم بن الحجاج : حدثنا شيبان [ ص: 628 ] بن فروخ ، ثنا سليمان بن المغيرة ، ثنا حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : إن بعدي من أمتي - أو سيكون بعدي من أمتي - قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم ، يخرجون من الدين ، كما يخرج السهم من الرمية ، لا يعودون فيه ، هم شر الخلق والخليقة " قال ابن الصامت : فلقيت رافع بن عمرو الغفاري أخا الحكم الغفاري قلت : ما حديث سمعته من أبي ذر كذا كذا ؟ فقال : وأنا سمعته من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . . لم يروه البخاري .

الحديث الرابع عشر عن أم المؤمنين عائشة : قال الحافظ البيهقي : أنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبي عمرو ، ثنا أبو العباس الأصم ، ثنا السري ، بن يحيى ، ثنا أحمد بن يونس ، ثنا علي بن عياش ، عن حبيب بن سلمة قال : قال لي علي : لقد علمت عائشة أن جيش المروة وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد ، صلى الله عليه وسلم . قال ابن عياش : جيش المروة قتلة عثمان ، [ ص: 629 ] رضي الله عنه .

وقال الهيثم بن عدي : حدثني إسرائيل ، عن يونس ، عن جده أبي إسحاق السبيعي ، عن رجل ، عن عائشة قال : بلغنا قتل علي الخوارج فقالت : قتل علي بن أبي طالب شيطان الردهة . تعني المخدج .

وقال البزار : حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح ، ثنا سهل بن عامر البجلي ، ثنا أبو خالد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : ذكر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الخوارج فقال : شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي .

قال : وحدثناه إبراهيم بن سعيد ، ثنا حسين بن محمد ، ثنا سليمان بن قرم ، ثنا عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه . قال : فرأيت عليا قتلهم ، وهم أصحاب النهروان . . ثم قال البزار : لا نعلم روى عطاء ، عن أبي الضحى ، عن مسروق إلا هذا الحديث ، ولا نعلم رواه عن عطاء إلا سليمان بن قرم . قلت وسليمان بن قرم قد تكلموا فيه ، ولكن الإسناد الأول يشهد له كما أن هذا يشهد لذاك فهما [ ص: 630 ] متعاضدان ، وهو غريب من حديث عائشة ، وقد تقدم في حديث عبد الله بن شداد ، عن علي ما يدل على أن عائشة استغربت حديث الخوارج ولا سيما خبر ذي الثدية كما تقدم ، وإنما أوردنا هذه الطرق كلها ; ليعلم الواقف عليها أن ذلك حق وصدق وهو من أكبر دلالات النبوة ، كما ذكره غير واحد من الأئمة في دلائل النبوة . والله تعالى أعلم . وقد سألت عائشة ، رضي الله عنها ، بعد ذلك عن خبر ذي الثدية فتيقنته من طرق متعددة .

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في " الدلائل " : أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا الحسين بن الحسن بن عامر الكندي بالكوفة من أصل سماعه ، ثنا أحمد بن محمد بن صدقة الكاتب ، حدثني عمرو بن عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح قال : هذا كتاب جدي محمد بن أبان فقرأت فيه : حدثني الحسن بن الحر ، حدثني الحكم بن عتيبة ، وعبد الله بن أبي السفر ، عن عامر الشعبي ، عن مسروق قال : قالت عائشة : عندك علم من ذي الثدية الذي [ ص: 631 ] أصابه علي في الحرورية ؟ قلت : لا . قالت : فاكتب لي بشهادة من شهدهم . فرجعت إلى الكوفة - وبها يومئذ أسباع - فكتبت شهادة عشرة من كل سبع ، ثم أتيتها بشهادتهم فقرأتها عليها ، قالت : أكل هؤلاء عاينوه ؟ قلت : لقد سألتهم فأخبروني بأن كلهم قد عاينه . فقالت : لعن الله فلانا ; فإنه كتب إلي أنه أصابهم بنيل مصر . ثم أرخت عينيها فبكت فلما سكنت عبرتها قالت : رحم الله عليا ! لقد كان على الحق ، وما كان بيني وبينه إلا كما يكون بين المرأة وأحمائها .

حديث آخر عن رجلين مبهمين من الصحابة : قال الهيثم بن عدي في " كتاب الخوارج " ، حدثني سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال قال : أقبل رجلان من أهل الحجاز حتى قدما العراق فقيل لهما : ما أقدمكما العراق ؟ قالا : رجونا أن ندرك هؤلاء القوم الذين ذكرهم لنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فوجدنا علي بن أبي طالب قد سبقنا إليهم ; يعنيان أهل النهروان .

حديث آخر في مدح علي ، رضي الله عنه على قتاله الخوارج

قال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، ثنا فطر ، عن إسماعيل بن [ ص: 632 ] رجاء بن ربيعة الزبيدي ، عن أبيه قال سمعت أبا سعيد يقول : " كنا جلوسا ننتظر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فخرج علينا من بيوت بعض نسائه ، قال : فقمنا معه ، فانقطعت نعله فتخلف عليها علي يخصفها ، فمضى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ومضينا معه ، ثم قام ينتظره وقمنا معه ، فقال : " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله " . فاستشرفنا لها وفينا أبو بكر ، وعمر فقال : " لا ، ولكنه خاصف النعل " . قال : فجئنا نبشره ، قال : فكأنه قد سمعه .

ورواه أحمد ، عن وكيع وأبي أسامة ، عن فطر بن خليفة به .

فأما الحديث الذي قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا إسماعيل بن موسى ، ثنا الربيع بن سهل ، عن سعيد بن عبيد ، عن علي بن ربيعة قال : سمعت عليا على منبركم هذا يقول : عهد إلي النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين . وقد رواه أبو بكر بن المقرئ ، عن إسماعيل بن عباد البصري ، نا عباد بن يعقوب ، عن الربيع بن سهل الفزاري به . فإنه حديث غريب ومنكر . على أنه [ ص: 633 ] قد روي من طرق عن علي ، وعن غيره ولا تخلو واحدة منها عن ضعف . والمراد بالناكثين ، يعني أهل الجمل . وبالقاسطين أهل الشام ; والقاسط هو الجائر الظالم . وبالمارقين الخوارج ; لأنهم مرقوا من الدين . وأما الناكثون فهم أصحاب الجمل الذين عقدوا البيعة له ثم نكثوا . والله أعلم . وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو أحمد بن عدي في " كامله " ، عن أحمد بن جعفر البغدادي ، عن سليمان بن سيف ، عن عبيد الله بن موسى ، عن فطر ، عن حكيم بن جبير ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن علي قال : أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين .

وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي : أخبرني الأزهري ، ثنا محمد بن المظفر ، ثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال : وجدت في كتاب جدي محمد بن ثابت : ثنا أشعث بن الحسن السلمي ، عن جعفر الأحمر ، عن يونس بن الأرقم ، عن أبان ، عن خليد العصري قال : سمعت عليا أمير المؤمنين يقول يوم النهروان : أمرني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين .

[ ص: 634 ] وقد رواه ابن عساكر ، من حديث محمد بن فرج الجنديسابوري ، أنا هارون بن إسحاق ، ثنا أبو غسان ، عن جعفر - أحسبه الأحمر - عن عبد الجبار الهمداني ، عن أنس بن عمرو ، عن أبيه ، عن علي قال : أمرت بقتال ثلاثة ; المارقين والقاسطين والناكثين .

وقال الحاكم أبو عبد الله ، أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ، بقنطرة بردان ، ثنا محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي ، حدثني أبي ، حدثني عمي - عمرو بن عطية بن سعد - عن أخيه الحسن بن عطية ، حدثني جدي سعد بن جنادة ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال أمرت بقتال ثلاثة ; القاسطين والناكثين والمارقين ; فأما القاسطون فأهل الشام ، وأما الناكثون فذكرهم ، وأما المارقون فأهل النهروان . يعني الحرورية .

وقال الحافظ ابن عساكر : أنا أبو القسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو سعد الأديب ، أنا السيد أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين ، ثنا محمد بن أحمد [ ص: 635 ] الصوفي ، ثنا محمد بن عمرو الباهلي ، ثنا كثير بن يحيى ، ثنا أبو عوانة ، عن أبي الجارود ، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي قال : أمرني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين .

حديث ابن مسعود في ذلك : قال الحاكم : حدثنا الإمام أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه ، أنا الحسن بن علي ، ثنا زكريا بن يحيى الحرار المقرئ ، ثنا إسماعيل بن عباد المقرئ ، ثنا شريك ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : خرج رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فأتى منزل أم سلمة فجاء علي ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : يا أم سلمة ، هذا والله قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي .

حديث أبي سعيد في ذلك : قال الحاكم : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ، ثنا الحسين بن الحكم الحبري ، ثنا إسماعيل بن أبان ، ثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : أمرنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتال الناكثين والقاسطين [ ص: 636 ] والمارقين ، فقلت : يا رسول الله ! أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من ؟ فقال : مع علي بن أبي طالب ، معه يقتل عمار بن ياسر .

حديث أبي أيوب في ذلك : قال الحاكم : أنا أبو الحسن علي بن حمشاذ العدل ، ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ، ثنا عبد العزيز بن الخطاب ، ثنا محمد بن كثير ، عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق ، عن مخنف بن سليم قال : أتينا أبا أيوب فقلنا : قاتلت بسيفك المشركين مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ثم جئت تقاتل المسلمين ؟ فقال : أمرني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين .

قال الحاكم : وحدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ، ثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمري ، ثنا محمد بن حميد ، ثنا سلمة بن الفضل ، حدثني أبو زيد الأحول ، عن عتاب بن ثعلبة ، حدثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب قال : أمرني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتال الناكثين والقاسطين [ ص: 637 ] والمارقين مع علي بن أبي طالب .

وقال الخطيب البغدادي : أخبرني الحسن بن علي بن عبد الله المقرئ ، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن جعفر المطيري ، ثنا أحمد بن عبد الله المؤدب بسر من رأى ، ثنا المعلى بن عبد الرحمن ببغداد ، ثنا شريك ، عن سليمان بن مهران الأعمش ، قال : حدثنا إبراهيم ، عن علقمة والأسود قالا : أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقلنا له : يا أبا أيوب ، إن الله أكرمك بنزول محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وبمجيء ناقته تفضلا من الله وإكراما لك حين أناخت ببابك دون الناس ، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله ؟ فقال : يا هذا ، إن الرائد لا يكذب أهله ، وإن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أمرنا بقتال ثلاثة مع علي ; بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ; فأما الناكثون فقد قاتلناهم ، وهم أهل الجمل ; طلحة والزبير ، وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم - يعني معاوية وعمرا - وأما المارقون فهم أهل الطرفاوات ، وأهل السعيفات ، وأهل النخيلات ، وأهل النهروانات ، والله ما أدري أين هم ، ولكن لا بد من قتالهم ، إن شاء الله . قال : وسمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول [ ص: 638 ] لعمار : يا عمار تقتلك الفئة الباغية ، وأنت إذ ذاك مع الحق والحق معك ، يا عمار بن ياسر ، إن رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ، فإنه لن يدليك في ردى ، ولن يخرجك من هدى ، يا عمار ، من تقلد سيفا أعان به عليا على عدوه ، قلده الله يوم القيامة وشاحين من در ، ومن تقلد سيفا أعان به عدو علي عليه ، قلده الله يوم القيامة وشاحين من نار . فقلنا : يا هذا ، حسبك رحمك الله ، حسبك رحمك الله . هذا السياق ، الظاهر أنه موضوع ، وآفته من جهة المعلى بن عبد الرحمن ; فإنه متروك الحديث . والله أعلم . قلت : هذا الحديث إن صح بعضه ، ففي بعضه زيادات موضوعة من وضع الرافضة ، والمعلى بن عبد الرحمن لا يلتفت إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية