صفحة جزء
[ ص: 176 ]

ثم دخلت سنة سبع وأربعين

فيها شتى المسلمون ببلاد الروم . وفيها عزل معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص عن ديار مصر ، وولى عليها معاوية بن حديج ، وحج بالناس عتبة بن أبي سفيان ، وقيل : أخوه عنبسة بن أبي سفيان . فالله أعلم .

وممن توفي فيها قيس بن عاصم المنقري ، كان من سادات الناس في الجاهلية والإسلام ، وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية ، وذلك أنه سكر يوما ، فعبث بذات محرم منه ، فهربت منه ، فلما أصبح قيل له في ذلك فحرمها ، وأنشد ذلك :


رأيت الخمر مصلحة وفيها مقابح تفضح الرجل الكريما     فلا والله أشربها حياتي
ولا أشفي بها أبدا سقيما

وكان إسلامه مع وفد بنى تميم ، وفي بعض الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هذا سيد أهل الوبر " . وكان جوادا ممدحا كريما ، وهو الذي يقول فيه الشاعر يوم مات :

[ ص: 177 ]

فما كان قيس هلكه هلك واحد     ولكنه بنيان قوم تهدما

وقال الأصمعي : سمعت أبا عمرو بن العلاء وأبا سفيان بن العلاء يقولان : قيل للأحنف بن قيس : ممن تعلمت الحلم ؟ قال : من قيس بن عاصم المنقري ; لقد اختلفنا إليه في الحكم كما يختلف إلى الفقهاء في الفقه ، فبينما نحن عنده يوما وهو قاعد بفنائه محتب بكسائه ، إذ أتته جماعة فيهم مقتول ومكتوف ، فقالوا : هذا ابنك قتله ابن أخيك . قال : فوالله ما حل حبوته حتى فرغ من كلامه ، ثم التفت إلى ابن له في المجلس فقال : أطلق عن ابن عمك ، ووار أخاك ، واحمل إلى أمه مائة من الإبل فإنها غريبة . ثم نظر له فقال : نقصت عددك ، وقطعت رحمك ، وعصيت ربك ، وأطعت شيطانك .

ويقال : إنه لما حضرته الوفاة جلس حوله بنوه ، وكانوا اثنين وثلاثين ذكرا ، فقال لهم : يا بني ، سودوا عليكم أكبركم تخلفوا أباكم ، ولا تسودوا أصغركم فيزدري بكم أكفاؤكم ، وعليكم بالمال واصطناعه فإنه مأبهة للكريم ، ويستغني به عن اللئيم ، وإياكم ومسألة الناس ; فإنها من أخس مكسبة الرجل ، ولا تنوحوا علي ; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه ، ولا تدفنوني حيث يشعر بكر بن وائل ; فإني كنت أعاديهم في الجاهلية . وفيه يقول الشاعر :

[ ص: 178 ]

عليك سلام الله قيس بن عاصم     ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من أوليته منك منة     إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
فما كان قيس هلكه هلك واحد     ولكنه بنيان قوم تهدما



التالي السابق


الخدمات العلمية