صفحة جزء
ذكر من توفي فيها من الأعيان

أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي ، أبو محمد المدني

مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه ، وحبه وابن حبه ، وأمه بركة أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته ، ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمرة بعد مقتل أبيه ، فطعن بعض الناس في إمرته ، فقال [ ص: 272 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمرة أبيه من قبله ، وايم الله إن كان لخليقا بالإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده " .

وثبت في " صحيح البخاري " عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس الحسن على فخذه ، ويجلس أسامة على فخذه الأخرى ويقول : " اللهم إني أحبهما فأحبهما " . وفضائله كثيرة جدا ، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره تسع عشرة سنة ، وكان عمر إذا لقيه يقول : السلام عليك أيها الأمير . وصحح أبو عمر بن عبد البر أنه توفي في هذه السنة . وقال غيره : سنة ثمان أو تسع وخمسين . وقيل توفي بعد مقتل عثمان . فالله أعلم .

ثوبان بن بجدد

مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تقدمت ترجمته في الموالي ، ومن كان يخدمه ، عليه الصلاة والسلام . أصل ثوبان من العرب ، فأصابه سباء ، فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه ، فلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرا وحضرا ، فلما مات أقام بالرملة ، ثم انتقل منها إلى حمص فابتنى بها دارا ، ولم يزل بها حتى مات في هذه السنة ، على الصحيح . وقيل : سنة أربع وأربعين . وهو غلط . [ ص: 273 ] ويقال إنه توفي بمصر . والصحيح بحمص .

جبير بن مطعم

تقدم أنه توفي . سنة خمسين .

الحارث بن ربعي أبو قتادة الأنصاري

وقال الواقدي : اسمه النعمان بن ربعي . وقال غيره : عمرو بن ربعي . وهو أبو قتادة الأنصاري السلمي المدني فارس الإسلام ، شهد أحدا وما بعدها ، وكان له يوم ذي قرد سعي مشكور كما تقدم ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : " خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع " . وزعم أبو أحمد الحاكم أنه شهد بدرا ، وليس هذا بمعروف . وقال أبو سعيد الخدري : أخبرني من هو خير مني أبو قتادة الأنصاري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار : " تقتلك الفئة الباغية " .

قال الواقدي وغيره : توفي في هذه السنة - يعني سنة أربع وخمسين - بالمدينة عن سبعين سنة . وزعم الهيثم بن عدي وغيره أنه توفي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين ، وصلى عليه علي بن أبي طالب . وهذا غريب .

حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي أبو خالد المكي

وأمه فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد [ ص: 274 ] بن عبد العزى ، وعمته خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم أولاده سوى إبراهيم . ولدته أمه في جوف الكعبة قبل الفيل بثلاث عشرة سنة ; وذلك أنها دخلت الكعبة تزور ، فضربها الطلق ، فوضعته على نطع .

وكان شديد المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما كان بنو هاشم وبنو المطلب في الشعب لا يبايعون ولا يناكحون ، كان حكيم يقبل بالعير تقدم من الشام فيشتريها مكانها ، ثم يذهب بها ، فيضرب أدبارها حتى تلج الشعب تحمل الطعام والكسوة ; تكرمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولعمته خديجة بنت خويلد ، وهو الذي اشترى زيد بن حارثة أولا ، فابتاعته منه عمته خديجة ، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه . وهو الذي اشترى حلة ذي يزن ، فأهداها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسها . قال : فما رأيت شيئا أحسن منه فيها . ومع هذا ما أسلم إلا يوم الفتح هو وأولاده كلهم .

قال البخاري وغيره : عاش في الجاهلية ستين سنة ، وفي الإسلام ستين سنة ، وكان من سادات قريش وكرمائهم وأعلمهم بالنسب ، وكان كثير الصدقة والبر والعتاقة ، فلما أسلم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : " أسلمت على ما أسلفت من خير " . وقد كان حكيم شهد مع المشركين بدرا ، وتقدم إلى [ ص: 275 ] الحوض ، فكاد حمزة أن يقتله ، فما سحب إلا سحبا من بين يديه ، فلهذا كان إذا اجتهد في اليمين يقول : لا والذي نجاني يوم بدر . ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بمر الظهران ومعه الجنود خرج حكيم وأبو سفيان يتجسسان الأخبار ، فلقيهما العباس ، فأخذ أبا سفيان فأجاره ، وأخذ له أمانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسلم أبو سفيان ليلتئذ كرها ومن صبيحة ذلك اليوم أسلم حكيم ، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا ، وأعطاه رسول الله عليه وسلم مائة من الإبل ، ثم سأله فأعطاه ، ثم سأله فأعطاه ، ثم قال له : " يا حكيم ، إن هذا المال حلوة خضرة ، وإنه من أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع " . فقال حكيم : والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا . فلم يرزأ أحدا بعده ، فكان أبو بكر يعرض عليه العطاء فيأبى ، وكذلك عمر يعرض عليه العطاء فيأبى ، فكان عمر يشهد عليه المسلمين . ومع هذا كان من أغنى الناس ; مات الزبير يوم مات ولحكيم عليه مائة ألف .

وقد كان بيده ، حين أسلم ، الرفادة ودار الندوة ، فباعها بعد من معاوية بمائة ألف ، وفي رواية : بأربعين ألف دينار . فقال له ابن الزبير : بعت مكرمة قريش ؟ فقال له حكيم : ذهبت المكارم إلا التقوى ، يا ابن أخي ، إني اشتريتها في الجاهلية بزق خمر ، ولأشترين بها دارا في الجنة ، أشهدك أني قد جعلتها في [ ص: 276 ] سبيل الله ، وهذه الدار كانت لقريش بمنزلة دار العدل ، وكان لا يدخلها أحد إلا وقد صار سنه أربعين سنة ، إلا حكيم بن حزام ، فإنه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة . ذكره الزبير بن بكار .

وذكر الزبير أن حكيما حج عاما ، فأهدى مائة بدنة مجللة ، وألف شاة ، وأوقف معه بعرفات مائة وصيف في أعناقهم أطوقة الفضة ، وقد نقش فيها : هؤلاء عتقاء الله عن حكيم بن حزام . فأعتقهم وأهدى جميع تلك الأنعام . رضى الله عنه . توفي حكيم في هذه السنة على الصحيح . ، وقيل غير ذلك ، وله من العمر مائة وعشرون سنة . والله أعلم .

حويطب بن عبد العزى العامري

صحابي جليل ، أسلم عام الفتح ، وكان قد عمر دهرا طويلا ، ولهذا جعله عمر في النفر الذين جددوا أنصاب الحرم ، وقد شهد بدرا مع المشركين ، ورأى الملائكة يومئذ بين السماء والأرض ، وشهد الحديبية وسعى في الصلح ، فلما كان عمرة القضاء كان هو وسهيل هما اللذان أمرا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج من مكة ، فأمر بلالا أن لا تغرب الشمس وبمكة أحد من أصحابه . قال : وفي كل هذه المواطن أهم بالإسلام ، ويأبى الله إلا ما يريد ، فلما كان زمن الفتح خفت خوفا شديدا وهربت ، فلحقني أبو ذر ، وكان لي خليلا في الجاهلية ، فقال : يا حويطب ، ما لك ؟ فقلت : خائف . فقال : لا تخف ; فإنه أبر الناس وأوصل الناس ، وأنا جار لك ، [ ص: 277 ] فاقدم معي . فرجعت معه ، فوقف بي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء ، ومعه أبو بكر وعمر ، وقد علمني أبو ذر أن أقول : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . فلما قلت ذلك قال : " حويطب ؟ " قلت : نعم ، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . فقال : " الحمد لله الذي هداك " . وسر بذلك واستقرضني مالا ، فأقرضته أربعين ألفا ، وشهدت معه حنينا والطائف ، وأعطاني من غنائم حنين مائة بعير ثم قدم حويطب بعد ذلك المدينة فنزلها ، وله بها دار . ولما ولي عليها مروان بن الحكم جاءه حويطب وحكيم بن حزام ومخرمة بن نوفل ، فسلموا عليه ، وجلسوا يتحدثون عنده ، ثم تفرقوا ، ثم اجتمع حويطب بمروان يوما آخر ، فسأله مروان عن عمره فأخبره ، فقال له : تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث . فقال حويطب : الله المستعان ، والله لقد هممت بالإسلام غير مرة ، كل ذلك يعوقني أبوك يقول : تضع شرفك وتدع دين آبائك لدين محدث وتصير تابعا ؟ قال : فأسكت مروان وندم على ما كان قال له . ثم قال حويطب : أما كان أخبرك عثمان ما كان لقي من أبيك حين أسلم ؟ قال : فازداد مروان غما . وكان حويطب ممن شهد دفن عثمان . واشترى منه معاوية داره بمكة بأربعين ألف دينار ، فاستكثرها الناس ، فقال حويطب : وما هي في رجل له خمسة من العيال ؟ قال الشافعي : كان حويطب حميد [ ص: 278 ] الإسلام ، وكان أكثر قريش بمكة ربعا جاهليا . وقال الواقدي : عاش حويطب في الجاهلية ستين سنة ، وفي الإسلام ستين سنة ، ومات في هذه السنة بالمدينة وله مائة وعشرون سنة . وقال غيره : توفي بالشام . له حديث واحد ، رواه البخاري ومسلم والنسائي ، من حديث السائب بن يزيد عنه ، عن عبد الله بن السعدي عن عمر في العمالة ، وهو من عزيز الحديث ; لأنه اجتمع فيه أربعة من الصحابة ، رضى الله عنهم .

سعيد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم

أسلم عام الفتح ، وشهد حنينا ، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين من الإبل ، وكان اسمه صرما ، وفي رواية : أصرم ، فسماه سعيدا ، وكان في جملة النفر الذين أمرهم عمر بتجديد أنصاب الحرم ، وقد أصيب بصره بعد ذلك ، فأتاه عمر يعزيه فيه . رواه البخاري .

[ ص: 279 ] وقال الواقدي وخليفة وغير واحد : مات في هذه السنة بالمدينة - وقيل : بمكة - وهو ابن مائة وعشرين سنة . وقيل أكثر من ذلك .

مرة بن شراحيل الهمداني

ويقال له : مرة الطيب ، ومرة الخير . روى عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وغيرهم . كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة ، فلما كبر صلى أربعمائة ركعة ، ويقال : إنه سجد حتى أكل التراب جبهته ، فلما مات رئي في المنام وقد صار ذلك المكان نورا ، فقيل له : أين منزلك ؟ فقال : بدار لا يظعن أهلها ولا يموتون .

النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث

شهد بدرا وما بعدها ، ويقال : إنه هو الذي كان يؤتى به في الشراب فيجلده النبي ، فقال رجل : لعنه الله ، ما أكثر ما يؤتى به . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله " .

سودة بنت زمعة القرشية العامرية ، أم المؤمنين

تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة ، وكانت قبله عند السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو فلما كبرت هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلاقها ، ويقال : إنه طلقها . فسألته أن يبقيها في نسائه وتهب يومها لعائشة ، فقبل ذلك منها وأبقاها ، فأنزل الله : [ ص: 280 ] وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا الآية [ النساء : 128 ] . وكانت ذات عبادة وورع وزهادة . قالت عائشة : ما من امرأة أحب أن أكون في مسلاخها إلا سودة ، إلا أن فيها حدة تسرع منها الفيئة . ذكر ابن الجوزي وفاتها في هذه السنة . وقال ابن أبي خيثمة : توفيت في آخر خلافة عمر بن الخطاب فالله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية