صفحة جزء
قصة غريبة

ذكرها ابن الجوزي في كتابه " المنتظم " بسنده ، وملخصها أن معاوية بينما هو يوما على السماط إذا شاب من بني عذرة قد مثل بين يديه ، فأنشده شعرا مضمونه التشوق إلى زوجته سعاد ، فاستدناه معاوية ، واستحكاه عن أمره ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني كنت مزوجا بابنة عم لي ، وكان لي إبل وغنم ، فأنفقت ذلك عليها ، فلما قل ما بيدي رغب عني أبوها وشكاني إلى عاملك [ ص: 315 ] بالكوفة ابن أم الحكم ، وبلغه جمالها فحبسني في الحديد ، وحملني على أن أطلقها ، فلما انقضت عدتها أعطاه عاملك عشرة آلاف درهم ، فزوجه إياها ، وقد أتيتك يا أمير المؤمنين ، وأنت غياث المحروب ، وسند المسلوب ، فهل من فرج ؟ ثم بكى وأنشأ يقول :


في القلب مني نار والنار فيها شرار     والجسم مني نحيل
واللون فيه اصفرار     والعين تبكي بشجو
فدمعها مدرار     والحب داء عسير
فيه الطبيب يحار     حملت فيه عظيما
فما عليه اصطبار     فليس ليلي بليل
ولا نهاري نهار

قال : فرق له معاوية ، وكتب إلى ابن أم الحكم يؤنبه على ذلك ويعيبه عليه ، ويأمره بطلاقها قولا واحدا ، فلما جاءه كتاب معاوية تنفس الصعداء ، وقال : وددت أن أمير المؤمنين خلى بيني وبينها سنة ، ثم عرضني على السيف . وجعل يؤامر نفسه على طلاقها ، فلا يقدر على ذلك ، ولا تجيبه نفسه ، وجعل البريد الذي ورد عليه بالكتاب يستحثه ، فطلقها وأخرجها عنه وسيرها مع الوفد إلى معاوية ، فلما وقفت بين يديه رأى منظرا جميلا ، فلما استنطقها ، فإذا هي أفصح الناس وأحلاهم كلاما ، وأكملهم جمالا ودلالا ، فقال لابن عمها : يا أعرابي ، هل من سلو عنها بأفضل الرغبة ؟ قال : نعم إذا فرقت بين رأسي وجسدي . ثم أنشأ يقول :


[ ص: 316 ] لا تجعلني والأمثال تضرب بي     كالمستغيث من الرمضاء بالنار
اردد سعاد على حيران مكتئب     يمسي ويصبح في هم وتذكار
قد شفه قلق ما مثله قلق     وأسعر القلب منه أي إسعار
والله والله لا أنسى محبتها     حتى أغيب في رمس وأحجار
كيف السلو وقد هام الفؤاد بها     وأصبح القلب عنها غير صبار

فقال معاوية : فإنا نخيرها بيني وبينك وبين ابن أم الحكم . فأنشأت تقول :


هذا وإن أصبح في أطمار     وكان في نقص من اليسار
أكثر عندي من أبي وجاري     وصاحب الدرهم والدينار
أخشى إذا غدرت حر النار

قال : فضحك معاوية ، وأمر له بعشرة آلاف درهم ومركب ووطاء . ولما انقضت عدتها زوجه بها وسلمها إليه . حذفنا منها أشعارا كثيرة مطولة .

وجرت في هذه السنة فصول طويلة بين عبيد الله بن زياد والخوارج ، فقتل منهم خلقا كثيرا وجمعا غفيرا ، وحبس منهم آخرين ، وكان صارما كأبيه ، مقداما في أمرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية