صفحة جزء
[ ص: 662 ]

إمارة معاوية بن يزيد بن معاوية

أبو عبد الرحمن ، ويقال : أبو يزيد . ويقال : أبو ليلى القرشي الأموي . وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة ، بويع له بعد موت أبيه ، وكان ولي عهده من بعده في رابع عشر ربيع الأول سنة أربع وستين ، وكان رجلا صالحا ناسكا ، ولم تطل مدته . قيل : إنه مكث في الملك أربعين يوما . وقيل : عشرين يوما . وقيل : شهرين . وقيل : شهرا ونصف شهر . وقيل : ثلاثة أشهر وقيل : وعشرين يوما . وقيل أربعة أشهر . فالله أعلم .

وكان في مدة ولايته مريضا ، لم يخرج إلى الناس ، وكان الضحاك بن قيس هو الذي يصلي بالناس ، ويسد الأمور . ومات معاوية بن يزيد هذا عن إحدى وعشرين سنة وقيل : ثلاث وعشرين سنة وثمانية عشر يوما . وقيل : تسع عشرة سنة . وقيل : عشرين سنة . وقيل : ثلاث وعشرين سنة . وقيل : إنما عاش ثماني عشرة سنة . وقيل : خمس عشرة سنة . فالله أعلم . وصلى عليه أخوه خالد ، وقيل : عثمان بن عنبسة . وقيل : الوليد بن عتبة . وهذا هو الصحيح ، فإنه أوصى إليه [ ص: 663 ] بذلك ، وشهد دفنه مروان بن الحكم ، وكان الضحاك بن قيس هو الذي يصلي بالناس بعده حتى استقر الأمر لمروان بالشام ، ودفن بمقابر باب الصغير بدمشق . ولما حضرته الوفاة قيل له : ألا توصي ؟ فقال : لا أتزود مرارتها وأترك حلاوتها لبني أمية . وكان ، رحمه الله ، أبيض شديد البياض ، كثير الشعر ، كبير العينين ، جعد الشعر ، أقنى الأنف ، مدور الرأس ، جميل الوجه دقيقه ، حسن الجسم .

قال أبو زرعة الدمشقي : معاوية وعبد الرحمن وخالد إخوة ، وكانوا من صالحي القوم . وقال فيه بعض الشعراء ، وهو عبد الله بن همام السلولي :


تلقاها يزيد عن أبيه فدونكها معاوي عن يزيدا     أديروها بني حرب عليكم
ولا ترموا بها الغرض البعيدا

ويروى أن معاوية بن يزيد هذا نادى في الناس : الصلاة جامعة . ذات يوم ، فاجتمع الناس ، فقال لهم فيما قال : يا أيها الناس ، إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه ، فإن أحببتم تركتها لرجل قوي ، كما تركها الصديق لعمر ، وإن شئتم تركتها شورى في ستة منكم كما تركها عمر بن الخطاب وليس فيكم من هو صالح لذلك ، وقد تركت لكم أمركم ، فولوا عليكم من يصلح لكم . ثم نزل [ ص: 664 ] ودخل منزله ، فلم يخرج منه حتى مات ، رحمه الله تعالى . ويقال : إنه سقي . ويقال : إنه طعن .

وقد حضر مروان دفنه ، فلما فرغ منه قال مروان : أتدرون من دفنتم ؟ قالوا : نعم معاوية بن يزيد . فقال مروان : هو أبو ليلى الذي قال فيه أزنم الفزاري :


إني أرى فتنة تغلي مراجلها     والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا

قالوا : كان الأمر كما قال . وذلك أن أبا ليلى توفي عن غير عهد منه إلى أحد فتغلب على الحجاز عبد الله بن الزبير ، وعلى دمشق وأعمالها مروان بن الحكم ، وبايع أهل خراسان سلم بن زياد حتى يتولى على الناس خليفة ، فسار فيهم سلم سيرة حسنة أحبوه عليها ، ثم أخرجوه من بين أظهرهم ، وخرج القراء والخوارج بالبصرة ، وعليهم نافع بن الأزرق ، وطردوا عنهم عبيد الله بن زياد - بعد ما كانوا بايعوه عليهم - حتى يصير للناس إمام ، فذهب إلى الشام بعد فصول يطول ذكرها ، وقد بايعوا بعده عبد الله بن الحارث بن نوفل المعروف بببة ، وأمه هند بنت أبي سفيان ، وقد جعل على شرطة البصرة هميان بن عدي السدوسي ، فبايعه الناس في مستهل جمادى الآخرة ، سنة أربع وستين ، وقد قال الفرزدق :


وبايعت أقواما وفيت بعهدهم     وببة قد بايعته غير نادم



[ ص: 665 ] فأقام فيهم أربعة أشهر ، ثم لزم بيته ، فكتب أهل البصرة إلى ابن الزبير ، فكتب ابن الزبير إلى أنس بن مالك يأمره أن يصلي بالناس ، فصلى بهم شهرين ، ثم كان ما سنذكره . وخرج نجدة بن عامر الحنفي باليمامة ، وخرج بنو ماحوز في الأهواز وفارس وغير ذلك ، على ما سيأتي تفصيله قريبا . إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية