صفحة جزء
وممن توفي فيها من الأعيان

الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين ، التميمي السعدي ، أبو بحر البصري

ابن أخي صعصعة بن معاوية ، والأحنف لقب له ، وإنما اسمه الضحاك ، وقيل : صخر ، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ، وجاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له .

[ ص: 170 ] وكان سيدا شريفا مطاعا مؤمنا ، عليم اللسان ، وكان يضرب بحلمه المثل ، وله أخبار في حلمه سارت بها الركبان ، قال عنه عمر بن الخطاب : هو مؤمن عليم اللسان . وقال الحسن البصري : ما رأيت شريف قوم أفضل منه . وقال أحمد بن عبد الله العجلي : هو بصري تابعي ثقة ، وكان سيد قومه ، وكان أعور أحنف الرجلين ، دميما قصيرا كوسجا ، له بيضة واحدة ، احتبسه عمر سنة يختبره ، ثم قال : هذا والله السيد . وقيل : إنه خطب عند عمر فأعجبه منطقه ، قيل : ذهبت عينه بالجدري ، وقيل : في فتح سمرقند . وقال يعقوب بن سفيان : كان الأحنف جوادا حليما ، وكان رجلا صالحا ، أدرك الجاهلية ثم أسلم ، وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فاستغفر له .

وقال محمد بن سعد : كان ثقة مأمونا قليل الحديث ، وكان كثير [ ص: 171 ] الصلاة بالليل ، وكان يسرج المصباح ، وكان يضع إصبعه فيه ، ثم يقول لنفسه : إذا لم تصبر على المصباح ، فكيف تصبر على نار جهنم ؟ وقيل له : بأي شيء سودك قومك ؟ قال : لو عاب الماء الناس ما شربته . وكان الأحنف لا يحسد ، ولا يجهل ، ولا يدفع الحق ، وقال : إن من السؤدد الصبر على الذل ، وكفى بالحلم ناصرا . وقال : ما نازعني أحد إلا أخذت من أمري إحدى ثلاث : إن كان فوقي عرفت قدره ، وإن كان دوني رفعت نفسي عنه ، وإن كان مثلي تفضلت . وقال : ما ذكرت أحدا بسوء بعد أن يقوم من عندي ، ولا سمعت كلمة تسوءني إلا طأطأت رأسي ; لما هو أعظم منها . وأغلظ له رجل في الكلام ، فلما وصل إلى نادي قومه وقف ، وقال : إن كان عندك شيء آخر فقل ; لئلا يسمعك قومي فيؤذوك .

وقيل : إن عبد الملك بن مروان كتب إليه يدعوه لنفسه ، ويعده بولاية الشام ، فقال : يدعوني ابن الزرقاء إلى ولاية الشام ، والله وددت أن بيني وبينهم جبلا من نار . وكان زياد بن أبيه يقول : قد بلغ الأحنف من السؤدد والشرف ما لا ينفعه معه ولاية ، ولا يضره عزل ، وإنه ليفر من الشرف وهو يتبعه .

وقال الحاكم : وهو الذي افتتح مرو الروذ ، وكان الحسن وابن سيرين في [ ص: 172 ] جيشه . وقيل : إنه مات سنة سبع وستين - وقيل غير ذلك - عن سبعين سنة . وقيل : عن أكثر من ذلك .

ومن كلامه وقد سئل عن الحلم ما هو ؟ فقال : الذل مع الصبر . وكان إذا تعجب الناس من حلمه يقول : والله إني لأجد ما تجدون ولكني صبور . وقال : وجدت الحلم أنصر لي من الرجال . وقد انتهى إليه الحلم والسؤدد ، وقال : أحي معروفك بإماتة ذكره . وقال : عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين كيف يتكبر ؟ ! وقال : ما أتيت باب أحد من هؤلاء إلا أن أدعى ، ولا دخلت بين اثنين إلا أن يدخلاني بينهما . وقال له رجل : بم سدت قومك ؟ قال : بتركي من أمرك ما لا يعنيني ، كما عناك من أمري ما لا يعنيك . وأغلظ له رجل في الكلام ، وقال : والله يا أحنف ، لئن قلت لي واحدة لتسمعن بدلها عشرا . فقال له : إنك إن قلت لي عشرا لا تسمع مني واحدة . وكان يقول في دعائه : اللهم إن تعذبني فأنا أهل لذلك ، وإن تغفر لي فأنت أهل لذلك .

وقد كان زياد بن أبيه يقربه ويعظمه ويدنيه ، فلما مات زياد وولي ابنه عبيد الله لم يرفع به رأسا ، فتأخرت عنده منزلته ; لقبح منظره ، وصار يقدم عليه من هو دونه ، فلما وفد برؤساء أهل العراق على معاوية ، أدخلهم [ ص: 173 ] عليه على مراتبهم عنده ، فكان الأحنف آخر من أدخله عليه ، فلما رآه معاوية أجله وعظمه ، وأدناه وكرمه ، وأجلسه معه على الفراش ، ثم أقبل عليه يحادثه دونهم ، ثم شرع الحاضرون في الثناء على عبيد الله بن زياد ، والأحنف ساكت ، فقال له معاوية : ما لك لا تتكلم ؟ قال : إن تكلمت خالفتهم . فقال معاوية : اشهدوا علي أني قد عزلت عبيد الله عن العراق . ثم قال لهم : انظروا لكم نائبا عليكم . وأجلهم ثلاثة أيام ، فاختلفوا بينهم اختلافا كثيرا ، ولم يذكر أحد منهم بعد ذلك عبيد الله ، ولا طلبه أحد منهم ، ولم يتكلم الأحنف في هذه الأيام في ذلك كلمة واحدة مع أحد منهم ، فلما اجتمعوا بعد ثلاث أفاضوا في ذلك ، وكثر اللغط وارتفعت الأصوات ، والأحنف ساكت ، فقال له معاوية : تكلم . فقال له : إن كنت تريد أن تولي فيها أحدا من أهل بيتك فليس فيهم من هو مثل عبيد الله فإنه رجل حازم ، ولا يسد أحد منهم مسده ، وإن كنت تريد غيره فأنت أعلم بنوابك . فرده معاوية إلى الولاية ، ثم قال له بينه وبينه : كيف جهلت مثل الأحنف ؟ إنه عزلك وولاك وهو ساكت . فعظمت منزلة الأحنف بعد ذلك عند ابن زياد .

توفي الأحنف بالكوفة ، وصلى عليه مصعب بن الزبير ، ومشى في [ ص: 174 ] جنازته . ذكر الواقدي أنه قدم على معاوية فوجده غضبان على ابنه يزيد ، وأنه أصلح بينهما بكلام ، قال : فبعث معاوية إلى يزيد بمال جزيل ، وقماش كثير ، فأعطى يزيد نصفه للأحنف . والله سبحانه أعلم .

البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري ، الحارثي الأوسي

صحابي جليل ، وأبوه أيضا صحابي ، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة ، وحدث عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ، وعنه جماعة من التابعين ، وبعض الصحابة ، وقيل : إنه مات بالكوفة في أيام مصعب على العراق .

عبيدة السلماني القاضي

وهو عبيدة بن عمرو - ويقال : ابن قيس بن عمرو - السلماني ، المرادي ، أبو عمرو الكوفي ، وسلمان بطن من مراد ، أسلم عبيدة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عن ابن مسعود وعلي وابن الزبير ، وحدث عنه جماعة من التابعين ، وقال الشعبي : كان يوازي شريحا في القضاء . وقال ابن [ ص: 175 ] نمير : كان شريح إذا أشكل عليه أمر كتب إلى عبيدة فيه ، وانتهى إلى قوله . وقد أثنى عليه غير واحد ، وكانت وفاته في هذه السنة ، وقيل : سنة ثلاث ، وقيل : أربع وسبعين ، فالله أعلم .

وقد قيل : إن مصعب بن الزبير قتل في هذه السنة ، فالله أعلم .

وممن توفي في هذه السنة من الأعيان :

عبد الله بن السائب بن صيفي المخزومي ، قارئ أهل مكة ، له صحبة ورواية ، وقرأ على أبي بن كعب ، وقرأ عليه مجاهد وغيره .

عطية بن بسر المازني

له صحبة ورواية ، توفي بالمدينة .

عبيد بن نضلة ، أبو معاوية ، الخزاعي الكوفي

مقرئ أهل الكوفة ، مشهور بالخير والعبادة ، توفي بالكوفة في هذه السنة .

عبيد الله بن قيس الرقيات ، القرشي العامري

أحد الشعراء ، مدح [ ص: 176 ] مصعب بن الزبير ، وعبد الله بن جعفر .

عبد الله بن همام ، أبو عبد الرحمن الشاعر ، السلولي

أحد الشعراء الفصحاء ، مدح يزيد بن معاوية بعد أن هجاه بقوله :


شربنا الغيض حتى لو سقينا دماء بني أمية ما روينا     ولو جاءوا برملة أو بهند
لبايعنا أمير المؤمنينا



التالي السابق


الخدمات العلمية