ثم كانت 
وقعة دير الجماجم  في شعبان من هذه السنة . قاله 
الواقدي    . 
وذلك أن 
ابن الأشعث  لما قصد 
الكوفة  خرج إليه أهلها ، فتلقوه ، وحفوا به ، ودخلوا بين يديه ، غير أن شرذمة قليلة أرادت أن تقاتله دون 
مطر بن ناجية  نائب 
الحجاج ،  فلم يمكنهم من ذلك ، فعدلوا إلى القصر ، فلما وصل 
ابن الأشعث  إلى 
الكوفة  أمر بالسلاليم فنصبت على قصر الإمارة ، فأخذه ، واستنزل 
مطر بن ناجية ،  وأراد قتله ، فقال له : استبقني; فإني خير من فرسانك . فحبسه ، ثم استدعاه فأطلقه وبايعه ، واستوثق 
لابن الأشعث  أمر 
الكوفة  ، وانضم إليه من جاء من 
أهل البصرة   ، وكان ممن قدم عليه 
عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن عبد المطلب ،  وأمر بالمسالح من كل جانب ، وحفظت الثغور والطرق والمسالك . 
ثم إن 
الحجاج  ركب فيمن معه من الجيوش الشامية من 
البصرة  في البر ، حتى مر بين 
القادسية  والعذيب ، وبعث إليه 
ابن الأشعث  عبد الرحمن بن العباس  في خيل عظيمة من المصرين ، فمنعوا 
الحجاج  من نزول 
القادسية  ، فسار 
الحجاج  حتى نزل 
دير قرة ،  وجاء 
ابن الأشعث  بمن معه من الجيوش البصرية والكوفية حتى نزل 
دير الجماجم  ، ومعه جنود كثيرة ، وفيهم القراء من المصرين ، وخلق من   
[ ص: 319 ] الصالحين ، وكان 
الحجاج  بعد ذلك يقول : قاتل الله 
ابن الأشعث ،  أما كان يزجر الطير حيث رآني قد نزلت 
دير قرة ،  ونزل هو 
بدير الجماجم    . وكان جملة من اجتمع مع 
ابن الأشعث  مائة ألف مقاتل ، ممن يأخذ العطاء ، ومعهم مثلهم من مواليهم ، وقدم على 
الحجاج  في غبون ذلك أمداد كثيرة من 
الشام  ، وخندق كل من الطائفتين على نفسه وحول جيشه خندقا ، يمتنع به من الوصول إليهم ، غير أن الناس كان يبرز بعضهم لبعض في كل يوم فيقتتلون قتالا شديدا في كل يوم ، حتى أصيب من رءوس الناس خلق من 
قريش  وغيرهم ، واستمر هذا الحال مدة طويلة ، واجتمع الأمراء من أهل المشورة عند 
 nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان  ، فقالوا له : إن كان 
أهل العراق   يرضيهم منك أن تعزل عنهم 
الحجاج  فهو أيسر من قتالهم وسفك دمائهم ، فاستحضر 
عبد الملك  عند ذلك أخاه 
محمد بن مروان  ، وابنه 
عبد الله بن عبد الملك بن مروان  ، ومعهما جنود كثيرة جدا ، وكتب معهما كتابا إلى 
أهل العراق   يقول لهم : إن كان يرضيكم مني عزل 
الحجاج  عنكم عزلته ، وأبقيت عليكم أعطياتكم مثل 
أهل الشام   ، وليختر 
ابن الأشعث  أي بلد شاء يكون عليه أميرا ما عاش وعشت ، وتكون إمرة 
العراق  لمحمد بن مروان    . وقال في عهده هذا : فإن لم يجب 
أهل العراق   إلى ذلك 
فالحجاج  على ما هو عليه ، وإليه إمرة الحرب ، 
ومحمد بن مروان  وعبد الله بن عبد الملك  في طاعته وتحت أمره ، لا يخرجون   
[ ص: 320 ] عن رأيه في الحرب وغيره . 
ولما بلغ 
الحجاج  ما كتب به 
عبد الملك  إلى 
أهل العراق   من عزله إن رضوا به ، شق عليه ذلك مشقة عظيمة جدا ، وعظم شأن هذا الرأي عنده ، وكتب إلى 
عبد الملك    : يا أمير المؤمنين ، والله لئن أعطيت 
أهل العراق   نزعي عنهم لا يلبثون إلا قليلا حتى يخالفوك ويسيروا إليك ، ولا يزيدهم ذلك إلا جرأة عليك ، ألم تر وتسمع بوثوب 
أهل العراق   مع 
 nindex.php?page=showalam&ids=13707الأشتر النخعي  على 
ابن عفان  فلما سألهم : ما تريدون؟ قالوا : نزع 
سعيد بن العاص ،  فلما نزعه لم تتم لهم السنة حتى ساروا إليه فقتلوه؟ وإن الحديد بالحديد يفلح ، كان الله لك فيما ارتأيت ، والسلام عليك . 
قال : فأبى 
عبد الملك  إلا عرض هذه الخصال على 
أهل العراق   كما أمر ، فتقدم 
عبد الله  ومحمد ،  فنادى 
عبد الله    : يا معشر 
أهل العراق ،   أنا 
عبد الله  ابن أمير المؤمنين 
 nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان  وإنه يعرض عليكم كيت وكيت ، فذكر ما كتب به أبوه معه إليهم من هذه الخصال . وقال 
محمد بن مروان    : وأنا رسول أخي أمير المؤمنين إليكم بذلك . فقالوا : ننظر في أمرنا غدا ، ونرد عليكم الخبر عشية ، ثم انصرفوا ، فاجتمع جميع الأمراء إلى 
ابن الأشعث ،  فقام فيهم خطيبا ،   
[ ص: 321 ] وندبهم إلى قبول ما عرض عليهم من عزل 
الحجاج  عنهم ، وبيعة 
عبد الملك ،  وإبقاء الأعطيات ، وإمرة 
محمد بن مروان  على 
العراق  بدل 
الحجاج    . فنفر الناس من كل جانب ، وقالوا : لا والله لا نقبل ذلك; نحن أكثر عددا وعددا ، وهم في ضيق من الحال ، وقد حكمنا عليهم وذلوا لنا ، والله لا نجيب إلى ذلك أبدا . ثم جددوا خلع 
 nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان  ثانية ، واتفقوا على ذلك كلهم . 
فلما بلغ 
عبد الله بن عبد الملك  وعمه 
محمد بن مروان  الخبر قالا 
 nindex.php?page=showalam&ids=14078للحجاج    : شأنك بهم إذا ، فنحن في طاعتك كما أمرنا أمير المؤمنين . فكانا إذا لقياه سلما عليه بالإمرة ، ويسلم هو أيضا عليهم بالإمرة ، وتولى 
الحجاج  أمر الحرب وتدبيرها ، كما كان قبل ذلك ، فعند ذلك برز كل من الفريقين للقتال والحرب ، فجعل 
الحجاج  على ميمنته 
عبد الرحمن بن سليمان الكلبي ،  وعلى ميسرته 
عمارة بن تميم اللخمي  ، وعلى الخيل 
سفيان بن الأبرد ،  وعلى الرجالة 
عبد الرحمن بن حبيب الحكمي ،  وجعل 
ابن الأشعث  على ميمنته 
الحجاج بن حارثة الخثعمي ،  وعلى الميسرة 
الأبرد بن قرة التميمي ،  وعلى الخيالة 
عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة ،  وعلى الرجالة 
 nindex.php?page=showalam&ids=16964محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري ،  وعلى القراء 
جبلة بن زحر بن قيس الجعفي ،  وكان في القراء 
سعيد بن جبير  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14577وعامر الشعبي ،   nindex.php?page=showalam&ids=16330وعبد الرحمن بن أبي ليلى ،  وكميل بن زياد    - وكان شجاعا فاتكا على   
[ ص: 322 ] كبر سنه - 
 nindex.php?page=showalam&ids=11827وأبو البختري الطائي  وغيرهم . 
وجعلوا يقتتلون في كل يوم ، 
وأهل العراق   تأتيهم الميرة من الرساتيق والأقاليم ، من العلف والطعام وغيره ، وأما 
أهل الشام   الذين مع 
الحجاج  ففي ضيق من العيش ، وقلة من الطعام ، وقد فقدوا اللحم بالكلية فلا يجدونه ، وما زالت الحرب في هذه المدة كلها ، حتى انسلخت هذه السنة وهم على حالهم وقتالهم في كل يوم ، أو يوم بعد يوم ، والدائرة 
لأهل العراق   على 
أهل الشام   في أكثر الأيام ، وقد قتل من أصحاب 
الحجاج  زياد بن غنم ،  وكسر 
بسطام بن مصقلة  في أربعة آلاف جفون سيوفهم ، واستقتلوا ، وكانوا من أصحاب 
ابن الأشعث    .