صفحة جزء
محمد بن جحادة : حدثنا الزبير بن عدي ، عن مصعب بن سعد أن سعدا خطبهم بالكوفة فقال : يا أهل الكوفة ، أي أمير كنت لكم ؟ فقام رجل فقال : اللهم ، إن كنت ما علمتك لا تعدل في الرعية ، ولا تقسم بالسوية ، ولا تغزو في السرية ، فقال سعد : اللهم إن كان كاذبا ، فأعم بصره ، وعجل فقره ، وأطل عمره ، وعرضه للفتن . [ ص: 114 ] قال : فما مات حتى عمي ، فكان يلتمس الجدرات ، وافتقر حتى سأل ، وأدرك فتنة المختار فقتل فيها .

عمرو بن مرزوق : حدثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن سعيد بن المسيب قال : خرجت جارية لسعد عليها قميص جديد ، فكشفتها الريح ، فشد عمر عليها بالدرة ، وجاء سعد ليمنعه ، فتناوله بالدرة ، فذهب سعد يدعو على عمر ، فناوله الدرة وقال : اقتص . فعفا عن عمر .

أسد بن موسى : حدثنا يحيى بن زكريا ، حدثنا إسماعيل ، عن قيس قال : كان لابن مسعود على سعد مال : فقال له ابن مسعود : أد المال . قال : ويحك مالي ، ولك ؟ قال : أد المال الذي قبلك . فقال سعد : والله إني لأراك لاق مني شرا ، هل أنت إلا ابن مسعود وعبد بني هذيل . قال : أجل والله ، وإنك لابن حمنة . فقال لهما هاشم بن عتبة : إنكما صاحبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليكما الناس . فطرح سعد عودا كان في يده ، ثم رفع يده ، فقال : اللهم رب السماوات . فقال له عبد الله : قل قولا ولا تلعن ، فسكت ، ثم قال سعد : أما والله لولا اتقاء الله ، لدعوت عليك دعوة لا تخطئك . [ ص: 115 ] رواه ابن المديني ، عن سفيان ، عن إسماعيل وكان قد أقرضه شيئا من بيت المال .

ومن مناقب سعد أن فتح العراق كان على يدي سعد ، وهو كان مقدم الجيوش يوم وقعة القادسية ونصر الله دينه . ونزل سعد بالمدائن ، ثم كان أمير الناس يوم جلولاء فكان النصر على يده ، واستأصل الله الأكاسرة .

فروى زياد البكائي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال : قال ابن عم لنا يوم القادسية :

ألم تر أن الله أنزل نصره وسعد بباب القادسية معصم     فأبنا وقد آمت نساء كثيرة
ونسوة سعد ليس فيهن أيم

فلما بلغ سعدا قال : اللهم اقطع عني لسانه ويده . فجاءت نشابة أصابت فاه ، فخرس ، ثم قطعت يده في القتال . وكان في جسد سعد قروح ، فأخبر الناس بعذره عن شهود القتال .

وروى نحوه سيف بن عمر ، عن عبد الملك .

هشيم : عن أبي مسلم ، عن مصعب بن سعد ، أن رجلا نال من علي ، [ ص: 116 ] فنهاه سعد ، فلم ينته ، فدعا عليه . فما برح حتى جاء بعير ناد فخبطه حتى مات .

ولهذه الواقعة طرق جمة رواها ابن أبي الدنيا في " مجابي الدعوة " وروى نحوها الزبير بن بكار ، عن إبراهيم بن حمزة ، عن أبي أسامة ، عن ابن عون ، عن محمد بن محمد الزهري ، عن عامر بن سعد . وحدث بها أبو كريب عن أبي أسامة . ورواها ابن حميد ، عن ابن المبارك ، عن ابن عون ، عن محمد بن محمد بن الأسود .

وقرأتها على عمر بن القواس ، عن الكندي ، أنبأنا أبو بكر القاضي ، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي ، حضورا ، أنبأنا ابن ماسي أنبأنا أبو مسلم ، حدثنا الأنصاري ، حدثنا ابن عون ، وحدث بها ابن علية ، عن محمد بن محمد .

ورواها ابن جدعان : عن ابن المسيب أن رجلا كان يقع في علي وطلحة والزبير ، فجعل سعد ينهاه ويقول : لا تقع في إخواني ، فأبى ، فقام سعد ، وصلى ركعتين ودعا ، فجاء بختي يشق الناس ، فأخذه بالبلاط ، فوضعه بين كركرته والبلاط حتى سحقه ، فأنا رأيت الناس يتبعون سعدا يقولون : هنيئا لك يا أبا إسحاق ، استجيبت دعوتك . [ ص: 117 ]

قلت : في هذا كرامة مشتركة بين الداعي والذين نيل منهم .

جرير الضبي : عن مغيرة ، عن أمه قالت : زرنا آل سعد ، فرأينا جارية كأن طولها شبر . قلت : من هذه ؟ قالوا : ما تعرفينها ؟ هذه بنت سعد ، غمست يدها في طهوره ، فقال : قطع الله قرنك ، فما شبت بعد .

وروى عبد الرزاق : عن أبيه ، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف ، أن امرأة كانت تطلع على سعد ، فينهاها ، فلم تنته ، فاطلعت يوما وهو يتوضأ ، فقال : شاه وجهك ، فعاد وجهها في قفاها .

مينا : متروك .

حاتم بن إسماعيل : حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده قال : دعا سعد بن أبي وقاص فقال : يا رب ، بني صغار ، فأخر عني الموت حتى يبلغوا ، فأخر عنه الموت عشرين سنة .

قال خليفة بن خياط : وفي سنة خمس عشرة وقعة القادسية ، وعلى المسلمين سعد ، وفي سنة إحدى وعشرين شكا أهل الكوفة سعدا أميرهم إلى عمر ، فعزله . [ ص: 118 ]

وقال الليث بن سعد : كان فتح جلولاء سنة تسع عشرة ، افتتحها سعد بن أبي وقاص .

قلت : قتل المجوس يوم جلولاء قتلا ذريعا ، فيقال : بلغت الغنيمة ثلاثين ألف ألف درهم .

وعن أبي وائل قال : سميت جلولاء فتح الفتوح .

قال الزهري : لما استخلف عثمان ، عزل عن الكوفة المغيرة ، وأمر عليها سعدا .

وروى حصين ، عن عمرو بن ميمون ، عن عمر أنه لما أصيب ، جعل الأمر شورى في الستة وقال : من استخلفوه فهو الخليفة بعدي ، وإن أصابت سعدا ، وإلا فليستعن به الخليفة بعدي ، فإنني لم أنزعه ، يعني عن الكوفة ، من ضعف ولا خيانة .

ابن علية : حدثنا أيوب ، عن محمد قال : نبئت أن سعدا قال : ما أزعم أني بقميصي هذا أحق مني بالخلافة ، جاهدت وأنا أعرف بالجهاد ، ولا أبخع نفسي إن كان رجلا خيرا مني ، لا أقاتل حتى يأتوني بسيف له عينان ولسان ، فيقول : هذا مؤمن وهذا كافر . [ ص: 119 ]

وتابعه معمر ، عن أيوب .

أخبرنا أبو الغنائم القيسي ، وجماعة ، كتابة ، قالوا : أنبأنا حنبل ، أنبأنا هبة الله ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا القطيعي ، حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الملك بن عمرو ، حدثنا كثير بن زيد ، عن المطلب ، عن عمر بن سعد ، عن أبيه أنه جاءه ابنه عامر فقال : أي بني ، أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأسا ؟ لا والله ، حتى أعطى سيفا ، إن ضربت به مسلما ، نبا عنه ، وإن ضربت كافرا قتله ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله يحب الغني الخفي التقي " .

الزبير : حدثنا محمد بن الضحاك الحزامي ، عن أبيه قال : قام علي على منبر الكوفة ، فقال حين اختلف الحكمان : لقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة ، فعصيتموني . فقام إليه فتى آدم ، فقال : إنك والله ما نهيتنا ، بل أمرتنا وذمرتنا فلما كان منها ما تكره ، برأت نفسك ، ونحلتنا ذنبك . فقال علي - رضي الله عنه - : ما أنت وهذا الكلام قبحك الله ! والله لقد كانت الجماعة ، فكنت فيها خاملا ، فلما ظهرت الفتنة ، نجمت فيها نجوم [ ص: 120 ] قرن الماعز . ثم التفت إلى الناس فقال : لله منزل نزله سعد بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، والله لإن كان ذنبا ، إنه لصغير مغفور ، ولإن كان حسنا ، إنه لعظيم مشكور .

أبو نعيم : حدثنا أبو أحمد الحاكم ، حدثنا ابن خزيمة ، حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا محمد بن جحادة ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي حازم ، عن حسين بن خارجة الأشجعي قال : لما قتل عثمان ، أشكلت علي الفتنة ، فقلت : اللهم أرني من الحق أمرا أتمسك به ، فرأيت في النوم الدنيا والآخرة بينهما حائط ، فهبطت الحائط ، فإذا بنفر ، فقالوا : نحن الملائكة ، قلت : فأين الشهداء ؟ قالوا : اصعد الدرجات ، فصعدت درجة ثم أخرى ، فإذا محمد وإبراهيم - صلى الله عليهما - وإذا محمد يقول لإبراهيم : استغفر لأمتي ، قال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم أهراقوا دماءهم ، وقتلوا إمامهم ، ألا فعلوا كما فعل خليلي سعد ؟

قال : قلت : لقد رأيت رؤيا ، فأتيت سعدا ، فقصصتها عليه ، فما أكثر فرحا ، وقال : قد خاب من لم يكن إبراهيم - عليه السلام - خليله ، قلت : مع أي الطائفتين أنت ؟ قال : ما أنا مع واحد منهما ، قلت : فما تأمرني ؟ قال : هل لك من غنم ؟ قلت : لا ، قال : فاشتر غنما ، فكن فيها حتى تنجلي .

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو محمد بن قدامة ، أنبأنا هبة الله [ ص: 121 ] ابن الحسن ، أنبأنا عبد الله بن علي الدقاق ، أخبرنا علي بن محمد ، أنبأنا محمد بن عمرو ، حدثنا سعدان بن نصر ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : مرضت عام الفتح مرضا أشفيت منه ، فأتاني رسول الله ، - صلى الله عليه وسلم - ، يعودني ، فقلت : " يا رسول الله ، إن لي مالا كثيرا ، وليس يرثني إلا ابنة ، أفأوصي بمالي كله ؟ قال : لا ، قلت : فالشطر ، قال : لا ، قلت : فالثلث ، قال : والثلث كثير ، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس ، لعلك تؤخر على جميع أصحابك ، وإنك لن تنفق نفقة تريد بها وجه الله ، إلا أجرت فيها ، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك ، قلت : يا رسول الله إني أرهب أن أموت بأرض هاجرت منها ، قال : لعلك أن تبقى حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون ، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم ، لكن البائس سعد بن خولة " ، يرثي له أنه مات بمكة .

متفق عليه من طرق عن الزهري . [ ص: 122 ]

وعن علي بن زيد : عن الحسن قال : لما كان الهيج في الناس ، جعل رجل يسأل عن أفاضل الصحابة ، فكان لا يسأل أحدا إلا دله على سعد بن مالك .

وروى عمر بن الحكم : عن عوانة قال : دخل سعد على معاوية ، فلم يسلم عليه بالإمرة ، فقال معاوية : لو شئت أن تقول غيرها لقلت ، قال : فنحن المؤمنون ولم نؤمرك ، فإنك معجب بما أنت فيه ، والله ما يسرني أني على الذي أنت عليه وأني هرقت محجمة دم .

قلت : اعتزل سعد الفتنة ، فلا حضر الجمل ولا صفين ولا التحكيم ، ولقد كان أهلا للإمامة ، كبير الشأن ، رضي الله عنه .

روى نعيم بن حماد ، حدثنا ابن إدريس ، عن هشام ، عن ابن سيرين أن سعد بن أبي وقاص طاف على تسع جوار في ليلة ، ثم استيقظت العاشرة لما أيقظها ، فنام هو ، فاستحيت أن توقظه .

حماد بن سلمة : عن سماك ، عن مصعب بن سعد أنه قال : كان رأس أبي في حجري ، وهو يقضي ، فبكيت ، فرفع رأسه إلي ، فقال : أي بني ما يبكيك ؟ قلت : لمكانك وما أرى بك . قال : لا تبك ; فإن الله لا يعذبني أبدا ، وإني من أهل الجنة .

قلت : صدق والله ، فهنيئا له .

الليث ، عن عقيل ، عن الزهري أن سعد بن أبي وقاص لما احتضر ، دعا بخلق جبة صوف ، فقال : كفنوني فيها ; فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر ، [ ص: 123 ] وإنما خبأتها لهذا اليوم .

ابن سعد : أنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا فروة بن زبيد عن عائشة بنت سعد قالت : أرسل أبي إلى مروان بزكاته خمسة آلاف ، وترك يوم مات مائتي ألف وخمسين ألفا .

قال الزبير بن بكار : كان سعد قد اعتزل في آخر عمره ، في قصر بناه بطرف حمراء الأسد .

وعن أم سلمة أنها قالت : لما مات سعد ، وجيء بسريره ، فأدخل عليها ، جعلت تبكي وتقول : بقية أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

النعمان بن راشد : عن الزهري ، عن عامر بن سعد قال : كان سعد آخر المهاجرين وفاة .

قال المدائني ، وأبو عبيدة ، وجماعة : توفي سنة خمس وخمسين [ ص: 124 ]

وروى نوح بن يزيد عن إبراهيم بن سعد أن سعدا مات وهو ابن اثنتين وثمانين سنة ، في سنة ست وخمسين ، وقيل : سنة سبع .

وقال أبو نعيم الملائي : سنة ثمان وخمسين وتبعه قعنب بن المحرز . والأول هو الصحيح .

وقع له في " مسند بقي بن مخلد " مائتان وسبعون حديثا . فمن ذاك في الصحيح ثمانية وثلاثون حديثا .

التالي السابق


الخدمات العلمية