صفحة جزء
إبراهيم بن عبد الله بن حسن

العلوي ، الذي خرج بالبصرة زمن خروج أخيه بالمدينة .

[ ص: 219 ] قال مطهر بن الحارث : أقبلنا مع إبراهيم من مكة نريد البصرة ونحن عشرة ، فنزلنا على يحيى بن زياد .

وعن إبراهيم قال : اضطرني الطلب بالموصل حتى جلست على موائد أبي جعفر ، وكان قد قدمها يطلبني فتحيرت ولفظتني الأرض ، وضاقت علي . ووضع علي الأرصاد ، ودعا يوما الناس إلى غدائه فدخلت وأكلت .

وجرت لهذا ألوان في اختفائه ، وربما يظفر به بعض الأعوان ، فيطلقه لما يعلم من ظلم عدوه .

ثم اختفى بالبصرة وهو يدعو إلى نفسه ، فاستجاب له خلق لشدة بغضهم في أبي جعفر . قال ابن سعد : ظهر محمد ، وغلب على الحرمين ، فوجه أخاه إبراهيم إلى البصرة ، فدخلها في أول رمضان فغلب عليها ، وبيض أهلها ، ورموا السواد فخرج معه عدة علماء . وقيل : لما قارب جمعه أربعة آلاف ، شهر أمره ونزل في دار أبي مروان النيسابوري .

قال عبد الله بن سفيان : أتيت إبراهيم وهو مرعوب . فأخبرته بكتاب أخيه وأنه ظهر بالمدينة ويأمره بالظهور . فوجم لها واغتم . فأخذت أسهل عليه وأقول : معك مضاء التغلبي ، والطهوي ، والمغيرة ، وأنا ، ونخرج في الليل إلى السجن فنفتحه ويصبح معك خلق ، فطابت نفسه .

وبلغ المنصور فندب جيشا إلى البصرة . وسار بنفسه ، فضبط الكوفة خوفا من وثوب الشيعة .

[ ص: 220 ] قال أبو الحسن الحذاء : ألزم أبو جعفر الناس بالسواد ، فكنت أرى بعضهم يصبغ بالمداد ، ثم أخذ يحبس أو يقتل كل من يتهمه . وكانت البيعة في السر تعمل بالكوفة لإبراهيم . وكان بالموصل ألفان لمكان الخوارج ، فطلبهم المنصور فقاتلهم بعض من هوي إبراهيم . فقتل منهم خمسمائة . وصار إبراهيم في أول رمضان إلى مقبرة بني يشكر في بضعة عشر فارسا . ثم صلى بالناس الصبح في الجامع . فتحصن منه نائب البصرة . وكان يتراكك في أمره حتى تمكن إبراهيم ، ثم نزل إليه بأمان ، فقيده بقيد خفيف ، وعفا عن الأجناد . فانتدب لحربه جعفر بن سليمان وأخوه محمد في ستمائة فارس . فأبرز إبراهيم لحربهم مضاء في خمسين مقاتلا ، فهزمهم مضاء وجرح محمد بن سليمان . ووجد إبراهيم في بيت المال ستمائة ألف ففرقها على عسكره خمسين خمسين .

ثم جهز المغيرة في خمسين مقاتلا فقدمها ، وقد التف معه نحو مائتين . فهزم متولي الأهواز محمد بن حصين واستولى المغيرة على البلد .

وهم إبراهيم بالمسير إلى الكوفة ، وبعث جماعة ، فغلبوا على إقليم فارس ، واستعمل على واسط هارون العجلي .

فجهز المنصور لحربه خمسة آلاف ، فجرت بينهم وقعات حتى كل الفريقان ، وبقي إبراهيم سائر رمضان ينفذ عماله على البلاد . وحارب ، فولى المنصور وتحير ، وحدث نفسه بالهرب . فلما جاء نعي محمد بن عبد الله بالمدينة ، رجعت إلى المنصور روحه ، وفت ذلك في عضد إبراهيم ، وبهت . وصلى بالناس العيد بالمصلى ويعرف فيه الحزن .

وقيل : إن المنصور قال : ما أدري ما أصنع ؟ ما عندي نحو ألفي فارس . فمع [ ص: 221 ] ابني بالري ثلاثون ألفا ، ومع محمد بن أشعث بالمغرب أربعون ألفا ، ومع عيسى بالحجاز ستة آلاف . لئن نجوت لا يفارقني ثلاثون ألف فارس . فما لبث أن أتاه عيسى مؤيدا منصورا ، فوجهه لحرب إبراهيم ، وأقبل سلم بن قتيبة الباهلي من الري فكاتب أهل البصرة فلحقت به باهلة . وسار خازم بن خزيمة إلى الأهواز ، وبقي المنصور كالجمل الهائج إلى أن انتصر وقتل إبراهيم . فمكث شهرين لا يأوي إلى فراش .

قال حجاج بن مسلم : دخلت عليه تلك الأيام ، وقد جاءه فتق البصرة ، وفتق فارس ، وواسط ، والمدائن وهو مطرق يتمثل :


ونصبت نفسي للرماح دريئة إن الرئيس لمثلها لفعول

هذا ومائة ألف سيف كامنة حوله بالكوفة ينتظرون صيحة ، فوجدته صقرا أحوذيا مشمرا ، وعن والد علي ابن المديني قال : خرجنا مع إبراهيم فعسكرنا بباخمرا فطفنا ليلة ، فسمع إبراهيم أصوات طنابير وغناء ، فقال : ما أطمع في نصر عسكر فيه هذا .

وعن داود بن جعفر بن سليمان قال : أحصي ديوان إبراهيم على مائة ألف مقاتل . وقيل : بل كانوا عشرة آلاف . وهذا أصح .

وكان مع عيسى بن موسى خمسة عشر ألفا .

وأشير على إبراهيم أن يكبس الكوفة ولو فعل لراحت على المنصور . فقال : بل [ ص: 222 ] أبيت عيسى .

وعن هريم قال : قلت لإبراهيم : لا تظهر على المنصور حتى تأتي الكوفة ، فإن ملكتها لم تقم له قائمة . وإلا فدعني أسير إليها أدعو لك سرا ، ثم أجهر . فلو سمع المنصور هيعة بها ، طار إلى حلوان ، فقال : لا نأمن أن تجيبك منهم طائفة فيرسل إليهم أبو جعفر خيلا فيطأ البريء ، والنطف ، والصغير ، والكبير فنتعرض لإثم . فقلت : خرجت لقتال مثل المنصور وتتوقى ذلك ؟ ! .

لما نزل باخمرا كتب إليه سلم بن قتيبة : إنك قد أصحرت ومثلك أنفس به على الموت . فخندق على نفسك . فإن أنت لم تفعل ، فقد أعرى أبو جعفر عسكره . فخف في طائفة حتى تأتيه فتأخذ بقفاه ، فشاور قواده فقالوا : نخندق على نفوسنا ونحن ظاهرون ؟ ! وقال بعضهم : أنأتيه وهو في أيدينا متى شئنا ؟ ! .

وعن بعضهم قال : التقى الجمعان ، فقلت لإبراهيم : إن الصف إذا انهزم تداعى ، فاجعلنا كراديس فتنادى أصحابه : لا ، لا . وقلت : إنهم مصبحوك في أكمل سلاح وكراع ، ومعك عراة . فدعنا نبيتهم ؟ فقال : إني أكره القتل . فقال : تريد الخلافة ، وتكره القتل ؟ - وباخمرا على يومين من الكوفة - فالتحم الحرب ، وانهزم حميد بن قحطبة . فتداعى الجيش ، فناشدهم عيسى فما أفاد . وثبت هو في مائة فارس . فقيل له : لو تنحيت ؟ قال : لا أزول حتى أقتل أو أنصر ، ولا يقال : انهزم .

وكان المنصور يصغي إلى النجوم ولا يتأثم من ذلك . فيقال : إنه قال لعيسى : إنهم يقولون : إنك لاقيه وإن لك جولة ، ثم يفيء إليك أصحابه . قال عيسى : فلقد رأيتني وما معي إلا ثلاثة أو أربعة . فقال غلامي : علام تقف ؟ ! قلت : [ ص: 223 ] والله لا يراني أهل بيتي منهزما ، فإنا لكذلك إذ صمد ابنا سليمان بن علي لإبراهيم ، فخرجا من خلفه . ولولاهما لافتضحنا . وكان من صنع الله أن أصحابنا لما انهزموا عرض لهم نهر ، ولم يجدوا مخاضة فرجعوا . فانهزم أصحاب إبراهيم ، وثبت هو في خمسمائة . وقيل : بل في سبعين . واشتد القتال ، وتطايرت الرءوس ، وحمي الحرب إلى أن جاء سهم غرب لا يعرف راميه في حلق إبراهيم . فتنحى ، وأنزلوه وهو يقول : وكان أمر الله قدرا مقدورا أردنا أمرا وأراد الله غيره . فحماه أصحابه . فأنكر حميد بن قحطبة اجتماعهم . وحمل عليهم فانفرجوا عن إبراهيم . فنزل طائفة ، فاحتزوا رأسه ، رحمه الله ، وأتي بالرأس إلى عيسى ، فسجد ، ونفذه إلى المنصور لخمس بقين من ذي القعدة ، سنة خمس وأربعين وعاش ثمانيا وأربعين سنة . وقيل : كان عليه زردية فحسر من الحر عن صدره فأصيب . وكان قد وصل خلق من المنهزمين إلى الكوفة ، وتهيأ المنصور ، وأعد السبق للهرب إلى الري . فقال له نوبخت المنجم : الظفر لك . فما قبل منه ، فلما كان الفجر ، أتاه الرأس فتمثل بقول معقر البارقي :


فألقت عصاها واستقرت بها النوى     كما قر عينا بالإياب المسافر

قال خليفة : صلى إبراهيم العيد بالناس أربعا . وخرج معه أبو خالد الأحمر ، وهشيم ، وعباد بن العوام ، وعيسى بن يونس ، ويزيد بن هارون ، ولم يخرج شعبة . وكان أبو حنيفة يأمر بالخروج . قال : وحدثني من سمع حماد بن زيد يقول : ما بالبصرة إلا من تغير أيام إبراهيم إلا ابن عون .

[ ص: 224 ] وحدثني ميسور بن بكر : سمع عبد الوارث يقول : فأتينا شعبة ، فقلنا : كيف ترى ؟ قال : أرى أن تخرجوا وتعينوه . فأتينا هشاما الدستوائي ، فلم يجبنا . فأتينا سعيد بن أبي عروبة ، فقال : ما أرى بأسا أن يدخل رجل منزله ، فإن دخل عليه داخل قاتله .

عمر بن شبة ، حدثنا خلاد بن يزيد ، سمعت شعبة يقول : باخمرا بدر الصغرى .

وقال أبو نعيم : لما قتل إبراهيم ، هرب أهل البصرة برا وبحرا ، واستخفى الناس . وقتل معه الأمير بشير الرحال وجماعة كثيرة .

قلت : وعرفت الخزر باختلاف الأمة ، فخرجوا من باب الأبواب ، وقتلوا خلقا بأرمينية ، وسبوا الذرية فلله الأمر ، وتشتت الحسينيون ، وهرب إدريس منهم إلى أقصى بلاد الغرب ثم خرج ابنه هناك ، ثم سم .

وبقي طائفة من الإدريسية ، فتملكوا بعد سنة أربعمائة سنوات ، ولقيت من أولادهم جعفر بن محمد الإدريسي الأديب ، فروى لنا عن ابن باق .

التالي السابق


الخدمات العلمية