صفحة جزء
[ ص: 255 ] الطبقة الخامسة من التابعين

جعفر بن محمد ( ع )

ابن علي بن الشهيد أبي عبد الله ، ريحانة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسبطه ومحبوبه الحسين بن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد مناف بن شيبة ، وهو عبد المطلب بن هاشم ، واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي ، الإمام الصادق شيخ بني هاشم أبو عبد الله القرشي ، الهاشمي ، العلوي ، النبوي ، المدني ، أحد الأعلام .

وأمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي ، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، ولهذا كان يقول : ولدني أبو بكر الصديق مرتين .

وكان يغضب من الرافضة ، ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر ظاهرا وباطنا . هذا لا ريب فيه ، ولكن الرافضة قوم جهلة ، قد هوى بهم الهوى في الهاوية فبعدا لهم ، ولد سنة ثمانين ورأى بعض الصحابة أحسبه رأى أنس بن مالك ، وسهل بن سعد .

حدث عن أبيه أبي جعفر الباقر وعبيد الله بن أبي رافع ، وعروة بن الزبير ، وعطاء بن أبي رباح وروايته عنه في مسلم . وجده القاسم بن محمد ، ونافع العمري ، ومحمد بن المنكدر ، والزهري ، ومسلم بن أبي مريم وغيرهم ، وليس هو بالمكثر إلا عن أبيه . وكانا من جلة علماء المدينة .

[ ص: 256 ] حدث عنه ابنه موسى الكاظم ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ويزيد بن عبد الله بن الهاد وهما أكبر منه ، وأبو حنيفة ، وأبان بن تغلب ، وابن جريج ، ومعاوية بن عمار الدهني ، وابن إسحاق في طائفة من أقرانه ، وسفيان ، وشعبة ، ومالك ، وإسماعيل بن جعفر ، ووهب بن خالد ، وحاتم بن إسماعيل ، وسليمان بن بلال ، وسفيان بن عيينة ، والحسن بن صالح ، والحسن بن عياش أخو أبي بكر ، وزهير بن محمد ، وجعفر بن غياث ، وزيد بن حسن الأنماطي ، وسعيد بن سفيان الأسلمي ، وعبد الله بن ميمون ، وعبد العزيز بن عمران الزهري ، وعبد العزيز الدراوردي ، وعبد الوهاب الثقفي ، وعثمان بن فرقد ، ومحمد بن ثابت البناني ، ومحمد بن ميمون الزعفراني ، ومسلم الزنجي ، ويحيى القطان ، وأبو عاصم النبيل ، وآخرون .

قال مصعب بن عبد الله : سمعت الدراوردي يقول : لم يرو مالك عن جعفر حتى ظهر أمر بني العباس .

قال مصعب : كان مالك يضمه إلى آخر . وقال علي عن يحيى بن سعيد ، قال : أملى علي جعفر بن محمد الحديث الطويل ، يعني في الحج ثم قال : وفي نفسي منه شيء مجالد أحب إلي منه .

قلت : هذه من زلقات يحيى القطان . بل أجمع أئمة هذا الشأن على أن جعفرا أوثق من مجالد . ولم يلتفتوا إلى قول يحيى . وقال إسحاق بن حكيم : قال يحيى القطان : جعفر ما كان كذوبا . وقال إسحاق ابن راهويه ، قلت للشافعي في [ ص: 257 ] مناظرة جرت : كيف جعفر بن محمد عندك ؟ قال : ثقة . وروى عباس عن يحيى بن معين : جعفر بن محمد ثقة مأمون . وروى أحمد بن زهير ، والدارمي ، وأحمد بن أبي مريم ، عن يحيى : ثقة . وزاد ابن أبي مريم عن يحيى : كنت لا أسأل يحيى بن سعيد عن حديثه . فقال : لم لا تسألني عن حديث جعفر ؟ قلت : لا أريده . فقال : إن كان يحفظ ، فحديث أبيه المسند ، يعني حديث جابر في الحج . ثم قال يحيى بن معين : وخرج حفص بن غياث إلى عبادان وهو موضع رباط ، فاجتمع إليه البصريون ، فقالوا : لا تحدثنا عن ثلاثة ; أشعث بن عبد الملك ، وعمرو بن عبيد ، وجعفر بن محمد . فقال : أما أشعث فهو لكم ، وأما عمرو فأنتم أعلم به ، وأما جعفر فلو كنتم بالكوفة لأخذتكم النعال المطرقة .

قال ابن أبي حاتم : سمعت أبا زرعة ، وسئل عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، وسهيل عن أبيه ، والعلاء عن أبيه ، أيها أصح ؟ قال : لا يقرن جعفر إلى هؤلاء . وسمعت أبا حاتم يقول : جعفر لا يسأل عن مثله .

قلت : جعفر ثقة صدوق . ما هو في الثبت كشعبة ، وهو أوثق من سهيل وابن إسحاق . وهو في وزن ابن أبي ذئب ونحوه . وغالب رواياته عن أبيه مراسيل .

قال أبو أحمد بن عدي : له حديث كثير عن أبيه ، عن جابر وعن آبائه ، ونسخ لأهل البيت . وقد حدث عنه الأئمة . وهو من ثقات الناس كما قال ابن معين .

وعن عمرو بن أبي المقدام قال : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين . قد رأيته واقفا عند الجمرة يقول : سلوني ، سلوني .

وعن صالح بن أبي الأسود ، سمعت جعفر بن محمد يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي .

ابن عقدة الحافظ ، حدثنا جعفر بن محمد بن حسين بن حازم ، حدثني إبراهيم بن محمد الرماني أبو نجيح ، سمعت حسن بن زياد ، سمعت أبا حنيفة ، وسئل : من أفقه من رأيت ؟ قال : ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد ، لما [ ص: 258 ] أقدمه المنصور الحيرة ، بعث إلي فقال : يا أبا حنيفة ، إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد ، فهيئ له من مسائلك الصعاب . فهيأت له أربعين مسألة . ثم أتيت أبا جعفر ، وجعفر جالس عن يمينه ، فلما بصرت بهما ، دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر ، فسلمت وأذن لي ، فجلست . ثم التفت إلى جعفر ، فقال : يا أبا عبد الله ، تعرف هذا ؟ قال : نعم . هذا أبو حنيفة . ثم أتبعها : قد أتانا . ثم قال : يا أبا حنيفة ، هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله فابتدأت أسأله . فكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا ، فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة ، وربما خالفنا جميعا ، حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة . ثم قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس ؟ ! .

علي بن الجعد ، عن زهير بن معاوية قال : قال أبي لجعفر بن محمد إن لي جارا يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر . فقال جعفر : برئ الله من جارك . والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر . ولقد اشتكيت شكاية فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم .

قال ابن عيينة : حدثونا عن جعفر بن محمد ولم أسمعه منه ، قال : كان آل أبي بكر يدعون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . وروى ابن أبي عمر العدني وغيره عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، نحو ذلك .

محمد بن فضيل ، عن سالم بن أبي حفصة قال : سألت أبا جعفر وابنه جعفرا عن أبي بكر وعمر ، فقال : يا سالم تولهما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى . ثم قال جعفر : يا سالم ، أيسب الرجل جده ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني [ ص: 259 ] شفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما ، وأبرأ من عدوهما .

وقال حفص بن غياث : سمعت جعفر بن محمد يقول : ما أرجو من شفاعة علي شيئا إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله . لقد ولدني مرتين .

كتب إلي عبد المنعم بن يحيى الزهري ، وطائفة قالوا : أنبأنا داود بن أحمد ، أنبأنا محمد بن عمر القاضي ، أنبأنا عبد الصمد بن علي ، أنبأنا أبو الحسن الدارقطني ، حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي ، حدثنا محمد بن الحسين الحنيني ، حدثنا مخلد بن أبي قريش الطحان ، حدثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني ، أن جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة ، فقال : " إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم ، فأبلغوهم عني : من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة ، فأنا منه بريء ، ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر ، فأنا منه بريء " .

وبه عن الدارقطني ، حدثنا إسماعيل الصفار ، حدثنا أبو يحيى جعفر بن محمد الرازي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا حنان بن سدير ، سمعت جعفر بن محمد ، وسئل عن أبي بكر وعمر ، فقال : إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة .

[ ص: 260 ] وبه حدثنا الحسين بن إسماعيل ، حدثنا محمود بن خداش ، حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، سمعت جعفر بن محمد يقول : برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر .

قلت : هذا القول متواتر عن جعفر الصادق ، وأشهد بالله إنه لبار في قوله غير منافق لأحد ، فقبح الله الرافضة .

وروى معبد بن راشد ، عن معاوية بن عمار ، سألت جعفر بن محمد عن القرآن فقال : ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله .

حماد بن زيد ، عن أيوب سمعت جعفرا يقول : إنا -والله- لا نعلم كل ما يسألوننا عنه ، ولغيرنا أعلم منا .

محمد بن عمران بن أبي ليلى ، عن مسلمة بن جعفر الأحمسي : قلت لجعفر بن محمد : إن قوما يزعمون أن من طلق ثلاثا بجهالة رد إلى السنة ، تجعلونها واحدة ، يروونها عنكم . قال : معاذ الله! ما هذا من قولنا ، من طلق ثلاثا فهو كما قال .

[ ص: 261 ] سويد بن سعيد ، عن معاوية بن عمار ، عن جعفر بن محمد قال : من صلى على محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى أهل بيته مائة مرة قضى الله له مائة حاجة .

أجاز لنا أحمد بن سلامة ، عن أبي المكارم اللبان ، أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، حدثنا محمد بن العباس ، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن غزوان ، حدثنا مالك بن أنس ، عن جعفر بن محمد قال ، لما قال له سفيان : لا أقوم حتى تحدثني . قال : أما إني أحدثك وما كثرة الحديث لك بخير . يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها ، فإن الله قال في كتابه : لئن شكرتم لأزيدنكم وإذا استبطأت الرزق ، فأكثر من الاستغفار ، فإن الله قال في كتابه : استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال الآية . يا سفيان ; إذا حزبك أمر من السلطان أو غيره ، فأكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنها مفتاح الفرج ، وكنز من كنوز الجنة . فعقد سفيان بيده وقال : ثلاث وأي ثلاث !قال جعفر : عقلها والله أبو عبد الله ولينفعنه الله بها .

قلت : حكاية حسنة إن لم يكن ابن غزوان وضعها فإنه كذاب .

وبه قال أبو نعيم : حدثنا أبو أحمد الغطريفي ، حدثنا محمد بن أحمد بن مكرم الضبي ، حدثنا علي بن عبد الحميد ، حدثنا موسى بن مسعود ، حدثنا سفيان قال : دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبة خز دكناء وكساء خز أيدجاني فجعلت أنظر إليه تعجبا ، فقال : ما لك ، يا ثوري ؟ قلت : يا ابن رسول الله ، [ ص: 262 ] ليس هذا من لباسك ، ولا لباس آبائك ، فقال : كان ذاك زمانا مقترا ، وكانوا يعملون على قدر إقتاره وإفقاره ، وهذا زمان قد أسبل كل شيء فيه عزاليه ثم حسر عن ردن جبته ، فإذا فيها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل ، وقال : لبسنا هذا لله ، وهذا لكم ، فما كان لله أخفيناه ، وما كان لكم أبديناه .

وقيل : كان جعفر يقول : كيف أعتذر وقد احتججت ؟ وكيف أحتج وقد علمت ؟ .

روى يحيى بن أبي بكر عن هياج بن بسطام قال : كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء .

عن بعض أصحاب جعفر بن محمد ، عن جعفر ، وسئل : لم حرم الله الربا ؟ قال : لئلا يتمانع الناس المعروف .

وعن هشام بن عباد ، سمعت جعفر بن محمد يقول : الفقهاء أمناء الرسل ، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين ، فاتهموهم .

وبه حدثنا الطبراني ، حدثنا أحمد بن زيد بن الجريش ، حدثنا الرياشي ، حدثنا الأصمعي قال : قال جعفر بن محمد : الصلاة قربان كل تقي ، والحج جهاد كل ضعيف ، وزكاة البدن الصيام ، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر ، واستنزلوا الرزق بالصدقة ، وحصنوا أموالكم بالزكاة . وما عال من اقتصد ، والتقدير نصف العيش ، وقلة العيال أحد اليسارين ، ومن أحزن والديه ، فقد عقهما ، ومن ضرب بيده على فخذه عند مصيبة فقد حبط أجره ، والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين ، والله ينزل الصبر على قدر المصيبة [ ص: 263 ] وينزل الرزق على قدر المؤنة ، ومن قدر معيشته ، رزقه الله ، ومن بذر معيشته ، حرمه الله .

وعن رجل ، عن بعض أصحاب جعفر بن محمد قال : رأيت جعفرا يوصي موسى ، يعني ابنه : يا بني من قنع بما قسم له استغنى ، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ، ومن لم يرض بما قسم له ، اتهم الله في قضائه ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه ، ومن كشف حجاب غيره انكشفت عورته ، ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن احتفر بئرا لأخيه ، أوقعه الله فيه ، ومن داخل السفهاء حقر ، ومن خالط العلماء وقر ، ومن دخل مداخل السوء اتهم . يا بني إياك أن تزري بالرجال . فيزرى بك ، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك ، يا بني قل الحق لك وعليك تستشار من بين أقربائك ، كن للقرآن تاليا ، وللإسلام فاشيا ، وللمعروف آمرا ، وعن المنكر ناهيا ، ولمن قطعك واصلا ، ولمن سكت عنك مبتدئا ، ولمن سألك معطيا ، وإياك والنميمة ، فإنها تزرع الشحناء في القلوب ، وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المتعرض لعيوب الناس كمنزلة الهدف . إذا طلبت الجود ، فعليك بمعادنه فإن للجود معادن ، وللمعادن أصولا ، وللأصول فروعا ، وللفروع ثمرا . ولا يطيب ثمر إلا بفرع ، ولا فرع إلا بأصل ، ولا أصل إلا بمعدن طيب . زر الأخيار ولا تزر الفجار ، فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها ، وشجرة لا يخضر ورقها ، وأرض لا يظهر عشبها .

عن عائذ بن حبيب ، قال جعفر بن محمد : لا زاد أفضل من التقوى ، ولا شيء أحسن من الصمت ، ولا عدو أضر من الجهل ، ولا داء أدوأ من الكذب .

وعن يحيى بن الفرات ، أن جعفرا الصادق قال : لا يتم المعروف إلا بثلاثة : بتعجيله ، وتصغيره ، وستره .

كتب إلي أحمد بن أبي الخير ، عن أبي المكارم اللبان ، أنبأنا الحداد ، أنبأنا أبو [ ص: 264 ] نعيم ، حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم ، حدثنا أحمد بن علي الأبار ، حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا عنبسة الخثعمي ، وكان من الأخيار ، سمعت جعفر بن محمد يقول : إياكم والخصومة في الدين ، فإنها تشغل القلب ، وتورث النفاق .

ويروى أن أبا جعفر المنصور وقع عليه ذباب ، فذبه عنه ، فألح فقال لجعفر : لم خلق الله الذباب ؟ قال : ليذل به الجبابرة .

وعن جعفر بن محمد : إذا بلغك عن أخيك ما يسوءك ، فلا تغتم ، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجلت ، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها .

قال موسى عليه السلام : يا رب أسألك ألا يذكرني أحد إلا بخير قال : ما فعلت ذلك بنفسي .

أخبرنا وحدثنا عن سعيد بن محمد بن محمد بن عطاف ، أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي ، حدثني الحميدي ، أنبأنا الحسين بن محمد المالكي القيسي بمصر ، أنبأنا عبد الكريم بن أحمد بن أبي جدار ، أخبرنا أبو علي الحسن بن رخيم ، حدثنا هارون بن أبي الهيذام ، أنبأنا سويد بن سعيد ، قال ، قال الخليل بن أحمد : سمعت سفيان الثوري يقول : قدمت مكة فإذا أنا بأبي عبد الله جعفر بن محمد قد أناخ بالأبطح ، فقلت : يا ابن رسول الله ، لم جعل الموقف من وراء الحرم ؟ ولم يصير في المشعر الحرام ؟ فقال : الكعبة بيت الله ، والحرم حجابه ، والموقف بابه . فلما قصده الوافدون ، أوقفهم بالباب يتضرعون ، فلما أذن لهم في الدخول ، أدناهم من الباب الثاني وهو المزدلفة . فلما نظر إلى كثرة تضرعهم وطول اجتهادهم رحمهم ، فلما رحمهم ، أمرهم بتقريب قربانهم ، فلما قربوا قربانهم ، وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت حجابا بينه وبينهم ، أمرهم [ ص: 265 ] بزيارة بيته على طهارة . قال : فلم كره الصوم أيام التشريق ؟ قال : لأنهم في ضيافة الله . ولا يجب على الضيف أن يصوم عند من أضافه . قلت : جعلت فداك فما بال الناس يتعلقون بأستار الكعبة وهي خرق لا تنفع شيئا ؟ قال : ذاك [ ص: 266 ] مثل رجل بينه وبين رجل جرم ، فهو يتعلق به ، ويطوف حوله رجاء أن يهب له ذلك ، ذاك الجرم .

ومن بليغ قول جعفر ، وذكر له بخل المنصور فقال : الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما بذل لأجله دينه .

أخبرنا علي بن أحمد في كتابه ، أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري ، أنبأنا أبو الحسن بن المهتدي بالله ، أنبأنا عبيد الله بن أحمد الصيدلاني ، حدثنا أبو طالب علي بن أحمد الكاتب ، حدثنا عيسى بن أبي حرب الصفار ، عن الفضل بن الربيع ، عن أبيه ، قال : دعاني المنصور فقال : إن جعفر بن محمد يلحد في سلطاني قتلني الله إن لم أقتله . فأتيته ، فقلت : أجب أمير المؤمنين . فتطهر ولبس ثيابا ، أحسبه قال جددا فأقبلت به فاستأذنت له ، فقال : أدخله ، قتلني الله إن لم أقتله . فلما نظر إليه مقبلا قام من مجلسه فتلقاه وقال :

مرحبا بالنقي الساحة ، البريء من الدغل والخيانة ، أخي وابن عمي ، فأقعده معه على سريره وأقبل عليه بوجهه ، وسأله عن حاله ، ثم قال : سلني عن حاجتك فقال : أهل مكة والمدينة قد تأخر عطاؤهم فتأمر لهم به . قال : أفعل . ثم قال : يا جارية ائتني بالتحفة . فأتته بمدهن زجاج فيه غالية فغلفه بيده وانصرف . فاتبعته ، فقلت : يا ابن رسول الله ; أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك ، فكان منه ما رأيت . وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول فما هو ؟ قال : قلت : اللهم احرسني بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واحفظني بقدرتك علي ، ولا تهلكني . وأنت رجائي . رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري ، وكم من بلية ابتليتني بها قل لها عندك صبري ؟ ! فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني ، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني ، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني ، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا ، ويا ذا المعروف [ ص: 267 ] الذي لا ينقطع أبدا ، أعني على ديني بدنيا ، وعلى آخرتي بتقوى ، واحفظني فيما غبت عنه ولا تكلني إلى نفسي فيما خطرت . يا من لا تضره الذنوب ، ولا تنقصه المغفرة ، اغفر لي ما لا يضرك ، وأعطني ما لا ينقصك ، يا وهاب أسألك فرجا قريبا ، وصبرا جميلا ، والعافية من جميع البلايا ، وشكر العافية .

فأعلى ما يقع لنا من حديث جعفر الصادق ، ما أنبأنا الإمام أبو محمد بن قدامة الحاكم ، وطائفة قالوا : أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا أحمد بن الحسن ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو بكر القطيعي ، حدثنا أبو مسلم الكجي ، حدثنا أبو عاصم ، عن جعفر بن محمد ، حدثني أبي : قال عمر بن الخطاب : ما أدري ما أصنع بالمجوس ؟ فقام عبد الرحمن بن عوف قائما ، فقال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : سنوا بهم سنة أهل الكتاب .

[ ص: 268 ] هذا حديث عال ، في إسناده انقطاع .

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن المؤيد ، أنبأنا زكريا بن علي بن حسان ( ح ) وأنبأنا أحمد بن محمد ، ومحمد بن إبراهيم وعلي بن محمد ، وجماعة قالوا : أنبأنا أبو المنجى عبد الله بن عمر قالا : أنبأنا عبد الأول بن عيسى قال : أخبرتنا أم الفضل بيبى بنت عبد الصمد الهرثمية ، أنبأنا عبد الرحمن بن أحمد الأنصاري ، أنبأنا عبد الله بن محمد ، حدثنا مصعب بن عبد الله . حدثني مالك عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا وقف على الصفا كبر ثلاثا ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير يصنع ذلك ثلاث مرات ، ويصنع على المروة مثل ذلك ، وكان إذا نزل من الصفا ، مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي ، سعى حتى يخرج منه رواه مسلم .

وبه إلى عبد الرحمن بن أحمد : حدثنا يحيى بن محمد ، حدثنا عبد الوهاب بن فليح المقرئ بمكة ، حدثنا عبد الله بن ميمون القداح ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يؤمن مؤمن حتى يؤمن بالقدر كله ، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .

هذا حديث غريب فيه نكارة . تفرد به القداح . وقد قال البخاري : ذاهب الحديث . أخرجه أبو عيسى عن زياد بن يحيى عنه ، فوقع بدلا بعلو درجة .

[ ص: 269 ] قال المدائني ، وشباب العصفري وعدة : مات جعفر الصادق في سنة ثمان وأربعين ومائة وقد مر أن مولده سنة ثمانين أرخه الجعابي وأبو بكر بن منجويه ، وأبو القاسم اللالكائي فيكون عمره ثمانيا وستين سنة -رحمه الله .

لم يخرج له البخاري في الصحيح ، بل في كتاب الأدب وغيره .

وله عدة أولاد : أقدمهم إسماعيل بن جعفر ومات شابا في حياة أبيه ، سنة ثمان وثلاثين ومائة . وخلف محمدا وعليا وفاطمة . فكان لمحمد من الولد جعفر وإسماعيل فقط . فولد جعفر محمدا ، وأحمد ، درج ولم يعقب ، فولد لمحمد بن جعفر ، جعفر وإسماعيل وأحمد وحسن ، فولد لحسن جعفر الذي مات بمصر سنة ثلاث وتسعين ومائتين ، وخلف ابنه محمدا ، فجاءه خمسة بنين ، وولد لإسماعيل بن محمد ، أحمد ويحيى ومحمد وعلي درج ولم يعقب ، فولد لأحمد جماعة بنين ، منهم إسماعيل بن أحمد المتوفى بمصر سنة خمس وعشرين وثلاثمائة .

فبنو محمد بن إسماعيل بن جعفر عدد كثير كانوا بمصر ، وبدمشق قد استوعبهم الشريف العابد أبو الحسين محمد بن علي بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق . ويعرف هذا بأخي محسن . كان يسكن بباب توما . مات قبل الأربعمائة . وذكر منهم قوما بالكوفة . وبالغ في نفي عبيد الله المهدي من أن يكون من هذا النسب الشريف ، وألف كتابا في أنه [ ص: 270 ] دعي ، وأن نحلته خبيثة ، مدارها على المخرقة والزندقة .

رجعنا إلى تتمة آل جعفر الصادق . فأجلهم وأشرفهم ابنه : موسى الكاظم

التالي السابق


الخدمات العلمية