صفحة جزء
وقال يعقوب الفسوي أيضا : سمعت بعض ولد جويرية بن أسماء - وكان ملازما لعلي - قال : سمعت عليا يقول : وقع إلي من حديث ابن إسحاق شيء ، فما أنكرت منه إلا أربعة أحاديث ، ظننت أن بعضه منه ، وبعضه ليس منه . [ ص: 46 ] أبو داود : سمعت أحمد يقول : كان ابن إسحاق يشتهي الحديث ، فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه .

قلت : هذا الفعل سائغ ، فهذا " الصحيح " للبخاري فيه تعليق كثير .

وقال أحمد : ابن إسحاق أحب إلي من موسى بن عبيدة .

قلت : موسى ضعفوه .

وقال أحمد : كان ابن إسحاق يدلس إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماع قال : حدثني . وإذا لم يكن ، قال : قال .

وقال أحمد : قدم ابن إسحاق بغداد ، فكان لا يبالي عمن يحكي ، عن الكلبي وعن غيره . وقال : ليس هو بحجة .

قال أبو العباس بن عقدة : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل ، كان أبي يتبع حديث ابن إسحاق ، فيكتبه كثيرا بالعلو والنزول ، ويخرجه في " المسند " ، وما رأيته أبقى حديثه قط . قيل له : يحتج به ؟ قال : لم يكن يحتج به في السنن .

وقال أيوب بن إسحاق بن سافري سألت أحمد بن حنبل فقلت : إذا انفرد ابن إسحاق بحديث تقبله ؟ قال : لا والله ، إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ، ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا . قال : وأما علي بن المديني ، فكان يثني عليه ويقدمه .

وروى محمد بن عثمان العبسي ، عن علي : هو صالح وسط . وروى ابن أبي خيثمة عن يحيى : ليس به بأس . وقال مرة : ليس بذاك . وسمعت [ ص: 47 ] يحيى مرة أخرى يقول : هو عندي سقيم ، ليس بقوي .

وقال الميموني : سمعت يحيى بن معين يقول : ابن إسحاق ضعيف . وروى المفضل الغلابي ، عن ابن معين : هو ثبت في الحديث . وروى أبو زرعة النصري عن يحيى : ثقة وليس بحجة ، إنما الحجة عبيد الله بن عمر ، ومالك ، . . . وذكر جماعة .

وقال يعقوب السدوسي : قلت ليحيى : في نفسك من صدقه شيء ؟

قال : لا ، هو صدوق . وروى عباس بن محمد عن يحيى : ثقة وليس بحجة .

وقال العجلي : مدني ثقة . وقال النسائي وغيره : ليس بالقوي . وقال أبو زرعة : هو صدوق . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه .

قال النفيلي : حدثنا عبد الله بن فائد . قال : كنا إذا جلسنا إلى ابن إسحاق ، فأخذ في فن من العلم ، قضى مجلسه فيه .

أبو عبد الله المحاملي : حدثنا العباس بن يزيد البحراني ، حدثنا ابن عيينة ، سمعت شعبة يقول : محمد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث .

أحمد الأبار : حدثنا إسماعيل بن عبيد الحراني ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن شعبة قال : لو سود أحد في الحديث لسود ابن إسحاق .

وقال ابن سعد : كان ثقة ، ومنهم من يتكلم فيه ، وكان خرج من المدينة قديما ، فأتى الجزيرة والكوفة والري وبغداد ، فأقام بها حتى مات في سنة 151 .

قال أبو سعيد بن يونس : قدم ابن إسحاق الإسكندرية سنة خمس عشرة ومائة ، وروى عن جماعة من أهل مصر ، منهم : عبيد الله بن المغيرة ، ويزيد بن أبي حبيب ، [ ص: 48 ] وثمامة بن شفي وعبيد الله بن أبي جعفر ، والقاسم بن قرمان ، والسكن بن أبي كريمة ، روى عنهم أحاديث لم يروها عنهم غيره فيما علمت . روى عنه من أهل مصر الأكابر ، منهم : يزيد بن أبي حبيب ، وقيس بن أبي يزيد .

قال ابن سعد : كان ابن إسحاق أول من جمع مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج من المدينة قديما ، فلم يرو عنه أحد منهم غير إبراهيم بن سعد ، وكان مع العباس بن محمد بالجزيرة ، وأتى أبا جعفر بالحيرة ، فكتب له المغازي ، فسمع منه أهل الكوفة بذلك السبب ، وسمع منه أهل الري ، فرواته من هؤلاء البلدان أكثر ممن روى عنه من أهل المدينة .

وقال ابن عدي : ولو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منها شيء إلى الاشتغال بمغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومبعثه ، ومبتدأ الخلق ، لكانت هذه فضيلة سبق بها ، ثم من بعده صنفها قوم آخرون فلم يبلغوا مبلغ ابن إسحاق منها . وقد فتشت أحاديثه كثيرا ، فلم أجد من أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف ، وربما أخطأ ، أو يهم في الشيء بعد الشيء ، كما يخطئ غيره ، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة ، وهو لا بأس به .

العقيلي : حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ، حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا وهيب : سمعت هشام بن عروة يقول : ابن إسحاق كذاب . [ ص: 49 ] عباس العنبري : سمعت أبا الوليد ، حدثني وهيب قال : سألت مالكا عن محمد بن إسحاق فقال ، وقال . . . واتهمه .

العقيلي : حدثنا محمد بن العباس مولى بني هاشم ، حدثنا أحمد بن منصور زاج حدثني أحمد بن زهير ، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : كان يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك يجرحان محمد بن إسحاق . أبو داود الطيالسي ، عن محمد بن مسلم بن أبي الوضاح قال : كنت عند يحيى بن سعيد الأنصاري ، فقيل له : إن أهل العراق يروون عن ابن إسحاق . فقال يحيى : تروون العلم عن محمد بن إسحاق ؟ تروون العلم عن محمد بن إسحاق ؟ ! . العقيلي : حدثني الفضل بن جعفر ، حدثنا عبد الملك بن محمد ، حدثني سليمان بن داود ، قال لي يحيى القطان : أشهد أن محمد بن إسحاق كذاب . قلت : وما يدريك ؟ قال : قال لي وهيب . فقلت لوهيب : ما يدريك ؟

قال : قال لي مالك بن أنس . فقلت لمالك : وما يدريك ؟ فقال : قال لي هشام بن عروة . قلت لهشام : وما يدريك ؟ قال : حدث امرأتي فاطمة بنت المنذر ، ودخلت علي وهي ابنة تسع سنين ، وما رآها حتى لقيت الله .

قلت : معاذ الله أن يكون يحيى وهؤلاء بدا منهم هذا بناء على أصل فاسد واه ، ولكن هذه الخرافة من صنعة سليمان ، وهو الشاذكوني - لا صبحه الله بخير - فإنه مع تقدمه في الحفظ متهم عندهم بالكذب ، وانظر كيف قد سلسل الحكاية . ويبين لك بطلانها أن فاطمة بنت المنذر لما كانت بنت تسع سنين لم يكن زوجها هشام خلق بعد ، فهي أكبر منه بنيف عشرة سنة ، وأسند [ ص: 50 ] منه ، فإنها روت - كما ذكرنا - عن أسماء بنت أبي بكر ، وصح أن ابن إسحاق سمع منها ، وما عرف بذلك هشام . أفبمثل هذا القول الواهي يكذب الصادق ؟ كلا والله ! نعوذ بالله من الهوى والمكابرة ، ولكن صدق القاضي أبو يوسف إذ يقول : من تتبع غريب الحديث كذب ، وهذا من أكبر ذنوب ابن إسحاق ، فإنه يكتب عن كل أحد ، ولا يتورع - سامحه الله .

وعن يحيى بن سعيد ، قلت لهشام : ابن إسحاق يحدث عن فاطمة بنت المنذر . قال : أهو كان يصل إليها ؟ .

قلت : ويحتمل أن تكون إحدى خالات ابن إسحاق من الرضاعة ، فدخل عليها وما علم هشام بأنها خالة له أو عمة .

يحيى بن آدم : حدثنا ابن إدريس قال : كنت عند مالك ، فقال له رجل : إن محمد بن إسحاق يقول : اعرضوا علي علم مالك فإني بيطاره . فقال مالك : انظروا إلى دجال من الدجاجلة يقول : اعرضوا علي علم مالك . قال ابن إدريس : فما رأيت أحدا جمع الدجالين قبله .

أخبرنا ابن الخلال ، أنبأنا جعفر ، أنبأنا السلفي ، أنبأنا ابن ماك أنبأنا الخليلي ، سمعت جدي والقاسم بن علقمة ، سمعنا ابن أبي حاتم ، سمعت مسلم بن الحجاج ، حدثنا ابن راهويه ، سمعت يحيى بن آدم ، سمعت ابن إدريس يقول : كنت عند مالك ، فقال رجل : كنت بالري عند أبي عبيد الله وزير المهدي ، فقال ابن إسحاق : هاتوا اعرضوا علي علوم مالك ، فإني أنا بيطارها . فقال مالك : دجال من الدجاجلة يقول هذا ! ! قال ابن إدريس : لم أسمع بجمع الدجال إلا منه . [ ص: 51 ] وبه : إلى ابن أبي حاتم ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن إدريس بنحوها . فقال مالك : دجال من الدجاجلة يقول هكذا ؟ ! نحن نفيناه من المدينة

وقال هارون بن معروف : سمعت أبا معاوية يقول : كان ابن إسحاق أحفظ الناس ، وكان إذا كان عند الرجل خمسة أحاديث أو أكثر ، جاء واستودعها ابن إسحاق ، يقول : احفظها عني ، فإن نسيتها كنت قد حفظتها علي . وعن ابن إدريس الحافظ قال : كيف لا يكون محمد بن إسحاق ثقة وقد سمع من الأعرج ، ثم يروي عن أبي الزناد عنه ، ثم يروي عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه عنه .

وقال ابن المديني : إنه ليبين في حديثه الصدق ، يقول مرة : حدثني أبو الزناد ، ومرة : ذكر أبو الزناد . ويقول : حدثني سفيان بن سعيد ، عن سالم أبي النضر ، وهو من أروى الناس ، عن أبي النضر . ويقول : حدثني الحسن بن دينار ، عن عمرو بن شعيب في سلف وبيع ، وهو من أروى الناس عن عمرو ، ولم أجد له سوى حديثين منكرين : نافع ، عن ابن عمر في النعاس يوم الجمعة . والزهري ، عن عروة ، عن زيد بن خالد : من مس فرجه

قال الهيثم بن خلف : حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا أبو داود ، حدثني من سمع هشام بن عروة وقيل له : إن ابن إسحاق حدث بكذا وكذا عن فاطمة ، فقال : كذب الخبيث .

ابن المديني : قال سفيان : رأيت ابن إسحاق في مسجد الخيف ، فاستحييت أن يراني معه أحد ، فقال : أنا أرصد ابن خصيفة أبغي أن أسأله عما [ ص: 52 ] حدثني عنه ، ثم قال ابن عيينة : اتهموه بالقدر . أبو داود الطيالسي : عن حماد بن سلمة قال : ما رويت عن ابن إسحاق إلا باضطرار .

الفلاس : سمعت يحيى يقول : قال رجل لابن إسحاق : كيف حديث شرحبيل بن سعد ؟ فقال : وأحد يحدث عن شرحبيل ؟ ثم قال الفلاس : العجب من رجل يحدث عن أهل الكتاب ، ويرغب عن شرحبيل ، وقد حدث عنه يحيى بن سعيد ، وعاصم الأحول ، ومطر وأبو معشر المديني !

الفلاس : سمعت يحيى بن سعيد يقول لعبيد الله : إلى أين تذهب ؟

قال : أذهب إلى وهب بن جرير ، أكتب السيرة . قال : يكتب كذبا كثيرا .

قلت : كان وهب يرويها عن أبيه ، عن ابن إسحاق ، وأشار يحيى القطان إلى ما في السيرة من الواهي من الشعر ، ومن بعض الآثار المنقطعة المنكرة ، فلو حذف منها ذلك ، لحسنت ، وثم أحاديث جمة في الصحاح والمسانيد مما يتعلق بالسيرة والمغازي ينبغي أن تضم إليها وترتب ، وقد فعل غالب هذا الإمام أبو بكر البيهقي في : " دلائل النبوة " له .

قال علي بن عبد الله : كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن ابن إسحاق شيئا ، كان يضعفه . وقال يحيى بن معين : لم يسمع ابن إسحاق من طلحة بن نافع شيئا .

ابن المديني : سمعت يحيى يقول : قال إنسان للأعمش : إن ابن إسحاق حدثنا عن ابن الأسود ، عن أبيه بكذا وكذا . فقال : كذب ابن إسحاق ، وكذب ابن الأسود ، حدثني عمارة بكذا وكذا . [ ص: 53 ]

قال علي : وسمعت يحيى يقول : الحجاج بن أرطاة ومحمد بن إسحاق - يعني سواء - وأشعث بن سوار دونهما . وقال : تركت ابن إسحاق متعمدا .

إبراهيم الحزامي : عن ابن أبي فديك قال : رأيت محمد بن إسحاق يكتب عن رجل من أهل الكتاب .

قلت : هذا يشنع به على ابن إسحاق ، ولا ريب أنه حمل ألوانا عن الذمة مترخصا بقوله - صلى الله عليه وسلم - " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " .

أبو جعفر العقيلي : حدثني أسلم بن سهل ، حدثني محمد بن عمرو بن عون ، حدثنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال : قال أبي : سمعت مالكا يقول : يا أهل العراق من يغت عليكم بعد محمد بن إسحاق ؟ [ ص: 54 ] العقيلي : حدثني الخضر بن داود ، حدثنا أحمد بن محمد ، قلت لأبي عبد الله : ما تقول في ابن إسحاق ؟ قال : هو كثير التدليس جدا . قلت : فإذا

قال : أخبرني ، وحدثني ، فهو ثقة ؟ قال : هو يقول أخبرني ، فيخالف ، فقيل لأبي عبد الله : روى عنه يحيى بن سعيد ؟ فقال : لا - كالمنكر لذلك - ثم قال : كان يحيى بن سعيد لا يستخف من هو أكبر من محمد بن إسحاق . بندار : سمعت معاذا يقول : رأيت ابن إسحاق عليه إزار رقيق متخلق ، وخصيته مدلاة .

بندار : سمعت ابن أبي عدي يقول : كان ابن إسحاق يلعب بالديوك .

قال الهيثم بن عدي ، والمدائني : محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار ، وكان خيار لقيس بن مخرمة .

قال أبو الحسن الدارقطني : ابن إسحاق لا يحتج به .

وقال الحسن بن علي الحلواني : سمعت يزيد بن هارون يقول : لو كان لي سلطان ، لأمرت ابن إسحاق على المحدثين .

أخبرنا عبد الرحمن بن قدامة الفقيه في كتابه ، أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا هبة الله بن محمد ، أنبأنا محمد بن محمد ، أنبأنا محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا محمد بن ربح بن سليمان البزاز ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا محمد بن إسحاق ، عن سعيد المقبري ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه

قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الظهر أو العصر - شك يزيد - وهو حامل أمامة بنت أبي العاص ، فإذا أراد أن يركع وضعها ثم ركع ، فإذا قام حملها ، فلم يزل يفعل ذلك حتى قضى صلاته فهذا أعلى ما يقع لنا من [ ص: 55 ] حديث ابن إسحاق .

قال عمرو بن علي ، وإبراهيم نفطويه ، وغيرهما : مات ابن إسحاق سنة خمسين ومائة .

وقال الهيثم بن عدي ، وأحمد بن خالد الوهبي ، وغيرهما : مات سنة إحدى وخمسين ومائة .

وقال علي بن المديني ، ويحيى بن معين ، وزكريا الساجي ، وغيرهم : سنة اثنتين وخمسين ومائة .

وقال شباب : توفي سنة اثنتين أو ثلاث .

روى له مسلم في المتابعات واستشهد به البخاري ، وأخرج أرباب السنن له ، والوهبي هو خاتمة أصحابه مات سنة خمس عشرة ومائتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية