صفحة جزء
عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس قال : دخل سعد وابن مسعود على سلمان عند الموت فبكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : عهد عهده إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم نحفظه . قال : ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ، وأما أنت يا سعد فاتق الله في حكمك إذا حكمت ، وفي قسمك إذا قسمت ، وعند همك إذا هممت . [ ص: 553 ]

قال ثابت : فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما نفيقة كانت عنده .

شيبان : عن فراس ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن بقيرة امرأة سلمان أنها قالت لما حضره الموت : دعاني وهو في علية له لها أربعة أبواب ، فقال : افتحي هذه الأبواب فإن لي اليوم زوارا لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون علي ، ثم دعا بمسك ، فقال : أديفيه في تور ثم انضحيه حول فراشي ، فاطلعت عليه فإذا هو قد أخذ روحه فكأنه نائم على فراشه .

بقي بن مخلد : حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن [ ص: 554 ] أبي عثمان ، عن سلمان قال : يأتون محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيقولون : يا نبي الله أنت الذي فتح الله بك وختم بك ، وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، وجئت في هذا اليوم آمنا فقد ترى ما نحن فيه ، فقم فاشفع لنا إلى ربنا . فيقول : أنا صاحبكم . فيقوم فيخرج يحوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة ، فيأخذ بحلقة في الباب من ذهب ، فيقرع الباب ، فيقال : من هذا ؟ فيقول : محمد . فيفتح له ، فيجيء حتى يقوم بين يدي الله ، فيستأذن في السجود ، فيؤذن له ، فينادى : يا محمد ارفع رأسك ، سل تعطه ، واشفع تشفع ، وادع تجب ، فيفتح الله له من الثناء عليه والتحميد والتمجيد ما لم يفتح لأحد من الخلائق فيقول : رب أمتي أمتي ، ثم يستأذن في السجود .

قال سلمان : فيشفع في كل من كان في قلبه مثقال حنطة من إيمان أو قال : مثقال شعيرة ، أو قال : مثقال حبة من خردل من إيمان
.

أبو عوانة : عن عاصم ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان ، قال : فترة ما بين عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ست مائة سنة .

قال الواقدي : مات سلمان في خلافة عثمان بالمدائن . وكذا قال ابن زنجويه .

وقال أبو عبيد وشباب في رواية عنه ، وغيرهما : توفي سنة ست وثلاثين [ ص: 555 ] بالمدائن .

وقال شباب في رواية أخرى : سنة سبع وهو وهم ، فما أدرك سلمان الجمل ولا صفين .

قال العباس بن يزيد البحراني : يقول أهل العلم : عاش سلمان ثلاث مائة وخمسين سنة ، فأما مائتان وخمسون ، فلا يشكون فيه .

قال أبو نعيم الأصبهاني : يقال : اسم سلمان : ماهويه ، وقيل : ماية ، وقيل بهبود بن بذخشان بن آذر جشيش من ولد منوجهر الملك وقيل : من ولد آب الملك . يقال : توفي سنة ثلاث وثلاثين بالمدائن .

قال : وتاريخ كتاب عتقه يوم الاثنين في جمادى الأولى مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

ومولاه الذي باعه عثمان بن أشهل القرظي اليهودي ، وقيل : إنه عاد إلى أصبهان زمن عمر . وقيل : كان له أخ اسمه بشير وبنت بأصبهان لها نسل وبنتان بمصر ، وقيل : كان له ابن اسمه كثير ، فمن قول البحراني إلى هنا منقول من كتاب الطوالات لأبي موسى الحافظ .

وقد فتشت فما ظفرت في سنه بشيء سوى قول البحراني ، وذلك منقطع لا إسناد له .

ومجموع أمره وأحواله ، وغزوه ، وهمته ، وتصرفه ، وسفه للجريد ، وأشياء مما تقدم ينبئ بأنه ليس بمعمر ولا هرم . فقد فارق وطنه وهو حدث ، ولعله قدم الحجاز وله أربعون سنة أو أقل ، فلم ينشب أن سمع بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم [ ص: 556 ] هاجر ، فلعله عاش بضعا وسبعين سنة . وما أراه بلغ المائة . فمن كان عنده علم ، فليفدنا .

وقد نقل طول عمره أبو الفرج بن الجوزي وغيره ، وما علمت في ذلك شيئا يركن إليه .

روى جعفر بن سليمان : عن ثابت البناني ، وذلك في " العلل " لابن أبي حاتم ، قال : لما مرض سلمان ، خرج سعد من الكوفة يعوده ، فقدم ، فوافقه وهو في الموت يبكي ، فسلم وجلس ، وقال : ما يبكيك يا أخي ؟ ألا تذكر صحبة رسول الله ؟ ألا تذكر المشاهد الصالحة ؟ .

قال : والله ما يبكيني واحدة من ثنتين : ما أبكي حبا بالدنيا ولا كراهية للقاء الله . قال سعد : فما يبكيك بعد ثمانين ؟ قال : يبكيني أن خليلي عهد إلي عهدا قال : ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ، وإنا قد خشينا أنا قد تعدينا .

رواه بعضهم عن ثابت ، فقال : عن أبي عثمان ، وإرساله أشبه قاله أبو حاتم ، وهذا يوضح لك أنه من أبناء الثمانين .

وقد ذكرت في تاريخي الكبير أنه عاش مائتين وخمسين سنة ، وأنا الساعة لا أرتضي ذلك ولا أصححه .

أبو صالح : حدثنا الليث ، حدثني يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : التقى سلمان وعبد الله بن سلام ، فقال أحدهما لصاحبه : إن لقيت ربك [ ص: 557 ] قبلي فأخبرني ماذا لقيت منه . فتوفي أحدهما فلقي الحي في المنام فكأنه سأله ، فقال : توكل وأبشر ; فلم أر مثل التوكل قط .

قلت : سلمان مات قبل عبد الله بسنوات .

أخبرنا سنقر الزينبي : أنبأنا علي بن محمد الجزري ، ويعيش بن علي ، قالا : أنبأنا عبد الله بن أحمد الخطيب ( ح ) ، وقد أنبئت عن عبد المؤمن بن خلف الحافظ ، أنبأنا الأعز بن فضائل ، أخبرتنا شهدة قالا : أنبأنا جعفر بن أحمد السراج ، أنبأنا الحسن بن عيسى بن المقتدر ، أنبأنا أحمد بن منصور اليشكري ، حدثنا أبو عبد الله بن عرفة ، حدثني محمد بن موسى السامي ، أنبأنا روح بن أسلم ، أنبأنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري ، عن سلمان قال : كان في بني إسرائيل امرأة ذات جمال ، وكانت عند رجل يعمل بالمسحاة ، فكانت إذا جاء الليل قدمت له طعامه ، وفرشت له فراشه . فبلغ خبرها ملك ذلك العصر ، فبعث إليها عجوزا من بني إسرائيل ، فقالت لها : تصنعين بهذا الذي يعمل بالمسحاة ، لو كنت عند الملك ، لكساك الحرير ، وفرش لك الديباج .

فلما وقع الكلام في مسامعها ، جاء زوجها بالليل ، فلم تقدم له طعامه ، ولم تفرش له فراشه ، فقال لها : ما هذا الخلق يا هنتاه ؟ قالت : هو ما ترى . فقال : أطلقك ؟ قالت : نعم . فطلقها ، فتزوجها ذلك الملك ، فلما زفت إليه ، نظر إليها فعمي ، ومد يده إليها فجفت ، فرفع نبي ذلك العصر خبرهما إلى الله ، فأوحى الله إليه : أعلمهما أني غير غافر لهما ، أما علما أن بعيني ما عملا [ ص: 558 ] بصاحب المسحاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية