صفحة جزء
الحسن بن صالح ( م ، 4 )

ابن صالح بن حي ، واسم حي : حيان بن شفي بن هني بن رافع ، الإمام الكبير ، أحد الأعلام ، أبو عبد الله الهمداني الثوري الكوفي ، الفقيه العابد أخو الإمام علي بن صالح .

وأما البخاري ، فنسبه فقال : الحسن بن صالح بن صالح بن مسلم بن حيان . وقال أبو أحمد بن عدي : الحسن بن صالح بن صالح بن حي بن مسلم بن حيان . قلت : هو من أئمة الإسلام ، لولا تلبسه ببدعة .

قال وكيع : ولد سنة مائة .

روى عن : أبيه ، وسلمة بن كهيل ، وعبد الله بن دينار ، وعلي بن الأقمر ، وسماك بن حرب ، وإسماعيل السدي ، وبيان بن بشر ، وعاصم بن بهدلة ، وعبد الله بن محمد بن عقيل ، وأبي إسحاق السبيعي ، وعاصم الأحول ، وبكير بن عامر ، وقيس بن مسلم ، وليث بن أبي سليم ، ومنصور بن المعتمر ، [ ص: 362 ] وجابر الجعفي ، وسهيل بن أبي صالح ، وعطاء بن السائب ، وعدة ، وينزل إلى شعبة ، وسعيد بن أبي عروبة ، وهو صحيح الحديث .

روى عنه : ابن المبارك ، ووكيع ، ومصعب بن المقدام ، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، وأبو نعيم ، وعبيد الله بن موسى ، وأسود بن عامر ، وإسحاق بن منصور السلولي ، وقبيصة بن عقبة ، ويحيى بن آدم ، ويحيى بن أبي بكير ، وأبو غسان النهدي ، وأحمد بن يونس ، وعلي بن الجعد ، وخلق سواهم .

أخبرنا عبد الرحمن بن أبي عمر الفقيه كتابة ، أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا أحمد بن الحسن ، أنبأنا الحسن بن علي الجوهري ، أنبأنا أحمد بن جعفر المالكي ، حدثنا إسحاق الحربي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا الحسن بن صالح ، عن موسى الجهني ، عن فاطمة بنت علي ، عن أسماء بنت عميس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه ليس بعدي نبي .

قال يحيى القطان : كان سفيان الثوري سيئ الرأي في الحسن بن [ ص: 363 ] حي . وقال زكريا الساجي ، عن أحمد بن محمد البغدادي : قال المزي شيخنا -أظنه أبا بكر الأثرم : سمعت أبا نعيم يقول : دخل الثوري يوم الجمعة من الباب القبلي ، فإذا الحسن بن صالح يصلي ، فقال : نعوذ بالله من خشوع النفاق . وأخذ نعليه ، فتحول إلى سارية أخرى .

وقال العلاء بن عمرو الحنفي ، عن زافر بن سليمان : أردت الحج ، فقال لي الحسن بن صالح : إن لقيت أبا عبد الله سفيان الثوري بمكة ، فأقره مني السلام ، وقل : أنا على الأمر الأول . فلقيت سفيان في الطواف ، فقلت : إن أخاك الحسن بن صالح يقرأ عليك السلام ، ويقول : أنا على الأمر الأول .

قال : فما بال الجمعة ؟

قلت : كان يترك الجمعة ، ولا يراها خلف أئمة الجور ، بزعمه . عبيد بن يعيش ، عن خلاد بن يزيد ، قال : جاءني سفيان ، فقال : الحسن بن صالح مع ما سمع من العلم وفقه ، يترك الجمعة . ثم قام فذهب .

أبو سعيد الأشج : سمعت ابن إدريس : ما أنا وابن حي ؟ لا يرى جمعة ولا جهادا .

محمد بن غيلان ، عن أبي نعيم قال : ذكر الحسن بن صالح عند الثوري ، فقال : ذاك رجل يرى السيف على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- .

قال يوسف بن أسباط : كان الحسن بن حي يرى السيف . وقال الخريبي : شهدت حسن بن صالح وأخاه وشريك معهم ، فاجتمعوا إليه إلى الصباح في السيف . بشر بن الحارث ، وذكر له أبو بكر عبد الرحمن بن عفان الصوفي ، [ ص: 364 ]

فقال : سمعت حفص بن غياث يقول : هؤلاء يرون السيف ، أحسبه عنى ابن حي وأصحابه . ثم قال بشر : هات من لم ير السيف من أهل زمانك كلهم إلا قليل ، ولا يرون الصلاة أيضا . ثم قال : كان زائدة يجلس في المسجد يحذر الناس من ابن حي وأصحابه . قال : وكانوا يرون السيف .

قال أبو صالح الفراء : حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئا من أمر الفتن ، فقال : ذاك يشبه أستاذه -يعني الحسن بن حي - فقلت ليوسف : أما تخاف أن تكون هذه غيبة ؟ فقال : لم يا أحمق ؟ أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم ، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم ، ومن أطراهم ، كان أضر عليهم . .

عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبا معمر يقول : كنا عند وكيع ، فكان إذا حدث عن حسن بن صالح أمسكنا أيدينا ، فلم نكتب . فقال : ما لكم لا تكتبون حديث حسن ؟ فقال له أخي بيده هكذا -يعني أنه كان يرى السيف- فسكت وكيع . وقال جعفر بن محمد بن عبيد الله بن موسى : سمعت جدي يقول : كنت أقرأ على علي بن صالح ، فلما بلغت إلى قوله : فلا تعجل عليهم سقط الحسن يخور كما يخور الثور ، فقام إليه علي ، فرفعه ، ومسح وجهه ، ورش عليه الماء ، وأسنده إليه . أبو سعيد الأشج : سمعت ابن إدريس ، وذكر له صعق الحسن بن صالح ، فقال : تبسم سفيان أحب إلينا من صعق الحسن . .

قال أبو أسامة : أتيت حسن بن صالح ، فجعل أصحابه يقولون : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله . . . ، فقلت : ما لي ، كفرت ؟ قال : لا ، ولكن ينقمون [ ص: 365 ] عليك صحبة مالك بن مغول ، وزائدة . قلت : وأنت تقول هذا ؟ لا جلست إليك أبدا . محمد بن إسماعيل الأصبهاني ، عن علي بن الجعد ، قال : كنت مع زائدة في طريق مكة ، فقال لنا يوما : أيكم يحفظ عن مغيرة ، عن إبراهيم : أنه توضأ بكوز الحب مرتين ؟ قال : فلو قلت : حدثنا شريك أو سفيان ، كنت قد استرحت ، ولكن قلت : حدثنا الحسن بن صالح ، عن مغيرة . قال : والحسن بن صالح أيضا ؟ لا حدثتك بحديث أبدا .

أبو أسامة : سمعت زائدة يقول : ابن حي قد استصلب منذ زمان ، وما نجد أحدا يصلبه . وقال خلف بن تميم : كان زائدة يستتيب من أتى حسن بن صالح . وقال أحمد بن يونس اليربوعي : لو لم يولد الحسن بن صالح كان خيرا له ; يترك الجمعة ، ويرى السيف ، جالسته عشرين سنة ، ما رأيته رفع رأسه إلى السماء ، ولا ذكر الدنيا .

قال محمد بن المثنى : ما سمعت يحيى بن سعيد ، ولا عبد الرحمن حدثا عن الحسن بن صالح بشيء قط ، ولا عن علي بن صالح . وقال الفلاس : سألت عبد الرحمن عن حديث من حديث الحسن بن صالح ، فأبى أن يحدثني به ، وقد كان يحدث عنه ثلاثة أحاديث ، ثم تركه .

قال : وذكره يحيى بن سعيد ، فقال : لم يكن بالسكة .

وروى علي بن حرب الطائي ، عن أبيه ، قال : قلت لعبد الله بن داود الخريبي : إنك لكثير الحديث عن ابن حي . قال : أفضى به ذمام أصحاب [ ص: 366 ] الحديث ، لم يكن بشيء .

وقال نصر بن علي الجهضمي : كنت عند الخريبي ، وعند أبي أحمد الزبيري ، فجعل أبو أحمد يفخم الحسن بن صالح ، فقال الخريبي : متعت بك ، نحن أعلم بحسن منك ، إن حسنا كان معجبا ، والمعجب الأحمق .

أبو عبيدة بن أبي السفر : حدثنا عبد الله بن محمد بن سالم ، سمعت رشيدا الخباز -وكان عبدا صالحا- وقد رآه أبو عبيدة ، قال : خرجت مع مولاي إلى مكة ، فجاورنا ، فلما كان ذات يوم ، جاء إنسان فقال لسفيان : يا أبا عبد الله ! قدم اليوم حسن وعلي ابنا صالح . قال : وأين هما ؟ قال : في الطواف .

قال : إذا مرا ، فأرنيهما . فمر أحدهما ، فقلت : هذا علي ، ومر الآخر فقلت : هذا حسن . فقال : أما الأول ، فصاحب آخرة ، وأما الآخر ، فصاحب سيف ، لا يملأ جوفه شيء . قال : فيقوم إليه رجل ممن كان معنا ، فأخبر عليا ، ثم مضى مولاي إلى علي يسلم عليه ، وجاء سفيان يسلم عليه ، فقال له علي : يا أبا عبد الله ! ما حملك على أن ذكرت أخي أمس بما ذكرته ؟ ما يؤمنك أن تبلغ هذه الكلمة ابن أبي جعفر ، فيبعث إليه ، فيقتله ؟ قال : فنظرت إلى سفيان وهو يقول : أستغفر الله . وجادتا عيناه . الحميدي : عن سفيان : حدثنا صالح بن حي ، وكان خيرا من ابنيه ، وكان علي خيرهما .

قال محمد بن علي الوراق : سألت أحمد بن حنبل عن الحسن بن صالح : كيف حديثه ؟ فقال : ثقة ، وأخوه ثقة ، ولكنه قدم موته .

وروى علي بن الحسن الهسنجاني ، عن أحمد بن حنبل ، قال : الحسن بن صالح صحيح الرواية ، يتفقه ، صائن لنفسه في الحديث والورع .

وروى عبد الله بن أحمد ، عن أبيه : هو أثبت من شريك . [ ص: 367 ]

وروى ابن أبي خيثمة عن يحيى : ثقة .

وروى إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد ، عن يحيى : ثقة مأمون .

وروى أحمد بن أبي مريم ، عن يحيى : ثقة ، مستقيم الحديث .

وروى عباس ، عن يحيى : يكتب رأي الحسن بن صالح ، والأوزاعي : هؤلاء ثقات .

وروى عثمان بن سعيد ، عن يحيى ، قال : ابنا صالح ثقتان مأمونان . وقال أبو زرعة : اجتمع في حسن إتقان وفقه وعبادة وزهد . وقال أبو حاتم : ثقة ، حافظ متقن . وقال النسائي : ثقة .

الساجي : عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن حنبل : قال وكيع : حدثنا الحسن ، قيل : من الحسن ؟ قال : الحسن بن صالح الذي لو رأيته ذكرت سعيد بن جبير ، أو شبهته بسعيد بن جبير . قلت : بينهما قدر مشترك ، وهو العلم والعبادة والخروج على الظلمة تدينا

أحمد بن أبي الحواري : سمعت وكيعا يقول : لا يبالي من رأى الحسن بن صالح ألا يرى الربيع بن خثيم .

أحمد بن عثمان الأودي : عن أبي يزيد عبد الرحمن بن مصعب المعني ، قال : صحبت السادة : سفيان الثوري وصحبت ابني حي ، عليا والحسن ، وصحبت وهيب بن الورد . [ ص: 368 ] و قال يحيى بن أبي بكير : قلت للحسن بن صالح : صف لنا غسل الميت . فما قدر عليه من البكاء . وعن عبدة بن سليمان ، قال : إني أرى الله يستحي أن يعذب الحسن بن صالح . وقال أبو نعيم : حدثنا الحسن بن صالح ، وما كان دون الثوري في الورع والقوة . الحنيني : سمعت أبا غسان يقول : الحسن بن صالح خير من شريك ، من هنا إلى خراسان .

قال محمد بن عبد الله بن نمير : كان أبو نعيم ، يقول : ما رأيت أحدا إلا وقد غلط في شيء ، غير الحسن بن صالح . وقال أحمد بن يونس : سأل الحسن بن صالح رجلا عن شيء ؟ فقال : لا أدري . فقال : الآن حين دريت .

وقال ابن أبي الحواري عن عبد الرحيم بن مطرف : كان الحسن بن صالح إذا أراد أن يعظ أحدا ، كتب في ألواحه ، ثم ناوله .

وقال محمد بن زياد الرازي ، عن أبي نعيم : سمعت الحسن بن صالح يقول : فتشت الورع ، فلم أجده في شيء أقل من اللسان . وقال علي بن المنذر الطريفي ، عن أبي نعيم ، قال : كتبت عن ثمان مائة محدث ، فما رأيت أفضل من الحسن بن صالح .

قال ابن عدي : للحسن بن صالح قوم يحدثون عنه بنسخ ، فعند سلمة بن عبد الملك العوصي [ ص: 369 ] عنه نسخة ، وعند أبي غسان النهدي عنه نسخة ، وعند يحيى بن فضيل عنه نسخة . . . إلى أن قال : ولم أجد له حديثا منكرا مجاوز المقدار ، وهو عندي من أهل الصدق .

قلت : ما له رواية في " صحيح البخاري " ، بل ذكره في الشهادات وكان من أئمة الاجتهاد . وقد قال وكيع : كان الحسن بن صالح وأخوه وأمهما قد جزءوا الليل ثلاثة أجزاء ، فكل واحد يقوم ثلثا ، فماتت أمهما ، فاقتسما الليل ، ثم مات علي ، فقام الحسن الليل كله .

وعن أبي سليمان الداراني قال : ما رأيت أحدا الخوف أظهر على وجهه والخشوع من الحسن بن صالح ، قام ليلة : ب عم يتساءلون فغشي عليه ، فلم يختمها إلى الفجر . وقال الحسن بن صالح : ربما أصبحت وما معي درهم ، وكأن الدنيا قد حيزت لي .

وعن الحسن بن صالح ، قال : إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابا من الخير ، يريد بها بابا من الشر .

وعنه : أنه باع مرة جارية ، فقال : إنها تنخمت عندنا مرة دما .

قال وكيع : حسن بن صالح عندي إمام . فقيل له : إنه لا يترحم على عثمان . فقال : أفتترحم أنت على الحجاج ؟ [ ص: 370 ] قلت : لا بارك الله في هذا المثال . ومراده : أن ترك الترحم سكوت ، والساكت لا ينسب إليه قول ، ولكن من سكت عن ترحم مثل الشهيد أمير المؤمنين عثمان ، فإن فيه شيئا من تشيع ، فمن نطق فيه بغض وتنقص هو شيعي جلد يؤدب ، وإن ترقى إلى الشيخين بذم ، فهو رافضي خبيث ، وكذا من تعرض للإمام علي بذم ، فهو ناصبي يعزر ، فإن كفره ، فهو خارجي مارق ، بل سبيلنا أن نستغفر للكل ونحبهم ، ونكف عما شجر بينهم .

قال أحمد بن أبي الحواري : حدثنا إسحاق بن جبلة ، قال : دخل الحسن بن صالح يوما السوق ، وأنا معه ، فرأى هذا يخيط ، وهذا يصبغ ، فبكى وقال : انظر إليهم يتعللون حتى يأتيهم الموت . .

وروي عن الحسن بن صالح أنه كان إذا نظر إلى المقبرة يصرخ ، ويغشى عليه . .

قال حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي : كنت عند ابني صالح -ورجل يقرأ : لا يحزنهم الفزع الأكبر - فالتفت علي إلى أخيه الحسن ، وقد اخضر واصفر ، فقال : يا حسن : إنها أفزاع فوق أفزاع ، ورأيت الحسن أراد أن يصيح ، ثم جمع ثوبه ، فعض عليه حتى سكن عنه ، وقد ذبل فمه واخضار واصفار .

أحمد بن عمران بن جعفر البغدادي : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : قال الحسن بن صالح : قال لي أخي -وكنت أصلي- : يا أخي اسقني . قال : فلما قضيت صلاتي ، أتيته بماء ، فقال : قد شربت الساعة ، قلت : من سقاك وليس [ ص: 371 ] في الغرفة غيري وغيرك ؟ قال : أتاني الساعة جبريل بماء ، فسقاني وقال : أنت وأخوك وأمك مع الذين أنعم الله عليهم . وخرجت نفسه .

قلت : كان يرى الحسن الخروج على أمراء زمانه لظلمهم وجورهم ، ولكن ما قاتل أبدا ، وكان لا يرى الجمعة خلف الفاسق .

قال عبد الله بن داود الخريبي : ترك الحسن بن صالح الجمعة ، فجاء فلان ، فجعل يناظره ليلة إلى الصباح ، فذهب الحسن إلى ترك الجمعة معهم ، له وإلى الخروج عليهم ، وهذا مشهور عن الحسن بن صالح ، ودفع الله عنه أن يؤخذ ، فيقتل بدينه وعبادته .

قال البخاري : قال أبو نعيم : مات الحسن بن صالح سنة تسع وستين ومائة قلت : عاش تسعا وستين سنة ، وكان هو وأخوه علي توأما .

التالي السابق


الخدمات العلمية