صفحة جزء
[ ص: 457 ] حماد بن زيد ( ع )

ابن درهم ، العلامة ، الحافظ الثبت ، محدث الوقت أبو إسماعيل الأزدي ، مولى آل جرير بن حازم البصري ، الأزرق الضرير ، أحد الأعلام ، أصله من سجستان ، سبي جده درهم منها .

سمع من : أنس بن سيرين ، وعمرو بن دينار ، وأبي عمران الجوني ، ومحمد بن زياد القرشي الجمحي ، وأبي جمرة الضبعي ، وثابت البناني ، وبديل بن ميسرة ، وأيوب السختياني ، وعبد العزيز بن صهيب ، وبشر بن حرب ، وسلم بن قيس العلوي ، وشعيب بن الحبحاب ، وعاصم بن أبي النجود ، وعامر بن عبد الواحد الأحول ، وعباس بن فروخ الجريري ، وعبيد الله بن أبي يزيد المكي .

وكثير بن زياد الأزدي ، ومحمد بن واسع ، ومطر الوراق ، وهارون بن رئاب ، وواصل مولى أبي عيينة بن المهلب ، وأبي التياح الضبعي ، ويزيد . الرشك وإسحاق بن سويد ، وجميل بن مرة ، وحاجب بن المهلب بن أبي صفرة ، والزبير بن الخريت ، والزبير بن عربي ، والصقعب بن زهير ، وكثير بن شنظير ، ومنصور بن المعتمر ، وبرد بن سنان ، وداود بن أبي هند ، ويونس بن عبيد ، وأبي حازم الأعرج ، وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس وخلق كثير .

روى عنه : إبراهيم بن أبي عبلة ، وسفيان ، وشعبة -وهم من شيوخه- وعبد الوارث بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الله بن المبارك ، وأبو النعمان عارم ، ومسدد ، وسليمان بن حرب ، وعبيد الله القواريري ، ومحمد بن عبيد بن حساب ، وعلي بن المديني -وهو أكبر شيخ عنده- وزكريا بن عدي ، ومحمد بن عيسى بن الطباع ، وقتيبة بن سعيد ، وسهل بن عثمان العسكري ، وإبراهيم بن يوسف البلخي الفقيه ، وداود بن عمرو الضبي ، وسنيد بن داود المصيصي ، وسليمان بن أيوب صاحب البصري ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي ، [ ص: 458 ] وأبو الربيع الزهراني ، ومحمد بن موسى الحرشي ، ومحمد بن زنبور ، ومحمد بن النضر المروزي ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وأحمد بن عبدة ، وعبد الله بن معاوية الجمحي ، وأبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي ; والهيثم بن سهل ، خاتمة من روى عنه ، وأمم سواهم . قد استوعب كثيرا منهم شيخنا أبو الحجاج في " تهذيبه " .

قال عبد الرحمن بن مهدي : أئمة الناس في زمانهم أربعة : سفيان الثوري بالكوفة ، ومالك بالحجاز ، والأوزاعي بالشام وحماد بن زيد بالبصرة .

و قال يحيى بن معين : ليس أحد أثبت من حماد بن زيد . و قال يحيى بن يحيى النيسابوري : ما رأيت شيخا أحفظ من حماد بن زيد .

وقال أحمد بن حنبل : حماد بن زيد من أئمة المسلمين ، من أهل الدين ، هو أحب إلي من حماد بن سلمة .

وقال عبد الرحمن بن مهدي : لم أر أحدا قط أعلم بالسنة ، ولا بالحديث الذي يدخل في السنة من حماد بن زيد .

وروي عن سفيان الثوري ، قال : رجل البصرة بعد شعبة ذاك الأزرق -يعني حمادا .

قال وكيع بن الجراح : ما كنا نشبه حماد بن زيد إلا بمسعر . قال سليمان بن حرب : لم يكن لحماد بن زيد كتاب ، إلا كتاب يحيى بن سعيد الأنصاري .

وقال أحمد بن عبد الله العجلي : حماد بن زيد ثقة ، وحديثه أربعة آلاف حديث ، كان يحفظها ، ولم يكن له كتاب . وقال عبد الرحمن بن خراش الحافظ : لم يخطئ حماد بن زيد في [ ص: 459 ] حديث قط ، وفيه يقول ابن المبارك

أيها الطالب علما إيت حماد بن زيد     تقتبس حلما وعلما
ثم قيده بقيد



قال عبد الرحمن بن مهدي : ما رأيت أعلم من حماد بن زيد ، ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، وما رأيت بالبصرة أحدا أفقه منه -يعني حماد بن زيد . وقال آخر : هو أجل أصحاب أيوب السختياني وأثبتهم . وعن حماد بن زيد ، قال : جالست أيوب عشرين سنة . وقال أحمد بن سعيد الدارمي : سمعت أبا عاصم النبيل يقول : مات حماد بن زيد يوم مات ، ولا أعلم له في الإسلام نظيرا في هيئته ودله ، أظنه قال : وسمته .

قلت : تأخر موته عن مالك قليلا ولذلك قال أبو عاصم ذلك ، ولما سمع يزيد بن زريع بموت حماد بن زيد ، قال : مات اليوم سيد المسلمين . قال أبو حاتم بن حبان : كان ضريرا يحفظ حديثه كله . قلت : إنما أضر بأخرة . [ ص: 460 ] قال أبو بكر الخطيب : قد روى عنه : إبراهيم بن أبي عبلة ، والثوري ، وخلق ، آخرهم وفاة : الهيثم بن سهل التستري .

قال محمد بن مصفى : حدثنا بقية بن الوليد ، قال : ما رأيت بالعراق مثل حماد بن زيد . وقال خلف بن هشام البزار : المدلس متشبع بما لم يعط . قلت : هو داخل في قوله تعالى : ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا قلت : والمدلس فيه شيء من الغش ، وفيه عدم نصح للأمة ، لا سيما إذا دلس الخبر الواهي ، يوهم أنه صحيح ، فهذا لا يحل بوجه ، بخلاف باقي أقسام التدليس ، وما أحسن قول عبد الوارث بن سعيد : التدليس ذل .

جماعة سمعوا سليمان بن حرب : سمعت حماد بن زيد يقول في قوله : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي قال : أرى رفع الصوت عليه بعد موته ، كرفع الصوت عليه في حياته ، إذا قرئ حديثه ، وجب عليك أن تنصت له كما تنصت للقرآن يعمر .

وروى سليمان بن أيوب صاحب البصري ، وهو صادق : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : ما رأيت أحدا أعلم من حماد بن زيد ، لا سفيان ولا مالك .

وقال محمد بن عيسى بن الطباع : ما رأيت أعقل من حماد بن زيد . قال محمد بن وزير الواسطي : سمعت يزيد بن هارون يقول : قلت لحماد بن زيد : هل ذكر الله أصحاب الحديث في القرآن ؟ قال : بلى ، الله تعالى يقول : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية . [ ص: 461 ]

قال أبو العباس بن مسروق : حدثنا أيوب العطار : سمعت بشر بن الحارث -رحمه الله- يقول : حدثنا حماد بن زيد ، ثم قال : أستغفر الله ، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء .

قال سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، قال : جاءني أبان بن أبي عياش ، فقال : أحب أن تكلم شعبة ، أن يكف عني . فكلمته ، فكف عنه أياما ، وأتاني في الليل ، فقال : إنه لا يحل الكف عن أبان ، فإنه يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم .

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الحافظ : حدثنا أبي ، حدثنا سليمان بن حرب : سمعت حماد بن زيد يقول : إنما يدورون على أن يقولوا : ليس في السماء إله -يعني الجهمية - وعن أبي النعمان عارم ، قال : قال حماد بن زيد : القرآن كلام الله ، أنزله جبريل من عند رب العالمين .

قلت : لا أعلم بين العلماء نزاعا ، في أن حماد بن زيد من أئمة السلف ، ومن أتقن الحفاظ وأعدلهم ، وأعدمهم غلطا ، على سعة ما روى -رحمه الله- مولده في سنة ثمان وتسعين .

قال إبراهيم بن سعيد الجوهري : سمعت أبا أسامة يقول : كنت إذا رأيت حماد بن زيد ، قلت : أدبه كسرى ، وفقهه عمر -رضي الله عنه .

قال الخليلي : سمعت عبد الله بن محمد الحافظ ، سمعت أبا عبيد محمد بن محمد بن أخي هلال الرأي ، سمعت هشام بن علي ، يقول : كانوا يقولون : كان علم حماد بن سلمة أربعة دوانيق وعقله : دانقين ، وعلم حماد بن زيد دانقين ، وعقله أربعة دوانيق .

قلت : مات في سنة تسع وسبعين ومائة وفاقا في شهر رمضان . وقال أبو حفص الفلاس : [ ص: 462 ] مات في يوم الجمعة تاسع عشر شهر رمضان . وقال عارم : مات لعشر ليال خلون من رمضان ، يوم الجمعة ، وقال أبو داود : مات قبله مالك بشهرين وأيام .

قلت : هذا وهم ، بل مات قبله بستة أشهر فرحمهما الله . فلقد كانا ركني الدين ، ما خلفهما مثلهما .

ومات فيها بواسط الحافظ الحجة ، العابد القدوة ، خالد بن عبد الله الطحان . ومحدث الكوفة أبو الأحوص سلام بن سليم . ومفتي دمشق الهقل بن زياد ، صاحب الأوزاعي . ومحدث حمص عبد الله بن سالم الأشعري . وفيها كان مصرع ملك الخوارج ، الذي يضرب بشجاعته المثل : الوليد بن طريف الشاري .

ومن عوالي حماد -وقد أفردتها- : أخبرنا عبد الحافظ بن بدران ، ويوسف بن أحمد ، قالا : أنبأنا موسى بن عبد القادر ، أنبأنا سعيد بن أحمد بن البناء ، أنبأنا علي بن أحمد ، أنبأنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا يحيى بن محمد ، [ ص: 463 ] حدثنا أحمد بن المقدام ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أبي عمران الجوني : سمعت جندب بن عبد الله -ولا أعلمه ، إلا أنه قد رفعه- قال : اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ، فإذا اختلفتم فيه ، فقوموا عنه .

أخبرنا علي بن أحمد بن عبد المحسن العلوي : أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي حضورا ، أنبأنا محمد بن عبيد الله بن الزاغوني وأنبأنا أحمد بن إسحاق ، أنبأنا عمر بن محمد الزاهد ، أنبأنا هبة الله بن أحمد الشبلي ، قالا : أنبأنا أبو نصر محمد بن محمد ; أنبأنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا . أبو القاسم البغوي ، حدثنا أبو الربيع الزهراني ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن بلال : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بين العمودين ، تلقاء وجهه في جوف الكعبة أخرجه مسلم عن الزهراني .

وبه إلى الزهراني : حدثنا حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عمر ، عن بلال ، قال : صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البيت وقال ابن عباس : لم يصل فيه ، إنما كبر في نواحيه [ ص: 464 ] وهذا إسناد صحيح ، وإنما العبرة بقول من أثبت الصلاة ، فإن معه زيادة علم .

روى أبو حاتم الرازي ، عن مقاتل بن محمد ، سمع وكيعا يقول : حماد بن زيد أحفظ من ابن سلمة ، ما كنا نشبه حماد بن زيد إلا بمسعر . إسحاق الكوسج ، عن يحيى قال : حماد بن زيد أثبت من عبد الوارث ، وابن علية ، وعبد الوهاب الثقفي ، وابن عيينة .

قال أبو زرعة : سمعت أبا الوليد يقول : يرون أن حماد بن زيد دون شعبة في الحديث .

وقال عارم : سألت أم حماد بن زيد وعمته ، فقالت إحداهما : ولد زمن سليمان بن عبد الملك . وقالت الأخرى : ولد زمن عمر بن عبد العزيز . وقال خالد بن خداش : ولد سنة ثمان وتسعين قال محمد بن سعد : حماد بن زيد يكنى أبا إسماعيل ، وكان عثمانيا ، وكان ثقة ثبتا حجة ، كثير الحديث .

فصل

اشترك الحمادان في الرواية عن كثير من المشايخ ، وروى عنهما جميعا جماعة من المحدثين ، فربما روى الرجل منهم عن حماد ، لم ينسبه ، فلا يعرف أي الحمادين هو إلا بقرينة ، فإن عري السند من القرائن -وذلك قليل- لم نقطع بأنه ابن زيد ، ولا أنه ابن سلمة ، بل نتردد ، أو نقدره ابن سلمة ، ونقول : هذا الحديث على شرط مسلم . إذ مسلم قد احتج بهما جميعا . فمن شيوخهما معا : أنس بن سيرين ، وأيوب ، والأزرق بن قيس ، وإسحاق بن سويد ، وبرد بن سنان ، وبشر بن حرب ، وبهز بن حكيم ، وثابت ، والجعد أبو عثمان ، وحميد الطويل ، وخالد الحذاء ، وداود بن أبي هند ، والجريري ، وشعيب بن الحبحاب ، وعاصم بن أبي النجود ، وابن عون ، [ ص: 465 ] وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس ، وعبيد الله بن عمر ، وعطاء بن السائب ، وعلي بن زيد ، وعمرو بن دينار ، ومحمد بن زياد ، ومحمد بن واسع ، ومطر الوراق ، وأبو جمرة الضبعي ، وهشام بن عروة ، وهشام بن حسان ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ويحيى بن عتيق ، ويونس بن عبيد .

وحدث عن الحمادين : عبد الرحمن بن مهدي ، ووكيع ، وعفان ، وحجاج بن منهال ، وسليمان بن حرب ، وشيبان ، والقعنبي ، وعبد الله بن معاوية الجمحي ، وعبد الأعلى بن حماد ، وأبو النعمان عارم ، وموسى بن إسماعيل -لكن ماله عن حماد بن زيد سوى حديث واحد- ومؤمل بن إسماعيل ، وهدبة ، ويحيى بن حسان ، ويونس بن محمد المؤدب ، وغيرهم . والحفاظ المختصون بالإكثار ، وبالرواية عن حماد بن سلمة : بهز بن أسد ، وحبان بن هلال ، والحسن الأشيب ، وعمر بن عاصم .

والمختصون بحماد بن زيد ، الذين ما لحقوا ابن سلمة ، فهم أكثر وأوضح : كعلي بن المديني ، وأحمد بن عبدة ، وأحمد بن المقدام ، وبشر بن معاذ العقدي ، وخالد بن خداش ، وخلف بن هشام . وزكريا بن عدي ، وسعيد بن منصور ، وأبي الربيع الزهراني ، والقواريري ، وعمرو بن عون ، وقتيبة بن سعيد ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي ، ولوين ، ومحمد بن عيسى بن الطباع ، ومحمد بن عبيد بن حساب ، ومسدد ، ويحيى بن حبيب ، ويحيى بن يحيى التميمي ، وعدة من أقرانهم .

فإذا رأيت الرجل من هؤلاء الطبقة ، قد روى عن حماد وأبهمه ، علمت أنه ابن زيد ، وأن هذا لم يدرك حماد بن سلمة ، وكذا إذا روى رجل ممن لقيهما ، فقال : حدثنا حماد ، وسكت ، نظرت في شيخ حماد من هو . فإن رأيته من شيوخهما على الاشتراك ، ترددت ، وإن رأيته من شيوخ أحدهما على الاختصاص والتفرد عرفته بشيوخه المختصين به ، ثم عادة عفان لا يروي عن حماد بن زيد إلا وينسبه ، وربما روى عن حماد بن سلمة فلا ينسبه ، [ ص: 466 ] وكذلك يفعل حجاج بن منهال ، وهدبة بن خالد ، فأما سليمان بن حرب ، فعلى العكس من ذلك ، وكذلك عارم يفعل ، فإذا قالا : حدثنا حماد ، فهو ابن زيد ، ومتى قال موسى التبوذكي : حدثنا حماد . فهو ابن سلمة ، فهو راويته ، والله أعلم .

ويقع مثل هذا الاشتراك سواء في السفيانين ، فأصحاب سفيان الثوري كبار قدماء ، وأصحاب ابن عيينة صغار ، لم يدركوا الثوري ، وذلك أبين ، فمتى رأيت القديم قد روى ، فقال : حدثنا سفيان ، وأبهم ، فهو الثوري ، وهم كوكيع ، وابن مهدي ، والفريابي ، وأبي نعيم . فإن روى واحد منهم عن ابن عيينة بينه ، فأما الذي لم يلحق الثوري ، وأدرك ابن عيينة ، فلا يحتاج أن ينسبه لعدم الإلباس ، فعليك بمعرفة طبقات الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية