صفحة جزء
[ ص: 46 ] أبو ذر ( ع )

جندب بن جنادة الغفاري ، وقيل : جندب بن سكن . وقيل : برير بن جنادة . وقيل : برير بن عبد الله .

ونبأني الدمياطي : أنه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار - أخي ثعلبة - ابني مليل بن ضمرة ، أخي ليث والديل ، أولاد بكر ، أخي مرة ، والد مدلج بن مرة ، ابني عبد مناة بن كنانة .

قلت : أحد السابقين الأولين من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

قيل : كان خامس خمسة في الإسلام . ثم إنه رد إلى بلاد قومه ، فأقام بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك ، فلما أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ، هاجر إليه أبو ذر رضي الله عنه ، ولازمه ، وجاهد معه .

وكان يفتي في خلافة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان .

روى عنه : حذيفة بن أسيد الغفاري ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وابن عمر ، وجبير بن نفير ، وأبو مسلم الخولاني ، وزيد بن وهب ، وأبو الأسود الدئلي ، وربعي بن حراش ، والمعرور بن سويد ، وزر بن حبيش ، وأبو سالم الجيشاني سفيان بن هانئ ، وعبد الرحمن بن غنم ، [ ص: 47 ] والأحنف بن قيس ، وقيس بن عباد ، وعبد الله بن الصامت ، وأبو عثمان النهدي ، وسويد بن غفلة ، وأبو مراوح ، وأبو إدريس الخولاني ، وسعيد بن المسيب ، وخرشة بن الحر ، وزيد بن ظبيان ، وصعصعة بن معاوية ، وأبو السليل ضريب بن نفير ، وعبد الله بن شقيق ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبيد بن عمير ، وغضيف بن الحارث ، وعاصم بن سفيان ، وعبيد بن الخشخاش ، وأبو مسلم الجذمي ، وعطاء بن يسار ، وموسى بن طلحة ، وأبو الشعثاء المحاربي ، ومورق العجلي ، ويزيد بن شريك التيمي ، وأبو الأحوص المدني - شيخ الزهري - وأبو أسماء الرحبي ، وأبو بصرة الغفاري ، وأبو العالية الرياحي ، وابن الحوتكية ، وجسرة بنت دجاجة .

فاتته بدر ، قاله أبو داود .

وقيل : كان آدم ضخما جسيما ، كث اللحية .

وكان رأسا في الزهد ، والصدق ، والعلم والعمل ، قوالا بالحق ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، على حدة فيه .

وقد شهد فتح بيت المقدس مع عمر .

أخبرنا الخضر بن عبد الرحمن الأزدي وأحمد بن هبة الله قالا : أخبرنا زين الأمناء حسن بن محمد : أخبرنا علي بن الحسن الحافظ : حدثنا علي بن إبراهيم الحسيني : أخبرنا محمد بن علي بن سلوان : أخبرنا الفضل بن جعفر التميمي ، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم الهاشمي : حدثنا أبو مسهر :

[ ص: 48 ] حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر الغفاري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن جبريل ، عن الله - تبارك وتعالى - أنه قال : يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا . يا عبادي ، إنكم الذين تخطئون بالليل والنهار ، وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي ، فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي ، كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي ، كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل منكم ، لم يزد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ، كانوا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل واحد منهم ما سأل ، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا ، إلا كما ينقص البحر أن يغمس المخيط غمسة واحدة . يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحفظها عليكم ، فمن وجد خيرا ، فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك ، فلا يلومن إلا نفسه .

قال سعيد : كان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه .

أخرجه مسلم . [ ص: 49 ] نقل الواقدي ، عن خالد بن حيان ، قال : كان أبو ذر ، وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق .

وقال أحمد بن البرقي : أبو ذر اسمه : يزيد بن جنادة .

وقال سعيد بن عبد العزيز : اسمه : برير .

قال أبو قلابة ، عن رجل عامري ، قال : كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي ، فتصيبني الجنابة ، فوقع ذلك في نفسي ، فنعت لي أبو ذر ، فحججت ، فدخلت مسجد منى ، فعرفته ، فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة قطري . [ ص: 50 ]

وقال حميد بن هلال : حدثني الأحنف بن قيس ، قال : قدمت المدينة ، فدخلت مسجدها ، فبينما أنا أصلي ، إذ دخل رجل طوال ، آدم أبيض الرأس واللحية ، محلوق ، يشبه بعضه بعضا ، فاتبعته فقلت : من هذا ؟ قالوا : أبو ذر .

سليمان بن المغيرة ، وابن عون ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، قال : قال أبو ذر : خرجنا من قومنا غفار ، وكانوا يحلون الشهر الحرام ، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا ، فنزلنا على خال لنا ، فأكرمنا وأحسن ، فحسدنا قومه ، فقالوا : إنك إذا خرجت عن أهلك يخالفك إليهم أنيس ، فجاء خالنا ، فذكر لنا ما قيل له ، فقلت : أما ما مضى من معروفك ، فقد كدرته ، ولا جماع لك فيما بعد ، فقدمنا صرمتنا فاحتملنا عليها ، وجعل خالنا يبكي ، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة ، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها ، فأتيا الكاهن فخير أنيسا فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها .

قال : وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين . قلت : لمن ؟ قال : لله . قلت : أين توجه ؟ قال : حيث وجهني الله ، أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس . [ ص: 51 ]

فقال أنيس : إن لي حاجة بمكة ، فاكفني ، فانطلق أنيس حتى أتى مكة ، [ فراث علي ] ثم جاء ، فقلت : ما صنعت ؟ قال : لقيت رجلا بمكة على دينك ، يزعم أنه مرسل . قلت : فما يقول الناس ؟ قال : يقولون : شاعر ، كاهن ، ساحر . قال : وكان أنيس أحد الشعراء ، فقال : لقد سمعت قول الكهنة ، وما هو بقولهم ، ولقد وضعت قوله على أقوال الشعراء فما يلتئم على لسان أحد أنه شعر ، والله إنه لصادق ، وإنهم لكاذبون ! قلت : فاكفني حتى أذهب فأنظر ! .

فأتيت مكة ، فتضعفت رجلا منهم ، فقلت : من هذا الذي تدعونه الصابئ ؟ فأشار إلي ، فقال : الصابئ . قال : فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم ، حتى خررت مغشيا علي ، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر ، فأتيت زمزم ، فغسلت عني الدماء ، وشربت من مائها .

ولقد لبثت - يا ابن أخي - ثلاثين ، بين ليلة ويوم ما لي طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت حتى تكسرت عكني ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع .

فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان جاءت امرأتان تطوفان ، [ ص: 52 ] وتدعوان إسافا ونائلة فأتتا علي في طوافهما ، فقلت : أنكحا أحدهما الآخر ، فما تناهتا عن قولهما فأتتا علي ، فقلت : هن مثل الخشبة ، غير أني لا أكني ، فانطلقتا تولولان ، تقولان : لو كان هاهنا أحد من أنفارنا ! فاستقبلهما رسول الله ، وأبو بكر ، وهما هابطتان ، فقال : ما لكما ؟ قالتا : الصابئ بين الكعبة وأستارها . قال : فما قال لكما ؟ قالتا : إنه قال كلمة تملأ الفم .

قال : وجاء رسول الله حتى استلم الحجر ، ثم طاف بالبيت ، هو وصاحبه ، ثم صلى . وكنت أول من حياه بتحية الإسلام . قال : عليك ورحمة الله ، من أين أنت ؟ قلت : من غفار ، فأهوى بيده ، ووضع أصابعه على جبهته .

فقلت في نفسي : كره أني انتميت إلى غفار ، فذهبت آخذ بيده ، فدفعني صاحبه ، وكان أعلم به مني .

قال : ثم رفع رأسه ، فقال : متى كنت هاهنا ؟ قلت : منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم . قال : فمن كان يطعمك ؟ قلت : ما كان لي طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت ، وما أجد على بطني سخفة جوع . قال : إنها مباركة ، إنها طعام طعم . [ ص: 53 ]

فقال أبو بكر : يا رسول الله ، ائذن لي في طعامه الليلة ، فانطلقنا ، ففتح أبو بكر بابا ، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف : فكان أول طعام أكلته بها .

وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل ، لا أراها إلا يثرب ، فهل أنت مبلغ عني قومك ، لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم ؟ .

قال : فانطلقت ، فلقيت أنيسا ، فقال : ما صنعت ؟ قلت : صنعت أني أسلمت وصدقت . قال : ما بي رغبة عن دينك ، فإني قد أسلمت وصدقت ، فأسلمت أمنا ، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفار ، فأسلم نصفهم ، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة ، وكان سيدهم . وقال نصفهم : إذا قدم رسول الله المدينة أسلمنا ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأسلم نصفهم الباقي .

وجاءت أسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إخواننا ، نسلم على الذي أسلموا عليه ، فأسلموا .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غفار غفر الله لها ، وأسلم ، سالمها الله
. أخرجه مسلم .

قال أبو جمرة : قال لنا ابن عباس : ألا أخبركم بإسلام أبي ذر ؟ قلنا : بلى . قال : قال أبو ذر : بلغني أن رجلا بمكة قد خرج ، يزعم أنه نبي ، فأرسلت أخي ليكلمه ، فقلت : انطلق إلى هذا الرجل ، فكلمه ، فانطلق فلقيه ، ثم رجع ، فقلت : ما عندك ؟ قال : والله ، لقد رأيت رجلا يأمر بالخير ، وينهى عن الشر . قلت : لم تشفني ، فأخذت جرابا وعصا ، ثم [ ص: 54 ] أقبلت إلى مكة ، فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه ، وأشرب من ماء زمزم ، وأكون في المسجد ، فمر علي بن أبي طالب فقال : هذا رجل غريب ؟ قلت : نعم . قال : انطلق إلى المنزل ، فانطلقت معه ، لا أسأله عن شيء ، ولا يخبرني .

فلما أصبح الغد ، جئت إلى المسجد لا أسأل عنه ، وليس أحد يخبرني عنه بشيء ، فمر بي علي فقال : أما آن للرجل أن يعود ؟ قلت : لا . قال : ما أمرك ، وما أقدمك ؟ قلت : إن كتمت علي أخبرتك ؟ قال : أفعل . قلت : قد بلغنا أنه قد خرج نبي . قال : أما قد رشدت ! هذا وجهي إليه ، فاتبعني وادخل حيث أدخل ، فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك ، قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي ، وامض أنت .

فمضى ، ومضيت معه ، فدخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، اعرض علي الإسلام ، فعرض علي ، فأسلمت مكاني ، فقال لي : يا أبا ذر ، اكتم هذا الأمر ، وارجع إلى قومك ، فإذا بلغك ظهورنا ، فأقبل ، فقلت : والذي بعثك بالحق ، لأصرخن بها بين أظهرهم .

فجاء إلى المسجد وقريش فيه ، فقال : يا معشر قريش ، إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فقاموا ، فضربت لأموت ، فأدركني العباس ، فأكب علي ، وقال : ويلكم تقتلون رجلا من غفار ، ومتجركم وممركم على غفار ! فأطلقوا عني ، فلما أصبحت ، رجعت ، فقلت مثلما قلت بالأمس ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فصنع بي كذلك ، وأدركني العباس ، فأكب علي
.

فهذا أول إسلام أبي ذر . [ ص: 55 ] أخرجه : البخاري ومسلم من طريق المثنى بن سعيد ، عن أبي جمرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية