صفحة جزء
عبد الرحمن بن الحكم بن هشام

ابن الداخل أمير الأندلس أبو المطرف المرواني ، بويع بعد والده في آخر سنة ست ومائتين ، فامتدت أيامه ، وكان وادعا حسن السيرة ، لين الجانب ، قليل الغزو ، غلبت المشركون في دولته على إشبيلية ، ولكن الله سلم .

كتب إليه عبد الملك بن حبيب الفقيه يحرضه على بناء سور إشبيلية ، يقول له : حقن دماء المسلمين - أيدك الله وأعلى يدك بابتناء السور - أحق وأولى . فأخذ برأيه ، وجمع بينه وبين زيادة جامع قرطبة ، وابتنى أيضا جامع إشبيلية على يد قاضيها عمرو بن عدبس ، وكانت إشبيلية من ناحية الوادي بلا سور .

[ ص: 261 ] فلما كانت سنة ثلاثين ومائتين طرق المجوس الأردمانيون إشبيلية في ثمانين مركبا في الوادي ، فصادفوا أهلها على غرارة بمطاولة أمد الأمان لهم مع قلة خبرتهم بحربهم ، فطلعوا من المراكب ، وقد لاح لهم خور من أهلها ، فقاتلوهم ، وقووا على المسلمين ، ووضعوا السيف فيهم ، وملكوا إشبيلية بعد القتل الذريع في أهلها حتى في النساء والبهائم ، وأقاموا بها سبعة أيام ، فورد الخبر على الخليفة عبد الرحمن بن الحكم ، فاستنفر جيشه وبعث بهم إلى إشبيلية فحلوا بالشرق ، ووقع القتال ، واشتد الخطب ، وانتصر المسلمون ، واستحر القتل بالملاعين حتى فني جمع الكفرة ، لعنهم الله ، وحرق المسلمون ثلاثين مركبا من مراكبهم ، فكان بين دخولهم إلى إشبيلية وهروبهم عنها ثلاثة وأربعون يوما . وهذا كان السبب في بناء سور واديها .

وفي سنة خمس وثلاثين جاء سيل مهول حتى احتمل ربض قنطرة قرطبة ، واحتمل ست عشرة قرية إلى البحر بما فيها من الناس والمواشي . وهلك ما لا يعد ولا يحصى ، فلا قوة إلا بالله . وكان مولد عبد الرحمن بن الحكم بطليطلة في شعبان ، سنة ست وسبعين ومائة . ومات في ثالث ربيع الآخر ، سنة ثمان وثلاثين ومائتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية