صفحة جزء
ابن السماك

الزاهد ، القدوة ، سيد الوعاظ أبو العباس محمد بن صبيح [ ص: 329 ] العجلي ، مولاهم الكوفي ، ابن السماك .

روى عن : هشام بن عروة ، والأعمش ، ويزيد بن أبي زياد ، وطائفة . ولم يكثر .

روى عنه : يحيى بن يحيى ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن أيوب العابد ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وآخرون . قال ابن نمير : صدوق .

قلت : ما وقع له شيء في الكتب الستة . وهو القائل : كم من شيء إذا لم ينفع لم يضر ، لكن العلم إذا لم ينفع ، ضر .

قيل : وعظ مرة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن لك بين يدي الله مقاما ، وإنه لك من مقامك منصرفا ، فانظر إلى أين تكون . فبكى الرشيد كثيرا .

قيل : دخل ابن السماك على رئيس في شفاعة لفقير . فقال : إني أتيتك في حاجة ، والطالب والمعطي عزيزان إن قضيت الحاجة ، ذليلان إن لم تقض ، فاختر لنفسك عز البذل عن ذل المنع ، وعز النجح على ذل الرد .

وعنه قال : همة العاقل في النجاة والهرب ، وهمة الأحمق في اللهو والطرب ، عجبا لعين تلذ بالرقاد ، وملك الموت معها على الوساد ، حتى متى يبلغنا الوعاظ أعلام الآخرة ، حتى كأن النفوس عليها واقفة ، والعيون ناظرة ، أفلا منتبه من نومته ، أو مستيقظ من غفلته ، ومفيق من سكرته ، وخائف من صرعته ، كدحا للدنيا كدحا ، أما تجعل للآخرة منك حظا ، أقسم بالله ، لو رأيت القيامة تخفق بأهوالها ، والنار مشرفة على آلها ، وقد [ ص: 330 ] وضع الكتاب ، وجيء بالنبيين والشهداء ، لسرك أن يكون لك في ذلك الجمع منزلة ، أبعد الدنيا دار معتمل ، أم إلى غير الآخرة منتقل ؟ . هيهات ولكن صمت الآذان عن المواعظ ، وذهلت القلوب عن المنافع ، فلا الواعظ ينتفع ، ولا السامع ينتفع .

وعنه : هب الدنيا في يديك ، ومثلها ضم إليك ، وهب المشرق والمغرب يجيء إليك ، فإذا جاءك الموت ، فماذا في يديك ؟ ! ألا من امتطى الصبر ، قوي على العبادة ، ومن أجمع الناس ، استغنى عن الناس ، ومن أهمته نفسه لم يول مرمتها غيره ، ومن أحب الخير وفق له ، ومن كره الشر ، جنبه ، ألا متأهب فيما يوصف أمامه ، ألا مستعد ليوم فقره ، ألا مبادر فناء أجله . ما ينتظر من ابيضت شعرته بعد سوادها ، وتكرش وجهه بعد انبساطه ، وتقوس ظهره بعد انتصابه ، وكل بصره ، وضعف ركنه ، وقل نومه ، وبلي منه شيء بعد شيء في حياته ، فرحم الله امرأ عقل الأمر ، وأحسن النظر ، واغتنم أيامه .

وعنه : الدنيا كلها قليل ، والذي بقي منها قليل ، والذي لك من الباقي قليل ، ولم يبق من قليلك إلا قليل ، وقد أصبحت في دار العزاء ، وغدا تصير إلى دار الجزاء ، فاشتر نفسك لعلك تنجو . توفي ابن السماك سنة ثلاث وثمانين ومائة وقد أسن .

التالي السابق


الخدمات العلمية