صفحة جزء
قال أحمد بن أبي الحواري : جاء رجل من بني هاشم إلى عبد الله بن المبارك ليسمع منه ، فأبى أن يحدثه ، فقال الشريف لغلامه : قم ، فإن أبا عبد الرحمن لا يرى أن يحدثنا ، فلما قام ليركب ، جاء ابن المبارك ليمسك بركابه ، فقال : يا أبا عبد الرحمن تفعل هذا ولا ترى أن تحدثني ! فقال : أذل لك بدني ، ولا أذل لك الحديث .

روى المسيب بن واضح : أنه سمع ابن المبارك ، وسأله رجل عمن يأخذ ، فقال : قد يلقى الرجل ثقة ، وهو يحدث عن غير ثقة ، وقد يلقى الرجل غير ثقة يحدث عن ثقة ، ولكن ينبغي أن يكون : ثقة عن ثقة .

عثمان بن سعيد الدارمي : سمعت نعيم بن حماد يقول : ما رأيت [ ص: 405 ] ابن المبارك يقول قط : " حدثنا " كان يرى " أخبرنا " أوسع وكان لا يرد على أحد حرفا إذا قرأ . وقال نعيم : ما رأيت أعقل من ابن المبارك ، ولا أكثر اجتهادا في العبادة .

الحسن بن الربيع : قال ابن المبارك في حديث ثوبان ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : استقيموا لقريش ما استقاموا لكم يفسره حديث أم سلمة : لا تقتلوهم ما صلوا . واحتج ابن المبارك في مسألة الإرجاء ، وأن الإيمان يتفاوت ، بما روي عن ابن شوذب ، عن سلمة بن كهيل ، عن هزيل بن شرحبيل ، قال : قال عمر : لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض ، لرجح . قلت : مراد عمر -رضي الله عنه- أهل أرض زمانه .

نعيم بن حماد : سمعت ابن المبارك يقول : السيف الذي وقع بين الصحابة فتنة ، ولا أقول لأحد منهم هو مفتون . [ ص: 406 ]

وعن ابن المبارك ، وسئل : من السفلة ؟ قال : الذي يدور على القضاة يطلب الشهادات .

وعنه قال : إن البصراء لا يأمنون من أربع : ذنب قد مضى لا يدرى ما يصنع فيه الرب -عز وجل- ، وعمر قد بقي لا يدرى ما فيه من الهلكة ، وفضل قد أعطي العبد لعله مكر واستدراج ، وضلالة قد زينت ، يراها هدى ، وزيغ قلب ساعة فقد يسلب المرء دينه ولا يشعر .

قال منصور بن دينار ، صاحب ابن المبارك : إن عبد الله كان يتصدق لمقامه ببغداد كل يوم بدينار .

وعن عبد الكريم السكري قال : كان عبد الله يعجبه إذا ختم القرآن أن يكون دعاؤه في السجود .

قال إبراهيم بن نوح الموصلي : قدم الرشيد عين زربة فأمر أبا سليم أن يأتيه بابن المبارك ، قال : فقلت : لا آمن أن يجيب ابن المبارك بما يكره فيقتله . فقلت : يا أمير المؤمنين ، هو رجل غليظ الطباع ، جلف ، فأمسك الرشيد .

الفضل بن محمد الشعراني : حدثنا عبدة بن سليمان قال : سمعت رجلا يسأل ابن المبارك عن الرجل يصوم يوما ويفطر يوما .

قال : هذا رجل يضيع نصف عمره ، وهو لا يدري -يعني لم لا يصومها ؟ قلت : أحسب ابن المبارك لم يذكر حينئذ حديث : أفضل [ ص: 407 ] الصوم صوم داود ولا حديث : النهي عن صوم الدهر .

قال أبو وهب المروزي : سألت ابن المبارك : ما الكبر؟ قال : أن تزدري الناس . فسألته عن العجب ؟ قال : أن ترى أن عندك شيئا ليس عند غيرك ، لا أعلم في المصلين شيئا شرا من العجب .

قال حاتم بن الجراح : سمعت علي بن الحسن بن شقيق ، سمعت ابن المبارك ، وسأله رجل عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين ، وقد عالجتها بأنواع العلاج ، وسألت الأطباء ، فلم أنتفع به . فقال له : اذهب ، فاحفر بئرا في مكان حاجة إلى الماء ، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ، ويمسك عنك الدم ، ففعل الرجل ، فبرأ .

قال أحمد بن حنبل : كان ابن المبارك يحدث من الكتاب ، فلم يكن له سقط كثير ، وكان وكيع يحدث من حفظه ، فكان يكون له سقط كم يكون حفظ الرجل .

وروى غير واحد أن ابن المبارك قيل له : إلى متى تكتب العلم ؟ قال : لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد .

قال عمرو الناقد : سمعت ابن عيينة يقول : ما قدم علينا أحد يشبه ابن المبارك ، ويحيى بن أبي زائدة . [ ص: 408 ]

وقال مخلد بن الحسين : جالست أيوب وابن عون ، فلم أجد فيهم من أفضله على ابن المبارك .

قال عبدان : قال ابن المبارك ، وذكر التدليس ، فقال فيه قولا شديدا ثم أنشد :

دلس للناس أحاديثه والله لا يقبل تدليسا

عن ابن المبارك قال : من استخف بالعلماء ، ذهبت آخرته ، ومن استخف بالأمراء ، ذهبت دنياه ، ومن استخف بالإخوان ، ذهبت مروءته .

قد أسلفنا لعبد الله ما يدل على فروسيته .

وقال محمد بن المثنى : حدثنا عبد الله بن سنان قال : كنت مع ابن المبارك ، ومعتمر بن سليمان بطرسوس ، فصاح الناس : النفير ، فخرج ابن المبارك والناس ، فلما اصطف الجمعان ، خرج رومي ، فطلب البراز ، فخرج إليه رجل ، فشد العلج عليه فقتله ، حتى قتل ستة من المسلمين ، وجعل يتبختر بين الصفين يطلب المبارزة ، ولا يخرج إليه أحد ، فالتفت إلي ابن المبارك فقال : يا فلان ، إن قتلت فافعل كذا وكذا ، ثم حرك دابته ، وبرز للعلج ، فعالج معه ساعة ، فقتل العلج ، وطلب المبارزة ، فبرز له علج آخر فقتله ، حتى قتل ستة علوج ، وطلب البراز ، فكأنهم كاعوا عنه ، [ ص: 409 ] فضرب دابته ، وطرد بين الصفين ، ثم غاب ، فلم نشعر بشيء ، وإذا أنا به في الموضع الذي كان ، فقال لي : يا عبد الله لئن حدثت بهذا أحدا ، وأنا حي ، فذكر كلمة .

قال أبو صالح الفراء : سألت ابن المبارك عن كتابة العلم " فقال : لولا الكتاب ما حفظنا . وسمعته يقول : الحبر في الثوب خلوق العلماء . وقال : تواطؤ الجيران على شيء أحب إلي من شهادة عدلين . وقيل : إن ابن المبارك مر براهب عند مقبرة ومزبلة ، فقال : يا راهب ، عندك كنز الرجال ، وكنز الأموال وفيهما معتبر . وقد تفقه ابن المبارك بأبي حنيفة ، وهو معدود في تلامذته . وكان عبد الله غنيا شاكرا ، رأس ماله نحو الأربع مائة ألف . قال حبان بن موسى : رأيت سفرة ابن المبارك حملت على عجلة .

وقال أبو إسحاق الطالقاني : رأيت بعيرين محملين دجاجا مشويا لسفرة ابن المبارك . وروى عبد الله بن عبد الوهاب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن سهم ، قال : كنت مع ابن المبارك ، فكان يأكل كل يوم ، فيشوى له جدي ، ويتخذ له فالوذق . فقيل له في ذلك . فقال : إني دفعت إلى وكيلي ألف دينار ، وأمرته أن يوسع علينا .

قال الحسن بن حماد : دخل أبو أسامة على ابن المبارك ، فوجد في [ ص: 410 ] وجهه عبد الله أثر الضر ، فلما خرج ، بعث إليه أربعة آلاف درهم ، وكتب إليه :

وفتى خلا من ماله     ومن المروءة غير خال
أعطاك قبل سؤاله     وكفاك مكروه السؤال



وقال المسيب بن واضح : أرسل ابن المبارك إلى أبي بكر بن عياش أربعة آلاف درهم ، فقال : سد بها فتنة القوم عنك . قال علي بن خشرم : قلت لعيسى بن يونس : كيف فضلكم ابن المبارك ، ولم يكن بأسن منكم ؟ قال : كان يقدم ، ومعه الغلمة الخراسانية ، والبزة الحسنة ، فيصل العلماء ، ويعطيهم ، وكنا لا نقدر على هذا .

قال نعيم بن حماد : قدم ابن المبارك أيلة على يونس بن يزيد ، ومعه غلام مفرغ لعمل الفالوذج ، يتخذه للمحدثين .

أخبرنا ابن أبي الخير في كتابه ، عن عبد الرحيم بن محمد ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن المبارك ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : البركة مع أكابركم . فقلت للوليد : أين سمعت من ابن المبارك ؟ قال : في الغزو .

التالي السابق


الخدمات العلمية