صفحة جزء
منصور بن عمار

ابن كثير الواعظ ، البليغ الصالح ، الرباني أبو السري السلمي الخراساني ، وقيل : البصري ، كان عديم النظير في الموعظة والتذكير .

'روى عن : الليث ، وابن لهيعة ، ومعروف الخياط ، وهقل بن زياد ، [ ص: 94 ] والمنكدر بن محمد ، وبشير بن طلحة وجماعة . ولم يكن بالمتضلع من الحديث .

حدث عنه : ابناه سليم وداود ، وزهير بن عباد ، وأحمد بن منيع ، وعلي بن خشرم ، وعبد الرحمن بن يونس الرقي ، ومنصور بن الحارث ، وغيرهم .

وعظ بالعراق والشام ومصر ، وبعد صيته ، وتزاحم عليه الخلق ، وكان ينطوي على زهد وتأله وخشية ، ولوعظه وقع في النفوس .

قال أبو حاتم : صاحب مواعظ ليس بالقوي .

وقال ابن عدي : حديثه منكر .

وقال الدارقطني : يروي عن ضعفاء أحاديث لا يتابع عليها .

وذكر ابن يونس في تاريخه أن الليث بن سعد حضر وعظه ، فأعجبه ، ونفذ إليه بألف دينار . وقيل : أقطعه خمسة عشر فدانا ، وإن ابن لهيعة أقطعه خمسة فدادين .

قال أبو بكر بن أبي شيبة : كنا عند ابن عيينة ، فسأله منصور بن عمار عن القرآن فزبره ، وأشار إليه بعكازه ، فقيل : يا أبا محمد ، إنه عابد ، فقال : ما أراه إلا شيطانا .

وعن عبدك العابد قال : قيل لمنصور : تتكلم بهذا الكلام ، ونرى منك أشياء ؟ قال : احسبوني درة على كناسة .

وقال أحمد بن الحواري : سمعت عبد الرحمن بن مطرف يقول : [ ص: 95 ] رؤي منصور بن عمار بعد موته ، فقيل : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي ، وقال لي : يا منصور ، غفرت لك على تخليط فيك كثير ، إلا أنك كنت تحوش الناس إلى ذكري .

أحمد بن منيع ، حدثنا منصور بن عمار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة - أو حذيفة - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يكون لأصحابي بعدي زلة يغفرها الله لهم بسابقتهم ، ثم يعمل بها قوم بعدهم يكبهم الله في النار .

منصور بن الحارث : حدثنا منصور بن عمار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد ، عن أبي الخير ، عن عقبة مرفوعا : مشاش الطير يورث السل .

عبد الرحمن بن يونس : حدثنا منصور ، حدثني ابن لهيعة ، عن الأسود ، عن عروة ، عن عائشة قالت : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد عقد عباء بين كتفيه ، وقال : إنما لبست هذا لأقمع به الكبر .

وساق ابن عدي مناكير لمنصور تقضي بأنه واه جدا .

أبو شعيب الحراني ، حدثنا علي بن خشرم ، قال منصور بن عمار : لما قدمت مصر ، كانوا في قحط ، فلما صلوا الجمعة ، ضجوا بالبكاء والدعاء ، فحضرتني نية ، فصرت إلى الصحن ، وقلت : يا قوم ، تقربوا إلى [ ص: 96 ] الله بالصدقة ، فما تقرب بمثلها ، ثم رميت بكسائي . فقال : هذا جهدي فتصدقوا ، حتى جعلت المرأة تلقي خرصها حتى فاض الكساء ، ثم هطلت السماء ، وخرجوا في الطين ، فدفعت إلى الليث وابن لهيعة ، فنظرا إلى كثرة المال ، فوكلوا به الثقات ورحت أنا إلى الإسكندرية ، فبينا أنا أطوف على حصنها ، إذا رجل يرمقني . قلت : ما لك ؟ قال : أنت المتكلم يوم الجمعة ؟ قلت : نعم . قال : صرت فتنة ، قالوا : إنك الخضر ، دعا فأجيب . قلت : بل أنا العبد الخاطئ ، فقدمت مصر ، فأقطعني الليث خمسة عشر فدانا .

أبو داود : حدثنا قتيبة ، عن منصور ، قال : قدمت مصر ، وبها قحط ، فتكلمت ، فبذلوا صدقات كثيرة ، فأتى بي الليث ، فقال : ما حملك على الكلام بغير أمر ؟ قلت : أصلحك الله ، أعرض عليك ، فإن كان مكروها ، نهيتني . قال : تكلم . فتكلمت ، قال : قم ، لا يحل أن أسمع هذا وحدي . قال : وأخرج لي جارية تعد قيمتها ثلاثمائة دينار وألف دينار ، وقال : لا تعلم بها ابني فتهون عليه .

أبو حاتم : حدثنا سليم بن منصور ، حدثنا أبي قال : أعطاني الليث ألف دينار .

وقال علي بن خشرم : سمعت منصورا يقول : المتكلمون ثلاثة ; الحسن البصري ، وعون بن عبد الله ، وعمر بن عبد العزيز . [ ص: 97 ]

وقيل : إن الرشيد لما سمع وعظ منصور ، قال : من أين تعلمت هذا ؟ قال : تفل في في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم ، وقال لي : يا منصور قل .

قال أبو العباس السراج : حدثنا أحمد بن موسى الأنصاري قال : قال منصور بن عمار : حججت ، فبت بالكوفة ، فخرجت في الظلماء ، فإذا بصارخ يقول : إلهي وعزتك ما أردت بمعصيتي مخالفتك ، وعصيت وما أنا بنكالك جاهل ، ولكن خطيئة أعانني عليها شقائي ، وغرني سترك ، فالآن من ينقذني ؟ فتلوت هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا قال : فسمعت دكدكة ، فلما كان من الغد ، مررت هناك ، فإذا بجنازة ، وعجوز تقول : مر البارحة رجل تلا آية فتفطرت مرارته ، فوقع ميتا .

قال سليم بن منصور : كتب بشر المريسي إلى أبي : أخبرني عن القرآن . فكتب إليه : عافانا الله وإياك ، نحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة ، تشارك فيها السائل والمجيب ، تعاطى السائل ما ليس له ، وتكلف المجيب ما ليس عليه ، وما أعرف خالقا إلا الله ، وما دونه مخلوق ، والقرآن كلام الله ، فانته بنفسك وبالمختلفين فيه معك إلى أسمائه التي سماه الله بها ، ولا تسم القرآن باسم من عندك ، فتكون من الضالين .

قال الكوكبي : حدثنا حريز بن أحمد بن أبي دؤاد : حدثني سلمويه بن عاصم ، قال : كتب بشر إلى منصور بن عمار يسأله عن قوله تعالى : [ ص: 98 ] الرحمن على العرش استوى كيف استوى ؟ فكتب إليه : استواؤه غير محدود ، والجواب فيه تكلف ، ومسألتك عنه بدعة ، والإيمان بجملة ذلك واجب .

لم أجد وفاة لمنصور ، وكأنها في حدود المائتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية