صفحة جزء
الأمين

الخليفة ، أبو عبد الله محمد بن الرشيد - هارون - بن المهدي محمد ، بن المنصور ، الهاشمي العباسي البغدادي .

وأمه زبيدة بنت الأمير جعفر بن المنصور .

عقد له أبوه بالخلافة بعده ، وكان مليحا ، بديع الحسن ، أبيض وسيما طويلا ، ذا قوة وشجاعة وأدب وفصاحة ، ولكنه سيئ التدبير ، مفرط [ ص: 335 ] التبذير ، أرعن لعابا ، مع صحة إسلام ودين .

يقال : قتل مرة أسدا بيديه .

ويقال : كتب بخطه رقعة إلى طاهر بن الحسين الذي قاتله : يا طاهر ، ما قام لنا منذ قمنا قائم بحقنا ، فكان جزاؤه عندنا إلا السيف ، فانظر لنفسك ، أو دع . يلوح له بأبي مسلم وأمثاله .

قال المسعودي : ما ولي للخلافة هاشمي ابن هاشمية سوى علي ومحمد الأمين .

وقد جعله أبوه ولي عهده ، وله خمس سنين ، وتسلم الأمر بعد موت أبيه ببغداد ، وكان أخوه الآخر وهو المأمون بمرو ، فأمر الأمين للناس برزق سنتين ، ووصل إليه البردة والقضيب والخاتم من خراسان في اثني عشر يوما في نصف الشهر ، وبايع المأمون لأخيه ، وأقام بخراسان ، وأهدى لأخيه تحفا ونفائس ، والحرث متصل بسمرقند بين رافع وهرثمة ، وأعان رافعا الترك . وفيها قتل نقفور طاغية الروم في حرب برجان .

وفي سنة 194 أمر الأمين بالدعاء لابنه موسى بولاية العهد بعد ولي العهد المأمون والقاسم ، وأغرى الفضل بن الربيع الأمين بالمأمون وحثه على خلعه لعداوة بينهما ، وحسن له ذلك السندي ، وعلي بن عيسى بن ماهان ، [ ص: 336 ] ثم اصطلح هرثمة ورافع بن الليث بن نصر بن سيار ، وقدما على المأمون ، ومعه طاهر بن الحسين ، ثم بعث الأمين يطلب من المأمون تقديم موسى ولده على المأمون ، ولقبه الناطق بالحق ، فأبى ذلك المأمون ، واستمال المأمون الرسول ، فبايعه سرا ، وبقي يكاتبه ، وهو العباس بن موسى بن عيسى بن موسى .

وأما الأمين ، فبلغه خلاف المأمون ، فأسقطه من الدعاء ، وطلب ما كتبه الرشيد وعلقه بالكعبة من العهد بين الأخوين ، فمزقه ، فلامه الألباء فلم ينتصح ، حتى قال له خازم بن خزيمة : لن ينصحك من كذبك ولن يغشك من صدقك ، لا تجسر القواد على الخلع ، فيخلعوك ، ولا تحملهم على النكث ، فالغادر مفلول ، والناكث مخذول ، فلم يلتفت ، وبايع لموسى بالعهد ، واستوزر له .

فلما عرف المأمون ، خلع أخاه ، وتسمى بأمير المؤمنين ، وأما ابن ماهان ، فجهزه الأمين ، وخصه بمائتي ألف دينار ، وأعطاه قيدا من فضة ليقيد به المأمون بزعمه . وعرض الأمين جيشه بالنهروان ، وأقبل طاهر في أربعة آلاف فالتقوا ، فقتل ابن ماهان ، وتمزق جيشه ، هذا والأمين عاكف على اللهو واللعب ، فبعث جيشا آخر ، وندم على خلع المأمون ، وطمع فيه أمراؤه ، ثم التقى طاهر وعسكر الأمين على همذان ، وقتل خلق ، وعظم الخطب ، ودخل جيش الأمين إلى همذان ، فحاصرهم طاهر ، ثم نزل أميره إلى طاهر بالأمان في سنة 95 . [ ص: 337 ]

وفيها ظهر بدمشق السفياني ، وهو أبو العميطر علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية فدعا إلى نفسه ، وطرد عامل الأمين ، وتمكن ، وانضمت إليه اليمانية ، وأهل حمص وقنسرين والساحل إلا أن قيسا لم تتابعه ، وهربوا .

ثم هزم طاهر جيشا ثالثا للأمين ، ثم نزل حلوان . وأنفق الأمين بيوت الأموال على الجند ولا ينفعون ، وجاءت أمداد المأمون مع هرثمة بن أعين والفضل بن سهل ، وضعف أمر الأمين ، وجبن جنده من الخراسانيين ، فجهز عبد الملك بن صالح العباسي إلى الشام ليجمع له جندا ، وبذل خزائن الذهب لهم ، فوقع ما بين العرب وبين الزواقيل فراح تحت السيف خلق منهم ، وأحاطت المأمونية ببغداد ، يحاصرون الأمين ، واشتد البلاء ، وعظم القتال ، وقاتلت العامة والرعاع عن الأمين قتال الموت ، واستمر الويل والحصار ، وجرت أمور لا توصف ، وتفاقم الأمر .

ودخلت سنة سبع وتسعين وفر القاسم الملقب بالمؤتمن وعمه منصور ، فلحقا بالمأمون ، ورمي بالمجانيق ، وأخذت النقوب ونفدت [ ص: 338 ] خزائن الأمين ، حتى باع الأمتعة ، وأنفق في المقاتلة ، وما زال أمره في سفال ، ودثرت محاسن بغداد ، واستأمن عدة إلى طاهر ، ودام الحصار والوبال خمسة عشر شهرا .

واستفحل أمر السفياني بالشام ، ثم وثب عليه مسلمة الأموي ، فقيده ، واستبد بالأمر ، فما بلع ريقه حتى حاصرهم ابن بيهس الكلابي مدة ، ثم نصب السلالم على السور ، وأخذ دمشق ، فهرب السفياني . ومسلمة في زي النساء إلى المزة .

وخلع الأمين خزيمة بن خازم ، ومحمد بن ماهان ، وخامرا إلى طاهر .

ثم دخل طاهر بغداد عنوة ، ونادى : من لزم بيته ، فهو آمن ، وحاصروا الأمين في قصوره أياما ، ثم رأى أن يخرج على حمية ليلا ، وفعل ، فظفروا به ، وهو في حراقة فشد عليه أصحاب طاهر في الزواريق وتعلقوا بحراقته ، فنقبت ، وغرقت ، فرمى الأمين بنفسه في الماء ، فظفر به رجل ، وذهب به إلى طاهر ، فقتله ، وبعث برأسه إلى المأمون ، فإنا لله ، ولم يسر المأمون بمصرع أخيه .

وفي تاريخنا عجائب وأشعار لم أنشط هنا لاستيعابها . [ ص: 339 ]

قال أحمد بن حنبل : إني لأرجو أن يرحم الله الأمين بإنكاره على ابن علية ، فإنه أدخل عليه ، فقال له : يابن الفاعلة ، أنت الذي تقول : كلام الله مخلوق ؟ .

قلت : ولم يصرح بذلك ابن علية ، حاشاه ، بل قال عبارة تلزمه بعض ذلك .

وعاش الأمين سبعا وعشرين سنة ، وقتل في المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة ، وخلافته دون الخمس سنين ، سامحه الله وغفر له .

وله من الولد : عبد الله ، وموسى ، وإبراهيم لأمهات أولاد شتى .

التالي السابق


الخدمات العلمية