صفحة جزء
الواقدي

محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي المديني القاضي ، صاحب التصانيف والمغازي ، العلامة الإمام أبو عبد الله ، أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه .

ولد بعد العشرين ومائة .

وطلب العلم عام بضعة وأربعين ، وسمع من صغار التابعين ، فمن بعدهم بالحجاز والشام وغير ذلك .

حدث عن محمد بن عجلان ، وابن جريج ، وثور بن يزيد ، ومعمر بن راشد ، وأسامة بن زيد الليثي ، وكثير بن زيد ، وعبد الحميد بن جعفر ، والضحاك بن عثمان ، وابن أبي ذئب ، وأفلح بن حميد ، والأوزاعي ، وهشام بن الغاز ، وأبي بكر بن أبي سبرة ، ومالك ، وفليح بن سليمان ، وخلق كثير ، إلى الغاية من عوام المدنيين .

وجمع ، فأوعى ، وخلط الغث بالسمين ، والخرز بالدر الثمين ، [ ص: 455 ] فاطرحوه لذلك ، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي ، وأيام الصحابة وأخبارهم .

حدث عنه محمد بن سعد كاتبه ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو حسان الحسن بن عثمان الزيادي ، ومحمد بن شجاع الثلجي ، وسليمان بن داود الشاذكوني ، ومحمد بن يحيى الأزدي ، وأحمد بن عبيد بن ناصح ، وأبو بكر الصاغاني ، والحارث بن أبي أسامة ، ومحمد بن الفرج الأزرق ، وأحمد بن الوليد الفحام ، وأحمد بن الخليل البرجلاني ، وعبد الله بن الحسن الهاشمي ، وعدة .

الأثرم : سمعت أحمد بن حنبل يقول : لم نزل ندافع أمر الواقدي حتى روى عن معمر ، عن الزهري ، عن نبهان ، عن أم سلمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أفعمياوان أنتما فجاء بشيء لا حيلة فيه ، فهذا حديث يونس ، ما رواه غيره عن الزهري . [ ص: 456 ]

قال الحافظ ابن عساكر : ورواه الذهلي ، أخبرنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا نافع بن يزيد ، عن عقيل ، عن الزهري .

وقال الرمادي : لما حدثني سعيد بن أبي مريم بهذا ، ضحكت ، فقال : مم تضحك ؟ فأخبرته بما قال علي بن المديني : وكتب إليه أحمد يقول : هذا حديث تفرد به يونس ، وهذا أنت تحدث به عن نافع بن زيد ، عن عقيل ، فقال : إن شيوخنا المصريين لهم عناية بحديث الزهري . قال : وفيما كتب أحمد إلى ابن المديني : كيف تستحل تروي عن رجل يروي عن معمر حديث نبهان مكاتب أم سلمة ؟ .

رواه الحافظ محمد بن المظفر ، عن عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني ، عن الرمادي .

إبراهيم بن جابر الحافظ : سمعت الرمادي ، وحدث بحديث عقيل ، عن ابن شهاب ، فقال : هذا مما ظلم فيه الواقدي . [ ص: 457 ]

قال محمد بن سعد : محمد بن عمر الواقدي مولى لبني أسلم ، ثم بني سهم بطن من أسلم ، ولي القضاء ببغداد للمأمون أربع سنين ، وكان عالما بالمغازي والسيرة والفتوح والأحكام واختلاف الناس ، وقد فسر ذلك في كتب استخرجها ووضعها ، وحدث بها ، أخبرني أنه ولد سنة ثلاثين ومائة .

وقال ابن سعد في " الطبقات الكبير " : هو مولى عبد الله بن بريدة الأسلمي ، قدم بغداد في دين لحقه سنة ثمانين ومائة ، فلم يزل بها ، وخرج إلى الشام والرقة ، ثم رجع ، فولاه المأمون القضاء ، إذ قدم من خراسان ، ولاه القضاء بعسكر المهدي ، فلم يزل قاضيا حتى مات ببغداد لإحدى عشرة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومائتين .

وذكره البخاري ، فقال : سكتوا عنه ، تركه أحمد وابن نمير .

وقال مسلم وغيره : متروك الحديث .

وقال النسائي : ليس بثقة .

وقال الخطيب : هو ممن طبق ذكره شرق الأرض وغربها ، وسارت بكتبه الركبان في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات والفقه ، وكان جوادا كريما مشهورا بالسخاء .

قال محمد بن سلام الجمحي : الواقدي عالم دهره . [ ص: 458 ]

وقال إبراهيم الحربي : الواقدي أمين الناس على أهل الإسلام ، كان أعلم الناس بأمر الإسلام . قال : فأما الجاهلية ، فلم يعلم فيها شيئا .

وقال موسى بن هارون : سمعت مصعبا الزبيري يذكر الواقدي ، فقال : والله ما رأينا مثله قط .

وعن الدراوردي وذكر الواقدي فقال : ذاك أمير المؤمنين في الحديث . رواها يعقوب الفسوي ، عن عبيد بن أبي الفرج ، عن يعقوب مولى آل عبيد الله ، عنه .

وعن الواقدي قال : كانت ألواحي تضيع ، فأوتى بها من شهرتها بالمدينة ، يقال : هذه ألواح ابن واقد .

قد كانت للواقدي في وقته جلالة عجيبة ، ووقع في النفوس بحيث إن أبا عامر العقدي قال : نحن نسأل عن الواقدي ؟ ما كان يفيدنا الشيوخ والحديث إلا الواقدي .

وقال مصعب الزبيري : حدثني من سمع عبد الله بن المبارك يقول : كنت أقدم المدينة ، فما يفيدني ويدلني على الشيوخ إلا الواقدي .

وقال معاوية بن صالح الدمشقي : حدثني سنيد بن داود قال : كنا عند [ ص: 459 ] هشيم ، فدخل الواقدي ، فسأله هشيم عن باب ما يحفظ فيه ، فقال : ما لا عندك يا أبا معاوية ، فذكر خمسة أحاديث أو ستة في الباب ، ثم قال هشيم للواقدي : ما عندك ؟ فحدثه بثلاثين حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين ، ثم قال : وسألت مالكا ، وسألت ابن أبي ذئب ، وسألت وسألت ، فرأيت وجه هشيم يتغير ، فلما خرج ، قال هشيم : لئن كان كذابا ، فما في الدنيا مثله ، وإن كان صادقا ، فما في الدنيا مثله .

أحمد بن علي الأبار : سمعت مجاهد بن موسى يقول : ما كتبنا عن أحد أحفظ من الواقدي .

وقال إبراهيم الحربي : قال سليمان الشاذكوني : كتبت ورقة من حديث الواقدي ، وجعلت فيها حديثا عن مالك لم يروه إلا ابن مهدي عنه ، ثم أتيت بها الواقدي ، فحدثني إلى أن بلغ الحديث ، فتركني وقام ، ثم أتى فقال لي : هذا الحديث سأل عنه إنسان بغيض لمالك ، فلم أكتبه ، ثم حدثني به .

قال محمد بن جرير : قال ابن سعد : كان الواقدي يقول : ما من أحد إلا وكتبه أكثر من حفظه ، وحفظي أكثر من كتبي .

قال يعقوب بن شيبة : لما انتقل الواقدي من جانب الغربي يقال : إنه حمل كتبه على عشرين ومائة وقر . [ ص: 460 ]

وعن أبي حذافة السهمي قال : كان للواقدي ست مائة قمطر كتب .

قال إبراهيم الحربي : سمعت المسيبي يقول : رأينا الواقدي يوما جالسا إلى أسطوانة في مسجد المدينة ، وهو يدرس ، فقلنا : أي شيء تدرس ؟ فقال : جزئي من المغازي . وقلنا يوما له : هذا الذي تجمع الرجال تقول : حدثنا فلان وفلان ، وجئت بمتن واحد ، لو حدثتنا بحديث كل واحد على حدة ، فقال : يطول . قلنا له : قد رضينا ، فغاب عنا جمعة ، ثم جاءنا بغزوة أحد ، في عشرين جلدا ، فقلنا : ردنا إلى الأمر الأول .

قال أبو بكر الخطيب : كان الواقدي مع ما ذكرناه من سعة علمه ، وكثرة حفظه لا يحفظ القرآن . فأنبأني الحسين بن محمد الرافقي حدثنا أحمد بن كامل القاضي ، حدثني محمد بن موسى البربري قال : قال المأمون للواقدي : أريد أن تصلي الجمعة غدا بالناس ، فامتنع ، قال : لا بد ، فقال : والله ما أحفظ سورة الجمعة ، قال : فأنا أحفظك ، فجعل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى بلغ النصف منها ، فإذا حفظه ، ابتدأ بالنصف الثاني ، فإذا حفظه ، نسي الأول ، فأتعب المأمون ، ونعس ، فقال لعلي بن صالح : حفظه أنت ، قال علي : ففعلت ، فبقي كلما حفظته شيئا ، نسي شيئا ، فاستيقظ المأمون ، فقال [ ص: 461 ] لي : ما فعلت ؟ فأخبرته ، فقال : هذا رجل يحفظ التأويل ، ولا يحفظ التنزيل ، اذهب فصل بهم ، واقرأ أي سورة شئت .

فهذه حكاية مرسلة ، والبربري : فحافظ .

قال إبراهيم بن جابر الفقيه : سمعت أبا بكر الصاغاني - وذكر الواقدي - فقال : والله لولا أنه عندي ثقة ، ما حدثت عنه ، قد حدث عنه أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو عبيد ، وسمى غيرهما .

وقال إبراهيم الحربي : سمعت مصعب بن عبد الله يقول : الواقدي ثقة مأمون .

وسئل معن بن عيسى عن الواقدي ، فقال : أنا أسأل عن الواقدي ؟ الواقدي يسأل عني . وسألت ابن نمير عنه ، فقال : أما حديثه هاهنا ، فمستو ، وأما حديث أهل المدينة ، فهم أعلم به .

وروى جابر بن كردي ، عن يزيد بن هارون قال : الواقدي ثقة .

الحربي : سمعت أبا عبد الله يقول : الواقدي ثقة ، قال الحربي : أما فقه أبي عبيد ، فمن كتب الواقدي ، الاختلاف والإجماع كان عنده ، ثم قال إبراهيم الحربي : وهو إمام كبير ، له إن أخطأ في اجتهاده هذا ، من قال : إن مسائل مالك وابن أبي ذئب تؤخذ عمن هو أوثق من الواقدي ، فلا يصدق ، لأنه قال : سألت مالكا ، وسألت ابن أبي ذئب . [ ص: 462 ]

قال أبو داود السجستاني : أخبرني من سمع علي بن المديني يقول : روى الواقدي ثلاثين ألف حديث غريب .

وروى عبد الله بن علي بن المديني ، عن أبيه ، قال : عند الواقدي عشرون ألف حديث لم أسمع بها ، ثم قال : لا يروى عنه ، وضعفه .

وعن يحيى بن معين قال : أغرب الواقدي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرين ألف حديث .

وقال يونس بن عبد الأعلى : قال لي الشافعي : كتب الواقدي كذب .

المغيرة بن محمد المهلبي : سمعت ابن المديني يقول : الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي .

قلت : أجمعوا على ضعف الهيثم .

أحمد بن زهير ، عن ابن معين قال : ليس الواقدي بشيء وقال مرة : لا يكتب حديثه .

الدولابي : حدثنا معاوية بن صالح ، قال لي أحمد بن حنبل : الواقدي كذاب .

النسائي في " الكنى " : أخبرنا عبد الله بن أحمد الخفاف ، قال : قال إسحاق : هو عندي ممن يضع الحديث - يعني الواقدي - . [ ص: 463 ]

أبو إسحاق الجوزجاني : لم يكن الواقدي مقنعا ، ذكرت لأحمد موته يوم مات ببغداد ، فقال : جعلت كتبه ظهائر للكتب منذ حين .

وقال البخاري : ما عندي للواقدي حرف ، وما عرفت من حديثه ، فلا أقنع به .

وقال أبو داود : لا أكتب حديثه ، ما أشك أنه كان ينقل الحديث ، لا ينظر للواقدي في كتاب إلا تبين أمره فيه ، روى في فتح اليمن وخبر العنسي أحاديث عن الزهري ليست من حديثه . وكان أحمد لا يذكر عنه كلمة .

قال النسائي : المعروفون بوضع الحديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة : ابن أبي يحيى بالمدينة ، والواقدي ببغداد ، ومقاتل بن سليمان بخراسان ، ومحمد بن سعيد بالشام .

وقال أبو زرعة : ترك الناس حديث الواقدي .

قلت : لا شيء للواقدي في الكتب الستة إلا حديث واحد ، عند ابن ماجه حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا شيخ لنا ، فما جسر ابن ماجه [ ص: 464 ] أن يفصح به ، وما ذاك إلا لوهن الواقدي عند العلماء ، ويقولون : إن ما رواه عنه كاتبه في " الطبقات " ، هو أمثل قليلا من رواية الغير عنه .

قال أبو بكر بن الأنباري : حدثنا أبي ، حدثنا أبو عكرمة الضبي ، حدثنا العنبري قال : قال الواقدي : كنت حناطا بالمدينة في يدي مائة ألف درهم للناس ، أضارب بها ، فتلفت الدراهم ، فشخصت إلى العراق ، فأتيت يحيى بن خالد البرمكي في دهليزه ، وآنست الخدم ، وسألتهم أن يوصلوني إليه ، فقالوا : إذا قدم الطعام إليه لم يحجب عنه أحد ، ونحن ندخلك ، قال : فأدخلوني ، فأجلسوني على المائدة ، فقال : من أنت ؟ وما قصتك ؟ فأخبرته ، فلما رفع الطعام ، دنوت لأقبل رأسه ، فاشمأز من ذلك ، فلما خرجت ، لحقني خادم بألف دينار ، وقال : الوزير يقرأ عليك السلام ، ويقول : استعن بهذه ، وعد إلينا ، قال : فعدت من الغد ، فوصلني بألف دينار أخرى ، وفي اليوم الثالث بألف ، وقال : لم يمنعني أن أدعك تقبل رأسي إلا أنه لم يكن وصلك من معروفنا ما يوجب ذلك ، يا غلام : أعطه الدار الفلانية ، وأعطه مائتي ألف درهم ، ثم قال : الزمني ، وكن عندي ، فقلت : أعز الله الوزير ، لو أذنت لي في الشخوص إلى المدينة ، لأقضي الناس أموالهم وأعود ، قال : قد فعلت ، وأمر بتجهيزي ، قال : فقضيت ديني ، ورجعت ، فلم أزل في ناحيته .

وروى حسين بن فهم عن أحمد بن مسبح : حدثنا عبيد الله بن عبد الله ، قال : قال لي الواقدي : حج هارون الرشيد ، فورد المدينة ، فقال ليحيى بن خالد : ارتد لي رجلا عارفا بالمدينة والمشاهد ، وكيف كان [ ص: 465 ] نزول جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن أي وجه كان يأتيه ، وقبور الشهداء ، فسأل يحيى ، فكل أحد دله علي ، فبعث إلي فأتيته ، فواعدني إلى عشاء الآخرة ، فإذا شموع ، فلم أدع مشهدا ولا موضعا إلا أريتهما ، فجعلا يصليان ، ويجتهدان في الدعاء ، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر ، ثم أمر لي بكرة بعشرة آلاف درهم ، وقال لي الوزير : لا عليك أن تلقانا حيث كنا ، قال : فاتسعنا ، وزوجنا بعض الولد ، ثم إن الدهر أعضنا ، فقالت لي أم عبد الله : ما قعودك ؟ فقدمت العراق ، فسألت عن أمير المؤمنين ، فقالوا : هو بالرقة ، فمضيت إليها ، وطلبت الإذن على يحيى ، فصعب ، فأتيت أبا البختري ، وهو في عارف ، فقال : أخطأت على نفسك ، وسأذكرك له ، وقلت نفقتي ، وتخرقت ثيابي ، فرجعت مرة في سفينة ، ومرة أمشي حتى وردت السيلحين .

فبينا أنا في سوقها ، إذ بقافلة من بغداد من أهل المدينة ، وإن صاحبهم بكارا الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة ، وهو أصدق الناس لي ، فقلت : أدعه حتى ينزل ويستقر ، ثم أتيته ، فاستخبرني أمري ، فقال : أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحد ، قلت : أصير إلى المدينة ، قال : هذا رأي خطأ ، ولكن صر معي ، فأنا الذاكر ليحيى بن خالد أمرك ، قال : فصرت معهم إلى الرقة ، فلما كان من الغد ، ذهبت إلى باب الوزير ، فإذا الزبيري قد خرج ، فقال : أبا عبد الله أنسيت أمرك ، قف حتى أدخل إليه فدخل ثم خرج الحاجب ، فقال لي : ادخل ، فدخلت في حال خسيسة ، وقد بقي من رمضان ثلاثة أو أربعة أيام ، فلما رآني يحيى في تلك الحال ، رأيت الغم في وجهه ، فقرب مجلسي ، وعنده [ ص: 466 ] قوم يحادثونه ، فجعل يذاكرني الحديث بعد الحديث ، وقال : أفطر عندنا ، فأفطرت عنده ، وأعطاني خمس مائة دينار ، وقال : عد إلينا ، فذهبت ، فتجملت ، واكتسيت ، ولقيت الزبيري ، فلما رآني بتلك الحال ، سر ، وأخبرته الخبر ، ولم يزل الوزير يقربني ، ويوصلني كل ليلة خمس مائة دينار إلى ليلة العيد ، فقال لي : يا أبا عبد الله ، تزين غدا لأمير المؤمنين بأحسن زي للقضاة ، واعترض له ، فإنه سيسألني عن خبرك ، فأخبره ، ففعلت ، قال : وجعل أمير المؤمنين يلحظني في الموكب ، ثم نزلنا ، ومضيت مع يحيى بن خالد ، فقال لي : يا أبا عبد الله ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك ، فأخبرته بخبر حجنا ، وقد أمر بثلاثين ألف درهم ، ثم تجهزت إلى المدينة . وكيف ألام على حب يحيى ؟ وساق حكاية طويلة .

قال أبو عكرمة الضبي : حدثنا سليمان بن أبي شيخ ، حدثنا الواقدي قال : أضقت مرة ، وأنا مع يحيى بن خالد ، وحضر عيد ، فجاءتني الجارية ، فقالت : ليس عندنا من آلة العيد شيء ، فمضيت إلى تاجر صديق لي ليقرضني ، فأخرج إلي كيسا مختوما فيه ألف دينار ومائتا درهم ، فأخذته ، فما استقررت في منزلي حتى جاءني صديق لي هاشمي ، فشكا إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض ، فدخلت ، إلى زوجتي ، فأخبرتها ، فقالت : على أي شيء عزمت ؟ قلت : على أن أقاسمه الكيس ، قالت : ما صنعت شيئا ، أتيت رجلا سوقة ، فأعطاك ألفا ومائتي درهم ، وجاءك رجل من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، تعطيه نصف ما أعطاك السوقة ؟ فأخرجت الكيس كله إليه ، فمضى ، فذهب صديقي التاجر إلى الهاشمي - وكان صاحبه - فسأله القرض ، فأخرج الهاشمي إليه الكيس بعينه ، فعرفه التاجر ، وانصرف إلي ، فحدثني بالأمر . قال : [ ص: 467 ] وجاءني رسول يحيى يقول : إنما تأخر رسولنا عنك لشغلي ، فركبت إليه ، فأخبرته أمر الكيس ، فقال : يا غلام ، هات تلك الدنانير ، فجاءه بعشرة آلاف دينار ، فقال : خذ ألفي دينار لك ، وألفي دينار للتاجر ، وألفين للهاشمي ، وأربعة آلاف لزوجتك ، فإنها أكرمكم .

رواها المعافى والدارقطني ، عن ابن الأنباري ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو عكرمة .

وقد روي بإسناد آخر إلى الواقدي نحو منها ، لكن أمر له بخمس مائة دينار ، ولكل من الثلاثة بمائتي دينار ، وهذا أشبه .

قال الحسن بن شاذان عنه صار إلي من السلطان ست مائة ألف درهم ، ما وجبت علي زكاة فيها .

قال عباس الدوري : مات الواقدي وهو على القضاء ، وليس له كفن ، فبعث المأمون بأكفانه .

وقال البخاري : مات الواقدي في ذي الحجة سنة سبع ومائتين .

قرأت على المؤيد علي بن إبراهيم بن يحيى الكاتب ، أخبرنا عبد الرحيم بن نجم ، أخبرتنا فخر النساء شهدة ، وأخبرنا المؤيد ، أخبرنا علي بن باسويه المقرئ ، أخبرنا أبو السعادات القزاز قالا : أخبرنا محمد [ ص: 468 ] بن عبد الكريم الخشيشي ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا محمد بن جعفر الآدمي القارئ ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبيد ، حدثنا محمد بن عمر الواقدي ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من مولود يولد إلا الشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم .

قرأت على أبي الفهم بن أحمد السلمي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه ، أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا مالك بن أحمد البانياسي ، حدثنا علي بن محمد المعدل ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن الفرج ، حدثنا الواقدي ، حدثنا عاصم بن عمر ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبي سلمة ، عن أبي أروى السدوسي قال : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا ، فطلع أبو بكر وعمر ، فقال : الحمد لله الذي أيدني بكما .

أخبرنا إسماعيل بن الفراء ، أخبرنا ابن قدامة ، أخبرنا ابن البطي ، [ ص: 469 ] أخبرنا النعالي ، أخبرنا ابن بشران ، أخبرنا ابن البختري ، حدثنا أحمد بن الخليل ، حدثنا الواقدي ، حدثنا معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سب أسعد الحميري ، قال : هو أول من كسا البيت .

وقد تقرر أن الواقدي ضعيف ، يحتاج إليه في الغزوات ، والتاريخ ، ونورد آثاره من غير احتجاج ، أما في الفرائض ، فلا ينبغي أن يذكر ، فهذه الكتب الستة ، ومسند أحمد ، وعامة من جمع في الأحكام ، نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء ، بل ومتروكين ، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئا ، مع أن وزنه عندي أنه مع ضعفه يكتب حديثه ، ويروى ، لأني لا أتهمه بالوضع ، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه ، كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه ، كيزيد ، وأبي عبيد ، والصاغاني ، والحربي ، ومعن ، وتمام عشرة محدثين ، إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة ، وأن حديثه في عداد الواهي ، - رحمه الله - .

التالي السابق


الخدمات العلمية