صفحة جزء
أبو جعفر الترمذي : حدثني أبو الفضل الواشجردي سمعت أبا عبد الله الصاغاني قال : سألت يحيى بن أكثم ، عن أبي عبيد والشافعي ، أيهما أعلم ؟ قال : أبو عبيد كان يأتينا هاهنا كثيرا ، وكان رجلا إذا ساعدته الكتب ، كان حسن التصنيف من الكتب ، وكان يرتبها بحسن ألفاظه لاقتداره على العربية ، وأما الشافعي ، فقد كنا عند محمد بن الحسن كثيرا في المناظرة ، وكان رجلا قرشي العقل والفهم والذهن ، صافي العقل والفهم والدماغ ، سريع الإصابة -أو كلمة نحوها- ولو كان أكثر سماعا للحديث ، لاستغنى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- به عن غيره من الفقهاء .

قال معمر بن شبيب : سمعت المأمون يقول : قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء ، فوجدته كاملا .

قال أحمد بن محمد بن بنت الشافعي : سمعت أبي وعمي يقولان : كان سفيان ابن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا ، التفت إلى الشافعي ، فيقول : سلوا هذا .

وقال تميم بن عبد الله : سمعت سويد بن سعيد يقول : كنت عند سفيان ، فجاء الشافعي ، فسلم ، وجلس ، فروى ابن عيينة حديثا رقيقا ، [ ص: 18 ] فغشي على الشافعي ، فقيل : يا أبا محمد ، مات محمد بن إدريس فقال ابن عيينة : إن كان مات ، فقد مات أفضل أهل زمانه .

الحاكم : سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان ، سمعت الحسن ابن صاحب الشاشي ، سمعت الربيع ، سمعت الشافعي وسئل عن القرآن ؟ فقال : أف أف ، القرآن كلام الله ، من قال : مخلوق ، فقد كفر .

هذا إسناد صحيح .

أبو داود وأبو حاتم ، عن أبي ثور سمعت الشافعي يقول : ما ارتدى أحد بالكلام ، فأفلح .

محمد بن يحيى بن آدم : حدثنا ابن عبد الحكم ، سمعت الشافعي يقول : لو علم الناس ما في الكلام والأهواء ، لفروا منه كما يفرون من الأسد .

الزبير بن عبد الواحد : أخبرني علي بن محمد بمصر ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : كان الشافعي بعد أن ناظر حفصا الفرد يكره الكلام ، وكان يقول : والله لأن يفتي العالم ، فيقال : أخطأ العالم خير له [ ص: 19 ] من أن يتكلم فيقال : زنديق ، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله .

قلت : هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع .

الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي يقول : من حلف باسم من أسماء الله فحنث ، فعليه الكفارة ؛ لأن اسم الله غير مخلوق ، ومن حلف بالكعبة ، وبالصفا والمروة ، فليس عليه كفارة ؛ لأنه مخلوق ، وذاك غير مخلوق . [ ص: 20 ]

وقال أبو حاتم : حدثنا حرملة ، سمعت الشافعي يقول : الحلفاء خمسة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعمر بن عبد العزيز .

قال الحارث بن سريج : سمعت يحيى القطان يقول : أنا أدعو الله للشافعي ، أخصه به .

وقال أبو بكر بن خلاد : أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي .

الحسين بن علي الكرابيسي قال : قال الشافعي : كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد ، وما سواه ، فهو هذيان .

ابن خزيمة ، وجماعة قالوا : حدثنا يونس بن عبد الأعلى : قال الشافعي : لا يقال : لم للأصل ، ولا كيف .

‎وعن يونس ، سمع الشافعي يقول : الأصل : القرآن ، والسنة ، وقياس عليهما ، والإجماع أكبر من الحديث المنفرد . [ ص: 21 ]

ابن أبي حاتم : سمعت يونس يقول : قال الشافعي : الأصل قرآن أو سنة ، فإن لم يكن فقياس عليهما ، وإذا صح الحديث فهو سنة ، والإجماع أكبر من الحديث المنفرد ، والحديث على ظاهره ، وإذا احتمل الحديث معاني فما أشبه ظاهره ، وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيب وكلا رأيته استعمل الحديث المنفرد ، استعمل أهل المدينة [ ص: 22 ] في التفليس قوله -عليه السلام- : إذا أدرك الرجل ماله بعينه ، فهو أحق به واستعمل أهل العراق حديث العمرى . [ ص: 23 ]

ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع ، سمعت الشافعي يقول : قراءة الحديث خير من صلاة التطوع ، وقال : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة .

ابن أبي حاتم : حدثنا يونس ، قلت للشافعي : صاحبنا الليث يقول : لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء ما قبلته . قال : قصر ، لو رأيته يمشي في الهواء لما قبلته .

قال الربيع : سمعت الشافعي قال لبعض أصحاب الحديث : أنتم الصيادلة ، ونحن الأطباء .

زكريا الساجي : حدثني أحمد بن مردك الرازي ، سمعت عبد الله بن صالح صاحب الليث يقول : كنا عند الشافعي في مجلسه ، فجعل يتكلم في تثبيت خبر الواحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكتبناه ، وذهبنا به إلى إبراهيم بن [ ص: 24 ] علية ، وكان من غلمان أبي بكر الأصم ، وكان في مجلسه عند باب الصوفي ، فلما قرأنا عليه جعل يحتج بإبطاله ، فكتبنا ما قال ، وذهبنا به إلى الشافعي ، فنقضه ، وتكلم بإبطاله ، ثم كتبناه ، وجئنا به إلى ابن علية ، فنقضه ، ثم جئنا به إلى الشافعي ، فقال : إن ابن علية ضال ، قد جلس بباب الضوال يضل الناس .

قلت : كان إبراهيم من كبار الجهمية ، وأبوه إسماعيل شيخ المحدثين إمام .

المزني : سمعت الشافعي يقول : من تعلم القرآن عظمت قيمته ، ومن تكلم في الفقه نما قدره ، ومن كتب الحديث قويت حجته ، ومن نظر في اللغة رق طبعه ، ومن نظر في الحساب جزل رأيه ، ومن لم يصن نفسه ، لم ينفعه علمه .

إبراهيم بن متويه الأصبهاني : سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : قال الشافعي : كل حديث جاء من العراق ، وليس له أصل في الحجاز ، فلا تقبله ، وإن كان صحيحا ، ما أريد إلا نصيحتك .

قلت : ثم إن الشافعي رجع عن هذا ، وصحح ما ثبت إسناده لهم . [ ص: 25 ]

ويروى عنه : إذا لم يوجد للحديث أصل في الحجاز ضعف ، أو قال : ذهب نخاعه .

أخبرنا إبراهيم بن علي العابد في كتابه ، أخبرنا زكريا العلبي وجماعة ، قالوا : أخبرنا عبد الأول بن عيسى ، أخبرنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي ، قال : أفادني يعقوب ، وكتبته من خطه ، أخبرنا أبو علي الخالدي ، سمعت محمد بن الحسين الزعفراني ، سمعت عثمان بن سعيد بن بشار الأنماطي ، سمعت المزني يقول : كنت أنظر في الكلام قبل أن يقدم الشافعي ، فلما قدم أتيته ، فسألته عن مسألة من الكلام ، فقال لي : تدري أين أنت ؟ قلت : نعم ، في مسجد الفسطاط . قال لي : أنت في تاران -قال عثمان : وتاران موضع في بحر القلزم لا تكاد تسلم [ ص: 26 ] منه سفينة- ثم ألقى علي مسألة في الفقه ، فأجبت ، فأدخل شيئا أفسد جوابي ، فأجبت بغير ذلك ، فأدخل شيئا أفسد جوابي ، فجعلت كلما أجبت بشيء ، أفسده ، ثم قال لي : هذا الفقه الذي فيه الكتاب والسنة وأقاويل الناس ، يدخله مثل هذا ، فكيف الكلام في رب العالمين ، الذي فيه الزلل كثير ؟ فتركت الكلام ، وأقبلت على الفقه .

عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت محمد بن داود يقول : لم يحفظ في دهر الشافعي كله أنه تكلم في شيء من الأهواء ، ولا نسب إليه ، ولا عرف به ، مع بغضه لأهل الكلام والبدع .

وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، قال : كان الشافعي ، إذا ثبت عنده الخبر ، قلده ، وخير خصلة كانت فيه لم يكن يشتهي الكلام ، إنما همته الفقه .

وقال أبو عبد الرحمن السلمي : سمعت عبد الرحمن بن محمد بن حامد السلمي ، سمعت محمد بن عقيل بن الأزهر يقول : جاء رجل إلى المزني يسأله عن شيء من الكلام ، فقال : إني أكره هذا ، بل أنهى عنه كما نهى عنه الشافعي ، لقد سمعت الشافعي يقول : سئل مالك عن الكلام والتوحيد ، فقال : محال أن نظن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه علم أمته الاستنجاء ، ولم يعلمهم التوحيد ، والتوحيد ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فما عصم به الدم والمال حقيقة التوحيد . [ ص: 27 ]

زكريا الساجي : سمعت محمد بن إسماعيل ، سمعت حسين بن علي الكرابيسي يقول : شهدت الشافعي ، ودخل عليه بشر المريسي ، فقال لبشر : أخبرني عما تدعو إليه ، أكتاب ناطق ، وفرض مفترض ، وسنة قائمة ، ووجدت عن السلف البحث فيه والسؤال ؟ فقال بشر : لا ، إلا أنه لا يسعنا خلافه ، فقال الشافعي : أقررت بنفسك على الخطأ ، فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار ، يواليك الناس وتترك هذا ؟ قال : لنا نهمة فيه . فلما خرج بشر ، قال الشافعي : لا يفلح .

أبو ثور والربيع : سمعا الشافعي يقول : ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح . [ ص: 28 ]

قال الحسين بن إسماعيل المحاملي : قال المزني : سألت الشافعي عن مسألة من الكلام ، فقال : سلني عن شيء ، إذا أخطأت فيه ، قلت : أخطأت ، ولا تسألني عن شيء إذا أخطأت فيه ، قلت : كفرت .

زكريا الساجي : سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول : قال لي الشافعي : يا محمد ، إن سألك رجل عن شيء من الكلام ، فلا تجبه ، فإنه إن سألك عن دية ، فقلت درهما ، أو دانقا ، قال لك : أخطأت ، وإن سألك عن شيء من الكلام ، فزللت ، قال لك : كفرت .

قال الربيع : سمعت الشافعي يقول : المراء في الدين يقسي القلب ، ويورث الضغائن .

وقال صالح جزرة : سمعت الربيع يقول : قال الشافعي : يا ربيع ، اقبل مني ثلاثة : لا تخوضن في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فإن خصمك النبي -صلى الله عليه وسلم- غدا ، ولا تشتغل بالكلام ، فإني قد اطلعت من أهل الكلام على التعطيل . وزاد المزني : ولا تشتغل بالنجوم .

وعن حسين الكرابيسي قال : سئل الشافعي عن شيء من الكلام ، [ ص: 29 ] فغضب ، وقال : سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه أخزاهم الله .

الأصم : سمعت الربيع ، سمعت الشافعي يقول : وددت أن الناس تعلموا هذا العلم -يعني كتبه- على أن لا ينسب إلي منه شيء .

وعن الشافعي : حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ .

الزعفراني وغيره : سمعنا الشافعي يقول : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ، ويحملوا على الإبل ، ويطاف بهم في العشائر ، ينادى عليهم : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة ، وأقبل على الكلام .

وقال أبو عبد الرحمن الأشعري صاحب الشافعي : قال الشافعي : مذهبي في أهل الكلام تقنيع رءوسهم بالسياط ، وتشريدهم في البلاد .

قلت : لعل هذا متواتر عن الإمام .

الربيع : سمعت الشافعي يقول : ما ناظرت أحدا على الغلبة إلا على الحق عندي .

والزعفراني عنه : ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة .

زكريا الساجي : حدثنا أحمد بن العباس النسائي ، سمعت [ ص: 30 ] الزعفراني ، سمعت الشافعي يقول : ما ناظرت أحدا في الكلام إلا مرة ، وأنا أستغفر الله من ذلك .

سعيد بن أحمد اللخمي : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، سمعت الشافعي يقول : إذا سمعت الرجل يقول : الاسم غير المسمى ، والشيء غير المشيء ، فاشهد عليه بالزندقة .

سعيد مصري لا أعرفه .

ويروى عن الربيع : سمعت الشافعي يقول في كتاب " الوصايا " : لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر ، وكان فيها كتب الكلام ، لم تدخل في الوصية ؛ لأنه ليس من العلم .

وعن أبي ثور : قلت للشافعي : ضع في الإرجاء كتابا ، فقال : دع هذا . فكأنه ذم الكلام .

محمد بن إسحاق بن خزيمة : سمعت الربيع يقول : لما كلم الشافعي حفص الفرد ، فقال حفص : القرآن مخلوق . فقال له الشافعي : كفرت بالله العظيم .

قال المزني : كان الشافعي ينهى عن الخوض في الكلام . أبو حاتم الرازي : حدثنا يونس ، سمعت الشافعي يقول : قالت لي أم المريسي : كلم بشرا أن يكف عن الكلام ، فكلمته ، فدعاني إلى الكلام . [ ص: 31 ]

الساجي : حدثنا إبراهيم بن زياد الأبلي ، سمعت البويطي يقول : سألت الشافعي : أصلي خلف الرافضي ؟ قال : لا تصل خلف الرافضي ، ولا القدري ، ولا المرجئ . قلت : صفهم لنا . قال : من قال : الإيمان قول ، فهو مرجئ ، ومن قال : إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين ، فهو رافضي ، ومن جعل المشيئة إلى نفسه ، فهو قدري .

ابن أبي حاتم : سمعت الربيع ، قال لي الشافعي : لو أردت أن أضع على كل مخالف كتابا لفعلت ، ولكن ليس الكلام من شأني ، ولا أحب أن ينسب إلي منه شيء .

قلت : هذا النفس الزكي متواتر عن الشافعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية