صفحة جزء
الزبير بن عبد الواحد : حدثنا محمد بن عقيل الفريابي قال : قال المزني أو الربيع : كنا يوما عند الشافعي ، إذ جاء شيخ عليه ثياب صوف ، وفي يده عكازة ، فقام الشافعي ، وسوى عليه ثيابه ، وسلم الشيخ ، وجلس ، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له ، إذ قال الشيخ : أسأل ؟ قال : سل ، قال : ما الحجة في دين الله ؟ قال : كتاب الله .

قال : وماذا ؟ قال : سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . قال : وماذا ؟ قال : اتفاق الأمة . قال : من أين قلت : اتفاق الأمة ؟ فتدبر الشافعي ساعة ، فقال الشيخ : قد أجلتك ثلاثا ، فإن جئت بحجة من كتاب الله ، وإلا تب إلى الله تعالى ، فتغير لون الشافعي ، ثم إنه ذهب ، فلم يخرج إلى اليوم الثالث بين الظهر والعصر ، وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه وهو مسقام ، فجلس ، فلم يكن [ ص: 84 ] بأسرع من أن جاء الشيخ ، فسلم ، وجلس ، فقال : حاجتي ؟ فقال الشافعي : نعم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى الآية .

قال : فلا يصليه على خلاف المؤمنين إلا وهو فرض ، فقال : صدقت ، وقام فذهب . فقال الشافعي : قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات ، حتى وقفت عليه .

أنبئت بهذه القصة عن منصور الفراوي ، أخبرنا محمد بن إسماعيل الفارسي ، أخبرنا أبو بكر البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا الزبير . . فذكرها . [ ص: 85 ]

قال الزعفراني : قدم علينا الشافعي بغداد في سنة خمس وتسعين ، فأقام عندنا أشهرا ، ثم خرج . وكان يخضب بالحناء ، وكان خفيف العارضين .

وقال أحمد بن سنان : رأيته أحمر الرأس واللحية -يعني أنه اختضب .

قال الطبراني : سمعت أبا يزيد القراطيسي يقول : حضرت جنازة ابن وهب ، وحضرت مجلس الشافعي .

أبو نعيم في " الحلية " : حدثنا عبيد بن خلف البزار ، حدثني إسحاق بن عبد الرحمن ، سمعت حسينا الكرابيسي ، سمعت الشافعي يقول : كنت امرأ أكتب الشعر ، فآتي البوادي ، فأسمع منهم ، فقدمت مكة ، فخرجت وأنا أتمثل بشعر للبيد ، وأضرب وحشي قدمي بالسوط ، فضربني رجل من ورائي من الحجبة ، فقال : رجل من قريش ثم ابن المطلب ، رضي من دينه ودنياه أن يكون معلما ، ما الشعر إذا استحكمت فيه فعدت معلما ؟ تفقه يعلك الله . فنفعني الله بكلامه ، فكتبت ما شاء الله من ابن عيينة ، ثم كنت أجالس مسلم بن خالد ، ثم قدمت على مالك ، فلما عرضت عليه إلى كتاب السير ، قال لي : تفقه تعل يا ابن أخي ، فجئت إلى مصعب بن عبد الله ، فكلمته أن يكلم لي بعض أهلنا ، فيعطيني شيئا ، فإنه كان بي من الفقر والفاقة ما الله به عليم ، فقال لي [ ص: 86 ] مصعب : أتيت فلانا ، فكلمته ، فقال : أتكلمني في رجل كان منا ، فخالفنا ؟

قال : فأعطاني مائة دينار ؟ ثم قال لي مصعب : إن الرشيد كتب إلي أن أصير إلى اليمن قاضيا ، فتخرج معنا ، لعل الله أن يعوضك ، فخرجت معه ، وجالسنا الناس ، فكتب مطرف بن مازن إلى الرشيد : إن أردت اليمن لا يفسد عليك ولا يخرج من يدك ، فأخرج عنه محمد بن إدريس ، وذكر أقواما من الطالبيين ، فبعث إلى حماد البربري ، فأوثقت بالحديد ، حتى قدمنا على هارون الرقة ، فأدخلت عليه . . . وذكر اجتماعه بعد بمحمد بن الحسن ، ومناظرته له .

قال الحميدي : عن الشافعي قال : كان منزلنا بمكة في شعب الخيف ، فكنت أنظر إلى العظم يلوح ، فأكتب فيه الحديث أو المسألة ، وكانت لنا جرة قديمة ، فإذا امتلأ العظم طرحته في الجرة .

قال عمرو بن عثمان المكي ، عن الزعفراني ، عن يحيى بن معين ، سمعت يحيى بن سعيد يقول : أنا أدعو الله للشافعي في صلاتي منذ أربع سنين .

قال ابن ماجه القزويني : جاء يحيى بن معين إلى أحمد بن حنبل ، فبينا هو عنده ; إذ مر الشافعي على بغلته ، فوثب أحمد يسلم عليه ، وتبعه ، فأبطأ ، ويحيى جالس ، فلما جاء ، قال يحيى : يا أبا عبد الله ، [ ص: 87 ] كم هذا ؟ فقال : دع عنك هذا ؟ إن أردت الفقه ، فالزم ذنب البغلة .

قال أحمد بن العباس النسائي : سمعت أحمد بن حنبل ما لا أحصيه وهو يقول : قال أبو عبد الله الشافعي . ثم قال : ما رأيت أحدا أتبع للأثر من الشافعي .

أبو حاتم : حدثنا يونس ، سمعت الشافعي يقول : ناظرت يوما محمد بن الحسن ، فاشتد مناظرتي له ، فجعلت أوداجه تنتفخ ، وأزراره تنقطع زرا زرا .

وعن الشافعي قال : سميت ببغداد ناصر الحديث .

وقال يونس : سمعت الشافعي يقول : ما فاتني أحد كان أشد علي من الليث ، وابن أبي ذئب ، والليث أتبع للأثر من مالك . [ ص: 88 ]

أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة ، عن مسعود الجمال ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل ، حدثني حسان بن أبان القاضي بمصر ، حدثني جامع بن القاسم البلخي ، حدثني أبو بكر محمد بن يزيد بن حكيم المستملي قال : رأيت الشافعي في المسجد الحرام ، وقد جعلت له طنافس ، فجلس عليها ، فأتاه رجل من أهل خراسان ، فقال : يا أبا عبد الله ، ما تقول في أكل فرخ الزنبور ؟ فقال : حرام . فقال : حرام ؟ ! قال : نعم من كتاب الله ، وسنة رسول الله ، والمعقول ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وحدثنا سفيان ، عن زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مولى لربعي ، عن حذيفة ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر هذا الكتاب والسنة .

وحدثونا عن إسرائيل ، قال أبو بكر المستملي : حدثنا أبو أحمد ، عن إسرائيل ، عن إبراهيم بن عبد الأعلى ، عن سويد بن غفلة ، أن عمر أمر بقتل الزنبور ، وفي المعقول أن ما أمر بقتله فحرام أكله .

وقال أبو نعيم : حدثنا الحسن بن سعد ، حدثنا زكريا الساجي ، سمعت البويطي ، سمعت الشافعي يقول : إنما خلق الله الخلق بكن ، فإذا كانت " كن " مخلوقة فكأن مخلوقا خلق بمخلوق . [ ص: 89 ]

الربيع : سمعت الشافعي يقول : لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة .

وقال : لا يبلغ في هذا الشأن رجل حتى يضر به الفقر ، ويؤثره على كل شيء .

وقال يونس بن عبد الأعلى : سمعت الشافعي يقول : يا يونس ، الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة ، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء ، فكن بين المنقبض والمنبسط .

وقال لي : رضى الناس غاية لا تدرك ، وليس إلى السلامة منهم سبيل ، فعليك بما ينفعك فالزمه .

وعن الشافعي : العلم ما نفع ، ليس العلم ما حفظ .

وعنه : اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل .

وعنه : لو أعلم أن الماء البارد ينقص مروءتي ما شربته . [ ص: 90 ]

أبو نعيم : حدثنا ابن المقرئ ، سمعت يوسف بن محمد بن يوسف المروزي يقول : عن عمر بن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن أبيه ، سمعت الشافعي يقول : بينما أنا أدور في طلب العلم ، ودخلت اليمن ، فقيل لي : بها إنسان من وسطها إلى أسفل بدن امرأة ، ومن وسطها إلى فوق بدنان مفترقان بأربع أيد ورأسين ووجهين ، فأحببت أن أنظر إليها ، فلم أستحل حتى خطبتها من أبيها ، فدخلت ، فإذا هي كما ذكر لي ، فلعهدي بهما ، وهما يتقاتلان ، ويتلاطمان ، ويصطلحان ، ويأكلان ، ثم إني نزلت عنها ، وغبت عن تلك البلد ، -أحسبه قال : سنتين- ثم عدت ، فقيل لي : أحسن الله عزاءك في الجسد الواحد ، توفي ، فعمد إليه ، فربط من أسفل بحبل ، وترك حتى ذبل ، فقطع ودفن ، قال الشافعي : فلعهدي بالجسد الواحد في السوق ذاهبا وجائيا أو نحوه .

هذه حكاية عجيبة منكرة ، وفي إسنادها من يجهل .

وعن الشافعي قال : ما نقص من أثمان السود إلا لضعف عقولهم ، وإلا هو لون من الألوان .

إبراهيم بن محمد بن الحسن الأصبهاني : حدثنا الربيع ، قال : كان الشافعي يختم في رمضان ستين ختمة . [ ص: 91 ]

قال إبراهيم بن محمد الشافعي : ما رأيت أحدا أحسن صلاة من الشافعي ، وذاك أنه أخذ من مسلم بن خالد ، وأخذ مسلم من ابن جريج ، وأخذ ابن جريج من عطاء ، وأخذ عطاء من ابن الزبير ، وأخذ ابن الزبير من أبي بكر الصديق ، وأخذ أبو بكر من النبي -صلى الله عليه وسلم .

وعن الشافعي قال : رأيت باليمن بنات تسع يحضن كثيرا .

قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : سمعت الشافعي يقول : يقولون : ماء العراق ، وما في الدنيا مثل ماء مصر للرجال ، لقد قدمت مصر وأنا مثل الخصي ما أتحرك ، قال : فما برح من مصر حتى ولد له .

محمد بن إبراهيم بن جناد : حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي سمعت الشافعي يقول : خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة ، يسمونه التغبير يشغلون به عن القرآن .

عن الشافعي : ما أفلح سمين قط إلا أن يكون محمد بن الحسن ، [ ص: 92 ] قيل : ولم ؟ قال : لأن العاقل لا يعدو من إحدى خلتين ، إما يغتم لآخرته أو لدنياه ، والشحم مع الغم لا ينعقد .

التالي السابق


الخدمات العلمية