صفحة جزء
رحلته وحفظه

قال صالح : سمعت أبي يقول : خرجت إلى الكوفة ، فكنت في بيت تحت رأسي لبنة ، فحججت ، فرجعت إلى أمي ، ولم أكن استأذنتها .

وقال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : تزوجت وأنا ابن أربعين سنة ، فرزق الله خيرا كثيرا .

قال أبو بكر الخلال في كتاب " أخلاق أحمد " ، وهو مجلد : أملى علي زهير بن صالح بن أحمد قال : تزوج جدي عباسة بنت الفضل من العرب ، فلم يولد له منها غير أبي . وتوفيت فتزوج بعدها ريحانة ، فولدت عبد الله عمي ، ثم توفيت ، فاشترى حسن ، فولدت أم علي زينب ، وولدت الحسن والحسين توأما وماتا بقرب ولادتهما ، ثم ولدت الحسن ومحمدا ، فعاشا حتى صارا من السن إلى نحو من أربعين سنة ، ثم ولدت سعيدا . قيل : كانت والدة عبد الله عوراء ، وأقامت معه سنين .

قال المروذي : قال لي أبو عبد الله : اختلفت إلى الكتاب ، ثم اختلفت إلى الديوان ، وأنا ابن أربع عشرة سنة . [ ص: 186 ] وذكر الخلال حكايات في عقل أحمد وحياته في المكتب وورعه في الصغر .

حدثنا المروذي : سمعت أبا عبد الله يقول : مات هشيم ولي عشرون سنة ، فخرجت أنا والأعرابي رفيق كان لأبي عبد الله قال : فخرجنا مشاة ، فوصلنا الكوفة ، يعني : في سنة ثلاث وثمانين ، فأتينا أبا معاوية ، وعنده الخلق ، فأعطى الأعرابي حجة بستين درهما ، فخرج وتركني في بيت وحدي ، فاستوحشت ، وليس معي إلا جراب فيه كتبي ، كنت أضعه فوق لبنة ، وأضع رأسي عليه . وكنت أذاكر وكيعا بحديث الثوري ، وذكر مرة شيئا ، فقال : هذا عند هشيم ؟ فقلت : لا . وكان ربما ذكر العشر أحاديث فأحفظها ، فإذا قام ، قالوا لي ، فأمليها عليهم .

وحدثنا عبد الله بن أحمد ، قال لي أبي : خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع من المصنف ، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد ، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك أنا بالكلام .

وحدثنا عبد الله بن أحمد : سمعت سفيان بن وكيع يقول : أحفظ عن أبيك مسألة من نحو أربعين سنة . سئل عن الطلاق قبل النكاح ، فقال : يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن علي وابن عباس ونيف وعشرين من التابعين ، لم يروا به بأسا . فسألت أبي عن ذلك ، فقال : صدق ، كذا قلت .

قال : وحفظت أني سمعت أبا بكر بن حماد يقول : سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول : لا يقال لأحمد بن حنبل : من أين قلت ؟ وسمعت أبا إسماعيل الترمذي ، يذكر عن ابن نمير قال : كنت عند وكيع ، فجاءه رجل ، أو قال : جماعة من أصحاب أبي حنيفة ، فقالوا له : هاهنا رجل بغدادي يتكلم في بعض الكوفيين ، فلم يعرفه وكيع . فبينا نحن إذ [ ص: 187 ] طلع أحمد بن حنبل ، فقالوا : هذا هو ، فقال وكيع : هاهنا يا أبا عبد الله ، فأفرجوا له ، فجعلوا يذكرون عن أبي عبد الله الذي ينكرون . وجعل أبو عبد الله يحتج بالأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا لوكيع : هذا بحضرتك ترى ما يقول ؟ فقال : رجل يقول : قال رسول الله ، أيش أقول له ؟ ثم قال : ليس القول إلا كما قلت يا أبا عبد الله ، فقال القوم لوكيع : خدعك والله البغدادي .

قال عارم : وضع أحمد عندي نفقته ، فقلت له يوما : يا أبا عبد الله ، بلغني أنك من العرب . فقال : يا أبا النعمان ، نحن قوم مساكين فلم يزل يدافعني حتى خرج ، ولم يقل لي شيئا .

قال الخلال : أخبرنا المروذي : أن أبا عبد الله قال : ما تزوجت إلا بعد الأربعين . وعن أحمد الدورقي ، عن أبي عبد الله قال : نحن كتبنا الحديث من ستة وجوه وسبعة لم نضبطه ، فكيف يضبطه من كتبه من وجه واحد ؟! قال عبد الله بن أحمد : قال لي أبو زرعة : أبوك يحفظ ألف ألف حديث ، فقيل له : وما يدريك ؟ قال : ذاكرته فأخذت عليه الأبواب . فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله ، وكانوا يعدون في ذلك المكرر ، والأثر ، وفتوى التابعي ، وما فسر ، ونحو ذلك وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عشر معشار ذلك .

قال ابن أبي حاتم : قال سعيد بن عمرو : يا أبا زرعة ، أأنت أحفظ ، أم أحمد ؟ قال : بل أحمد . قلت : كيف علمت ؟ قال : وجدت كتبه ليس في أوائل الأجزاء أسماء الذين حدثوه . فكان يحفظ كل جزء ممن سمعه ، وأنا لا أقدر على هذا . [ ص: 188 ] وعن أبي زرعة قال : حزرت كتب أحمد يوم مات ، فبلغت اثني عشر حملا وعدلا . ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان ، ولا في بطنه حدثنا فلان ، كل ذلك كان يحفظه .

وقال حسن بن منبه : سمعت أبا زرعة يقول : أخرج إلي أبو عبد الله أجزاء كلها سفيان ، ليس على حديث منها " حدثنا فلان " ، فظننتها عن رجل واحد ، فانتخبت منها . فلما قرأ ذلك علي جعل يقول : حدثنا وكيع ، ويحيى ، وحدثنا فلان ، فعجبت ، ولم أقدر أنا على هذا .

قال إبراهيم الحربي : رأيت أبا عبد الله ، كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين . وعن رجل قال : ما رأيت أحدا أعلم بفقه الحديث ومعانيه من أحمد . أحمد بن سلمة : سمعت ابن راهويه يقول : كنت أجالس أحمد وابن معين ، ونتذاكر فأقول : ما فقهه ؟ ما تفسيره ؟ فيسكتون إلا أحمد .

قال أبو بكر الخلال : كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها ، ثم لم يلتفت إليها .

قال إبراهيم بن شماس : سألنا وكيعا عن خارجة بن مصعب ، فقال : نهاني أحمد أن أحدث عنه .

قال العباس بن محمد الخلال : حدثنا إبراهيم بن شماس ، سمعت [ ص: 189 ] وكيعا وحفص بن غياث ، يقولان : ما قدم الكوفة مثل ذاك الفتى ، يعنيان : أحمد بن حنبل . وقيل : إن أحمد أتى حسينا الجعفي بكتاب كبير يشفع في أحمد ، فقال حسين : يا أبا عبد الله ، لا تجعل بيني وبينك منعما فليس تحمل علي بأحد إلا وأنت أكبر منه .

الخلال : حدثنا المروذي ، أخبرنا خضر المروذي بطرسوس ، سمعت ابن راهويه ، سمعت يحيى بن آدم يقول : أحمد بن حنبل إمامنا .

الخلال : حدثنا محمد بن علي ، حدثنا الأثرم ، حدثني بعض من كان مع أبي عبد الله ، أنهم كانوا يجتمعون عند يحيى بن آدم ، فيتشاغلون عن الحديث بمناظرة أحمد يحيى بن آدم ، ويرتفع الصوت بينهما ، وكان يحيى بن آدم واحد أهل زمانه في الفقه .

الخلال : أخبرنا المروذي ، سمعت محمد بن يحيى القطان يقول : رأيت أبي مكرما لأحمد بن حنبل ، لقد بذل له كتبه ، أو قال : حديثه .

وقال القواريري : قال يحيى القطان : ما قدم علينا مثل هذين; أحمد ويحيى بن معين . وما قدم علي من بغداد أحب إلي من أحمد بن حنبل .

وقال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : شق على يحيى بن سعيد يوم خرجت من البصرة .

عمرو بن العباس : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ، ذكر أصحاب الحديث ، فقال : أعلمهم بحديث الثوري أحمد بن حنبل . قال : فأقبل [ ص: 190 ] أحمد ، فقال ابن مهدي : من أراد أن ينظر إلى ما بين كتفي الثوري ، فلينظر إلى هذا .

قال المروذي : قال أحمد : عنيت بحديث سفيان ، حتى كتبته عن رجلين ، حتى كلمنا يحيى بن آدم ، فكلم لنا الأشجعي ، فكان يخرج إلينا الكتب ، فنكتب من غير أن نسمع . وعن ابن مهدي قال : ما نظرت إلى أحمد إلا ذكرت به سفيان .

قال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : خالف وكيع ابن مهدي في نحو من ستين حديثا من حديث سفيان ، فذكرت ذلك لابن مهدي ، وكان يحكيه عني .

عباس الدوري : سمعت أبا عاصم يقول لرجل بغدادي : من تعدون عندكم اليوم من أصحاب الحديث ؟ .

قال : عندنا أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأبو خيثمة ، والمعيطي ، والسويدي ، حتى عد له جماعة بالكوفة أيضا وبالبصرة . فقال أبو عاصم : قد رأيت جميع من ذكرت ، وجاءوا إلي ، لم أر مثل ذاك الفتى ، يعني : أحمد بن حنبل .

قال شجاع بن مخلد : سمعت أبا الوليد الطيالسي يقول : ما بالمصرين رجل أكرم علي من أحمد بن حنبل . وعن سليمان بن حرب ، أنه قال لرجل : سل أحمد بن حنبل ، وما يقول في مسألة كذا ؟ فإنه عندنا إمام . [ ص: 191 ]

الخلال : حدثنا علي بن سهل قال : رأيت يحيى بن معين عند عفان ، ومعه أحمد بن حنبل ، فقال : ليس هنا اليوم حديث . فقال يحيى : ترد أحمد بن حنبل ، وقد جاءك ؟ فقال : الباب مقفل ، والجارية ليست هنا . قال يحيى : أنا أفتح ، فتكلم على القفل بشيء ، ففتحه . فقال عفان : أفشاش أيضا؟! وحدثهم .

قال : وحدثنا المروذي : قلت لأحمد : أكان أغمي عليك ، أو غشي عليك عند ابن عيينة ؟ قال : نعم ، في دهليزه زحمني الناس ، فأغمي علي .

وروي أن سفيان ، قال يومئذ : كيف أحدث وقد مات خير الناس ؟ .

وقال مهنى بن يحيى : قد رأيت ابن عيينة ، ووكيعا ، وبقية ، وعبد الرزاق ، وضمرة ، والناس ، ما رأيت رجلا أجمع من أحمد في علمه وزهده وورعه . وذكر أشياء .

وقال نوح بن حبيب القومسي : سلمت على أحمد بن حنبل في سنة ثمان وتسعين ومائة بمسجد الخيف ، وهو يفتي فتيا واسعة .

وعن شيخ أنه كان عنده كتاب بخط أحمد بن حنبل ، فقال : كنا عند ابن عيينة سنة ، ففقدت أحمد بن حنبل أياما ، فدللت على موضعه ، فجئت ، فإذا هو في شبيه بكهف في جياد . فقلت : سلام عليكم ، أدخل ؟ فقال : لا . ثم قال : ادخل ، فدخلت ، وإذا عليه قطعة لبد خلق ، [ ص: 192 ] فقلت : لم حجبتني ؟ فقال : حتى استترت . فقلت : ما شأنك ؟ قال : سرقت ثيابي . قال : فبادرت إلى منزلي فجئته بمائة درهم ، فعرضتها عليه ، فامتنع ، فقلت : قرضا ، فأبى ، حتى بلغت عشرين درهما ، ويأبى . فقمت ، وقلت : ما يحل لك أن تقتل نفسك . قال : ارجع ، فرجعت ، فقال : أليس قد سمعت معي من ابن عيينة ؟ قلت : بلى . قال : تحب أن أنسخه لك ؟ قلت : نعم . قال : اشتر لي ورقا . قال : فكتب بدراهم اكتسى منها ثوبين .

الحاكم : سمعت بكران بن أحمد الحنظلي الزاهد ببغداد ، سمعت عبد الله بن أحمد ، سمعت أبي يقول : قدمت صنعاء ، أنا ويحيى بن معين ، فمضيت إلى عبد الرزاق في قريته ، وتخلف يحيى ، فلما ذهبت أدق الباب ، قال لي بقال تجاه داره : مه ، لا تدق ، فإن الشيخ يهاب . فجلست حتى إذا كان قبل المغرب ، خرج فوثبت إليه ، وفي يدي أحاديث انتقيتها ، فسلمت ، وقلت : حدثني بهذه رحمك الله ، فإني رجل غريب . قال : ومن أنت ؟ وزبرني . قلت : أنا أحمد بن حنبل قال : فتقاصر ؟ وضمني إليه ، وقال : بالله أنت أبو عبد الله ؟ ثم أخذ الأحاديث ، وجعل يقرؤها حتى أظلم ، فقال للبقال : هلم المصباح حتى خرج وقت المغرب ، وكان عبد الرزاق يؤخر صلاة المغرب .

الخلال : حدثنا الرمادي ، سمعت عبد الرزاق ، وذكر أحمد بن حنبل ، فدمعت عيناه ، فقال : بلغني أن نفقته نفدت ، فأخذت بيده ، فأقمته خلف الباب ، وما معنا أحد ، فقلت له : إنه لا تجتمع عندنا الدنانير ، إذا بعنا الغلة ، أشغلناها في شيء . وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير فخذها ، وأرجو أن لا تنفقها حتى يتهيأ شيء . فقال لي : يا أبا بكر ، لو قبلت [ ص: 193 ] من أحد شيئا ، قبلت منك .

وقال عبد الله : قلت لأبي : بلغني أن عبد الرزاق عرض عليك دنانير ؟ .

قال : نعم . وأعطاني يزيد بن هارون خمسمائة درهم - أظن - فلم أقبل ، وأعطى يحيى بن معين ، وأبا مسلم ، فأخذا منه .

وقال محمد بن سهل بن عسكر : سمعت عبد الرزاق يقول : إن يعش هذا الرجل ، يكون خلفا من العلماء .

المروذي : حدثني أبو محمد النسائي ، سمعت إسحاق بن راهويه قال : كنا عند عبد الرزاق أنا وأحمد بن حنبل ، فمضينا معه إلى المصلى يوم عيد ، فلم يكبر هو ولا أنا ولا أحمد ، فقال لنا : رأيت معمرا والثوري في هذا اليوم كبرا ، وإني رأيتكما لم تكبرا فلم أكبر ، فلم لم تكبرا ؟ قلنا : نحن نرى التكبير ، ولكن شغلنا بأي شيء نبتدئ من الكتب .

أبو إسحاق الجوزجاني قال : كان أحمد بن حنبل يصلي بعبد الرزاق ، فسها ، فسأل عنه عبد الرزاق ، فأخبر أنه لم يأكل منذ ثلاثة أيام شيئا . رواها الخلال قال : سمعت أبا زرعة القاضي الدمشقي عن الجوزجاني .

قال الخلال : حدثنا أبو القاسم بن الجبلي ، عن أبي إسماعيل الترمذي ، عن إسحاق بن راهويه قال : كنت مع أحمد بن حنبل عند عبد الرزاق ، وكانت معي جارية ، وسكنا فوق ، وأحمد أسفل في البيت . فقال لي : يا أبا يعقوب : هو ذا يعجبني ما أسمع من حركتكم . قال : وكنت أطلع فأراه يعمل التكك ، ويبيعها ، ويتقوت بها هذا أو نحوه . [ ص: 194 ]

قال المروذي : سمعت أبا عبد الله يقول : كنت في إزري من اليمن إلى مكة . قلت : اكتريت نفسك من الجمالين ؟ قال : قد اكتريت لكتبي ، ولم يقل لا . وعن إسماعيل ابن علية : أنه أقيمت الصلاة ، فقال : هاهنا أحمد بن حنبل ، قولوا له يتقدم يصلي بنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية