صفحة جزء
ومن آدابه :

قال عبد الله بن أحمد : رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضعها على فيه يقبلها . وأحسب أني رأيته يضعها على عينه ، ويغمسها في الماء ويشربه يستشفي به .

ورأيته أخذ قصعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فغسلها في حب الماء ، ثم شرب فيها ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به ، ويمسح به يديه ووجهه .

قلت : أين المتنطع المنكر على أحمد ، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويمس الحجرة النبوية ، فقال : لا أرى بذلك بأسا . أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع .

قال أحمد بن سعيد الدارمي : كتب إلي أحمد بن حنبل : لأبي جعفر - أكرمه الله - من أحمد بن حنبل .

قال عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري : حدثنا أبي ، قال : مضى عمي أحمد بن سعد إلى أحمد بن حنبل ، فسلم عليه . فلما رآه ، وثب قائما وأكرمه . [ ص: 213 ]

وقال المروذي : قال لي أحمد : ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به ، حتى مر بي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت .

وعن المروذي : كان أبو عبد الله لا يدخل الحمام ، ويتنور في البيت ، وأصلحت له غير مرة النورة ، واشتريت له جلدا ليده يدخل يده فيه ، ويتنور .

وقال حنبل : رأيت أبا عبد الله إذا أراد القيام ، قال لجلسائه : إذا شئتم .

وقال المروذي : رأيت أبا عبد الله قد ألقى لختان درهمين في الطست .

وقال عبد الله : ما رأيت أبي حدث من غير كتاب إلا بأقل من مائة حديث . وسمعت أبي يقول : قال الشافعي : يا أبا عبد الله : إذا صح عندكم الحديث ، فأخبرونا حتى نرجع إليه أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا ، فإذا كان خبر صحيح ، فأعلمني حتى أذهب إليه ، كوفيا كان أو بصريا أو شاميا . قلت : لم يحتج إلى أن يقول حجازيا ، فإنه كان بصيرا بحديث [ ص: 214 ] الحجاز ، ولا قال مصريا ، فإن غيرهما كان أقعد بحديث مصر منهما .

الطبراني : حدثنا موسى بن هارون : سمعت ابن راهويه يقول : لما خرج أحمد إلى عبد الرزاق ، انقطعت به النفقة ، فأكرى نفسه من بعض الجمالين إلى أن وافى صنعاء ، وعرض عليه أصحابه المواساة فلم يأخذ .

قال عبد الله بن أحمد : حدثني إسماعيل بن أبي الحارث قال : مر بنا أحمد ، فقلنا لإنسان : اتبعه ، وانظر أين يذهب . فقال : جاء إلى حنك المروزي فما كان إلا ساعة حتى خرج . فقلت لحنك بعد : جاءك أبو عبد الله ؟ قال : هو صديق لي ، واستقرض مني مائتي درهم ، فجاءني بها ، فقلت : ما نويت أخذها ، فقال : وأنا ما نويت إلا أن أردها إليك .

أبو نعيم : حدثنا الطبراني ، حدثنا محمد بن موسى البربري قال : حمل إلى الحسن الجروي ميراثه من مصر مائة ألف دينار ، فأتى أحمد بثلاثة آلاف دينار ، فما قبلها .

أبو نعيم : حدثنا الحسين بن محمد ، حدثنا شاكر بن جعفر ، سمعت أحمد بن محمد التستري يقول : ذكروا أن أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة أيام ما طعم فيها ، فبعث إلى صديق له ، فاقترض منه دقيقا ، فجهزوه بسرعة ، فقال : كيف ذا ؟ قالوا : تنور صالح مسجر ، فخبزنا فيه ، فقال : ارفعوا ، وأمر بسد باب بينه وبين صالح .

قلت : لكونه أخذ جائزة المتوكل .

قال يحيى بن معين : ما رأيت مثل أحمد ، صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير .

قال عبد الله بن أحمد : كان أبي يقرأ كل يوم سبعا ، وكان ينام نومة [ ص: 215 ] خفيفة بعد العشاء ، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو .

وقال صالح : كان أبي إذا دعا له رجل ، قال : ليس يحرز الرجل المؤمن إلا حفرته ، الأعمال بخواتيمها وقال أبي في مرضه : أخرج كتاب عبد الله بن إدريس ، فقال : اقرأ علي حديث ليث : إن طاوسا كان يكره الأنين في المرض . فما سمعت لأبي أنينا حتى مات . وسمعه ابنه عبد الله يقول : تمنيت الموت ، وهذا أمر أشد علي من ذلك ، ذاك فتنة الضرب والحبس ، كنت أحمله ، وهذه فتنة الدنيا .

قال أحمد الدورقي : لما قدم أحمد بن حنبل من عند عبد الرزاق ، رأيت به شحوبا بمكة . وقد تبين عليه النصب والتعب ، فكلمته ، فقال : هين فيما استفدنا من عبد الرزاق .

قال عبد الله : قال أبي : ما كتبنا عن عبد الرزاق من حفظه إلا المجلس الأول ، وذلك أنا دخلنا بالليل ، فأملى علينا سبعين حديثا . وقد جالس معمرا تسع سنين . وكان يكتب عنه كل ما يقول .

قال عبد الله : من سمع من عبد الرزاق بعد المائتين ، فسماعه ضعيف .

قال موسى بن هارون : سئل أحمد : أين نطلب البدلاء ؟ فسكت ثم قال : إن لم يكن من أصحاب الحديث فلا أدري .

قال المروذي : كان أبو عبد الله إذا ذكر الموت ، خنقته العبرة . وكان يقول : الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب ، وإذا ذكرت الموت ، هان علي كل أمر الدنيا . إنما هو طعام دون طعام ، ولباس دون لباس . وإنها أيام [ ص: 216 ] قلائل . ما أعدل بالفقر شيئا . ولو وجدت السبيل لخرجت حتى لا يكون لي ذكر .

وقال : أريد أن أكون في شعب بمكة حتى لا أعرف ، قد بليت بالشهرة ، إني أتمنى الموت صباحا ومساء .

قال المروذي : وذكر لأحمد أن رجلا يريد لقاءه ، فقال : أليس قد كره بعضهم اللقاء يتزين لي وأتزين له . وقال : لقد استرحت ، ما جاءني الفرج إلا منذ حلفت أن لا أحدث ، وليتنا نترك ، الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث . فقلت له : إن فلانا ، قال : لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم وحدها ، قال : زهد في الناس . فقال : ومن أنا حتى أزهد في الناس ؟ الناس يريدون أن يزهدوا في .

وسمعته يكره للرجل النوم بعد العصر ، يخاف على عقله .

وقال : لا يفلح من تعاطى الكلام ، ولا يخلو من أن يتجهم [ ص: 217 ] وسئل عن القراءة بالألحان ، فقال : هذه بدعة لا تسمع .

التالي السابق


الخدمات العلمية