صفحة جزء
فصل

قال ابن الجوزي : كان الإمام لا يرى وضع الكتب ، وينهى عن كتبة كلامه ومسائله . ولو رأى ذلك ، لكانت له تصانيف كثيرة ، وصنف " المسند " وهو ثلاثون ألف حديث ، وكان يقول لابنه عبد الله : احتفظ بهذا المسند ; فإنه سيكون للناس إماما . " والتفسير " وهو مائة وعشرون ألفا ، [ ص: 328 ] و " الناسخ والمنسوخ " ، " والتاريخ " ، و " حديث شعبة " ، " والمقدم والمؤخر في القرآن " ، " وجوابات القرآن " ، " والمناسك " الكبير والصغير ، وأشياء أخر .

قلت : وكتاب " الإيمان " ، وكتاب " الأشربة " ورأيت له ورقة من كتاب " الفرائض " . فتفسيره المذكور شيء لا وجود له . ولو وجد ، لاجتهد الفضلاء في تحصيله ، ولاشتهر ، ثم لو ألف تفسيرا ، لما كان يكون أزيد من عشرة آلاف أثر ، ولاقتضى أن يكون في خمس مجلدات . فهذا تفسير ابن جرير الذي جمع فيه فأوعى لا يبلغ عشرين ألفا . وما ذكر تفسير أحمد أحد سوى أبي الحسين بن المنادي . فقال في " تاريخه " : لم [ ص: 329 ] يكن أحد أروى في الدنيا عن أبيه من عبد الله بن أحمد ، لأنه سمع منه " المسند " وهو ثلاثون ألفا ، و " التفسير " وهو مائة وعشرون ألفا ، سمع ثلثيه ، والباقي وجادة .

ابن السماك : حدثنا حنبل ، قال : جمعنا أحمد بن حنبل ، أنا وصالح وعبد الله ، وقرأ علينا " المسند " ، ما سمعه غيرنا . وقال : هذا الكتاب : جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا ، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارجعوا إليه . فإن وجدتموه فيه ، وإلا فليس بحجة .

قلت : في " الصحيحين " أحاديث قليلة ، ليست في " المسند " ، لكن قد يقال : لا ترد على قوله ; فإن المسلمين ما اختلفوا فيها ، ثم ما يلزم من هذا القول : أن ما وجد فيه أن يكون حجة ، ففيه جملة من الأحاديث الضعيفة مما يسوغ نقلها ، ولا يجب الاحتجاج بها . وفيه أحاديث معدودة شبه موضوعة ، ولكنها قطرة في بحر . وفي غضون المسند زيادات جمة لعبد الله بن أحمد .

قال ابن الجوزي : وله - يعني : أبا عبد الله - من المصنفات [ ص: 330 ] كتاب " نفي الشبيه " مجلدة ، وكتاب " الإمامة " مجلدة صغيرة ، وكتاب " الرد على الزنادقة " ثلاثة أجزاء ، وكتاب " الزهد " مجلد كبير ، وكتاب " الرسالة في الصلاة " ، قلت : هو موضوع على الإمام ، قال : وكتاب " فضائل الصحابة " مجلدة . قلت : فيه زيادات لعبد الله ابنه ، ولأبي بكر القطيعي صاحبه .

وقد دون عنه كبار تلامذته مسائل وافرة في عدة مجلدات ، كالمروذي ، والأثرم ، وحرب ، وابن هانئ ، والكوسج ، وأبي طالب ، وفوران ، وبدر المغازلي ، وأبي يحيى الناقد ، ويوسف بن موسى الحربي ، وعبدوس العطار ، ومحمد بن موسى بن مشيش ، ويعقوب بن بختان ، ومهنى الشامي ، وصالح بن أحمد ، وأخيه ، وابن عمهما حنبل ، وأبي الحارث أحمد بن محمد الصائغ ، والفضل بن زياد ، وأبي الحسن الميموني ، والحسن بن ثواب ، وأبي داود السجستاني ، وهارون الحمال ، والقاضي أحمد بن محمد البرتي ، وأيوب بن إسحاق بن سافري ، وهارون المستملي ، وبشر بن موسى ، وأحمد بن القاسم صاحب أبي عبيد ، ويعقوب بن العباس الهاشمي ، وحبيش بن سندي ، وأبي الصقر يحيى بن يزداد الوراق ، وأبي جعفر محمد بن يحيى الكحال ، ومحمد بن حبيب البزاز ، ومحمد بن موسى النهرتيري ، ومحمد بن أحمد بن واصل المقرئ ، وأحمد بن أصرم المزني ، وعبدوس الحربي قديم ، عنده عن أحمد نحو من عشرة آلاف مسألة لم يحدث بها ، وإبراهيم الحربي ، وأبي جعفر محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا ، وجعفر بن محمد بن الهذيل الكوفي ، وكان يشبهونه في الجلالة بمحمد بن عبد الله بن نمير ، وأبي شيبة إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد الله مطين ، وجعفر بن [ ص: 331 ] أحمد الواسطي ، والحسن بن علي الإسكافي ، والحسن بن علي بن بحر بن بري القطان ، والحسين بن إسحاق التستري ، والحسن بن محمد بن الحارث السجستاني ، قال الخلال : يقرب من أبي داود في المعرفة وبصر الحديث والتفقه ، وإسماعيل بن عمر السجزي الحافظ ، وأحمد بن الفرات الرازي الحافظ . وخلق سوى هؤلاء ، سماهم الخلال في أصحاب أبي عبد الله . نقلوا المسائل الكثيرة والقليلة .

وجمع أبو بكر الخلال سائر ما عند هؤلاء من أقوال أحمد ، وفتاويه ، وكلامه في العلل ، والرجال والسنة والفروع ، حتى حصل عنده من ذلك ما لا يوصف كثرة . ورحل إلى النواحي في تحصيله ، وكتب عن نحو من مائة نفس من أصحاب الإمام . ثم كتب كثيرا من ذلك عن أصحاب أصحابه ، وبعضه عن رجل ، عن آخر ، عن آخر ، عن الإمام أحمد ، ثم أخذ في ترتيب ذلك ، وتهذيبه ، وتبويبه . وعمل كتاب " العلم " وكتاب " العلل " وكتاب " السنة " كل واحد من الثلاثة في ثلاث مجلدات .

ويروي في غضون ذلك من الأحاديث العالية عنده ، عن أقران أحمد من أصحاب ابن عيينة ووكيع وبقية مما يشهد له بالإمامة والتقدم . وألف كتاب " الجامع " في بضعة عشر مجلدة ، أو أكثر . وقد قال : في كتاب " أخلاق أحمد بن حنبل " لم يكن أحد علمت عني بمسائل أبي عبد الله قط ، ما عنيت بها أنا . وكذلك كان أبو بكر المروذي ، رحمه الله ، يقول لي : إنه لم يعن أحد بمسائل أبي عبد الله ما عنيت بها أنت إلا رجل بهمدان ، يقال له متويه ، واسمه محمد بن أبي عبد الله ، جمع سبعين جزءا كبارا . ومولد الخلال كان في حياة الإمام أحمد ، يمكن أن يكون رآه وهو صبي . [ ص: 332 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية