صفحة جزء
قال موسى بن هارون الحافظ : يقال : إن أحمد لما مات ، مسحت الأمكنة المبسوطة التي وقف الناس للصلاة عليها ، فحزر مقادير الناس ، بالمساحة على التقدير ستمائة ألف أو أكثر ، سوى ما كان في الأطراف والحوالي والسطوح والمواضع المتفرقة أكثر من ألف ألف . [ ص: 340 ]

قال جعفر بن محمد بن الحسين النيسابوري : حدثني فتح بن الحجاج ، قال : سمعت في دار ابن طاهر الأمير ، أن الأمير بعث عشرين رجلا . فحزروا كم صلى على أحمد بن حنبل ، فحزروا ، فبلغ ألف ألف وثمانين ألفا سوى من كان في السفن . رواها خشنام بن سعد فقال : بلغوا ألف ألف وثلاثمائة ألف .

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمعت أبا زرعة ، يقول : بلغني أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف عليه الناس حيث صلي على أحمد ، فبلغ مقام ألفي ألف وخمسمائة ألف .

وقال أبو بكر البيهقي : بلغني عن أبي القاسم البغوي أن ابن طاهر أمر أن يحزر الخلق الذين في جنازة أحمد ، فاتفقوا على سبعمائة ألف نفس .

قال أبو همام السكوني : حضرت جنازة شريك ، وجنازة أبي بكر بن عياش ، ورأيت حضور الناس ، فما رأيت جمعا قط مثل هذا يعني : جنازة أبي عبد الله .

قال السلمي : حضرت جنازة أبي [ الفتح ] القواس مع الدارقطني ، فلما نظر إلى الجمع ، قال : سمعت أبا سهل بن زياد ، يقول : سمعت عبد الله بن أحمد ، يقول : سمعت أبي يقول : قولوا لأهل البدع : بيننا وبينكم يوم الجنائز . [ ص: 341 ]

قال صالح : ودخل على أبي مجاهد بن موسى ، فقال : يا أبا عبد الله ، قد جاءتك البشرى ، هذا الخلق يشهدون لك ، ما تبالي لو وردت على الله الساعة ، وجعل يقبل يده ويبكي ، ويقول : أوصني يا أبا عبد الله ، فأشار إلى لسانه . ودخل سوار القاضي ، فجعل يبشره ويخبره بالرخص .

وذكر عن معتمر أن أباه قال له عند موته : حدثني بالرخص .

وقال لي أبي : جئني بالكتاب الذي فيه حديث ابن إدريس ، عن أبيه ، عن طاووس ، أنه كان يكره الأنين ، فقرأته عليه ، فلم يئن إلا ليلة وفاته . وقال عبد الله بن أحمد : قال أبي : أخرج حديث الأنين ، فقرأته عليه ، فما سمع له أنين حتى مات .

وفي جزء محمد بن عبد الله بن علم الدين : سمعناه قال : سمعت عبد الله بن أحمد يقول : لما حضرت أبي الوفاة ، جلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحييه ، فجعل يغرق ثم يفيق ، ثم يفتح عينيه ، ويقول بيده هكذا لا بعد لا بعد ، ثلاث مرات . فلما كان في الثالثة ، قلت يا أبة ، أي شيء هذا الذي لهجت به في هذا الوقت ؟ فقال : يا بني ، ما تدري ؟ قلت : لا . قال : إبليس - لعنه الله - قائم بحذائي ، وهو عاض على أنامله ، يقول : يا أحمد فتني ، وأنا أقول : لا بعد حتى أموت . فهذه حكاية غريبة ، تفرد بها ابن علم ، فالله أعلم . [ ص: 342 ] وقد أنبأنا الثقة ، عن أبي المكارم التيمي ، أخبرنا الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن محمد بن عمر ، قال : سئل عبد الله بن أحمد : هل عقل أبوك عند المعاينة ؟ قال : نعم . كنا نوضئه ، فجعل يشير بيده ، فقال لي صالح : أي شيء يقول ؟ فقلت ، هو ذا يقول : خللوا أصابعي ، فخللنا أصابعه ثم ترك الإشارة ، فمات من ساعته .

وقال صالح : جعل أبي يحرك لسانه إلى أن توفي .

وعن أحمد بن داود الأحمسي ، قال : رفعنا جنازة أحمد مع العصر ، ودفناه مع الغروب .

قال صالح : لم يحضر أبي وقت غسله غريب ، فأردنا أن نكفنه ، فغلبنا عليه بنو هاشم ، وجعلوا يبكون عليه ، ويأتون بأولادهم فيكبونهم عليه ويقبلونه ، ووضعناه على السرير ، وشددنا بالعمائم .

قال الخلال : سمعت ابن أبي صالح القنطري ، يقول : شهدت الموسم أربعين عاما ، فما رأيت جمعا قط مثل هذا ، يعني : مشهد أبي عبد الله .

الخلال : سمعت عبد الوهاب الوراق ، يقول : أظهر الناس في جنازة أحمد بن حنبل السنة والطعن على أهل البدع ، فسر الله المسلمين بذلك على ما عندهم من المصيبة لما رأوا من العز وعلو الإسلام ، وكبت أهل الزيغ .

ولزم بعض الناس القبر ، وباتوا عنده ، وجعل النساء يأتين حتى منعن .

وسمعت المروذي يقول عن علي بن مهرويه ، عن خالته ، قالت : ما صلوا ببغداد في مسجد العصر يوم وفاة أحمد ، وقيل : إن الزحمة دامت على القبر أياما . [ ص: 343 ] أخبرنا إسحاق بن أبي بكر ، أخبرنا ابن خليل . أخبرنا اللبان ، عن الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، سمعت ظفر بن أحمد ، حدثني الحسين بن علي ، حدثني أحمد بن الوراق ، حدثني عبد الرحمن بن محمد ( ح ) وأخبرنا ابن الفراء ، أخبرنا ابن قدامة ، أخبرنا ابن خضير ، أخبرنا ابن يوسف ، أخبرنا البرمكي ، أخبرنا ابن مردك ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثني أبو بكر محمد بن عباس المكي ، سمعت الوركاني جار أحمد بن حنبل ، قال : يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف : المسلمين ، واليهود ، والنصارى ، والمجوس . وأسلم يوم مات عشرون ألفا . وفي رواية ظفر : عشرة آلاف من اليهود والنصارى والمجوس .

هذه حكاية منكرة ، تفرد بنقلها هذا المكي عن هذا الوركاني ، ولا يعرف ، وما ذا بالوركاني المشهور محمد بن جعفر الذي مات قبل أحمد بن حنبل بثلاث عشرة سنة ، وهو الذي قال فيه أبو زرعة : كان جارا لأحمد بن حنبل . ثم العادة والعقل تحيل وقوع مثل هذا . وهو إسلام ألوف من الناس لموت ولي لله ، ولا ينقل ذلك إلا مجهول لا يعرف . فلو وقع ذلك لاشتهر ولتواتر لتوفر الهمم ، والدواعي على نقل مثله . بل لو أسلم لموته مائة نفس ، لقضي من ذلك العجب . فما ظنك ؟ ! . [ ص: 344 ]

قال صالح : وبعد أيام جاء كتاب المتوكل على الله إلى ابن طاهر ، يأمره بتعزيتنا ، ويأمره بحمل الكتب . قال : فحملتها ، وقلت : إنها لنا سماع ، فتكون في أيدينا وتنسخ عندنا . فقال : أقول لأمير المؤمنين ، فلم يزل يدافع الأمير ، ولم تخرج عن أيدينا ، والحمد لله .

الخلال : حدثنا محمد بن الحسين ، حدثنا المروذي ، حدثني أبو محمد اليماني بطرسوس ، قال : كنت باليمن ، فقال لي رجل : إن بنتي قد عرض لها عارض ، فمضيت معه إلى عزام باليمن ، فعزم عليها ، وأخذ علي الذي عزم عليه العهد أن لا يعود ، فمكث نحوا من ستة أشهر . ثم جاءني أبوها ، فقال : قد عاد إليها . قلت : فاذهب إلى العزام . فذهب إليه فعزم عليها ، فكلمه الجني ، فقال : ويلك ، أليس قد أخذت عليك العهد أن لا تقربها ؟ قال : ورد علينا موت أحمد بن حنبل ، فلم يبق أحد من صالحي الجن إلا حضره إلا المردة ، فإني تخلفت معهم .

ومن المنامات وبالإسناد إلى ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، سمعت محمد بن مهران الجمال يقول : رأيت أحمد بن حنبل في النوم كأن عليه بردا مخططا أو مغيرا ، وكأنه بالري يريد المصير إلى الجامع . قال : فاستعبرت بعض أهل التعبير ; فقال : هذا رجل يشتهر بالخير .

وبه إلى الجمال ، قال : فما أتى عليه إلا قريب حتى ورد من خبره من أمر المحنة . [ ص: 345 ] وبه قال ابن أبي حاتم : وسمعت أبي ، يقول : رأيت أحمد في المنام ، فرأيته أضخم مما كان وأحسن وجها وسحنا مما كان . فجعلت أسأله الحديث وأذاكره .

وبه قال : وسمعت عبد الله بن الحسين بن موسى يقول : رأيت رجلا من أهل الحديث توفي ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي . فقلت : بالله ؟! قال : بالله إنه غفر لي . فقلت بماذا غفر الله لك ؟ قال : بمحبتي أحمد بن حنبل .

وبه قال : حدثنا محمد بن مسلم ، حدثني أبو عبد الله الطهراني عن الحسن بن عيسى ، عن أخي أبي عقيل ، قال : رأيت شابا ، توفي بقزوين ، فقلت : ما فعل بك ربك ؟ قال : غفر لي . ورأيته مستعجلا ، فسألته ، فقال : لأن أهل السماوات قد اشتغلوا بعقد الألوية لاستقبال أحمد بن حنبل ، وأنا أريد استقباله . وكان أحمد توفي تلك الأيام . قال ابن مسلم : ثم لقيت أخا أبي عقيل ، فحدثني بالرؤيا .

وبه قال : وحدثنا محمد بن مسلم ، حدثنا الهيثم بن خالويه ، قال : رأيت السندي في النوم ، فقلت : ما حالك ؟ قال : أنا بخير ، لكن اشتغلوا عني بمجيء أحمد بن حنبل .

أخبرنا علي بن عبد الدائم ، أخبرنا محمد بن يوسف بن مسافر ، أخبرنا عبد المغيث بن زهير ، وأبو منصور ابن حمدية ، وأخوه محمد ، قالوا : أخبرنا [ ص: 346 ] أبو غالب بن البناء ، أخبرنا أبي أبو علي ، أخبرنا عبيد الله بن أحمد الأزهري ، حدثنا محمد بن العباس ، أن ابن مخلد أخبرهم ، أخبرنا يزيد بن خالد بن طهمان ، أخبرنا القواريري عبيد الله بن عمر ، قال : جاءني شيخ فخلا بي ، فقال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدا ، ومعه أحمد بن نصر ، فقال : على فلان لعنة الله ثلاث مرات ، وعلى فلان وفلان; فإنهما يكيدان الدين وأهله ، ويكيدان أحمد بن حنبل والقواريري ، وليس يصلان إلى شيء منهما إن شاء الله . ثم قال : أقرئ أحمد والقواريري السلام ، وقل لهما : جزاكما الله عني خيرا وعن أمتي .

وبه قال أبو علي : أخبرنا الحسين بن محمد الناقد ، حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا ابن أبي داود ، حدثني أبي ، قال : رأيت في المنام أيام المحنة ; كأن رجلا خرج من المقصورة وهو يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقتدوا باللذين من بعدي : أحمد بن حنبل وفلان " وقال : نسيت اسمه إلا أنه كان أيام قتل أحمد بن نصر ، يعني : اقتدوا في وقتكم هذا .

وبه : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المقرئ ، أخبرنا أبو بكر الآجري ، أخبرنا عبد الله بن العباس الطيالسي ، حدثنا بندار ومحمد بن المثنى ، قالا : كنا نقرأ على شيخ ضرير . فلما أحدثوا ببغداد القول بخلق القرآن ، قال الشيخ : إن لم يكن القرآن مخلوقا ، فمحى الله القرآن من صدري . فلما سمعنا هذا ، تركناه فلما كان بعد مدة لقيناه ، فقلنا : يا فلان ، ما فعل القرآن ؟ قال : ما بقي في صدري منه شيء . قلنا : ولا قل هو الله أحد قال : ولا قل هو الله أحد إلا أن أسمعها من غيري يقرؤها . [ ص: 347 ]

أخبرنا أبو حفص بن القواس ، أنبأنا الكندي ، أخبرنا عبد الملك الكروخي أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري ، أخبرنا محمد بن عبد الجليل ، أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ( ح ) ، وقال أبو محمد الخلال : أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، قالا : أخبرنا أحمد بن محمد بن مقسم ، سمعت عبد العزيز بن أحمد النهاوندي ، سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل ، سمعت أبي ، يقول : رأيت رب العزة في المنام ، فقلت : يا رب ، ما أفضل ما تقرب به إليك المتقربون ؟ قال : بكلامي يا أحمد . قلت : يا رب ، بفهم أو بغير فهم ؟ قال : بفهم وبغير فهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية