صفحة جزء
هشام بن عمار ( خ ، 4 )

ابن نصير بن ميسرة بن أبان ، الإمام الحافظ العلامة المقرئ ، عالم أهل الشام ، أبو الوليد السلمي ، ويقال : الظفري ، خطيب دمشق .

نقل عنه الباغندي ، قال : ولدت سنة ثلاث وخمسين ومائة .

وسمع من : مالك ، وتمت له معه قصة ، ومسلم الزنجي ، وعبد الرحمن بن أبي الرجال ، ومعاوية بن يحيى بن الأطرابلسي ، ومعروف أبي الخطاب صاحب واثلة بن الأسقع ، ويحيى بن حمزة ، وهقل بن زياد ، وعبد الرحمن بن سعد بن عمار القرظي ، وإسماعيل بن عياش ، ورديح بن عطية ، ورفدة بن قضاعة ، والجراح بن مليح البهراني ، والبختري بن عبيد [ ص: 421 ] الطابخي ، وحاتم بن إسماعيل ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وحفص بن سليمان المقرئ ، والحسن بن يحيى الخشني ، والربيع بن بدر السعدي ، وسعد بن سعد بن أبي سعيد المقبري ، وسعدان بن يحيى ، وسويد بن عبد العزيز القاضي ، وصدقة بن خالد ، وشعيب بن إسحاق ، والوليد بن مسلم ، وعيسى بن يونس ، وبقية بن الوليد ، وإبراهيم بن أعين ، وأيوب بن تميم ، وأيوب بن سويد ، وحرملة بن عبد العزيز ، والحسن بن يحيى ، ومسلمة بن علي الخشنيين ، وحفص بن عمر البزاز ، والحكم بن هشام الثقفي ، وحماد بن عبد الرحمن الكلبي .

وحماد أبي الخطاب ، والخليل بن موسى ، وزكريا بن منظور ، وسبرة الجهني أخو حرملة المذكور ، وسعيد بن الفضل البصري ، وسفيان بن عيينة ، وسليم بن مطير ، وسليمان بن عتبة ، وسليمان بن موسى الزهري ، وسهل بن هاشم البيروتي ، وشهاب بن خراش ، وصدقة بن عمرو ، وضمرة بن ربيعة ، وعبد الله بن الحارث الجمحي ، وعبد الله بن رجاء المكي ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وعبد الحميد بن أبي العشرين ، وعبد ربه بن ميمون ، وعبد الرحمن بن أبي الجون ، وعبد العزيز بن أبي حازم ، والدراوردي ، وعبد العزيز بن الحصين ، وعبد الملك الصنعاني .

وعثمان بن حصن ، وعراك بن خالد ، وعطاء بن مسلم ، والعطاف بن خالد ، وأبي نوفل علي بن سليمان ، وأبيه عمار ، وعمر بن الدرفس ، وعمر بن عبد الواحد ، وعمر بن مغيرة ، وعمرو بن واقد ، وعيسى بن خالد اليمامي ، وغالب بن غزوان الثقفي ، والقاسم بن عبد الله بن عمر ، ومحمد بن إبراهيم الهاشمي ، ومحمد بن حرب ، وابن شابور [ ص: 422 ] وابن سميع ومروان بن معاوية ، ومعن القزاز ، والهيثم بن حميد ، والهيثم بن عمران ، ووزير بن صبيح ، ويحيى بن سليم الطائفي ، ويوسف بن محمد بن صيفي ، وعدة سواهم مذكورين في " تهذيب الكمال " وفي " تاريخ دمشق " .

فلقد كان من أوعية العلم ، وكان ابتداء طلبه للعلم وهو حدث قبل السبعين ومائة ، وفيها ، وقرأ القرآن على أيوب بن تميم ، وعلى الوليد بن مسلم ، وجماعة سيأتي ذكرهم في أثناء ترجمته .

تلا على هشام طائفة ، منهم : أحمد بن يزيد الحلواني ، وأبو عبيد ، ومات قبله ، وهارون الأخفش ، وإسماعيل بن الحويرس ، وأحمد بن محمد بن مامويه ، وطائفة .

وروى عنه : أبو عبيد القاسم بن سلام ، ومات قبله بنيف وعشرين سنة ، ومحمد بن سعد ، ومات قبله ببضع عشرة سنة ، ومؤمل بن الفضل الحراني كذلك ، ويحيى بن معين كذلك .

وحدث عنه من كبار شيوخه : الوليد بن مسلم ، ومحمد بن شعيب بن شابور .

وحدث عنه من أصحاب الكتب : البخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وروى الترمذي عن رجل عنه ، ولم يلقه مسلم ، ولا ارتحل إلى الشام ، ووهم من زعم أنه دخل دمشق . [ ص: 423 ] نعم ، وحدث عنه بشر كثير ، وجم غفير ، منهم : ولده أحمد ، وأبو زرعة الدمشقي والرازي ، وأبو حاتم ، ودحيم ، ومحمد بن عوف ، والذهلي ، ونوح بن حبيب ، ويعقوب الفسوي ، ويزيد بن عبد الصمد ، وبقي بن مخلد ، وصالح بن محمد جزرة ، والحسن بن محمد بن بكار ، وابن أبي عاصم ، وأحمد بن يحيى البلاذري المؤرخ ، وإسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي ، وإسحاق بن إبراهيم البستي القاضي .

وإسحاق بن إبراهيم بن نصر النيسابوري البشتي ، بمعجمة ، وإسحاق بن أبي عمران الإسفراييني الشافعي ، وجعفر بن أحمد بن عاصم ، وجعفر الفريابي ، وجماهر بن أحمد الزملكاني ، والحسين بن عبد الله الرقي القطان ، والحسين بن الهيثم الرازي الكسائي ، وحمدان بن عارم البخاري ، وخالد بن روح الثقفي ، وزكريا خياط السنة ، وسعد البيروتي ، وسليمان بن حذلم وسلامة بن ناهض المقدسي ، والضحاك بن الحسين الإستراباذي ، وعبد الله بن عتاب الزفتي ، وعبد الله بن محمد بن سلم المقدسي ، وعبد الله بن محمد بن طويط الرملي ، وعبد الحميد بن محمود بن خالد السلمي ، وعبد الرحيم بن عمر المازني ، وأبو الأصبغ عبد العزيز بن محمد ، وعبدان الأهوازي ، وعثمان بن خرزاذ ، وعلي بن الحسين بن ثابت الرازي ، وعمرو بن أبي زرعة الدمشقي .

والفضل بن العباس الرازي فضلك ، وقسطنطين الرومي ، ومحمد بن أحمد بن عبد بن فياض الوراق ، ومحمد بن بشر بن يوسف الأرموي وابن قتيبة العسقلاني ، وأبو بكر محمد بن خزيم العقيلي ، ومحمد بن شيبة الراهبي ، ومحمد بن صالح بن أبي عصمة ، ومحمد بن عبدوس بن جرير الصوري ، ومحمد بن عمير [ ص: 424 ] الرملي ، ومحمد بن عون الوحيدي ، ومحمد بن الفيض الغساني ، وأبو بكر الباغندي ، ومحمد بن وضاح القرطبي ، ومحمد بن يحيى بن رزين الحمصي ، ومحمد بن يزيد بن عبد الصمد ، ومحمد بن يوسف بن بشير الهروي ، ومحمود بن سميع الحافظ ، وأبو عمران موسى بن سهل الجوني ، ونصر بن زكريا نزيل بخارى ، وهميم بن همام الآملي ، ووريزة بن محمد الغساني ، ويحيى بن محمد بن أبي صغير الحلبي ، وأمم سواهم .

وثقه يحيى بن معين فيما نقله معاوية بن صالح ، وابن الجنيد ، وروى أبو حاتم الرازي ، عن يحيى بن معين : كيس كيس .

وقال أحمد العجلي : ثقة . وقال مرة : صدوق .

وقال النسائي : لا بأس به .

وقال الدارقطني : صدوق كبير المحل .

وقال أبو حاتم : صدوق ، لما كبر تغير ، وكل ما دفع إليه قرأه ، وكل ما لقن تلقن ، وكان قديما أصح . كان يقرأ من كتابه .

وقال أبو داود : سمعت يحيى بن معين ، يقول : هشام بن عمار كيس . ثم قال أبو داود : سليمان بن بنت شرحبيل أبو أيوب خير منه ، هشام حدث بأرجح من أربعمائة حديث ، ليس لها أصل مسندة كلها ، كان فضلك يدور على أحاديث أبي مسهر وغيره ، يلقنها هشاما ، ويقول هشام : حدثني قد روي ، فلا أبالي من حمل الخطأ . [ ص: 425 ]

وقال أبو عبيد الآجري ، عن أبي داود : كان فضلك يدور بدمشق على أحاديث أبي مسهر والشيوخ يلقنها هشام بن عمار ، فيحدثه بها . وكنت أخشى أن يفتق في الإسلام فتقا .

أحمد بن خالد الخلال : حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا هشام بن عمار ، وليس بالكذوب ، فذكر حديثا .

وقال هاشم بن مرثد : سمعت ابن معين ، يقول : هشام بن عمار أحب إلي من ابن أبي مالك .

قال أبو القاسم بن الفرات : أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد الأصبهاني المقرئ ، لما توفي أيوب بن تميم ، يعني : مقرئ دمشق ، رجعت الإمامة حينئذ إلى رجلين : أحدهما مشتهر بالقراءة والضبط ، وهو ابن ذكوان ، فائتم الناس به ، والآخر مشتهر بالنقل والفصاحة والرواية ، والعلم ، والدراية ، وهو هشام بن عمار ، وكان خطيبا بدمشق ، رزق كبر السن ، وصحة العقل والرأي ، فارتحل الناس إليه في نقل القراءة والحديث .

نقل القراءة عنه أبو عبيد قبل موت هشام بنحو من أربعين سنة ، وحدث عنه هو والوليد بن مسلم ، وابن شابور .

وكان ابن ذكوان يفضله ، ويرى مكانه لكبر سنه . ولد قبله بعشرين سنة . فأخذ القراءة عن أيوب تلاوة ، كما أخذها ابن ذكوان ، وزاد عليه بأخذه القراءة عن الوليد ، وسويد بن عبد العزيز ، وصدقة بن هشام ، كذا قال ، وأظنه أراد صدقة بن خالد وعراك بن خالد ، وصدقة بن يحيى ، ومدرك بن أبي سعد ، وعمر بن عبد الواحد . وكل هؤلاء أئمة ، قرءوا على يحيى الحارث . فلما توفي ابن ذكوان سنة اثنتين وأربعين ، اجتمع الناس على إمامة [ ص: 426 ] هشام بن عمار في القراءة والنقل . وتوفي بعده بثلاث سنين .

قلت : هشام عظيم القدر ، بعيد الصيت ، وغيره أتقن منه وأعدل رحمه الله تعالى .

قال أبو أحمد بن عدي في " كامله " : سمعت قسطنطين بن عبد الله مولى المعتمد ، يقول : حضرت مجلس هشام بن عمار ، فقال المستملي : من ذكرت ؟ فقال : أخبرنا بعض مشايخنا ، ثم نعس ، ثم قال له : من ذكرت ؟ فنعس ، فقال المستملي : لا تنتفعوا به ، فجمعوا له شيئا فأعطوه . فكان بعد ذلك يملي عليهم حتى يملوا .

وقال محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الأصبهاني : سمعت ابن وارة ، يقول : عزمت زمانا أن أمسك عن حديث هشام بن عمار ; لأنه كان يبيع الحديث .

قلت : العجب من هذا الإمام مع جلالته ، كيف فعل هذا ، ولم يكن محتاجا ، وله اجتهاده .

قال صالح بن محمد جزرة : كان هشام بن عمار يأخذ على الحديث ، ولا يحدث ما لم يأخذ ، فدخلت عليه ، فقال : يا أبا علي ، حدثني بحديث لعلي بن الجعد ، فقال : حدثنا ابن الجعد ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : علم مجانا كما علمت مجانا . قال : تعرضت بي يا أبا علي ؟ فقلت : ما تعرضت ، بل قصدتك .

وقال صالح أيضا : كنت شارطت هشاما أن أقرأ عليه بانتخابي ورقة ، فكنت آخذ الكاغد الفرعوني وأكتب مقرمطا . فكان إذا جاء الليل ، أقرأ [ ص: 427 ] عليه إلى أن يصلي العتمة ، فإذا صلى العتمة ، يقعد وأقرأ عليه ، فيقول : يا صالح ، ليس هذه ورقة ، هذه شقة .

الإسماعيلي : أخبرنا عبد الله بن محمد بن سيار ، قال : كان هشام بن عمار يلقن ، وكان يلقن كل شيء ما كان من حديثه . فكان يقول : أنا قد أخرجت هذه الأحاديث صحاحا . وقال الله تعالى : فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه قال : وكان يأخذ على كل ورقتين درهما . ويشارط ، ويقول : إن كان الخط دقيقا ، فليس بيني وبين الدقيق عمل . وكان يقول : وذاك أني قلت له : إن كنت تحفظ فحدث ، وإن كنت لا تحفط ، فلا تلقن ما يلقن ، فاختلط من ذلك ، وقال : أنا أعرف هذه الأحاديث . ثم قال لي بعد ساعة : إن كنت تشتهي أن تعلم ، فأدخل إسنادا في شيء ، فتفقدت الأسانيد التي فيها قليل اضطراب ، فجعلت أسأله عنها ، فكان يمر فيها يعرفها .

قال أبو بكر المروذي : ذكر أحمد بن حنبل هشام بن عمار ، فقال : طياش خفيف .

خيثمة : سمعت محمد بن عوف ، يقول : أتينا هشام بن عمار في مزرعة له ، وهو قاعد على مورج له ، وقد انكشفت سوءته ، فقلنا : يا شيخ ، غط عليك . فقال : رأيتموه ؟ ! لن ترمد عينكم أبدا ، يعني : يمزح .

قال الحافظ محمد بن أبي نصر الحميدي : أخبرني بعض أصحاب الحديث ببغداد أن هشام بن عمار ، قال : سألت الله - تعالى - سبع حوائج ، فقضي لي منها ستا ، والواحدة ما أدري ما صنع فيها . سألته أن يغفر لي ولوالدي ، فما أدري ، وسألته أن يرزقني الحج ، ففعل ، وسألته أن يعمرني مائة سنة ، ففعل قلت : إنما عاش اثتنين وتسعين سنة ، ثم قال : وسألته أن [ ص: 428 ] جعلني مصدقا على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففعل : وسألته أن يجعل الناس يغدون إلي في طلب العلم ، ففعل . وسألته أن أخطب على منبر دمشق ، ففعل . وسألته أن يرزقني ألف دينار حلالا ففعل . قال : فقيل له : كل شيء قد عرفناه ، فألف دينار حلال من أين لك ؟ فقال : وجه المتوكل بعض ولده ليكتب عني لما خرج إلينا ، يعني لما سكن دمشق ، وبني له القصر بداريا . قال : ونحن نلبس الأزر ، ولا نلبس السراويلات . فجلست ، فانكشف ذكري ، فرآه الغلام ، فقال : استتر يا عم . قلت : رأيته ؟ قال : نعم . قلت : أما إنه لا ترمد عينك أبدا إن شاء الله . قال : فلما دخل على المتوكل ، ضحك . قال : فسأله فأخبره بما قلت له ، فقال : فأل حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم ، احملوا إليه ألف دينار . فحملت إلي ، فأتتني من غير مسألة ، ولا استشراف نفس .

فهذه حكاية منقطعة . ولعلها جرت .

قال أبو بكر محمد بن سليمان الربعي : حدثنا محمد بن الفيض الغساني ، سمعت هشام بن عمار ، يقول : باع أبي بيتا له بعشرين دينارا ، وجهزني للحج . فلما صرت إلى المدينة ، أتيت مجلس مالك ، ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها . فأتيته ، وهو جالس في هيئة الملوك ، وغلمان قيام ، والناس يسألونه ، وهو يجيبهم . فلما انقضى المجلس ، قال لي بعض أصحاب الحديث : سل عن ما معك ؟ فقلت له : يا أبا عبد الله ، ما تقول في كذا وكذا ؟ فقال : حصلنا على الصبيان ، يا غلام ، احمله . فحملني كما يحمل الصبي ، وأنا يومئذ غلام مدرك ، فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة ، فوقفت أبكي ، فقال لي : ما يبكيك ؟ أوجعتك هذه [ ص: 429 ] الدرة ؟ قلت : إن أبي باع منزله ، ووجه بي أتشرف بك ، وبالسماع منك ، فضربتني ؟ فقال : اكتب ، قال : فحدثني سبعة عشر حديثا ، وسألته عما كان معي من المسائل فأجابني .

قال يعقوب بن إسحاق الهروي ، عن صالح بن محمد الحافظ : سمعت هشام بن عمار ، يقول : دخلت على مالك ، فقلت له : حدثني ، فقال : اقرأ ، فقلت : لا . بل حدثني ، فقال : اقرأ ، فلما أكثرت عليه ، قال : يا غلام ، تعال اذهب بهذا ، فاضربه خمسة عشر ، فذهب بي فضربني خمس عشرة درة ، ثم جاء بي إليه ، فقال : قد ضربته ، فقلت له : لم ظلمتني ؟ ضربتني خمس عشرة درة بغير جرم ، لا أجعلك في حل ، فقال مالك : فما كفارته ؟ قلت : كفارته أن تحدثني بخمسة عشر حديثا .

قال : فحدثني بخمسة عشر حديثا . فقلت له : زد من الضرب ، وزد في الحديث ، فضحك مالك ، وقال : اذهب .

قال الخليلي : سمعت علي بن أحمد بن صالح المقرئ ، حدثنا الحسن بن علي الطوسي ، سمعت محمد بن طرخان ، سمعت هشام بن عمار ، يقول : قصدت باب مالك ، فهجمت عليه بلا إذن ، فأمر غلاما له ، حتى ضربني سبعة عشر ضرب السلاطين . وأخرجت ، فقعدت على بابه أبكي ، ولم أبك للضرب ; بل بكيت حسرة ، فحضر جماعة . قال : فقصصت عليهم ، فشفعوا في ، فأملى علي سبعة عشر حديثا .

قال محمد بن خريم الخريمي : سمعت هشام بن عمار ، يقول في خطبته : قولوا الحق ، ينزلكم الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق . [ ص: 430 ] معروف بن محمد بن معروف الواعظ ، عن أبي المستضيء معاوية بن أوس السكسكي من أهل بيت قوفا ، قال : رأيت هشام بن عمار إذا مشى أطرق إلى الأرض لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عز وجل .

قلت : وكان هشام خطيبا بليغا صاحب بديهة .

روى عنه عبدان الجواليقي ، قال : ما أعدت خطبة منذ عشرين سنة . ثم قال عبدان : ما كان في الدنيا مثله .

وقال أبو زرعة الرازي : من فاته هشام بن عمار ، يحتاج أن ينزل في عشرة آلاف حديث .

قال أبو بكر أحمد بن المعلى القاضي : رأيت هشام بن عمار في النوم ، والمشايخ متوافرون ، سليمان بن عبد الرحمن وغيره ، وهو يكنس المسجد ، فماتوا ، وبقي هو آخرهم .

قال ابن حبان البستي : كانت أذناه لاصقتين برأسه ، وكان يخضب بالحناء .

قلت : لم يخرج له الترمذي سوى حديث سوق الجنة رواه عن [ ص: 431 ] محمد بن إسماعيل البخاري عنه ، ورواه ابن ماجه عاليا عنه . ووقع لي عاليا في أمالي أبي الحسين بن سمعون ، رواه عن شيخ ليس بثقة ، يقال له : أحمد بن سليمان بن زبان الكندي ، عن هشام . وابن زبان هو آخر من زعم في الدنيا ، أنه سمع من هشام ، وبقي بعده إلى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، وله جزء مشهور .

قال الفسوي : سمعت هشام بن عمار ، يقول : سمعت من سعيد بن بشير مجلسا مع أصحابنا ، فلم أكتبه ، وسمعت الكثير من بكير بن معروف .

قال عبدان الأهوازي : كنا لا نصلي خلف هدبة بن خالد من طول صلاته ، يسبح في الركوع والسجود نيفا وثلاثين تسبيحة ، وكان من أشبه خلق الله بهشام بن عمار لحيته ووجهه ، وكل شيء حتى في صلاته .

قلت : أما قول الإمام فيه : طياش ; فلأنه بلغه عنه أنه قال في خطبته : الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه ; فهذه الكلمة لا ينبغي [ ص: 432 ] إطلاقها ، وإن كان لها معنى صحيح ، لكن يحتج بها الحلولي والاتحادي . وما بلغنا أنه - سبحانه وتعالى - تجلى لشيء إلا بجبل الطور ، فصيره دكا . وفي تجليه لنبينا - صلى الله عليه وسلم - اختلاف أنكرته عائشة ، وأثبته ابن عباس .

وبكل حال كلام الأقران بعضهم في بعض يحتمل ، وطيه أولى من بثه إلا أن يتفق المتعاصرون على جرح شيخ ، فيعتمد قولهم ، والله أعلم .

وقد روى هشام غير حديث ، عن ابن لهيعة في كتابه إليه . وحسبك قول أحمد بن أبي الحواري مع جلالته : إذا حدثت ببلد فيه مثل هشام بن عمار يجب للحيتي أن تحلق .

وقال أبو بكر المروذي في كتاب " القصص " : ورد علينا كتاب من دمشق : سل لنا أبا عبد الله ، فإن هشاما ، قال : لفظ جبريل - عليه السلام - ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن مخلوق . فسألت أبا عبد الله ، فقال : أعرفه طياشا ، لم يجتر الكرابيسي أن يذكر جبريل ولا محمدا . هذا قد تجهم في كلام غير هذا .

قلت : كان الإمام أحمد يسد الكلام في هذا الباب ، ولا يجوزه ، وكذلك كان يبدع من يقول : لفظي بالقرآن غير مخلوق . ويضلل من يقول : لفظي بالقرآن قديم ، ويكفر من يقول : القرآن مخلوق . بل يقول : القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، وينهى عن الخوض في مسألة اللفظ . ولا ريب أن تلفظنا بالقرآن من كسبنا ، والقرآن الملفوظ المتلو كلام الله - تعالى - غير مخلوق ، والتلاوة والتلفظ والكتابة والصوت به من أفعالنا ، وهي مخلوقة ، والله أعلم . [ ص: 433 ]

قال ابن عدي في " كامله " : حدثنا الحسين بن عبد الله القطان ، حدثنا هشام بن عمار ، قال : كتب إلينا ابن لهيعة ، عن أبي عشانة ، عن عقبة بن عامر : قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله ليعجب إلى الشاب ليست له صبوة .

قال محمد بن خريم العقيلي : سمعت هشام بن عمار ، يخطب : قولوا الحق ينزلكم الحق منازل أهل الحق ، يوم لا يقضى إلا بالحق .

وقال محمد بن الفيض الغساني : كان هشام بن عمار يربع بعلي رضي الله عنه . .

قلت : خالف أهل بلده ، وتابع أئمة الأثر .

وقال أبو حاتم : لما كبر هشام ، تغير .

قال محمد بن الفيض : سمعت هشاما يقول : في جوسية رجل شرعبي كان له بغل ، فكان يدلج على بغله من جوسية ، وهي من قرى حمص يوم الجمعة ، فيصلي الجمعة في مسجد دمشق ، ثم يروح ، فيبيت في أهله ، فكان الناس يعجبون منه . ثم إن بغله مات ، فنظر إلى جنبيه ، فإذا ليس له أضلاع ، إنما له صفحتان ، عظم مصمت . ثم قال محمد بن [ ص: 434 ] الفيض : وسمعت جدي ، وبكار بن محمد يذكران حديث الشرعبي ، كما قال هشام بن عمار . رواها تمام الرازي عن محمد بن سليمان الربعي عنه .

وقال محمد بن الفيض أيضا : جاء رجل من قرية الحرجلة يطلب لعرس أخيه لعابين ، فوجد الوالي قد منعهم ، فجاء يطلب مغبرين ، يعني : مزمزمين يغبرون بالقضيب ، قال : فلقيه صوفي ماجن ، فأرشده إلى ابن ذكوان ، وهو خلف المنبر ، فجاءه ، وقال : إن السلطان قد منع المخنثين . فقال : أحسن والله ، فقال : فنعمل العرس بالمغبرين ، وقد دللت عليك ، فقال : لنا رفيق ، فإن جاء جئت ، وهو ذاك ، وأشار إلى هشام بن عمار . فقام الرجل إليه ، وهو عند المحراب متكئ ، فقال الرجل لهشام : أبو من أنت ؟ فرد عليه ردا ضعيفا ، فقال : أبو الوليد ، فقال : يا أبا الوليد ، أنا من الحرجلة ، قال : ما أبالي من أين كنت . قال : إن أخي يعمل عرسه ، فقال : فماذا أصنع ؟ قال : قد أرسلني أطلب له المخنثين . قال : لا بارك الله فيهم ولا فيك . قال : وقد طلب المغبرين فأرشدت إليك . قال : ومن بعثك ؟ قال : هذاك الرجل ، فرفع هشام رجله ، ورفسه ، وقال : قم . وصاح بابن ذكوان : أقد تفرغت لهذا ؟ ! قال : إي والله ، أنت رئيسنا ، لو مضيت مضينا .

قال ابن الفيض : رأى هشام عصا لابن ذكوان ، فقال : أنا أكبر من أبيه ، وما أحمل عصا .

أخبرنا أحمد بن إسحاق ، أخبرنا الفتح بن عبد السلام ، أخبرنا محمد بن عمر القاضي ، ومحمد بن علي ، ومحمد بن أحمد الطرائفي ، قالوا : أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة ، أنبأنا عبيد الله بن عبد الرحمن ، أخبرنا [ ص: 435 ] جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، أنه رأى الناس يدخلون المسجد ، فقال : من أين جاء هؤلاء ؟ قالوا : من عند الأمير ، فقال : إن رأوا منكرا أنكروه ، وإن رأوا معروفا أمروا به ؟ فقالوا : لا . قال : فما يصنعون ؟ قال : يمدحونه ، ويسبونه إذا خرجوا من عنده . فقال ابن عمر : إن كنا لنعد النفاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيما دون هذا . رواته ثقات ، لكنه ليس بمتصل . ما أظن أبا حازم سمعه من ابن عمر .

وبه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا عوف بن موسى البصري ، سمعت معاوية بن قرة ، يقول : أن لا نكون في نفاق ، أحب إلي من الدنيا وما فيها . كان عمر يخشاه ، وآمنه أنا ! .

قال البخاري وغيره : توفي هشام بن عمار في آخر المحرم سنة خمس وأربعين ومائتين . وكان ولده أحمد ممن قرأ عليه القرآن . وعاش إلى سنة ست عشرة وثلاث مائة .

التالي السابق


الخدمات العلمية