صفحة جزء
أبو أيوب الأنصاري ( ع )

الخزرجي النجاري البدري السيد الكبير الذي خصه النبي - صلى الله عليه وسلم- بالنزول عليه في بني النجار إلى أن بنيت له حجرة أم المؤمنين سودة ، وبني المسجد الشريف .

اسمه : خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج . [ ص: 403 ]

حدث عنه : جابر بن سمرة ، والبراء بن عازب . والمقدام بن معد يكرب ، وعبد الله بن يزيد الخطمي ، وجبير بن نفير ، وسعيد بن المسيب ، وموسى بن طلحة ، وعروة بن الزبير ، وعطاء بن يزيد الليثي ، وأفلح مولاه ، وأبو رهم السماعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن ; وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وقرثع الضبي . ومحمد بن كعب ، والقاسم أبو عبد الرحمن ، وآخرون .

وله عدة أحاديث ، ففي " مسند " بقي له مائة وخمسة وخمسون حديثا ; فمنها في البخاري ومسلم سبعة ، وفي البخاري حديث ، وفي مسلم خمسة أحاديث .

حرملة : حدثنا ابن وهب ، أخبرنا حيوة ، أخبرنا الوليد بن أبي الوليد ، حدثنا أيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري ، عن أبيه عن جده :

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال له : اكتم الخطبة ، ثم توضأ ، ثم صل ما كتب الله لك ، ثم احمد ربك ومجده ، ثم قل : اللهم إنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب . فإن رأيت لي في فلانة - تسميها- خيرا في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي ، وإن كان غيرها خيرا لي منها ، فأمض لي - أو قال : اقدرها لي [ ص: 404 ]

وفي سيرة ابن عباس : أنه كان أميرا على البصرة لعلي ، وأن أبا أيوب الأنصاري وفد عليه ، فبالغ في إكرامه ، وقال : لأجزينك على إنزالك النبي - صلى الله عليه وسلم- عندك ، فوصله بكل ما في المنزل ، فبلغ ذلك أربعين ألفا .

الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن أشياخه ، عن أبي أيوب ، أنه قال : ادفنوني تحت أقدامكم ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة .

ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد ، قال : شهد أبو أيوب بدرا ، ثم لم يتخلف عن غزاة إلا عاما ، استعمل على الجيش شاب ، فقعد ، ثم جعل يتلهف ، ويقول : ما علي من استعمل علي . فمرض ، وعلى الجيش يزيد بن معاوية ، فأتاه يعوده ، فقال : حاجتك ؟ قال : نعم ، إذا أنا مت ، فاركب بي ، ثم تبيغ بي في أرض العدو ما وجدت مساغا ; فإذا لم تجد مساغا ، فادفني ، ثم ارجع .

فلما مات ، ركب به ، ثم سار به ، ثم دفنه . وكان يقول : قال الله : [ ص: 405 ] انفروا خفافا وثقالا لا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا .

وروى همام ، عن عاصم ابن بهدلة ، عن رجل : أن أبا أيوب قال ليزيد : أقرئ الناس مني السلام ; ولينطلقوا بي وليبعدوا ما استطاعوا . قال : ففعلوا .

قال الواقدي : توفي عام غزا يزيد في خلافة أبيه القسطنطينية فلقد بلغني : أن الروم يتعاهدون قبره ، ويرمونه ، ويستسقون به . وذكره عروة والجماعة في البدريين .

وقال ابن إسحاق : شهد العقبة الثانية .

قال محمد بن سيرين : النجار سمي بذلك ; لأنه اختتن بقدوم .

وعن ابن إسحاق : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- آخى بين أبي أيوب ومصعب بن عمير .

شهد أبو أيوب المشاهد كلها . [ ص: 406 ]

وقال أحمد بن البرقي : جاء له نحو من خمسين حديثا .

قال ابن يونس : قدم مصر في البحر سنة ست وأربعين .

وقال أبو زرعة النصري : قدم دمشق زمن معاوية .

وقال الخطيب : شهد حرب الخوارج مع علي .

جعفر بن جسر بن فرقد : أخبرنا أبي : حدثنا عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، قال : قال أهل المدينة لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ادخل المدينة راشدا مهديا ، فدخلها وخرج الناس ينظرون إليه ، كلما مر على قوم ، قالوا : يا رسول الله ، هاهنا . فقال : دعوها ، فإنها مأمورة - يعني الناقة - حتى بركت على باب أبي أيوب .

يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن أبي رهم : أن أبا أيوب حدثه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نزل في بيتنا الأسفل ، وكنت في الغرفة ، فأهريق ماء في الغرفة ، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء ، ونزلت فقلت : يا رسول الله ، لا ينبغي أن نكون فوقك ، انتقل إلى الغرفة . فأمر بمتاعه فنقل - ومتاعه قليل- قلت : يا رسول الله ، كنت ترسل بالطعام ، فأنظر فإذا رأيت أثر أصابعك ، وضعت فيه يدي . [ ص: 407 ]

بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن أبي أيوب ، قال : أقرعت الأنصار أيهم يئوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقرعهم أبو أيوب . فكان إذا أهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- طعام ، أهدي لأبي أيوب . فدخل أبو أيوب يوما ، فإذا قصعة فيها بصل ، فلم يأكل منها ، وقال : إنه يغشاني ما لا يغشاكم .

الصنعاني : حدثنا محمد بن سابق : حدثنا حشرج بن نباتة ، عن إسحاق بن إبراهيم : سمع أبا قلابة يقول : حدثني أبو عبد الله الصنابحي ، أن عبادة بن الصامت حدثه ، قال : خلوت برسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقلت : أي أصحابك أحب إليك ؟ قال : اكتم علي حياتي ؟ قلت : نعم . قال : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم علي ثم سكت . فقلت : ثم من ؟ قال : من عسى أن يكون بعد هؤلاء إلا الزبير ، وطلحة ، وسعد ، وأبو عبيدة ، ومعاذ ، [ ص: 408 ] وأبو طلحة ، وأبو أيوب ، وأنت ، وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، وابن مسعود ، وابن عفان ، وابن عوف ; ثم هؤلاء الرهط من الموالي : سلمان ، وصهيب ، وبلال ، وسالم مولى أبي حذيفة ; هؤلاء خاصتي . هذا حديث منكر . رواه الهيثم الشاشي في " مسنده " .

الواقدي : حدثنا كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح ، عن أبي هريرة ، قال : لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بصفية ، بات أبو أيوب على باب النبي ، صلى الله عليه وسلم . فلما أصبح ، فرأى رسول الله ، كبر ، ومع أبي أيوب السيف ، فقال : يا رسول الله ، كانت جارية حديثة عهد بعرس ، وكنت قتلت أباها وأخاها وزوجها ; فلم آمنها عليك . فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم- وقال له خيرا غريب جدا ، وله شويهد من حديث عيسى بن المختار ، وابن أبي ليلى ، عن الحكم عن مقسم ، عن ابن عباس ، فذكر قريبا منه . وأبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عمر بن أبي بكر ، عن عبد الله بن أبي عبيدة ، عن أبيه ، عن مقسم ، عن جابر ، بنحوه .

وابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، نحوه .

عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سالم ، قال : أعرست ، فدعا أبي الناس ، فيهم أبو أيوب ، وقد ستروا بيتي بجنادي أخضر . فجاء أبو أيوب ، فطأطأ رأسه ، فنظر فإذا البيت مستر . فقال : يا عبد الله ، تسترون الجدر ؟ فقال أبي واستحيى : غلبنا النساء يا أبا أيوب . فقال : من خشيت أن [ ص: 409 ] تغلبه النساء ، فلم أخش أن يغلبنك . لا أدخل لكم بيتا ، ولا آكل لكم طعاما ! .

غريب ، رواه النفيلي عن ابن علية ، عنه .

ابن أبي ذئب ، عن عبد العزيز بن عباس ، عن محمد بن كعب ، قال : كان أبو أيوب يخالف مروان ، فقال : ما يحملك على هذا ؟ قال : إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي الصلوات ، فإن وافقته ، وافقناك ، وإن خالفته ، خالفناك .

مروان بن معاوية ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن أبيه ، قال : انضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري في البحر ، وكان معنا رجل مزاح ، فكان يقول لصاحب طعامنا : جزاك الله خيرا وبرا ، فيغضب . فقلنا لأبي أيوب : هنا من إذا قلنا له : جزاك الله خيرا يغضب . فقال : اقلبوه له . فكنا نتحدث : إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر .

فقال له المزاح : جزاك الله شرا وعرا ، فضحك ، وقال : ما تدع مزاحك . [ ص: 410 ]

ذكر خليفة : أن عليا استعمل أبا أيوب على المدينة .

وقال الحاكم : لم يشهد أبو أيوب مع علي صفين .

الأعمش ، عن أبي ظبيان : أن أبا أيوب غزا زمن معاوية ، فلما احتضر ، قال : إذا صاففتم العدو ، فادفنوني تحت أقدامكم .

ابن فضيل : حدثنا إبراهيم الهجري ، عن أبي صادق قال : قدم أبو أيوب الأنصاري العراق ، فأهدت له الأزد جزرا معي . فسلمت ، وقلت : يا أبا أيوب ، قد أكرمك الله بصحبة نبيه وبنزوله عليك ; فمالي أراك تستقبل الناس تقاتلهم بسيفك ؟ قال : إن رسول الله عهد إلينا أن نقاتل مع علي الناكثين ، فقد قاتلناهم ; والقاسطين ، فهذا وجهنا إليهم - يعني معاوية - والمارقين ، فلم أرهم بعد . هذا خبر واه .

إسحاق بن سليمان الرازي : حدثنا أبو سنان ، عن حبيب بن أبي ثابت : أن أبا أيوب قدم على ابن عباس البصرة ، ففرغ له بيته ، وقال : لأصنعن بك كما صنعت برسول الله - صلى الله عليه وسلم- كم عليك ؟ قال : عشرون ألفا فأعطاه أربعين ألفا ، وعشرين مملوكا ، ومتاع البيت . [ ص: 411 ]

ابن عون : حدثنا محمد ، وحدثنا عمر بن كثير بن أفلح ، وهذا حديثه ، قال : قدم أبو أيوب على معاوية ، فأجلسه معه على السرير ، وحادثه ، وقال : يا أبا أيوب ، من قتل صاحب الفرس البلقاء التي جعلت تجول يوم كذا وكذا ؟ قال : أنا ; إذ أنت وأبوك على الجمل الأحمر معكما لواء الكفر . فنكس معاوية ، وتنمر أهل الشام ، وتكلموا . فقال معاوية : مه! وقال : ما نحن عن هذا سألناك .

أبو إسحاق الفزاري ، عن إبراهيم بن كثير : سمعت عمارة بن غزية ، قال : دخل أبو أيوب على معاوية ، فقال : صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سمعته يقول : يا معشر الأنصار ، إنكم سترون بعدي أثرة ، فاصبروا فبلغت معاوية ، فصدقه ، فقال : ما أجرأه ! لا أكلمه أبدا ، ولا يئويني وإياه سقف . وخرج من فوره إلى الغزو ، فمرض ; فعاده يزيد بن معاوية ، وهو على الجيش ، فقال : هل لك من حاجة ؟ قال : ما ازددت عنك وعن أبيك إلا غنى ; إن شئت أن تجعل قبري مما يلي العدو . . . الحديث .

الأعمش ، عن أبي ظبيان ، قال : أغزى أبو أيوب ، فمرض ، فقال : إذا مت فاحملوني ، فإذا صاففتم العدو ، فارموني تحت أقدامكم . أما إني سأحدثكم بحديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سمعته يقول : [ ص: 412 ] من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة إسناده قوي .

جرير ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه قال : أتيت مصر ، فرأيت الناس قد قفلوا من غزوهم ، فأخبروني أنهم لما كانوا عند انقضاء مغزاهم حيث يراهم العدو ، حضرأبا أيوب الموت ; فدعا الصحابة والناس ، فقال : إذا قبضت ، فلتركب الخيل ، ثم سيروا حتى تلقوا العدو ، فيردوكم ، فاحفروا لي ، وادفنوني ، ثم سووه! فلتطأ الخيل والرجال عليه حتى لا يعرف ، فإذا رجعتم ، فأخبروا الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخبرني : أنه لا يدخل النار أحد يقول : لا إله إلا الله .

قال الوليد ، عن سعيد بن عبد العزيز : أغزى معاوية ابنه في سنة خمس وخمسين في البر والبحر ، حتى أجاز بهم الخليج ، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها ، ثم قفل .

وعن الأصمعي ، عن أبيه : أن أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية ، وبني عليه ، فلما أصبحوا ، قالت الروم : يا معشر العرب ، قد كان لكم الليلة شأن . قالوا : مات رجل من أكابر أصحاب نبينا ، والله لئن نبش ، لا ضرب بناقوس في بلاد العرب . فكانوا إذا قحطوا ، كشفوا عن قبره ، فأمطروا .

قال الواقدي : مات أبو أيوب سنة اثنتين وخمسين ، وصلى عليه يزيد ، ودفن بأصل حصن القسطنطينية . فلقد بلغني أن الروم يتعاهدون قبره ، [ ص: 413 ] ويستسقون به .

وقال خليفة : مات سنة خمسين وقال يحيى بن بكير : سنة اثنتين وخمسين .

التالي السابق


الخدمات العلمية