صفحة جزء
يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي ( ق )

الحافظ المجود الشهيد أبو زكريا .

قال الحاكم : هو إمام نيسابور في الفتوى والرئاسة ، وابن إمامها ، وأمير المطوعة بخراسان بلا مدافعة ، يعني : الغزاة . قال : وكان يسكن دار أبيه ، ولكل منهما فيها صومعة وآثار لعبادتهما ، والسكة والمسجد منسوبان إلى حيكان . [ ص: 286 ]

سمع يحيى بن يحيى ، وأحمد بن عمرو الحرشي ، وابن راهويه ، وبالري إبراهيم بن موسى الفراء ومحمد بن عبد الله بن أبي جعفر . وببغداد علي بن الجعد ، والحكم بن موسى ، وأحمد بن حنبل ، والقواريري ، وطبقتهم . وبالبصرة أبا الوليد ، وسليمان بن حرب ، ومسددا ، والربيع بن يحيى ، وعلي بن عثمان اللاحقي ، ومحمد بن كثير ، وسهل بن بكار ، والحوضي ، وعبيد الله بن معاذ . وبالكوفة أحمد بن يونس ، وسعيد بن الأشعثي ، وأحمد بن يحيى بن المنذر . وبالحجاز إسماعيل بن أبي أويس ، وعبد الله بن عبد الحكم المصري ، وسعيد بن منصور ، وإبراهيم بن محمد الشافعي ، ومحرز بن سلمة .

حدث عنه : أبوه ، والحسين بن محمد القباني ، وأبو عمرو أحمد بن نصر ، وإبراهيم بن أبي طالب ، وابن خزيمة ، والسراج .

قلت : ومحمد بن صالح بن هانئ ، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم . وفي كتاب " الكمال " أن ابن ماجه روى عنه ولم نره . [ ص: 287 ]

قتله أحمد بن عبد الله الخجستاني ظلما في جمادى الآخرة سنة سبع وستين ومائتين . لكونه قام عليه ، وحاربه لاعتدائه وعسفه .

قال الحاكم : سمعت أبا علي محمد بن أحمد بن زيد العدل ، ختن حيكان على ابنته ، قال : دخلنا على أبي زكريا بعد أن رد من الطريق وهو في الحبس ، فقال لنا : اشترك في دمي خمسة نفر : العباسان ، وابن ياسين ، وبشرويه ، وأحمد بن نصر اللباد .

وسمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق ، سمعت نوح بن أحمد ، سمعت أحمد بن عبد الله الخجستاني يقول : دخلت على حيكان في محبسه الذي كنت حبسته فيه على أن أضربه خشبان ، وأخلي سبيله ، وما كنت عازما على قتله ، فلما قربت منه ، مددت يدي إلى لحيته ، فقبضت عليها ، فقبض على خصيي ، حتى لم أشك أنه قاتلي ، فذكرت سكينا في خفي ، فجردت السكين ، وشققت بطنه .

وقيل : إن حيكان أسلمه جموعه ، فانهزم ، وانضم إلى حمالين ، وتنكر ، ثم عرف ، فقبض عليه .

سمعت أبا الفضل الحسن بن يعقوب العدل ، سمعت أبا عمرو [ ص: 288 ] المستملي يقول : رأيت يحيى بن محمد -رضي الله عنه- في المنام ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي : قلت : فما فعل الخجستاني ؟ قال : هو في تابوت من نار ، والمفتاح بيدي .

وسمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول : لما قتل حيكان ترك أبو عمرو المستملي اللباس القطني ، وكان يلبس في الشتاء فروا بلا قميص ، وفي الصيف مسحا ، وكان مجلسه ومبيته في مسجد الأدميين على رأس سكة الحسن بن موسى بنيسابور ، إذ سمع الناس يقولون : قد أقبل أحمد الخجستاني ، فخرج المستملي ، وعليه الفرو ، فتقدم ، فأخذ عنان أحمد ، ثم قال : يا ظالم ، قتلت الإمام ابن الإمام ، العالم ابن العالم ؟ ؟ ! ! فارتعد الخجستاني ، ونفرت دابته ، فتقدم الرجالة لضربه ، فصاح الخجستاني دعوه دعوه ، فرجع ودخل المسجد .

قال محمد بن صالح : فبلغني عن أبي حاتم نوح أنه قال : قال الخجستاني : والله ما فزعت قط من أحد فزعي من صاحب الفروة ، ولقد ندمت لما نظرت إليه من إقدامي على قتل حيكان .

وسمعت محمد بن صالح يقول : حضرنا آخر مجلس للإملاء عند يحيى بن محمد الشهيد في شهر رمضان من سنة سبع وستين ومائتين ، وقيل في شوال ، ورفضت مجالس الحديث ، وخبئت المحابر ، حتى لم يقدر أحد في البلد أن يمشي ومعه محبرة ، ولا في كمه كراريس الحديث إلى سنة سبعين ، فاحتال أبو عثمان سعيد بن إسماعيل في مجيء السري خزيمة إلى نيسابور ، وعقد له مجلس الإملاء في خان محمش ، وعلا [ ص: 289 ] المحبرة بيده واجتمع عنده خلق عظيم .

حدثنا محمد بن صالح بن هانئ : حدثنا يحيى بن محمد ، سمعت علي بن المديني يقول : عهدي بأصحابنا ، وأحفظهم أحمد بن حنبل ، فلما احتاج أن يحدث لا يكاد يحدث إلا من كتاب .

قلت : لأن ذلك أقرب إلى التحري والورع ، وأبعد عن العجب .

قال : وسمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب يقول : سمعت يحيى بن محمد ، سمعت مسددا يقول : الجعة النبيذ الذي يعمل من الشعير .

ومن الرواية ، عن الذهلي وابنه : أخبرنا الإمام أبو الحسين علي بن محمد ، أخبرنا جعفر بن علي ، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ ، أخبرنا ثابت بن بندار ، أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قرأنا على أبي العباس بن حمدان ، حدثكم محمد بن نعيم قال : سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته ، وحيث تصرف ، ولا نرى الكلام فيما أحدثوا فتكلموا في الأصوات والأقلام والحبر والورق ، وما أحدثوا من المتلي والمتلى والمقرئ ، فكل هذا عندنا بدعة ، ومن زعم أن القرآن محدث ، فهو عندنا جهمي لا يشك فيه ولا يمترى . [ ص: 290 ]

قلت : كذا قال : المتلي والمتلى ، ومراده المتلي والتلاوة ، والمقرئ والقراءة . ومذهب السلف وأئمة الدين أن القرآن العظيم المنزل كلام الله تعالى غير مخلوق . ومذهب المعتزلة أنه مخلوق ، وأنه كلام الله تعالى على حد قولهم : عيسى كلمة الله ، وناقة الله ، أي إضافة ملك .

ومذهب داود وطائفة أنه كلام الله ، وأنه محدث مع قولهم : بأنه غير مخلوق .

وقال آخرون من الحنابلة وغيرهم : هو كلام الله قديم غير محدث ، ولا مخلوق . وقالوا : إذا لم يكن مخلوقا فهو قديم . ونوزعوا في هذا المعنى وفي إطلاقه .

وقال آخرون : هو كلام الله مجازا ، وهو دال على القرآن القديم القائم بالنفس .

وهنا بحوث وجدال لا نخوض فيها أصلا . والقول هو ما بدأنا به ، وعليه نص أزيد من ثلاث مائة إمام . وعليه امتحن الإمام أحمد ، وضرب بالسياط رحمه الله .

أخبرنا محمد بن محمد بن علي الوزير ، وأحمد بن عبد الرحمن العابر ، وعبد الرحيم بن عبد المحسن ، وغيرهم ، قالوا : أخبرنا عبد الرحمن بن مكي ، قال : أخبرنا جدي أبو طاهر السلفي ، أخبرنا مكي بن علان ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن معقل سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن [ ص: 291 ] شهاب ، أخبرني أبو أسامة سهل بن حنيف ، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : بينما أنا نائم ، رأيت الناس يعرضون علي ، وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك . ومر علي عمر بن الخطاب ، وعليه قميص يجره . قالوا : ماذا أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : الدين متفق عليه ، وقد رواه النسائي عن محمد بن يحيى ، فوافقناه بعلو .

أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي ، أخبرنا الفتح بن عبد السلام ، أخبرنا هبة الله بن أبي شريك ، أخبرنا أبو الحسين بن النقور ، حدثنا عيسى بن علي إملاء ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري إملاء ، حدثنا ابن يحيى ، حدثنا محمد بن عبيد ، حدثني الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يمشي الرجل في نعل واحدة .

قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق بمصر : أخبرنا محمد بن [ ص: 292 ] إبراهيم بن أحمد الخبري في سنة إحدى وعشرين ، أخبرنا أبو طاهر السلفي ، أخبرنا القاسم بن الفضل ، أخبرنا محمد بن موسى الصيرفي ، أخبرنا محمد بن يعقوب الحافظ سنة أربعين وثلاثمائة ، حدثنا يحيى بن محمد ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس سنة خمس وعشرين ومائتين ، حدثني أبي ، عن ابن شهاب ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن عمر بن الخطاب ، عن أبي بكر الصديق ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا نورث ما تركنا صدقة .

أخرجه مسلم عن أبي خيثمة ، وأخرجه أبو داود عن حجاج بن الشاعر ، جميعا عن يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح ، وأخرجه النسائي عن عمرو بن يحيى الحمصي ، عن محبوب بن موسى ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن شعيب بن أبي حمزة ، كلاهما عن الزهري ، لكن عن عروة ، عن عائشة وهذا أصح . والآخر فمحفوظ ، وإن كان أبو أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحي فيه لين . وكذلك ابنه تكلم فيه مع أنه من رجال " الصحيحين " . وباقي الإسناد ثقات إلا ما كان من شيخ شيخنا هذا الخبري ، فإنه تكلم في معتقده . [ ص: 293 ]

قال ابن أبي حاتم : سمعت من يحيى بن محمد ، وهو صدوق .

وقال أبو إسحاق المزكي : حدثني أبو علي الحسن بن محمد وغيره أن محمد بن يحيى الذهلي وابنه يحيى اختلفا في مسألة فقال أحدهما للآخر : اجعل بيننا حكما ، فرضيا بابن خزيمة ، فقضى ليحيى على أبيه . ثم قال المزكي : كان يحيى له موضع من العلم والحديث . سمع من العيشي ونحوه .

قال : وقال أبو العباس السراج : كان يحيى بن محمد أخرجه الغزاة وجماعة من أصحاب الحديث ، وأصحاب الرأي ، وأركبوه دابة ، وألبسوه سيفا -قال المزكي : بلغني أنه كان سيف خشب- وقاتلوا سلطان نيسابور ، يقال له : أحمد بن عبد الله ، خارجي ، غلب على البلد ، وكان ظالما غاشما ، وكان الناس أو أكثرهم مجتمعين عليه مع يحيى ، فكانت الدبرة على العامة ، وهرب يحيى إلى رستاق يقال له : بست ، فدل عليه أحمد بن عبد الله ، وجيء به . فيقال : إن عامة من كان مع يحيى من الرؤساء ، انقلبوا عليه لما واقفه أحمد ، وقال : ألم أحسن إليك؟ ألم أفعل ، ألم أفعل؟ وكان يحيى فوق جميع أهل البلد . فقال : أكرهت على ذلك ، واجتمعوا علي ، قال : فرد عليه الجماعة ، أو [ ص: 294 ] من حضر منهم ، وقالوا : ليس كما قال . فأخذه أحمد فقتله . يقال : إنه بنى عليه . قال : ويقال : إنه أمر بجر خصييه حتى مات .

قال الحاكم : سمعت أبا عبد الله بن الأخرم يقول : ما رأيت مثل حيكان ، لا رحم الله قاتله .

التالي السابق


الخدمات العلمية