صفحة جزء
الرياشي ( د )

عباس بن الفرج ، العلامة الحافظ ، شيخ الأدب ، أبو الفضل ، [ ص: 373 ] الرياشي البصري النحوي ، مولى محمد بن سليمان بن علي العباسي الأمير ، وقيل : كان أبوه عبدا لرجل من جذام اسمه رياش .

ولد بعد الثمانين ومائة .

وسمع من طائفة كثيرة ، وحمل عن : أبي عبيدة معمر بن المثنى ، وأبي داود الطيالسي ، والأصمعي ، وأبي عاصم النبيل ، وأبي أحمد محمد بن عبد الله الزبيري ، وأشهل بن حاتم ، وأحمد بن خالد الوهبي ، وعمر بن يونس اليمامي ، ووهب بن جرير ، ومسلم بن إبراهيم ، والعلاء بن أبي سوية المنقري ، ومسدد ، ومحمد بن سلام ، وخلق كثير .

وعنه : أبو داود كلامه في تفسير أسنان الإبل ، وإبراهيم الحربي ، وابن أبي الدنيا ، وابنه محمد بن العباس ، وأبو العباس المبرد ، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن عميرة ، وإسحاق بن إبراهيم البستي القاضي ، وأبو خليفة الفضل بن الحباب ، وأبو عروبة الحراني ، وأبو روق [ ص: 374 ] الهزاني ، وأبو بكر بن خزيمة ، وأبو بكر بن دريد ، وخلق سواهم .

وكان من بحور العلم .

قال ابن حبان : كان راويا للأصمعي .

وقال أبو سعيد السيرافي : كان الرياشي حافظا للغة والشعر ، كثير الرواية عن الأصمعي . وأخذ أيضا عن غيره . أخذ عنه المبرد ، وأبو بكر بن دريد . وحدثني أبو بكر بن أبي الأزهر . وكان عنده أخبار الرياشي ، قال : كنا نراه يجيء إلى أبي العباس المبرد في قدمة قدمها من البصرة ، وقد لقيه أبو العباس ثعلب . وكان يفضله ويقدمه .

قال أبو بكر الخطيب : قدم الرياشي بغداد ، وحدث بها ، وكان ثقة ، وكان من الأدب وعلم النحو بمحل عال . كان يحفظ كتب أبي زيد ، وكتب الأصمعي كلها . وقرأ على أبي عثمان المازني " كتاب " سيبويه ، فكان المازني يقول : قرأ علي الرياشي " الكتاب " ، وهو أعلم به مني .

قال ابن دريد : قتلته الزنج بالبصرة سنة سبع وخمسين ومائتين .

وقال علي بن أبي أمية : لما كان من دخول الزنج البصرة ما كان ، وقتلهم بها من قتلوا ، وذلك في شوال سنة سبع ، بلغنا أنهم دخلوا على الرياشي المسجد بأسيافهم ، والرياشي قائم يصلي الضحى ، فضربوه [ ص: 375 ] بالأسياف ، وقالوا : هات المال ، فجعل يقول : أي مال ، أي مال؟!! حتى مات . فلما خرجت الزنج عن البصرة ، دخلناها ، فمررنا ببني مازن الطحانين -وهناك كان ينزل الرياشي - فدخلنا مسجده ، فإذا به ملقى وهو مستقبل القبلة ، كأنما وجه إليها . وإذا بشملة تحركها الريح وقد تمزقت ، وإذا جميع خلقه صحيح سوي لم ينشق له بطن ، ولم يتغير له حال ، إلا أن جلده قد لصق بعظمه ويبس ، وذلك بعد مقتله بسنتين رحمه الله .

قلت : فتنة الزنج كانت عظيمة ، وذلك أن بعض الشياطين الدهاة ، كان طرقيا أو مؤدبا ، له نظر في الشعر والأخبار ، ويظهر من حاله الزندقة والمروق ، ادعى أنه علوي ، ودعا إلى نفسه ، فالتف عليه قطاع طريق ، والعبيد السود من غلمان أهل البصرة ، حتى صار في عدة ، وتحيلوا وحصلوا سيوفا وعصيا ، ثم ثاروا على أطراف البلد ، فبدعوا وقتلوا ، وقووا ، وانضم إليهم كل مجرم ، واستفحل الشر بهم; فسار جيش من العراق لحربهم ، فكسروا الجيش ، وأخذوا البصرة ، واستباحوها ، واشتد الخطب ، وصار قائدهم الخبيث في جيش وأهبة كاملة ، وعزم على أخذ بغداد ، وبنى لنفسه مدينة عظيمة ، وحار الخليفة المعتمد في نفسه ، ودام البلاء بهذا الخبيث المارق ثلاث عشرة سنة ، وهابته الجيوش ، وجرت معه ملاحم ووقعات يطول شرحها . قد ذكرها المؤرخون إلى أن قتل . فالزنج هم عبارة عن عبيد البصرة الذين ثاروا معه . لا بارك الله فيهم .

أخبرنا أيوب بن طارق ، أخبرنا فضل الله بن عبد الرزاق ببغداد ، [ ص: 376 ] أخبرنا نصر الله بن عبد الرحمن الشيباني ، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، حدثنا أبو القاسم الحرفي ، حدثنا محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا سهل بن أحمد الواسطي ، حدثنا العباس بن الفرج الرياشي ، سمعت زيد بن هبيرة المازني ، يحدث عن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكرم أحدا كرامته للعباس .

التالي السابق


الخدمات العلمية