صفحة جزء
روى أحمد بن منصور الشيرازي قال : سمعت بعض أصحابنا يقول : لما قدم أبو عبد الله بخارى نصب له القباب على فرسخ من البلد ، واستقبله عامة أهل البلد حتى لم يبق مذكور إلا استقبله ، ونثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير ، فبقي أياما . قال : فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى : إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة . فقرأ كتابه على أهل بخارى ، فقالوا : لا نفارقه ، فأمره الأمير بالخروج من البلد ، فخرج .

قال أحمد بن منصور : فحكى لي بعض أصحابنا عن إبراهيم بن معقل النسفي قال : رأيت محمد بن إسماعيل في اليوم الذي أخرج فيه من بخارى ، فتقدمت إليه ، فقلت : يا أبا عبد الله ، كيف ترى هذا اليوم من اليوم الذي نثر عليك فيه ما نثر ؟ فقال : لا أبالي إذا سلم ديني . قال : فخرج إلى بيكند ، فسار الناس معه حزبين : حزب معه ، وحزب عليه ، [ ص: 464 ] إلى أن كتب إليه أهل سمرقند ، فسألوه أن يقدم عليهم ، فقدم إلى أن وصل بعض قرى سمرقند ، فوقع بين أهل سمرقند فتنة من سببه ، قوم يريدون إدخاله البلد ، وقوم لا يريدون ذلك ، إلى أن اتفقوا على أن يدخل إليهم ، فاتصل به الخبر وما وقع بينهم بسببه ، فخرج يريد أن يركب . فلما استوى على دابته ، قال : اللهم خر لي ، ثلاثا ، فسقط ميتا ، فاتصل بأهل سمرقند ، فحضروه بأجمعهم .

هذه حكاية شاذة منقطعة ، والصحيح ما يأتي خلافها .

قال غنجار في " تاريخه " : سمعت أبا عمرو أحمد بن محمد المقرئ ، سمعت بكر بن منير بن خليد بن عسكر يقول : بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إلي كتاب " الجامع " و " التاريخ " وغيرهما لأسمع منك . فقال لرسوله : أنا لا أذل العلم ، ولا أحمله إلى أبواب الناس . فإن كانت لك إلى شيء منه حاجة ، فاحضر في مسجدي ، أو في داري . وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان ، فامنعني من المجلس ، ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة ، لأني لا أكتم العلم ، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار فكان سبب الوحشة بينهما هذا .

وقال الحاكم : سمعت محمد بن العباس الضبي يقول : سمعت أبا [ ص: 465 ] بكر بن أبي عمرو الحافظ البخاري يقول : كان سبب منافرة أبي عبد الله أن خالد بن أحمد الذهلي الأمير خليفة الطاهرية ببخارى سأل أن يحضر منزله ، فيقرأ " الجامع " و " التاريخ " على أولاده ، فامتنع عن الحضور عنده ، فراسله بأن يعقد مجلسا لأولاده ، لا يحضره غيرهم ، فامتنع ، وقال : لا أخص أحدا . فاستعان الأمير بحريث بن أبي الورقاء وغيره ، حتى تكلموا في مذهبه ، ونفاه عن البلد ، فدعا عليهم ، فلم يأت إلا شهر حتى ورد أمر الطاهرية ، بأن ينادى على خالد في البلد ، فنودي عليه على أتان . وأما حريث ، فإنه ابتلي بأهله ، فرأى فيها ما يجل عن الوصف . وأما فلان ، فابتلي بأولاده ، وأراه الله فيهم البلايا .

وقال الحاكم : حدثنا خلف بن محمد ، حدثنا سهل بن شاذويه قال : كان محمد بن إسماعيل يسكن سكة الدهقان ، وكان جماعة يختلفون إليه ، يظهرون شعار أهل الحديث من إفراد الإقامة ، ورفع الأيدي في الصلاة وغير ذلك . فقال حريث بن أبي الورقاء وغيره : هذا رجل مشغب ، وهو يفسد علينا هذه المدينة ، وقد أخرجه محمد بن يحيى من نيسابور ، وهو إمام أهل الحديث ، فاحتجوا عليه بابن يحيى ، واستعانوا عليه بالسلطان في نفيه من البلد ، فأخرج . وكان محمد بن إسماعيل ورعا ، يتجنب السلطان ولا يدخل عليهم .

قال الحاكم : سمعت أحمد بن محمد بن واصل البيكندي ، سمعت أبي يقول : من الله علينا بخروج أبي عبد الله ، ومقامه عندنا ، حتى سمعنا منه هذه الكتب ، وإلا من كان يصل إليه وبمقامه في هذه النواحي : فربر [ ص: 466 ] وبيكند ، بقيت هذه الآثار فيها ، وتخرج الناس به .

قلت : خالد بن أحمد الأمير ، قال الحاكم : له ببخارى آثار محمودة كلها ، إلا موجدته على البخاري ، فإنها زلة ، وسبب لزوال ملكه .

سمع إسحاق بن راهويه ، وعبيد الله بن عمر القواريري وطائفة .

حدثنا عنه بهمذان عبد الرحمن الجلاب ، وبمرو علي بن محمد الأزرق . وكان قد مال إلى يعقوب بن الليث . فلما حج حبسوه ببغداد حتى مات لسنته ، وهي سنة تسع وستين ومائتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية