صفحة جزء
[ ص: 516 ] عمرو بن الليث الصفار

قيل : كان ضرابا في الصفر ، وقيل : بل مكاري حمير ، فآل به الحال إلى السلطنة .

تملك بعد أخيه ، وأحسن السياسة ، وعدل ، وعظمت دوله ، وأطاع الخليفة . كان ينفق كل ثلاثة أشهر في جيشه فيحضر بنفسه عند عارض الجيش ، والأموال كدوس ، فأول ما ينادي النقيب عمرو بن الليث ، فيقدم فرسه إلى العارض بعدتها ، فيتفقدها ، ثم يزن له ثلاثمائة درهم ، ويضعها بين يديه ، فيضعها في خفه ، ويقول : الحمد لله الذي وفقني لطاعة أمير المؤمنين ، حتى استوجبت العطاء . فيكون لمن يقلعه خفه . ثم يدعى بعده بالأمراء وبخيولهم وعددهم ، فمن أخل بشيء ، منع رزقه .

وقيل : كان في خدمة زوجته ألف وسبعمائة جارية .

ثم بغى عمرو على والي سمرقند إسماعيل بن أحمد بن أسد ، وقصده ، فخضع له ، وقال : أنا في ثغر قد قنعت به ، وأنت معك الدنيا ، فدعني ، فما تركه ، فبادر إسماعيل في الشتاء ، ودهم عمرا ، فخارت قواه ، وشرع في الهزيمة ، فأسروه .

قال نفطويه : حدثنا محمد بن أحمد أن السبب في انهزام عمرو من بلخ أن أهلها ملوا من جنده ومن ظلمهم ، وأقبل إسماعيل ، فأخذ أصحاب عمرو بن الليث في الهزيمة ، فركبت عساكر إسماعيل ظهورهم ، وتوحلت بعمرو [ ص: 517 ] دابته ، فأسر ، فأتى به إسماعيل ، فاعتنقه وخدمه ، وقال : ما أحببت أن يجري هذا ، ثم بالغ في احترامه ، فقال : احلف لي ولا تسلمني ، فحلف له ، لكن جاء رسول المعتضد بالخلع والتقليد لإسماعيل ، ويطلب عمرا ، فقال : أخاف أن يخرج عليكم عسكر يخلصونه ، فجميع عساكر البلاد في طاعته . لقد كتب إلي وما كناني ، بل قال : يا ابن أحمد ، والله لو أردت أن أعمل جسرا على نهر بلخ من ذهب لفعلت ، وصرت إليك حتى آخذك . فكتبت إليه : الله بيني وبينك ، وأنا رجل ثغري مصاف للترك ، لباسي الكردوائي الغليظ ، ورجالي خشر بغير رزق ، وقد بغيت علي ثم سلمه إلى الرسول ، وقال : إن حاربكم أحد لأجله ، فاذبحوه . فبقي يصوم ويبكي ، ويخرج رأسه من العمارية ، ويقول للناس : يا سادتي ، ادعوا لي بالفرج ، فأدخل بغداد على بختي عليه جبة ديباج ، وبرنس السخط . ثم قال له المعتضد : هذا بيعتك يا عمرو ! ثم اعتقله ، فقتله القاسم بن عبيد الله الوزير يوم موت المعتضد سنة تسع وثمانين ومائتين . وكان دولته نيفا وعشرين سنة .

حكى القشيري أن عمرو بن الليث رئي ، فقيل : ما فعل الله بك؟ قال : أشرفت يوما من جبل على جيوشي ، فأعجبني كثرتهم ، فتمنيت أنني كنت حضرت مع رسول الله -صلي الله عليه وسلم- ، فنصرته وأعنته ، فشكر الله لي ، وغفر لي .

التالي السابق


الخدمات العلمية