صفحة جزء
المعتز بالله

الخليفة أبو عبد الله ، محمد . وقيل : الزبير بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدي العباسي . ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

واستخلف وهو ابن عشرين سنة أو دونها . وكان أبيض جميلا وسيما من ملاح زمانه . [ ص: 533 ]

قال علي بن حرب : أدخلت على المعتز بالله ليسمع مني الحديث ، فما رأيت خليفة أحسن منه ، وأمه رومية .

بويع وقت خلع المستعين . . فلما كان بعد أشهر من ولايته ، خلع أخاه المؤيد بالله إبراهيم من العهد ، فما بقي إبراهيم حتى مات ، وخاف المعتز من أن يتحدث الناس أنه سمه ، فأحضر القضاة ، حتى شاهدوه ، وما به أثر . فالله أعلم .

وكانت دولة المعتز مستضعفة مع الأتراك ، فاتفق القواد ، وقالوا : أعطنا أرزاقنا . ويقبل صالح بن وصيف ، وكان المعتز يخافه ، فطلب من أمه مالا لينفقه فيهم ، فشحت عليه ، فتجمع الأتراك لخلعه ، واتفق معهم صالح وبابياك . ومحمد بن بغا ، فتسلحوا ، وأتوا الدار ، وبعثوا إلى المعتز ليخرج إليهم . فقال : قد شربت دواء ، وأنا ضعيف ، فهجم جماعة ، جروه وضربوه ، وأقاموه في الحر ، فبقي المسكين يتضور وهم يلطمونه ، ويقولون : اخلع نفسك . ثم أحضروا القاضي والعدول ، وخلعوه ، وأقدموا من بغداد محمد بن الواثق ، وكان المعتز قد أبعده ، فسلم المعتز إليه الخلافة ، وبايعوه ، ولقب بالمهتدي بالله .

ثم إن رؤوس الأتراك ، أخذوا المعتز بعد خمسة أيام فأدخلوه حماما ، وأكربوه حتى عطش ، ومنعوه الماء حتى كاد ، ثم سقوه ماء ثلج ، فسقط ميتا -رحمه الله- وذلك في شعبان سنة خمس وخمسين [ ص: 534 ] ومائتين . وعاش ثلاثا وعشرين سنة .

ولما تولى خلع على محمد بن عبد الله بن طاهر خلعة الملك ، وقلده سيفين ، فأقام وصيف وبغا على وجل من ابن طاهر ، ثم رضي المعتز عنهما ، وأعادهما إلى مرتبتهما . وخلع على أخيه أبي أحمد خلعة الملك أيضا ، وتوجه ورشحه ، وقلده سيفين ، وولى القضاء الحسن بن محمد بن أبي الشوارب الأموي ، وحسبت أرزاق جند الإسلام ، فكانت في السنة مائتي ألف ألف درهم ، ثم قبض المعتز على أخيه أبي أحمد ، ثم أطلقه مضطهدا .

وغلب على خراسان يعقوب بن الليث الصفار ، وأخذ هراة وغيرها ، وخرج بالكرج الأمير عبد العزيز بن أبي دلف ، فالتقاه موسى بن بغا ، وجرت ملحمة كبرى . وقتل وصيف من كبار الأمراء .

ومات بمصر نائبها مزاحم بن خاقان .

وفيها أول ظهور الخبيث ، قائد الزنج ، واستباح البصرة ، وافترى أنه علوي .

وفيها التقى يعقوب الصفار وطوق بن المغلس متولي كرمان ، فأسر طوقا ، ونزع الطاعة علي بن قريش . ثم كتب إلى المعتز ليوليه خراسان ، ويقول : إن آل طاهر قد ضعفوا عن محاربة الصفار . فكتب إليه بإمرة خراسان ، وكتب بمثل ذلك إلى الصفار ليغري بينهما ، ويشتغلا عنه ، فأسر الصفار ثابت بن قريش وهو طوق ، ثم غلب على شيراز . ثم التقى ابن قريش ، فانتصر الصفار ، ودانت له الأمم ، وأسر ابن قريش ، وبعث [ ص: 535 ] إلى المعتز بهدايا وتحف ، ووثب صالح بن وصيف غضبا لمقتل أبيه ، فقيد كتاب المعتز أحمد بن إسرائيل ، والحسن بن مخلد ، وأبا نوح ، وصادرهم . وقل ما في بيوت الأموال جدا . ثم خلع المعتز ، واختفت أمه قبيحة ، ثم بذلت لصالح أموالا ، فقتر عنها ، وظهر لها نحو من ثلاثة آلاف ألف دينار . فقال ابن وصيف : قبحها الله ، عرضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار ، يرضي بها الأتراك . ثم قتل ابن وصيف أبا نوح ، وأحمد بن إسرائيل . ووهى منصب الخلافة . فلله الأمر .

وخلف من الولد عبد الله بن المعتز ، وحمزة .

التالي السابق


الخدمات العلمية