صفحة جزء
[ ص: 86 ] أبو يزيد البسطامي

سلطان العارفين أبو يزيد ، طيفور بن عيسى بن شروسان البسطامي ، أحد الزهاد ، أخو الزاهدين : آدم وعلي ، وكان جدهم شروسان مجوسيا ، فأسلم يقال : إنه روى عن : إسماعيل السدي ، وجعفر الصادق ، أي : الجد ، وأبو يزيد ، فبالجهد أن يدرك أصحابهما .

وقل ما روى ، وله كلام نافع .

منه ، قال : ما وجدت شيئا أشد علي من العلم ومتابعته ، ولولا اختلاف العلماء لبقيت حائرا .

وعنه قال : هذا فرحي بك وأنا أخافك ، فكيف فرحي بك إذا أمنتك ؟ ليس العجب من حبي لك ، وأنا عبد فقير ، إنما العجب من حبك لي ، وأنت ملك قدير .

وعنه -وقيل له : إنك تمر في الهواء- فقال : وأي أعجوبة في هذا ؟ وهذا طير يأكل الميتة ، يمر في الهواء .

[ ص: 87 ] وعنه : ما دام العبد يظن أن في الناس من هو شر منه ، فهو متكبر . الجنة لا خطر لها عند المحب ، لأنه مشغول بمحبته .

وقال : ما ذكروا مولاهم إلا بالغفلة ، ولا خدموه إلا بالفترة .

وسمعوه يوما وهو يقول : اللهم ! لا تقطعني بك عنك . العارف فوق ما نقول ، والعالم دون ما نقول .

وقيل له : علمنا الاسم الأعظم . قال : ليس له حد ، إنما هو فراغ قلبك لوحدانيته ، فإذا كنت كذلك ، فارفع له أي اسم شئت من أسمائه إليه .

[ ص: 88 ] وقال : لله خلق كثير يمشون على الماء ، لا قيمة لهم عند الله ، ولو نظرتم إلى من أعطي من الكرامات حتى يطير ، فلا تغتروا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي ، وحفظ الحدود والشرع .

وله هكذا نكت مليحة ، وجاء عنه أشياء مشكلة لا مساغ لها ، الشأن في ثبوتها عنه ، أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو ، فيطوى ولا يحتج بها إذ ظاهرها إلحاد ، مثل : سبحاني ، وما في الجبة إلا الله . ما النار ؟ لأستندن إليها غدا ، وأقول : اجعلني فداء لأهلها ، وإلا بلعتها . ما الجنة ؟ لعبة صبيان ، ومراد أهل الدنيا . ما المحدثون ؟ إن خاطبهم رجل عن رجل ، فقد خاطبنا القلب عن الرب .

وقال في اليهود : ما هؤلاء ؟ هبهم لي ، أي شيء هؤلاء حتى تعذبهم ؟ .

[ ص: 89 ] قال السلمي في " تاريخ الصوفية " : توفي أبو يزيد عن ثلاث وسبعين سنة ، وله كلام حسن في المعاملات .

ثم قال : ويحكى عنه في الشطح أشياء ، منها ما لا يصح ، أو يكون مقولا عليه ، وكان يرجع إلى أحوال سنية ، ثم ساق بإسناد له ، عن أبي يزيد ، قال : من نظر إلى شاهدي بعين الاضطراب ، وإلى أوقاتي بعين الاغتراب ، وإلى أحوالي بعين الاستدراج ، وإلى كلامي بعين الافتراء ، وإلى عباراتي بعين الاجتراء ، وإلى نفسي بعين الازدراء ، فقد أخطأ النظر في .

وعنه قال : لو صفا لي تهليلة ما باليت بعدها .

توفي أبو يزيد ببسطام ، سنة إحدى وستين ومائتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية