صفحة جزء
ابن ديزيل

الإمام ، الحافظ ، الثقة ، العابد أبو إسحاق ، إبراهيم بن الحسين [ ص: 185 ] بن علي ، الهمذاني الكسائي ، ويعرف بابن ديزيل .

وكان يلقب بدابة عفان ، لملازمته له ، ويلقب بسيفنة ، وسيفنة : طائر ببلاد مصر ، لا يكاد يحط على شجرة إلا أكل ورقها ، حتى يعريها . فكذلك كان إبراهيم ، إذا ورد على شيخ لم يفارقه حتى يستوعب ما عنده .

سمع بالحرمين ومصر والشام والعراق والجبال ، وجمع فأوعى .

ولد قبل المائتين بمديدة .

وسمع : أبا نعيم ، وأبا مسهر ، ومسلم بن إبراهيم ، وعفان ، وأبا اليمان ، وسليمان بن حرب ، وآدم بن أبي إياس ، وعلي بن عياش ، وعمرو بن طلحة القناد وعتيق بن يعقوب ، وأبا الجماهر ، والقعنبي ، وعبد السلام بن مطهر ، وقرة بن حبيب ، ويحيى الوحاظي ، وأصبغ بن الفرج ، وإسماعيل بن أبي أويس ، وعيسى قالون ونعيم بن حماد ، ويحيى بن بكير ، وطبقتهم .

حدث عنه : أبو عوانة ، وأحمد بن هارون البرديجي وأحمد بن مروان الدينوري ، وأبو الحسن علي بن إبراهيم القطان ، وعلي بن حمشاذ النيسابوري ، وعمر بن حفص المستملي ، وأحمد بن صالح البروجردي ، [ ص: 186 ] وعبد السلام بن عبديل ، وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب ، وأحمد بن عبيد ، وأحمد بن محمد المقرئ ، وإبراهيم بن أحمد بن أبي غانم ، وعمر بن سهل الحافظ ، وأحمد بن إسحاق بن نيخاب ، ومحمد بن عبد الله بن برزة الروذراوري وخلق كثير .

وكان يصوم يوما ويفطر يوما .

قال الحاكم : هو ثقة مأمون .

وقال ابن خراش : صدوق اللهجة .

قلت : إليه المنتهى في الإتقان ، روي عنه أنه قال : إذا كان كتابي بيدي ، وأحمد بن حنبل عن يميني ، ويحيى بن معين عن شمالي ، ما أبالي -يعني : لضبط كتبه .

قال صالح بن أحمد في " تاريخ همذان " : سمعت 55 جعفر بن أحمد يقول : سألت أبا حاتم الرازي ، عن ابن ديزيل ، فقال : ما رأيت ، ولا بلغني عنه إلا صدق وخير ، وكان معنا عند سليمان بن حرب ، وابن الطباع . قلت : فعند أبي صالح ؟ قال : لا أحفظه . قلت : فعند عفان ؟ قال : ولا أحفظه ، غير أني قد التقيت معه في غير موضع ، وليس كل الناس رأيتهم أنا عند المحدثين . قال جعفر : فعارضني رجل ، فقال : يا أبا حاتم ! يذكر أن [ ص: 187 ] عنده عن عفان ثلاثين ألف حديث . قال أبو حاتم : من ذكر أن عنده عن عفان ثلاثين ألف حديث ، فقد كذب ، كان عسرا في التحديث ، كنت أختلف إليه ثلاثة عشر شهرا ، ما كتبت عنه إلا مقدار خمسمائة حديث . قلت : يا أبا حاتم تكذب على إبراهيم ؟!

قال صالح : سمعت القاسم بن أبي صالح ، سمعت إبراهيم يقول : سمعت حديث همام ، عن أبي جمرة من عفان أربعمائة مرة ، لأنه كان يسأل عنه ، ولما دعي عفان للمحنة ، كنت آخذا بلجام حماره . قال صالح : فمن تكون مواظبته هكذا لا يكاد أن يبقي عنده شيئا .

وسمعت أبا جعفر بن عبيد يقول : سألت إبراهيم بن الحسين ، عن محمد بن عبد العزيز الدينوري ، فقال : رأيته عند أبي نعيم ، وليس حده أن يكذب ، ولعله أدخل عليه فيما أنكروا عليه .

قال سمعت القاسم بن أبي صالح ، سمعت إبراهيم يقول : كنت بالمدينة ، ووافى محمد بن عبد الجبار سندول ، فأفدته عن إسماعيل بن أبي أويس ، وكان إسماعيل يكرمه ، فلما دخل عليه ، أجلسه معه على السرير ، وقمت أنا عند الباب ، فجعل محمد يسأل إسماعيل ، فبصر بي ، فقال : هذا من عمل ذاك المكدي ، أخرجوه . فأخرجت ، ثم خرجت مع محمد إلى مكة ، فجعلت أذاكره في الطريق ، فتعجب ، وقال : من أين لك هذا ؟ قلت : هذا سماع المكدين .

وسمعت القاسم ، سمعت يحيى الكرابيسي يقول : صححنا كتبنا [ ص: 188 ] بإبراهيم . ومر يوما حديث ، فقال يحيى : قد كنا سمعناه ، فقال إبراهيم : سمعتموه بالفارسية ، وتسمعونه اليوم بالعربية .

وسمعت من أصحابنا من يحكي عن ابن وهب الدينوري ، قال : كنا نذاكر إبراهيم بالحديث ، فتذاكرنا بالقماطر .

وسمعت أبي يحكي عن ابن ماجه القزويني ، أنه قال : منعني الخروج إلى إبراهيم قلة ذات اليد .

وسمعت أحمد بن محمد يقول : لما وافى إبراهيم ، قال لي الدحيمي : قد وافى إبراهيم بن الكسائي ، فنحضر غدا مجلسه . فلما حضرنا ، قال إبراهيم : أول ما نذاكر : حدثنا آدم بن أبي إياس ، فصعب على الدحيمي وقال : لا قلت خيرا . قلت : تقول هذا ؟ قال : قد سوانا مع الصبيان .

قال صالح بن أحمد الحافظ : سمعت أبي ، سمعت علي بن عيسى يقول : إن الإسناد الذي يأتي به إبراهيم ، لو كان فيه أن لا يؤكل الخبز ، لوجب أن لا يؤكل لصحة إسناده .

قال الحاكم : بلغني أن ابن ديزيل قال : كتبت حديث أبي جمرة ، عن ابن عباس ، عن عفان ، وسمعته منه أربعمائة مرة .

قال القاسم بن أبي صالح : سمعت إبراهيم بن ديزيل يقول : قال لي يحيى بن معين : حدثني بنسخة الليث عن ابن عجلان ، فإنها فاتتني على أبي صالح . فقلت : ليس هذا وقته . قال : متى يكون ؟ قلت : إذا مت . [ ص: 189 ]

قلت : عنى أني لا أحدث في حياتك . فأساء العبارة .

لا تلمني على ركاكة عقلي إن تيقنت أنني همذاني



قال القاسم بن أبي صالح : جاء أيام الحج أبو بكر محمد بن الفضل القسطاني وحريش بن أحمد إلى إبراهيم بن الحسين ، فسألاه عن حديث الإفك رواية الفروي عن مالك ، فحانت منه التفاتة ، فقال له الزعفراني : يا أبا إسحاق ! تحدث الزنادقة ؟ قال : ومن الزنديق ؟ قال : هذا ، إن أبا حاتم الرازي لا يحدث حتى يمتحن . فقال : أبو حاتم عندنا أمير المؤمنين في الحديث ، والامتحان دين الخوارج ، من حضر مجلسي ، فكان من أهل السنة ، سمع ما تقر به عينه ، ومن كان من أهل البدعة ، يسمع ما يسخن الله به عينه . فقاما ، ولم يسمعا منه .

وقد طول الحافظ شيرويه ترجمة إبراهيم ، وذكر فيها بلا سند أنه قال [ ص: 190 ] إبراهيم : كتبت في بعض الليالي ، فجلست كثيرا ، وكتبت ما لا أحصيه حتى عييت ، ثم خرجت أتأمل السماء ، فكان أول الليل ، فعدت إلى بيتي ، وكتبت إلى أن عييت ثم خرجت فإذا الوقت آخر الليل ، فأتممت جزئي وصليت الصبح ، ثم حضرت عند تاجر يكتب حسابا له ، فورخه يوم السبت فقلت ، سبحان الله ! أليس اليوم الجمعة ؟ فضحك ، وقال : لعلك لم تحضر أمس الجامع ؟ قال : فراجعت نفسي ، فإذا أنا قد كتبت ، لليلتين ويوما .

قال أبو يعلى الخليلي في مشايخ ابن سلمة القطان ، قال : إبراهيم يسمى : سيفنة ، لكثرة ما يكون في كمه من الأجزاء ، قال : كأن يكون في كمي خمسون جزءا ، في كل جزء ألف حديث . . . . إلى أن قال : وهو مشهور بالمعرفة بهذا الشأن .

وقال : مات سنة سبع وسبعين ومائتين كذا قال فوهم .

وروي عن عبد الله بن وهب الدينوري ، قال : كنا نذاكر إبراهيم بن الحسين ، فيذاكرنا بالقمطر ، نذكر حديثا واحدا ، فيقول : عندي منه قمطر -يريد طرقه وعلله واختلاف ألفاظه- .

والصحيح من وفاته ما أرخه علي بن الحسين الفلكي ، فقال : في آخر شعبان سنة إحدى وثمانين ومائتين وكذا أرخ القاسم بن أبي صالح .

أخبرنا القاضي أبو محمد عبد الخالق بن علوان ببعلبك ، أخبرنا [ ص: 191 ] البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الحق اليوسفي ، أخبرنا علي بن محمد العلاف ، أخبرنا عبد الملك بن محمد الواعظ ، أخبرنا أحمد بن إسحاق الطيبي ، حدثنا إبراهيم بن الحسين بهمذان ، حدثنا عفان ، حدثنا مبارك ، عن الحسن ، أخبرني أبو بكرة : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ، فإذا سجد ، وثب الحسن بن علي على ظهره ، أو على عنقه ، فيرفعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رفعا رفيقا لئلا يصرع ، فعل ذلك غير مرة ، فلما قضى صلاته ، قالوا : يا رسول الله ! رأيناك صنعت بالحسن شيئا ما رأيناك صنعته بأحد . قال : إنه ريحانتي من الدنيا ، وإن ابني هذا سيد ، وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين .

هذا حديث حسن من حسنات الحسن ، تفرد به عن أبي بكرة الثقفي الحسن بن أبي الحسن . ومبارك بن فضالة : شيخ حسن .

وفيها مات : أحمد بن إسحاق الوزان ، وعبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، وأبو بكر ابن أبي الدنيا وعثمان بن خرزاذ وأبو زرعة [ ص: 192 ] الدمشقي وعبد الله بن محمد بن النعمان بأصبهان .

التالي السابق


الخدمات العلمية