صفحة جزء
القعنبي : حدثنا محمد بن هلال ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : خرجت يوما من بيتي إلى المسجد ، فوجدت نفرا ، فقالوا : ما أخرجك ؟ قلت : الجوع . فقالوا : ونحن والله ما أخرجنا إلا الجوع .

فقمنا ، فدخلنا على رسول الله ، فقال : ما جاء بكم هذه الساعة " ؟ فأخبرناه ; فدعا بطبق فيه تمر ، فأعطى كل رجل منا تمرتين . فقال : كلوا هاتين التمرتين ، واشربوا عليهما من الماء ، فإنهما ستجزيانكم يومكم هذا .

فأكلت تمرة ، وخبأت الأخرى ، فقال : يا أبا هريرة ، لم رفعتها ؟ [ ص: 593 ] قلت : لأمي . قال : كلها ، فسنعطيك لها تمرتين
.

عكرمة بن عمار : حدثنا أبو كثير السحيمي - واسمه : يزيد بن عبد الرحمن - : حدثني أبو هريرة ، قال : والله ، ما خلق الله مؤمنا يسمع بي إلا أحبني . قلت : وما علمك بذلك ؟ قال : إن أمي كانت مشركة ، وكنت أدعوها إلى الإسلام ، وكانت تأبى علي ، فدعوتها يوما ; فأسمعتني في رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما أكره . فأتيت رسول الله ، وأنا أبكي ، فأخبرته ، وسألته أن يدعو لها . فقال : اللهم اهد أم أبي هريرة . فخرجت أعدو أبشرها ، فأتيت ، فإذا الباب مجاف ، وسمعت خضخضة الماء ، وسمعت حسي ، فقالت : كما أنت ، ثم فتحت ، وقد لبست درعها ، وعجلت عن خمارها ، فقالت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله .

قال : فرجعت إلى رسول الله ، أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن ; فأخبرته ، وقلت : ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين . فقال : اللهم ، حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين ، وحببهم إليهما
.

إسناده حسن .

الجريري ، عن أبي نضرة ، عن الطفاوي ، قال : نزلت على أبي هريرة بالمدينة ستة أشهر ، فلم أر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رجلا أشد تشميرا ولا [ ص: 594 ] أقوم على ضيف ، من أبي هريرة .

فدخلت عليه ذات يوم ، وهو على سريره ، ومعه كيس فيه نوى - أو حصى - أسفل منه سوداء ، فيسبح ، ويلقي إليها ، فإذا فرغ منها ، ألقى إليها الكيس ; فأوعته فيه ، ثم ناولته ; فيعيد ذلك .

وقيل : إن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر العلاء بن الحضرمي ، وبعث معه أبا هريرة مؤذنا .

وكان حفظ أبي هريرة الخارق من معجزات النبوة .

قال محمد بن المثنى الزمن : حدثنا أبو بكر الحنفي : حدثنا عبد الله بن أبي يحيى : سمعت سعيد بن أبي هند ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك ؟ قلت : أسألك أن تعلمني . مما علمك الله . فنزع نمرة كانت على ظهري ، فبسطها بيني وبينه ، حتى كأني أنظر إلى النمل يدب عليها ; فحدثني ، حتى إذا استوعبت حديثه ، قال : اجمعها فصرها إليك فأصبحت لا أسقط حرفا مما حدثني .

ابن شهاب ، عن سعيد ، وأبي سلمة : أن أبا هريرة قال : إنكم تقولون : إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وتقولون : ما [ ص: 595 ] للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثله ! وإن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وكان إخواني من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم ; وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة ، ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على ملء بطني ، فأحضر حين يغيبون ، وأعي حين ينسون ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في حديث يحدثه يوما : إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي ، ثم يجمع إليه ثوبه ، إلا وعى ما أقول .

فبسطت نمرة علي ، حتى إذا قضى مقالته ، جمعتها إلى صدري . فما نسيت من مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تلك من شيء
.

الزهري - أيضا- عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : تزعمون أني أكثر الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله الموعد ، إني كنت امرأ مسكينا ، أصحب رسول الله على ملء بطني ، وإنه حدثنا يوما ، وقال : من يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي ، ثم قبضه إليه ، لم ينس شيئا سمع مني أبدا ، ففعلت . فوالذي بعثه بالحق ، ما نسيت شيئا سمعته منه والحديثان صحيحان محفوظان . [ ص: 596 ]

قرأت على ابن عساكر ، عن أبي روح : أخبرنا محمد بن إسماعيل : أخبرنا أبو مضر محلم بن إسماعيل : أخبرنا الخليل بن أحمد : حدثنا السراج : حدثنا قتيبة : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قلت : يا رسول الله ، من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال : لقد ظننت يا أبا هريرة لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك ، لما رأيت من حرصك على الحديث : إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصا من نفسه

أبو الأحوص ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق ، عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : أبو هريرة وعاء من العلم .

ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وعاءين : فأما أحدهما ، فبثثته في الناس ; وأما الآخر ، فلو بثثته ، لقطع هذا البلعوم . [ ص: 597 ] الأعمش ، عن أبي صالح ، قال : كان أبو هريرة من أحفظ الصحابة .

محمد بن راشد ، عن مكحول ، قال : كان أبو هريرة يقول : رب كيس عند أبي هريرة لم يفتحه . يعني : من العلم .

قلت : هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول ، أو الفروع ; أو المدح والذم ; أما حديث يتعلق بحل أو حرام ، فلا يحل كتمانه بوجه; فإنه من البينات والهدى . وفي " صحيح " البخاري : قول الإمام علي ، رضي الله عنه : حدثوا الناس بما يعرفون ، ودعوا ما ينكرون ; أتحبون أن يكذب الله ورسوله ! وكذا لو بث أبو هريرة [ ص: 598 ] ذلك الوعاء ، لأوذي ، بل لقتل . ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديث الفلاني إحياء للسنة ، فله ما نوى وله أجر- وإن غلط - في اجتهاده .

روى عوف الأعرابي ، عن سعيد بن أبي الحسن ، قال : لم يكن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أكثر حديثا من أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وإن مروان - زمن هو على المدينة - أراد أن يكتب حديثه كله فأبى ، وقال : ارو كما روينا .

فلما أبى عليه ، تغفله مروان ، وأقعد له كاتبا ثقفا ، ودعاه ، فجعل أبو هريرة يحدثه ، ويكتب ذاك الكاتب ، حتى استفرغ حديثه أجمع .

ثم قال مروان : تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع ؟ قال : وقد فعلت ؟ قال : نعم . قال : فاقرءوه علي ، فقرءوه . فقال أبو هريرة : أما إنكم قد حفظتم ، وإن تطعني تمحه . قال : فمحاه .

سمعه هوذة بن خليفة منه .

حماد بن زيد : حدثني عمرو بن عبيد الأنصاري : حدثني أبو الزعيزعة - كاتب مروان - : أن مروان أرسل إلى أبي هريرة ، فجعل يسأله ، وأجلسني خلف السرير ، وأنا أكتب ، حتى إذا كان رأس الحول ، دعا به ، فأقعده من وراء الحجاب ، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب ، فما زاد ولا نقص ، ولا قدم ولا أخر .

قلت : هكذا فليكن الحفظ .

التالي السابق


الخدمات العلمية