صفحة جزء
البوشنجي ( خ )

الإمام ، العلامة ، الحافظ ، ذو الفنون ، شيخ الإسلام أبو عبد الله ، محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن بن موسى العبدي ، الفقيه المالكي ، البوشنجي ، شيخ أهل الحديث في عصره بنيسابور . مولده في سنة أربع ومائتين .

وارتحل شرقا وغربا ، ولقي الكبار ، وجمع ، وصنف ، وسار ذكره ، وبعد صيته .

[ ص: 582 ] سمع : يحيى بن بكير ، وروح بن صلاح ، ويوسف بن عدي ، ومحمد بن سنان العوقي ، ومسددا ، وإسماعيل بن أبي أويس ، وسعيد بن منصور ، وأحمد بن عبد الله بن يونس .

ومحمد بن المنهال الضرير ، وهدبة بن خالد ، وعبد الله بن محمد بن أسماء ، وأمية بن بسطام ، وأبا نصر التمار ، وأحمد بن حنبل ، وعبيد الله بن محمد العيشي ، وإبراهيم بن حمزة الزبيري .

وسليمان بن بنت شرحبيل ، ومحبوب بن موسى الأنطاكي ، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص ، إبراهيم بن المنذر الحزامي ، وأبا الربيع الزهراني ، وطبقتهم .

حدث عنه : محمد بن إسحاق الصاغاني ، ومحمد بن إسماعيل البخاري -وهما أكبر منه- وأبو حامد بن الشرقي ، وابن خزيمة ، وأبو العباس الدغولي .

وأبو بكر بن إسحاق الصبغي ، وأبو عبد الله بن الأخرم ، ويحيى بن محمد العنبري ، ودعلج السجزي ، وعلي بن حمشاذ ، وإسماعيل بن نجيد ، وخلق خاتمتهم : أبو الفوارس أحمد بن محمد بن جمعة ، المتوفى بعد ابن نجيد بعام .

قال دعلج : حدثني فقيه من أصحاب داود بن علي : أن أبا عبد الله دخل عليهم يوما ، وجلس في أخريات الناس ، ثم إنه تكلم مع داود ، فأعجب به ، وقال : لعلك أبو عبد الله البوشنجي ؟ قال : نعم . فقام إليه ، وأجلسه إلى جنبه ، وقال : قد حضركم من يفيد ولا يستفيد .

وقال أبو زكريا العنبري : شهدت جنازة الحسين القباني ، فصلى بنا عليه أبو عبد الله البوشنجي ، فلما أرادوا الانصراف ، قدمت دابة أبي عبد [ ص: 583 ] الله ، وأخذ أبو عمرو الخفاف بلجامه ، وأخذ إمام الأئمة بركابه ، وأبو بكر الجارودي ، وإبراهيم بن أبي طالب يسويان عليه ثيابه ، فلم يمنع واحدا منهم ، ومضى .

قال أبو زكريا العنبري : قال لي البوشنجي مرة : أحسنت . ثم التفت إلى أبي ، وقال : قلت لابنك : أحسنت ، ولو قلت هذا لأبي عبيد لفرح به .

قال أبو عمرو بن نجيد : سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل يقول : تقدمت لأصافح أبا عبد الله البوشنجي تبركا به ، فقبض عني يده ، ثم قال : يا أبا عثمان ! لست هناك .

قال أبو بكر محمد بن جعفر المزكي : أخبرنا البوشنجي ، عن أحمد بن حنبل ، عن ابن مهدي ، عن زهير بن محمد ، عن صالح بن كيسان ، عن عبد الله بن أبي أمامة ، عن أبيه : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : البذاذة من الإيمان فقال البوشنجي : البذاء خلاف البذاذة ، إنما البذاء : طول [ ص: 584 ] اللسان برمي الفواحش والبهتان ، والبذاذة : رثاثة الثياب في الملبس والمفرش ، تواضعا عن رفيع الثياب وثمين الملابس والمفترش ، وهي ملابس أهل الزهد ، يقال : فلان بذ الهيئة : رث الملبس .

قال أبو بكر محمد بن جعفر : سمعت البوشنجي يقول للمستملي : الزم لفظي ، وخلاك ذم .

الحاكم : سمعت الحسن بن أحمد بن موسى ، سمعت أبا عبد الله البوشنجي يقول في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار قال : معناه : أن من حمل القرآن وقرأه ، لم تمسه النار .

الحاكم : سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني ، سمعت البوشنجي غير مرة يقول : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، وذكره يملأ الفم . وقال : سمعت أبا بكر محمد بن جعفر ، سمعت البوشنجي غير مرة يقول : عبد العزيز بن محمد الأندراوردي .

قال : وحدثنا يحيى بن محمد العنبري ، حدثنا البوشنجي ، حدثنا النفيلي ، حدثنا عكرمة بن إبراهيم الأزدي قاضي الري ، عن عبد الملك بن [ ص: 585 ] عمير ، عن موسى بن طلحة ، قال : ما رأيت أخطب من عائشة ولا أعرب ، لقد رأيتها يوم الجمل ، وثار إليها الناس ، فقالوا : يا أم المؤمنين ! حدثينا عن عثمان وقتله . فاستجلست الناس ، ثم حمدت الله ، وأثنت عليه ، ثم قالت :

أما بعد . . . فإنكم نقمتم على عثمان خصالا ثلاثا : إمرة الفتى ، وضربة السوط ، وموقع الغمامة المحماة ، فلما أعتبنا منهن ، موصتموه موص الثوب بالصابون ، عدوتم به الفقر الثلاث : حرمة الشهر الحرام ، وحرمة البلد الحرام ، وحرمة الخلافة .

والله لعثمان كان أتقاكم للرب ، وأوصلكم للرحم ، وأحصنكم فرجا . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

قال البوشنجي : إمرة الفتى : عزله سعدا ، وتوليته مكانه الوليد بن عقبة ، لقرابته منه . وضربة السوط : فإنه تناول عمارا ، وأبا ذر ببعض التقويم . وموقع الغمامة : فإنه حمى أحماء في بلاد العرب لإبل الصدقة ، وقد فعله عمر ، فما أنكره الناس ، والموص : الغسل ، والفقر : الفرص .

الحاكم : حدثنا محمد بن أحمد بن موسى الأديب ، حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي ، حدثنا عبد الله بن يزيد الدمشقي ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : رأيت في المقسلاط صنما من نحاس ، إذا عطش ، نزل ، فشرب .

ثم قال البوشنجي : ربما تكلمت العلماء على سبيل تفقدهم مقدار أفهام حاضريهم ، تأديبا لهم ، وتنبيها على العلم ، وامتحانا لأوهامهم ، فهذا ابن جابر ، وهو أحد علماء الشام ، وله كتب في العلم ، [ ص: 586 ] يقول هذا ، والمقسلاط : موضع بدمشق بسوق الدقيق ، يريد أن الصنم لا يعطش ، ولو عطش نزل فشرب ، فينفي عنه النزول والعطش .

قال : وسمعت أبا زكريا العنبري ، سمعت البوشنجي ، سمعت قتيبة بن سعيد ، سمعت يونس بن سليم يقول : الأرز من طعام الكرام .

قال قتيبة : فلما حججت صيروه حديثا ، فكانوا يجيئون ببغداد ، فيقولون : حديث الأرز ، حديث الأرز .

سمعت العنبري ، سمعت البوشنجي ، سمعت أبا صالح الفراء ، سمعت يوسف بن أسباط يقول : قال لي سفيان : إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان ، فاعلم أنه لص ، وإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مراء ، وإياك أن تخدع ، ويقال لك : ترد مظلمة ، وتدفع عن مظلوم ، فإن هذه خدعة إبليس ، اتخذها القراء سلما .

وسمعت العنبري ، سمعت البوشنجي يقول : ابن إسحاق عندنا ثقة ثقة .

قال : وسمعت أبا عمرو بن حمدان ، سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول : لو لم يكن في أبي عبد الله من البخل بالعلم ما كان ، ما خرجت إلى مصر .

قال أبو النضر الفقيه : سمعت البوشنجي يقول : من أراد العلم والفقه بغير أدب ، فقد اقتحم أن يكذب على الله ورسوله .

ذكر السليماني الحافظ أبا عبد الله البوشنجي ، فقال : أحد أئمة أصحاب مالك .

[ ص: 587 ] وقال الحسن بن يعقوب : كان مقام أبي عبد الله البوشنجي بنيسابور على الليثية ، فلما انقضت أيامهم ، خرج إلى بخارى ، إلى حضرة الأمير إسماعيل ، فالتمس منه -بعد أن أقام عنده برهة- أن يكتب أرزاقه بنيسابور .

الحاكم : سمعت الحسين بن الحسن الطوسي ، سمعت أبا عبد الله البوشنجي يقول : وصلني من الليثية سبع مائة ألف درهم .

وقال دعلج : سمعت أبا عبد الله يقول- وأشار إلى ابن خزيمة - : كيس ، وأنا لا أقول ذا لأبي ثور .

قال أبو عبد الله بن الأخرم : روى البخاري حديثا في " الصحيح " ، عن أبي عبد الله البوشنجي .

قال ابن الذهبي في " الصحيح " حدثنا محمد ، حدثنا أبو جعفر النفيلي . . . فذكر حديثا في تفسير سورة ( البقرة ) ، فإن لم يكن البوشنجي ، فهو محمد بن يحيى ، والأغلب أنه البوشنجي ، لأن الحديث بعينه قد رواه الحاكم : حدثنا أبو بكر بن أبي نصر ، حدثنا البوشنجي ، حدثنا النفيلي ، حدثنا مسكين بن بكير ، حدثنا شعبة ، عن خالد الحذاء ، عن مروان الأصفر ، عن رجل ، وهو ابن عمر : أنها نسخت : وإن تبدوا ما في أنفسكم الآية . من سورة البقرة

[ ص: 588 ] الحاكم : حدثنا الأصم ، حدثنا الصغاني ، حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا النفيلي . . . فذكر حديثا ، ثم قال الحاكم : حدثناه محمد بن جعفر ، حدثنا البوشنجي . . . فذكره .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام التميم مدرس الشامية وأبو الفضل بن تاج الأمناء وزينب بنت كندي قراءة عليهم ، عن المؤيد بن محمد الطوسي ، وعبد المعز بن محمد الهروي ، وزينب بنت أبي القاسم الشعري .

قال المؤيد : أخبرنا محمد بن الفضل الصاعدي . وقال عبد المعز : أخبرنا تميم بن أبي سعيد المعلم . وقالت زينب : أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم ، قالوا : أخبرنا عمر بن أحمد بن مسرور .

أخبرنا أبو عمرو بن نجيد ، سنة أربع وستين وثلاث مائة ، حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي ، حدثنا روح بن صلاح المصري ، حدثنا موسى بن علي ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : الحسد في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن ، فقام به ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ، ورجل آتاه الله مالا ، فوصل منه أقرباءه ورحمه ، وعمل بطاعة الله ، تمنى أن يكون مثله . ومن تكن فيه أربع ، لم يضره ما زوي عنه من الدنيا : حسن خليقة ، وعفاف ، وصدق حديث ، وحفظ أمانة

[ ص: 589 ] حديث غريب ، عال جدا . وروح : ضعفه ابن عدي ، وذكره ابن حبان في " الثقات " ، وبالغ الحاكم ، فقال : ثقة مأمون .

وقد طول الحاكم ترجمة البوشنجي بفنون من الفوائد . قال : وتوفي في غرة المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين .

وقيل : مات في سلخ ذي الحجة من سنة تسعين فدفن من الغد ، وصلى عليه ابن خزيمة .

وبوشنج ، بشين معجمة : قيده أبو سعد السمعاني وقال : بلدة على سبعة فراسخ من هراة .

قلت : وبعضهم يقولها بسين مهملة .

التالي السابق


الخدمات العلمية