صفحة جزء
أبو خليفة

الإمام العلامة ، المحدث الأديب الأخباري ، شيخ الوقت أبو خليفة ، الفضل بن الحباب ، واسم الحباب : عمرو بن محمد بن شعيب ، الجمحي البصري الأعمى .

ولد في سنة ست ومائتين ، وعني بهذا الشأن ، وهو مراهق ، فسمع في سنة عشرين ومائتين ، ولقي الأعلام ، وكتب علما جما .

[ ص: 8 ] سمع القعنبي ، ومسلم بن إبراهيم ، وسليمان بن حرب ، ومحمد بن كثير ، وعمرو بن مرزوق ، وأبا الوليد الطيالسي ، وشاذ بن فياض ، والوليد بن هشام القحذمي ، وحفص بن عمر الحوضي ، ومسدد بن مسرهد ، وعثمان بن الهيثم المؤذن ، وأبا معمر المقعد ، وعلي بن المديني ، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ، ومحمد بن سلام الجمحي ، وأخاه عبد الرحمن بن سلام ، وعبد الرحمن بن المبارك العيشي ، وخلقا كثيرا ، وتفرد بالرواية عن أكثر هؤلاء ، ولقد كتب حتى روى عن أبي القاسم الطبراني تلميذه .

وكان ثقة صادقا مأمونا ، أديبا فصيحا مفوها ، رحل إليه من الآفاق ، وعاش مائة عام سوى أشهر .

حدث عنه : أبو عوانة في " صحيحه " ، وأبو بكر الصولي ، وأبو حاتم بن حبان ، وأبو علي النيسابوري ، وأبو القاسم الطبراني ، وأبو أحمد بن عدي وأبو بكر الإسماعيلي ، وأبو بكر الجعابي ، وأحمد بن الحسين العكبري ، وأبو الشيخ ، وأبو أحمد الغطريفي ، وعبد الله بن مظاهر ، وأبو محمد بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي وأبو إسحاق بن حمزة الأصبهاني ، وعمر بن جعفر البصري ، وأبو بكر أحمد بن محمد بن السني ، وإبراهيم بن أحمد الميمذي ، وعلي بن عبد الملك بن دهثم الطرسوسي ، ومحمد بن سعيد الإصطخري ، وإبراهيم بن محمد الأبيوردي ، نزيل مكة ، شيخ لحقه أبو عمر الطلمنكي وسهل بن أحمد الديباجي ، وأحمد بن [ ص: 9 ] محمد بن العباس البصري ، وغيرهم .

قال أبو الحسين بن المحاملي : أخبرنا علي بن أحمد بن أبي خليفة : سمعت أبي يقول : حضرنا يوما عند خليل أمير البصرة ، فجرى بينه وبين أبي خليفة كلام ، فقال له : من أنت أيها المتكلم ؟ فقال : أيها الأمير ، ما مثلك من جهل مثلي ! أنا أبو خليفة الفضل بن الحباب ، أفهل يخفى القمر ؟! فاعتذر إليه ، وقضى حاجته ، ولما خرج سألوه ، فقال : ما كان إلا خيرا ، أحضرني مأدبته ، فأبط ، وأدج ، وأفرخ ، وفولج لوذج ، ثم أتاني بالشراب ، فقلت : معاذ الله ، فعاهدني أن آتي مأدبته كل يوم . فكان إنسان يأتي كل يوم ، فيحمله إلى الأمير .

قال الصولي : كنت أقرأ على أبي خليفة كتاب : " طبقات الشعراء " وغير ذلك ، قال : فواعدنا يوما وقال : لا تخلفوني ; فإني أتخذ لكم خبيصة ، فتأخرت لشغل عرض لي ، ثم جئت والهاشميون عنده ، فلم يعرفني الغلام ، وحجبني ، فكتبت إليه :

أبا خليفة تجفو من له أدب وتؤثر الغر من أولاد عباس     وأنت رأس الورى في كل مكرمة
وفي العلوم ، وما الأذناب كالراس     ما كان قدر خبيص لو أذنت لنا
فيه فيختلط الأشراف بالناس

فلما قرأها صاح على الغلام ، ثم دخلت ، فقال : أسأت إلينا بتغيبك ، فظلمتنا في تعتبك ; وإنما عقد المجلس بك ، ونحن فيما فاتنا بتأخرك كما أنشدني التوزي لمن طلق امرأته ، ثم ندم ، فتزوجت رجلا ، [ ص: 10 ] فمات حين دخل بها ، فتزوجها الأول ، فقال :

فعادت لنا كالشمس بعد ظلامها     على خير أحوال كأن لم تطلق

ثم صاح : يا غلام ، أعد لنا مثل طعامنا . فأقمنا عنده يومنا .

قال أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني - ابن أخت أبي عوانة سمعت أبي يقول لأبي علي النيسابوري الحافظ : دخلت أنا وأبو عوانة البصرة ، فقيل : إن أبا خليفة قد هجر ، ويدعى عليه أنه قال : القرآن مخلوق . فقال لي أبو عوانة : يا بني ، لا بد أن ندخل عليه . قال : فقال له أبو عوانة : ما تقول في القرآن ؟ فاحمر وجهه وسكت ، ثم قال : القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال : مخلوق ، فهو كافر ، وأنا تائب إلى الله من كل ذنب إلا الكذب ; فإني لم أكذب قط ، أستغفر الله . قال : فقام أبو علي إلى أبي فقبل رأسه ، ثم قال أبي : قام أبو عوانة إلى أبي خليفة ، فقبل كتفه . .

توفي أبو خليفة في شهر ربيع الآخر ، أو في الذي يليه ، سنة خمس وثلاث مائة بالبصرة .

أخبرنا الإمام شمس الدين ابن قدامة وغيره إجازة ، قالوا : أخبرنا عمر بن محمد ، أخبرنا أبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك ، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي ، قالا : أخبرنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الشافعي ، حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن الغطريف ، سنة إحدى وسبعين وثلاث مائة ، حدثنا أبو خليفة ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، عن همام وشعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " العائد في هبته كالعائد في قيئه " .

[ ص: 11 ] وبه : حدثنا أبو خليفة ، حدثنا عثمان بن الهيثم ، حدثنا عوف ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " لو كان العلم معلقا بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس " .

التالي السابق


الخدمات العلمية