صفحة جزء
صالح بن محمد

ابن عمرو بن حبيب بن حسان بن المنذر بن أبي الأشرس ، واسم أبي [ ص: 24 ] الأشرس : عمار ، مولى لبني أسد بن خزيمة . الإمام الحافظ الكبير الحجة ، محدث المشرق أبو علي الأسدي البغدادي ، الملقب جزرة -بجيم وزاي-نزيل بخارى .

مولده سنة خمس ومائتين ببغداد .

وسمع سعيد بن سليمان سعدويه ، وخالد بن خداش ، وعلي بن الجعد ، وعبيد الله بن محمد العيشي ، وعبد الله بن محمد بن أسماء ، وأبا نصر التمار ، ويحيى بن عبد الحميد الحماني ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وهدبة بن خالد ، ومنجاب بن الحارث ، وأبا خيثمة ، والأزرق بن علي ، وخلف بن هشام البزار ، وهشام بن عمار ، وطبقتهم بالحرمين ، والشام ، والعراق ، ومصر ، وبخراسان ، وما وراء النهر .

وجمع وصنف ، وبرع في هذا الشأن .

حدث عنه : مسلم بن الحجاج خارج " الصحيح " ، وهو أكبر منه بقليل ، وأحمد بن علي بن الجارود الأصبهاني ، وأبو النضر محمد بن محمد الفقيه ، وخلف بن محمد الخيام ، وأبو أحمد علي بن محمد الحبيبي ، وبكر بن محمد بن حمدان الصيرفي ، والهيثم بن كليب الشاشي ، وأحمد بن سهل ، ومحمد بن محمد بن صابر ، وخلق سواهم .

واستوطن بخارى من سنة ست وستين ومائتين ، وملكه أمير بخارى بالإحسان والاحترام .

قال الدارقطني : هو من ولد حبيب بن أبي الأشرس ، أقام ببخارى ، وحديثه عندهم . قال : وكان ثقة حافظا غازيا .

وقال الحافظ أبو سعد الإدريسي : صالح بن محمد ، ما أعلم في عصره بالعراق وخراسان في الحفظ مثله ، دخل ما وراء النهر ، فحدث مدة [ ص: 25 ] من حفظه ، وما أعلم أخذ عليه مما حدث خطأ ، ورأيت أبا أحمد بن عديس يفخم أمره ويعظمه .

وقال محمد بن عبد الله الكتاني : سمعته يقول : أنا صالح بن محمد . فساق نسبه كما قدمنا ، وكذلك ساقه الخطيب وقال : حدث من حفظه دهرا طويلا ، ولم يكن استصحب معه كتابا ، وكان صدوقا ثبتا ، ذا مزاح ودعابة ، مشهورا بذلك .

وقال أبو حامد بن الشرقي : كان صالح بن محمد يقرأ على محمد بن يحيى في " الزهريات " ، فلما بلغ حديث عائشة : أنها كانت تسترقي من الخرزة . فقال : من الجزرة ، فلقب به . رواها الحاكم ، عن أبي زكريا العنبري ، عنه ، ثم قال أبو بكر الخطيب : هذا غلط ; لأنه لقب بجزرة في حداثته ، يعني قبل ارتحاله إلى محمد بن يحيى بزمان .

قال : فأخبرنا الماليني ، حدثنا ابن عدي ، سمعت محمد بن أحمد بن سعدان ، سمعت صالح بن محمد يقول : قدم علينا بعض الشيوخ من الشام ، وكان عنده حريز بن عثمان ، فقرأت عليه : حدثكم حريز بن عثمان قال : كان لأبي أمامة خرزة يرقي بها المريض . فقلت : جزرة ، فلقبت جزرة .

[ ص: 26 ] وقال أحمد بن سهل البخاري الفقيه : سمعت أبا علي وسئل : لم لقبت جزرة ؟ فقال : قدم عمر بن زرارة الحدثي بغداد ، فاجتمع عليه خلق ، فلما كان عند فراغ المجلس سئلت : من أين سمعت ؟ فقلت : من حديث الجزرة . فبقيت علي .

وقال خلف بن محمد الخيام : حدثنا سهل بن شاذويه ، أنه سمع الأمير خالد بن أحمد يسأل أبا علي : لم لقبت جزرة ؟ قال : قدم علينا عمر بن زرارة ، فحدثهم بحديث عن عبد الله بن بسر : أنه كان له خرزة للمريض ، فجئت وقد تقدم هذا الحديث ، فرأيت في كتاب بعضهم ، وصحت بالشيخ : يا أبا حفص ، يا أبا حفص ، كيف حديث عبد الله بن بسر : أنه كانت له جزرة يداوي بها المرضى ، فصاح المحدثون المجان ، فبقي علي حتى الساعة .

قلت : قد كان صالح صاحب دعابة ، ولا يغضب إذا واجهه أحد بهذا اللقب .

قال أبو بكر البرقاني : أخبرنا أبو حاتم بن أبي الفضل الهروي ، قال : كان صالح ربما يطنز كان ببخارى رجل حافظ يلقب بجمل ، فكان يمشي مع صالح بن محمد ، فاستقبلهما بعير عليه جزر . فقال : ما هذا يا أبا علي ؟ قال : أنا عليك . هذه حكاية منقطعة .

وروي الحاكم : أخبرنا بكر بن محمد الصيرفي : سمعت صالح بن محمد ، قال : كنت أساير الجمل الشاعر بمصر ، فاستقبلنا جمل عليه جزر . [ ص: 27 ] فقال : ما هذا يا أبا علي ؟ قلت : أنا عليك .

قال خلف الخيام : سمعت صالحا يقول : اختلفت إلى علي بن الجعد أربع سنين ، وكان لا يقرأ إلا ثلاثة أحاديث كل يوم ، أو كما قال ، وفي رواية : كان يحدث لكل إنسان بثلاثة أحاديث ، عن شعبة .

وعن جعفر الطستي : أنه سمع أبا مسلم الكجي يقول ، وذكر عنده صالح جزرة ، فقال : ما أهونه عليكم ، ألا تقولون : سيد المسلمين ! .

وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يقول لأبي زرعة : حفظ الله أخانا صالح بن محمد ، لا يزال يضحكنا شاهدا وغائبا ، كتب إلي يذكر أنه مات محمد بن يحيى الذهلي ، وجلس للتحديث شيخ يعرف بمحمد بن يزيد محمش ، فحدث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : " يا أبا عمير ، ما فعل البعير ؟ " .

وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : " لا تصحب الملائكة رفقة فيها خرس " فأحسن الله عزاءكم في الماضي ، وأعظم أجركم في الباقي .

[ ص: 28 ] وروى البرقاني عن أبي حاتم بن أبي الفضل الهروي ، قال : بلغني أن صالحا سمع بعض الشيوخ يقول : إن السين والصاد يتعاقبان ، فسأل بعض تلامذته عن كنيته ، فقال له : أبو صالح . قال : فقلت للشيخ : يا أبا سالح ، أسلحك الله ، هل يجوز أن تقرأ : ( نحن نقس عليك أحسن القسس ) ؟ فقال لي بعض تلامذته : تواجه الشيخ بهذا ؟ فقلت : فلا يكذب ، إنما تتعاقب السين والصاد في مواضع .

وروي عن صالح بن محمد ، قال : الأحول في البيت مبارك ، يرى الشيء شيئين .

قال بكر بن محمد الصيرفي : سمعت صالحا يقول : كان عبد الله بن عمر بن أبان يمتحن أصحاب الحديث ، وكان غاليا في التشيع ، فقال لي : من حفر بئر زمزم ؟ قلت : معاوية . قال : فمن نقل ترابها ؟ قلت : عمرو بن العاص . فصاح في وقام .

قال أبو النضر الفقيه : كنا نسمع من صالح بن محمد وهو عليل ، فبدت عورته ، فأشار إليه بعضنا بأن يتغطى ، فقال : رأيته ؟ لا ترمد أبدا .

قال أبو أحمد علي بن محمد : سمعت صالح بن محمد يقول : كان هشام بن عمار يأخذ على الحديث ، ولا يحدث ما لم يأخذ ، فدخلت عليه يوما ، فقال : يا أبا علي ، حدثني . فقلت : حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال : علم مجانا كما علمت مجانا ، فقال : تعرض بي ؟ فقلت : لا ، بل قصدتك .

قال الحاكم : سمعت أبا النضر الطوسي يقول : مرض صالح [ ص: 29 ] جزرة ، فكان الأطباء يختلفون إليه ، فلما أعياه الأمر ، أخذ العسل والشونيز فزادت حماه ، فدخلوا عليه وهو يرتعد ويقول : بأبي أنت يا رسول الله ، ما كان أقل بصرك بالطب .

قلت : هذا مزاح لا يجوز مع سيد الخلق ; بل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلم الناس بالطب النبوي ، الذي ثبت أنه قاله على الوجه الذي قصده ، فإنه قاله بوحي فإن الله لم ينزل داء ، إلا وأنزل له دواء فعلم رسوله ما أخبر الأمة به ، ولعل صالحا قال هذه الكلمة من الهجر في حال غلبة الرعدة ، فما وعى ما يقول ، أو لعله تاب منها ، والله يعفو عنه .

قال علي بن محمد المروزي : حدثنا صالح بن محمد : سمعت عباد بن يعقوب يقول : الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنة . قلت : ويلك ! ولم ؟ قال : لأنهما قاتلا عليا بعد أن بايعاه .

قال ابن عدي بلغني أن صالح بن محمد وقف خلف الشيخ أبي الحسين عبد الله بن محمد السمناني ، وهو يحدث عن بركة الحلبي بتلك الأحاديث ، فقال : يا أبا الحسين ، ليس ذا بركة ، ذا نقمة .

[ ص: 30 ] قلت : كان بركة يتهم بالكذب .

قال الحاكم : أخبرنا أحمد بن سهل الفقيه : سمعت أبا علي يقول : كان بالبصرة أبو موسى الزمن ، في عقله شيء ، فكان يقول : حدثنا عبد الوهاب - أعني ابن عبد الحميد - حدثنا أيوب -يعني السختياني . فدخل عليه أبو زرعة ، فسأله عن حديث ، فقال : حدثنا حجاج . فقلت : يعني ابن منهال . فقال أبو زرعة : أي شيء تعذب المسكين ؟ وقال : كنا في مجلس أبي علي ، فلما قام ، قال له رجل من المجلس : يا شيخ ، ما اسمك ؟ قال : واثلة بن الأسقع . فكتب الرجل : حدثنا واثلة بن الأسقع .

قال أبو الفضل بن إسحاق : كنت عند صالح بن محمد ، ودخل عليه رجل من الرستاق ، فأخذ يسأله عن أحوال الشيوخ ، ويكتب جوابه ، فقال : ما تقول في سفيان الثوري ؟ فقال : ليس بثقة . فكتب الرجل ذلك ، فلمته ، فقال لي : ما أعجبك ! من يسأل عن مثل سفيان لا تبال حكى عنك أو لم يحك .

قال أحمد بن سهل : كنت مع صالح بن محمد جالسا على باب داره ، إذ أقبل ابنه ، عن يمينه رجل أقصر منه ، وعن يساره صبي ، فقال لي صالح : يا أبا نصر ، تبت ؟ .

[ ص: 31 ] ويقال : كان ولد صالح مغفلا ، فقال صالح : سألت الله أن يرزقني ولدا ، فرزقني جملا .

قال أبو عبد الله الحاكم في " تاريخه " : صالح بن محمد ، أبو علي ، أحد أركان الحفظ ، سمع سعيد بن سليمان الواسطي . قلت : هذا سعدويه ، وهو أقدم شيخ له . ثم سمى له الحاكم علي بن الجعد وجماعة ، وقال : فهؤلاء من أتباع التابعين ، ورحلته الدنيا بأسرها . كتب من مصر إلى سمرقند .

ورد نيسابور سنة ثلاث وخمسين ومائتين ، فاستوطنها مدة ، فلما توفي الذهلي كان في نفسه من أحاديث يسمعها من محمد بن عبد الله بن قهزاذ ، فرحل إليه ، فذكر له بمرو أحاديث عن عمر بن محمد البخاري أفراد ، فخرج إليه . قال : فثبطه الأمير إسماعيل بن أحمد ببخارى ، وأقبل عليه ، فتأهل وولد له . ومات بها في آخر سنة ثلاث وتسعين ومائتين .

وسمعت محمد بن العباس الضبي ، سمعت بكر بن محمد الصيرفي ، سمعت أبا علي صالح بن محمد قال : دخلت مصر فإذا حلقة ضخمة ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : صاحب نحو . فقربت منه ، فسمعته يقول : ما كان بصاد ، جاز بالسين . فدخلت بين الناس وقلت : صلام عليكم يا أبا سالح ، سليتم بعد ؟ فقال لي : يارقيع ، أي كلام هذا ؟ قلت : هذا من قولك الآن . قال : أظنك من عياري بغداد . قلت : هو ما ترى .

قال ابن عدي : سمعت عصمة بن بجماك ، سمعت صالح بن محمد جزرة يقول : حضرت مجلس أحمد بن صالح ، فقال : حرج على كل مبتدع وماجن أن يحضر مجلسي . فقلت : أما الماجن فأنا هو - وكان يقال له : صالح الماجن - قد حضر مجلسك .

[ ص: 32 ] ثم إن الحاكم مد النفس في ترجمة صالح بالغرائب والسؤالات ، وحدث عن جماعة كثيرة سمعوا من صالح بن محمد ، آخرهم وفاة أبو عمرو محمد بن محمد بن صابر ، بقي إلى سنة نيف وسبعين وثلاث مائة ببخارى ، وكانت وفاة صالح في ذي الحجة ، لثمان بقين منه ، سنة ثلاث وتسعين ومائتين وله تسع وثمانون سنة .

وفيها مات عمر بن حفص السدوسي .

ومحمد بن عبدوس بن كامل .

وعبدان بن محمد الفقيه بمرو .

وأبو بكر محمد بن جعفر بن أعين بمصر .

وسليمان بن المعافى بن سليمان ، توفي بالثغر .

وداود بن الحسين .

قرأت على أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران ، الفقيه سحنون بالثغر : أخبرنا عبد الرحمن بن عبد المجيد الصفراوي ، سنة إحدى وثلاثين وست مائة ، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي ، أخبرنا القاضي ، أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني ، سنة إحدى وخمس مائة ، أخبرنا عبد الصمد بن أبي نصر العاصمي ببخارى ، أخبرنا أبو عمرو محمد بن محمد إملاء ، حدثنا أبو علي صالح بن محمد البغدادي ، حدثنا سريج بن يونس أبو الحارث ، حدثنا سلم بن قتيبة ، أخبرنا عبد الله بن المثنى ، عن عمه ثمامة بن أنس ، عن أنس بن مالك ، قال : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاث مرات ، لتفهم عنه أخرجه البخاري .

[ ص: 33 ] أخبرنا عيسى بن أبي محمد ، أخبرنا جعفر ، أخبرنا السلفي ، أخبرنا المبارك بن الطيوري ، سمعت الصوري ، سمعت أبا بكر بن نوح ، سمعت أبا أحمد العسال ، سمعت صالحا جزرة يقول : يحتاج المحدث أن يكتب مائة ألف ومائة ألف - فلم يزل يقول : ومائة ألف ويرفع رأسه إلى فوق ، حتى كادت قلنسوته أن تسقط - حديث بعلو ، ومائة ألف ومائة ألف - وجعل يخفض رأسه حتى عادت القلنسوة ، حديث بنزول ، حتى يقال : إنه صاحب حديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية