صفحة جزء
الحلاج

هو الحسين بن منصور بن محمي أبو عبد الله ، ويقال : أبو مغيث ، [ ص: 314 ] الفارسي البيضاوي الصوفي .

والبيضاء مدينة ببلاد فارس .

وكان جده محمي مجوسيا .

نشأ الحسين بتستر ، فصحب سهل بن عبد الله التستري ، وصحب ببغداد الجنيد ، وأبا الحسين النوري ، وصحب عمرو بن عثمان المكي . وأكثر الترحال والأسفار والمجاهدة .

وكان يصحح حاله أبو العباس بن عطاء ، ومحمد بن خفيف ، وإبراهيم أبو القاسم النصرآباذي .

وتبرأ منه سائر الصوفية والمشايخ والعلماء لما سترى من سوء سيرته ومروقه ، ومنهم من نسبه إلى الحلول ، ومنهم من نسبه إلى الزندقة ، وإلى الشعبذة والزوكرة ، وقد تستر به طائفة من ذوي الضلال والانحلال ، وانتحلوه ، وروجوا به على الجهال . نسأل الله العصمة في الدين .

أنبأني ابن علان وغيره : أن أبا اليمن الكندي أخبرهم ، قال : أخبرنا أبو منصور الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، حدثني مسعود بن ناصر [ ص: 315 ] السجزي ، حدثنا ابن باكويه ، أخبرني حمد بن الحلاج قال : مولد أبي بطور البيضاء ، ومنشؤه تستر ، وتلمذ لسهل سنتين ، ثم صعد إلى بغداد .

كان يلبس المسوح ، ووقتا يلبس الدراعة ، والعمامة والقباء ، ووقتا يمشي بخرقتين ، فأول ما سافر من تستر إلى البصرة كان له ثماني عشرة سنة ، ثم خرج إلى عمرو المكي ، فأقام معه ثمانية عشر شهرا ، ثم إلى الجنيد ، ثم وقع بينه وبين الجنيد لأجل مسألة ، ونسبه الجنيد إلى أنه مدع ، فاستوحش وأخذ والدتي ، ورجع إلى تستر ، فأقام سنة ، ووقع له القبول التام ، ولم يزل عمرو بن عثمان يكتب الكتب فيه بالعظائم حتى حرد أبي ورمى بثياب الصوفية ، ولبس قباء ، وأخذ في صحبة أبناء الدنيا .

ثم إنه خرج وغاب عنا خمس سنين ، بلغ إلى ما وراء النهر ، ثم رجع إلى فارس ، وأخذ يتكلم على الناس ، ويعمل المجلس ، ويدعو إلى الله تعالى ، وصنف لهم تصانيف ، وكان يتكلم على ما في قلوب الناس ، فسمي بذلك حلاج الأسرار ، ولقب به .

ثم قدم الأهواز وطلبني ، فحملت إليه ، ثم خرج إلى البصرة ، ثم خرج إلى مكة ولبس المرقعة ، وخرج معه خلق ، وحسده أبو يعقوب النهرجوري ، وتكلم فيه ، ثم جاء إلى الأهواز ، وحمل أمي وجماعة من كبار أهل الأهواز إلى بغداد ، فأقام بها سنة . ثم قصد إلى الهند وما وراء النهر ثانيا ، ودعا إلى الله ، وألف لهم كتبا ، ثم رجع ، فكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث ، ومن بلاد ماصين وتركستان بالمقيت ، ومن خراسان بأبي عبد الله الزاهد ، ومن خوزستان بالشيخ حلاج الأسرار .

[ ص: 316 ] وكان ببغداد قوم يسمونه المصطلم ، وبالبصرة المحير ، ثم كثرت الأقاويل عليه بعد رجوعه من هذه السفرة ، فقام وحج ثالثا ، وجاور سنتين ، ثم رجع وتغير عما كان عليه في الأول ، واقتنى العقار ببغداد ، وبني دارا ، ودعا الناس إلى معنى لم أقف عليه ، إلا على شطر منه ، ثم وقع بينه وبين الشبلي وغيره من مشايخ الصوفية ، فقيل : هو ساحر . وقيل : هو مجنون . وقيل : هو ذو كرامات ، حتى أخذه السلطان . انتهى كلام ولده .

وقال السلمي : إنما قيل له : الحلاج لأنه دخل واسطا إلى حلاج ، وبعثه في شغل ، فقال : أنا مشغول بصنعتي . فقال : اذهب أنت حتى أعينك . فلما رجع وجد كل قطن عنده محلوجا .

قال إبراهيم بن عمر بن حنظلة الواسطي السماك ، عن أبيه : قال : دخل الحسين بن منصور واسطا ، فاستقبله قطان ، فكلفه الحسين إصلاح شغله والرجل يتثاقل فيه ، فقال : اذهب فإني أعينك . فذهب ، فلما رجع رأى كل قطن عنده محلوجا مندوفا ، وكان أربعة وعشرين ألف رطل .

وقيل : بل لتكلمه على الأسرار .

وقيل : كان أبوه حلاجا .

وقال أبو نصر السراج : صحب الحلاج عمرو بن عثمان ، وسرق منه كتبا فيها شيء من علم التصوف ، فدعا عليه عمرو : اللهم اقطع يديه ورجليه .

قال ابن الوليد : كان المشايخ يستثقلون كلامه ، وينالون منه ; لأنه كان يأخذ نفسه بأشياء تخالف الشريعة ، وطريقة الزهاد ، وكان يدعي المحبة لله ، ويظهر منه ما يخالف دعواه .

قلت : ولا ريب أن اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- علم لمحبة الله ; لقوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم . [ ص: 317 ] أبو عبد الرحمن السلمي : أخبرنا محمد بن الحضرمي ، عن أبيه ، قال : كنت جالسا عند الجنيد ، إذ ورد شاب عليه خرقتان ، فسلم وجلس ساعة ، فأقبل عليه الجنيد ، فقال له : سل ما تريد أن تسأل . فقال له : ما الذي باين الخليقة عن رسوم الطبع ؟ فقال الجنيد له : أرى في كلامك فضولا ، لم لا تسأل عما في ضميرك من الخروج والتقدم على أبناء جنسك ؟ فأقبل الجنيد يتكلم ، وأخذ هو يعارضه ، إلى أن قال له الجنيد ، أي خشبة تفسدها ؟ يريد أنه يصلب .

قال السلمي : وسمعت أبا علي الهمذاني يقول : سألت إبراهيم بن شيبان عن الحلاج ، فقال : من أحب أن ينظر إلى ثمرات الدعاوى الفاسدة فلينظر إلى الحلاج وما صار إليه .

أبو عبد الله بن باكويه : حدثنا أبو الفوارس الجوزقاني : حدثنا إبراهيم بن شيبان ، قال : سلم أستاذي أبو عبد الله المغربي على عمرو بن عثمان ، فجاراه في مسألة ، فجرى في عرض الكلام أن قال : هاهنا شاب على جبل أبي قبيس . فلما خرجنا من عند عمرو صعدنا إليه ، وكان وقت الهاجرة ، فدخلنا عليه ، فإذا هو جالس في صحن الدار على صخرة في الشمس ، والعرق يسيل منه على الصخرة ، فلما نظر إليه المغربي رجع وأشار بيده : ارجع ؛ فنزلنا المسجد ، فقال لي أبو عبد الله : إن عشت ترى ما يلقى هذا ، قد قعد بحمقه يتصبر مع الله . فسألنا عنه ، فإذا هو الحلاج .

قال السلمي : حدثنا محمد بن عبد الله بن شاذان : سمعت محمد بن علي الكتاني يقول : دخل الحلاج مكة ، فجهدنا حتى أخذنا مرقعته ، فأخذنا منها قملة ، فوزناها ، فإذا فيها نصف دانق من شدة مجاهدته .

[ ص: 318 ] قلت : ابن شاذان متهم ، وقد سمعنا بكثرة القمل ، أما كبر القمل فما وقع ، ولو كان يقع لتداوله الناس .

قال علي بن المحسن التنوخي أخبرنا أبي : حدثني محمد بن عمر القاضي قال : حملني خالي معه إلى الحلاج ، فقال لخالي : قد عملت على الخروج من البصرة . قال : ولم ؟ قال : قد صيرني أهلها حديثا ، حتى إن رجلا حمل إلي دراهم وقال : اصرفها إلى الفقراء ، فلم يكن بحضرتي أحد ، فجعلتها تحت بارية ، فلما كان من غد احتف بي قوم من الفقراء ، فشلت البارية وأعطيتهم تلك الدراهم ، فشنعوا ، وقالوا : إني أضرب بيدي إلى التراب فيصير دراهم . وأخذ يعدد مثل هذا ، فقام خالي وقال : هذا متنمس .

التالي السابق


الخدمات العلمية