صفحة جزء
السراج

محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران ، الإمام الحافظ الثقة ، شيخ الإسلام ، محدث خراسان ، أبو العباس الثقفي مولاهم الخراساني [ ص: 389 ] النيسابوري ، صاحب المسند الكبير على الأبواب والتاريخ وغير ذلك ، وأخو إبراهيم المحدث وإسماعيل .

مولده في سنة ست عشرة ومائتين .

رأى يحيى بن يحيى التميمي ، ولم يسمعه . وسمع من إسحاق ، وقتيبة بن سعيد ، ومحمد بن بكار بن الريان ، وبشر بن الوليد الكندي ، وأبي معمر القطيعي ، وداود بن رشيد ، ومحمد بن حميد الرازي ، ومحمد بن الصباح الجرجرائي ، وعمرو بن زرارة ، وأبي همام السكوني ، وهناد بن السري ، وأبي كريب ، ومحمد بن أبان البلخي ، والحسن بن عيسى بن ماسرجس ، ومحمد بن عمرو زنيج ، وأحمد بن المقدام ، ومحمد بن رافع ، ومجاهد بن موسى ، وأحمد بن منيع ، وزياد بن أيوب ، ويعقوب الدورقي ، وسوار بن عبد الله ، وهارون الحمال ، وعقبة بن مكرم العمي ، وابن كرامة ، وعبد الجبار بن العلاء ، وعبد الله بن عمر بن أبان ، وأبي سعيد الأشج ، وعبد الله بن الجراح ، وأحمد بن سعيد الدارمي ، وعباد بن الوليد ، وخلق سواهم ، وينزل إلى أحمد بن محمد البرتي ، ومحمد بن إسماعيل الترمذي ، والحسن بن سلام .

وسكن بغداد مدة طويلة ، وحدث بها ، ثم رد إلى وطنه .

حدث عنه البخاري ومسلم بشيء يسير خارج الصحيحين ، وأبو حاتم الرازي أحد شيوخه ، وأبو بكر بن أبي الدنيا ، وعثمان بن السماك ، والحافظ أبو علي النيسابوري ، وأبو حاتم البستي ، وأبو أحمد بن عدي ، وأبو إسحاق المزكي ، وإبراهيم بن عبد الله الأصبهاني ، وأبو أحمد الحاكم ، وعبيد الله بن محمد الفامي ، وحسينك بن علي التميمي ، وأبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي ، وأبو بكر محمد بن محمد بن هانئ [ ص: 390 ] البزاز ، والخليل بن أحمد السجزي القاضي ، والقاضي يوسف بن القاسم الميانجي ، وعبد الله بن أحمد الصيرفي ، وسهل بن شاذويه البخاري ومات قبله .

وأبو العباس بن عقدة ، وأبو سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان ، ويحيى بن محمد العنبري ، وأبو بكر بن مهران المقرئ ، وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه ، وأبو الحسين أحمد بن محمد البحيري ، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن محفوظ العابد ، وبشر بن محمد بن محمد بن ياسين الباهلي ، والحسن بن أحمد بن محمد والد أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري ، والحافظ أبو علي الحسين بن محمد الماسرجسي ، وعبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني ، وأبو عمرو بن حمدان الحيري ، وأبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن خزيمة ، وأبو الحسين محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي ، ومحمد بن محمد بن سمعان الواعظ ، ويحيى بن إسماعيل المزكي - عرف بالحربي ، وخلق آخرهم موتا الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف القنطري - راوي بعض مسنده عنه .

قال الخطيب كان من الثقات الأثبات ، عني بالحديث ، وصنف كتبا كثيرة ، وهي معروفة .

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد بن عساكر قراءة عليه أنبأنا المفتي أبو بكر القاسم بن عبد الله بن عمر النيسابوري ابن الصفار ، أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر الشحامي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، ويعقوب بن أحمد الصيرفي ، وأحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي قالوا : أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف ، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، حدثنا [ ص: 391 ] إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا عبد الأعلى ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي قال : سألت علقمة : هل كان عبد الله بن مسعود شهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن ؟ فقال : لا ، وكنا معه ليلة ففقدناه ، فبتنا بشر ليلة ، فلما أصبحنا إذا هو جاء من حراء ، فقال : إنه أتاني داعي الجن ، فذهبت معه ، فقرأت عليهم القرآن . فانطلق بنا حتى أرانا آثارهم ونيرانهم ، فسألوه عن الزاد ، فقال : لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه ، يقع في يد أحدكم أوفر ما يكون لحما ، وكل بعرة علف لدوابكم . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا تستنجوا بهما ، فإنهما طعام إخوانكم من الجن .

هذا حديث صحيح عال أخرجه مسلم ، وأبو داود ، وأبو عيسى ، والنسائي ، من حديث عبد الله بن إدريس ، وابن علية ، وجماعة سمعوه من داود بن أبي هند ، وفي روايتنا اختصار ، وصوابه : فقال ابن مسعود : كنا معه .

ويقع حديث السراج عاليا بالاتصال لابن البخاري .

أنبأنا المسلم بن علان ، والمؤمل بن محمد ، أخبرنا الكندي ، أخبرنا الشيباني ، أخبرنا الخطيب ، أخبرنا أبو سعد الماليني ، أخبرنا أحمد بن أبي عمران ، أخبرنا علي بن الحسن بن خالد المروزي ، أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري ، أخبرنا محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا أخي إبراهيم ، حدثنا محمد بن أبان ، حدثنا جرير بن حازم عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " من أتى الجمعة فليغتسل " .

[ ص: 392 ] قال أبو بكر بن جعفر المزكي : سمعت السراج يقول : نظر محمد بن إسماعيل البخاري في التاريخ لي ، وكتب منه بخطه أطباقا ، وقرأتها عليه .

وروي عن أبي العباس السراج : أنه أشار إلى كتب له فقال : هذه سبعون ألف مسألة لمالك ، ما نفضت عنها الغبار مذ كتبتها .

قال أبو الوليد حسان بن محمد : دخل أبو العباس السراج على أبي عمرو الخفاف فقال له : يا أبا العباس ، من أين جمعت هذا المال ؟ قال : بغيبة دهر أنا وأخواي إبراهيم وإسماعيل ، غاب أخي إبراهيم أربعين سنة ، وغاب أخي إسماعيل أربعين سنة ، وغبت أنا مقيما ببغداد أربعين سنة ، أكلنا الجشب ولبسنا الخشن ، فاجتمع هذا المال ، لكن أنت يا أبا عمرو ، من أين جمعت هذا المال ؟ -وكان لأبي عمرو مال عظيم- ثم قال متمثلا :

أتذكر إذ لحافك جلد شاة وإذ نعلاك من جلد البعير     فسبحان الذي أعطاك ملكا
وعلمك الجلوس على السرير

قال أبو العباس بن حمدان شيخ خوارزم : سمعت السراج يقول : [ ص: 393 ] رأيت في المنام كأني أرقى في سلم طويل ، فصعدت تسعا وتسعين درجة ، فكل من أقصها عليه يقول : تعيش تسعا وتسعين سنة . قال ابن حمدان : فكان كذلك .

قلت : بل بلغ سبعا أو خمسا وتسعين سنة ، فقد قال أبو إسحاق المزكي عنه : ولدت سنة ثماني عشرة ومائتين وختمت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اثني عشر ألف ختمة ، وضحيت عنه اثني عشر ألف أضحية .

قلت : دليله حديث شريك ، عن أبي الحسناء ، عن الحكم ، عن حنش قال : رأيت عليا -رضي الله عنه- يضحي بكبشين ، فقلت له : ما هذا ؟ قال : أوصاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أضحي عنه زاد الترمذي : واحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وواحد عن نفسه .

أخبرنا المسلم بن علان ، والمؤمل بن محمد كتابة قالا : أخبرنا الكندي ، أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب ، أخبرنا رضوان بن محمد بالدينور ، أخبرنا حمد بن عبد الله الأصبهاني ، حدثنا أبو العباس بن أحمد الأردستاني ، حدثنا أبو حاتم الرازي ، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي : سمعت أحمد بن سعيد الدارمي يقول : عادني محمد بن كثير الصنعاني فقال : أقالك الله عثرتك ، ورفع جنتك ، وفرغك لعبادة ربك .

بلغنا أنه قيل لأبي العباس السراج ، وهو يكتب في كهولته عن يحيى بن أبي طالب : إلى كم هذا ؟ فقال : أما علمت أن صاحب الحديث لا يصبر ؟ !

[ ص: 394 ] قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : أبو العباس السراج صدوق ثقة .

وقال أبو إسحاق المزكي : كان السراج مجاب الدعوة .

قال محمد بن أحمد الدقاق : رأيت السراج يضحي كل أسبوع أو أسبوعين أضحية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ثم يصيح بأصحاب الحديث ، فيأكلون .

وكان أبو سهل الصعلوكي يقول : حدثنا أبو العباس السراج ، الأوحد في فنه ، الأكمل في وزنه .

قال الحافظ أبو علي بن الأخرم الشيباني : استعان بي السراج في التخريج على " صحيح مسلم " ، فكنت أتحير من كثرة الحديث الذي عنده ، وحسن أصوله ، وكان إذا وجد حديثا عاليا يقول : لا بد أن تكتبه . فأقول : ليس من شرط صاحبنا ، فيقول : فشفعني في هذا الحديث الواحد .

قال إسماعيل بن نجيد : رأيت أبا العباس السراج يركب حماره ، وعباس المستملي بين يديه ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، يقول : يا عباس ، غير كذا ، اكسر كذا :

قال أبو عبد الله الحاكم : سمعت أبي يقول : لما ورد الزعفراني ، وأظهر خلق القرآن ، سمعت السراج يقول : العنوا الزعفراني . فيضج الناس بلعنته . فنزح إلى بخارى .

قال الصعلوكي : كنا نقول : السراج كالسراج .

قال الحاكم : أخبرنا أبو أحمد بن أبي الحسن : أرسلني ابن خزيمة إلى السراج ، فقال : قل له : أمسك عن ذكر أبي خليفة وأصحابه ، فإن [ ص: 395 ] أهل البلد قد شوشوا . فأديت الرسالة ، فزبرني .

قال الحاكم : وسمعت أبا سعيد بن أبي بكر يقول : لما وقع من أمر الكلابية ما وقع بنيسابور ، كان أبو العباس السراج ، يمتحن أولاد الناس ، فلا يحدث أولاد الكلابية ، فأقامني في المجلس مرة ، فقال : قل : أنا أبرأ إلى الله -تعالى- من الكلابية . فقلت : إن قلت هذا لا يطعمني أبي الخبز ، فضحك وقال : دعوا هذا .

أبو زكريا العنبري : سمعت أبا عمرو الخفاف يقول لأبي العباس السراج : لو دخلت على الأمير ونصحته . قال : فجاء وعنده أبو عمرو ، فقال أبو عمرو : هذا شيخنا وأكبرنا ، وقد حضر ينتفع الأمير بكلامه . فقال السراج : أيها الأمير ، إن الإقامة كانت فرادى ، وهي كذلك بالحرمين ، وهي في جامعنا مثنى مثنى ، وإن الدين خرج من الحرمين . قال : فخجل الأمير وأبو عمرو والجماعة ، إذ كانوا قصدوا في أمر البلد ، فلما خرج عاتبوه ، فقال : استحييت من الله أن أسأل أمر الدنيا ، وأدع أمر الدين .

قال أبو الوليد حسان بن محمد : سمعت أبا العباس السراج يقول : واأسفى على بغداد ! فقيل له : ما حملك على فراقها ؟ قال : أقام بها أخي إسماعيل خمسين سنة ، فلما توفي ورفعت جنازته سمعت رجلا على باب [ ص: 396 ] الدرب يقول لآخر : من هذا الميت ؟ قال : غريب كان هاهنا . فقلت : إنا لله ، بعد طول مقام أخي بها واشتهاره بالعلم والتجارة يقال له : غريب كان هنا . فحملتني هذه الكلمة على الانصراف إلى الوطن .

قلت : كان أخوه إسماعيل السراج ثقة ، عالما ، مختصا بأحمد بن حنبل ، يروي عن يحيى بن يحيى وجماعة . روى عنه : إسماعيل الخطبي وابن قانع ، وطائفة .

أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه : أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك ، أخبرنا أبو روح بهراة ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف ، حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال : من لم يقر بأن الله تعالى يعجب ، ويضحك وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ، فيقول : من يسألني فأعطيه ، فهو زنديق كافر ، يستتاب ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه ، ولا يصلى عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين .

قلت : لا يكفر إلا إن علم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قاله ، فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند ، نسأل الله الهدى .

وإن اعترف أن هذا حق ، ولكن لا أخوض في معانيه ، فقد أحسن ، وإن آمن وأول ذلك كله ، أو تأول [ ص: 397 ] بعضه ، فهو طريقة معروفة .

وقد كان السراج ذا ثروة وتجارة ، وبر ومعروف ، وله تعبد وتهجد ، إلا أنه كان منافرا للفقهاء أصحاب الرأي ، والله يغفر له .

قال الحاكم : سمعت أبا سعيد المقرئ ، سمعت السراج يقول عند حركاته إذا قام أو قعد : يا بغداد ، واأسفى عليك ، متى يقضى لي الرجوع إليك .

نقل الحاكم وغيره : أن أبا العباس السراج مات في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة بنيسابور .

أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي ، وأحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء قراءة ، عن عبد المعز بن محمد البزاز ، أخبرنا محمد بن إسماعيل الفضيلي ، أخبرنا سعيد بن أبي سعيد العيار ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد ، أخبرنا أبو العباس السراج ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، أخبرنا الليث . عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة أنه قال : " قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت ، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن ميراثها لبنيها وزوجها ، وأن العقل على عصبتها " أخرجه البخاري ، [ ص: 398 ] ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي والنسائي ، عن قتيبة .

وقال أبو يعلى الخليلي في " إرشاده " : محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران بن عبد الله بن العباس الثقفي ثقة متفق عليه من شرط الصحيح ، سمع حتى كتب عن الأقران ، ومن هو أصغر منه سنا ، لعلمه وتبحره ، سمعت أنه كتب عن ألف وخمسمائة وزيادة .

سمع منه البخاري ، وأبو حاتم ، والحسن بن سفيان ، وابن خزيمة .

ومات مع السراج الثقة أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق ، ومسند نيسابور أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي ، والعلامة أبو القاسم ثابت بن حزم بن مطرف السرقسطي اللغوي ، ومحدث الكوفة أبو محمد عبد الله بن زيدان بن بريد البجلي العابد ، وأبو عمر عبد الله بن عثمان العثماني - صاحب ابن المديني ، والفقيه أبو الحسن علي بن محمد بن بشار البغدادي الزاهد ، والمحدث أبو جعفر محمد بن أحمد بن أبي عون النسوي ، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي ، وأبو لبيد محمد بن إدريس بن إياس السامي السرخسي ، والحافظ أبو قريش محمد بن جمعة القهستاني ، والقاضي أبو عبيد الله محمد بن عبدة بن حرب وليس بثقة ، وإمام جامع واسط يوسف بن يعقوب الواسطي .

التالي السابق


الخدمات العلمية